وَسُئِلَ أَحْمَد ابْنُ تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ يَزُورُ الْقُبُورَ وَيَسْتَنْجِدُ بِالْمَقْبُورِ فِي مَرَضٍ بِهِ أَوْ بِفَرَسِهِ أَوْ بِعِيرِهِ : يَطْلُبُ إزَالَةَ الْمَرَضِ الَّذِي بِهِمْ وَيَقُولُ : يَا سَيِّدِي أَنَا فِي جِيرَتِك أَنَا فِي حَسْبِك فُلَانٌ ظَلَمَنِي فُلَانٌ قَصَدَ أَذِيَّتِي وَيَقُولُ : إنَّ الْمَقْبُورَ يَكُونُ وَاسِطَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيمَنْ يَنْذِرُ لِلْمَسَاجِدِ وَالزَّوَايَا وَالْمَشَايِخِ - حَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ - الدَّرَاهِمَ وَالْإِبِلَ وَالْغَنَمَ وَالشَّمْعَ وَالزَّيْتَ وَغَيْرَ ذَلِكَ يَقُولُ : إنْ سَلِمَ وَلَدِي فَلِلشَّيْخِ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا وَأَمْثَالُ ذَلِكَ . وَفِيمَنْ يَسْتَغِيثُ بِشَيْخِهِ يَطْلُبُ تَثْبِيتَ قَلْبِهِ مِنْ ذَاكَ الْوَاقِعِ ؟ وَفِيمَنْ يَجِيءُ إلَى شَيْخِهِ وَيَسْتَلِمُ الْقَبْرَ وَيُمَرِّغُ وَجْهَهُ عَلَيْهِ وَيَمْسَحُ الْقَبْرَ بِيَدَيْهِ وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ ؟ وَفِيمَنْ يَقْصِدُهُ بِحَاجَتِهِ وَيَقُولُ : يَا فُلَانٌ بِبَرَكَتِك أَوْ يَقُولُ : قُضِيَتْ حَاجَتِي بِبَرَكَةِ اللَّهِ وَبَرَكَةِ الشَّيْخِ ؟ وَفِيمَنْ يُعْمِلُ السَّمَاعَ وَيَجِيءُ إلَى الْقَبْرِ فَيَكْشِفُ وَيَحُطُّ وَجْهَهُ بَيْنَ يَدَيْ شَيْخِهِ عَلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا . وَفِيمَنْ قَالَ : إنَّ ثَمَّ قُطْبًا غَوْثًا جَامِعًا فِي الْوُجُودِ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ وَابْسُطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ .
وَأَمَّا سُؤَالُ السَّائِلِ عَنْ " الْقُطْبِ الْغَوْثِ الْفَرْدِ الْجَامِعِ " . فَهَذَا قَدْ يَقُولُهُ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ وَيُفَسِّرُونَهُ بِأُمُورِ بَاطِلَةٍ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ : مِثْلُ تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ : أَنَّ " الْغَوْثَ " هُوَ الَّذِي يَكُونُ مَدَدُ الْخَلَائِقِ بِوَاسِطَتِهِ فِي نَصْرِهِمْ وَرِزْقِهِمْ حَتَّى يَقُولَ : إنَّ مَدَدَ الْمَلَائِكَةِ وَحِيتَانِ الْبَحْرِ بِوَاسِطَتِهِ . فَهَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْغَالِيَةِ فِي عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَهَذَا كُفْرٌ صَرِيحٌ يُسْتَتَابُ مِنْهُ صَاحِبُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ لَا مَلَكٌ وَلَا بَشَرٌ يَكُونُ إمْدَادُ الْخَلَائِقِ بِوَاسِطَتِهِ وَلِهَذَا كَانَ مَا يَقُولُهُ الْفَلَاسِفَةُ فِي " الْعُقُولِ الْعَشْرَةِ " الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ وَمَا يَقُولُهُ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ وَنَحْوَ ذَلِكَ كُفْرٌ صَرِيحٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَكَذَلِكَ عَنَى بِالْغَوْثِ مَا يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ فِي الْأَرْضِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا يُسَمُّونَهُمْ " النُّجَبَاءَ " فَيُنْتَقَى مِنْهُمْ سَبْعُونَ هُمْ " النُّقَبَاءُ " وَمِنْهُمْ أَرْبَعُونَ هُمْ " الْأَبْدَالُ " وَمِنْهُمْ سَبْعَةٌ هُمْ " الْأَقْطَابُ " وَمِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ هُمْ " الْأَوْتَادُ " وَمِنْهُمْ وَاحِدٌ هُوَ " الْغَوْثُ " وَأَنَّهُ مُقِيمٌ بِمَكَّةَ وَأَنَّ أَهْلَ الْأَرْضِ إذَا نَابَهُمْ نَائِبَةٌ فِي رِزْقِهِمْ وَنَصْرِهِمْ فَزِعُوا إلَى الثَّلَاثِمِائَةِ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا وَأُولَئِكَ يَفْزَعُونَ إلَى السَّبْعِينَ وَالسَّبْعُونَ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَالْأَرْبَعُونَ إلَى السَّبْعَةِ وَالسَّبْعَةُ إلَى الْأَرْبَعَةِ وَالْأَرْبَعَةُ إلَى الْوَاحِدِ . وَبَعْضُهُمْ قَدْ يَزِيدُ فِي هَذَا وَيُنْقِصُ فِي الْأَعْدَادِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْمَرَاتِبِ ; فَإِنَّ لَهُمْ فِيهَا مَقَالَاتٍ مُتَعَدِّدَةً حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ عَلَى الْكَعْبَةِ وَرَقَةٌ خَضْرَاءُ بِاسْمِ غَوْثِ الْوَقْتِ وَاسْمِ خَضِرِهِ - عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْهُمْ : إنَّ الْخَضِرَ هُوَ مَرْتَبَةٌ وَإِنَّ لِكُلِّ زَمَانٍ خَضِرًا فَإِنَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ - وَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ وَلَا قَالَهُ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَلَا أَئِمَّتِهَا وَلَا مِنْ الْمَشَايِخِ الْكِبَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ الَّذِينَ يَصْلُحُونَ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا خَيْرَ الْخَلْقِ فِي زَمَنِهِمْ وَكَانُوا بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يَكُونُوا بِمَكَّةَ . وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ حَدِيثًا فِي " هِلَالٍ غُلَامِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَأَنَّهُ أَحَدُ السَّبْعَةِ . وَالْحَدِيثُ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى بَعْضَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " حِلْيَة الْأَوْلِيَاءِ " وَالشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السلمي فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ فَلَا تَغْتَرَّ بِذَلِكَ . فَإِنَّ فِيهِ الصَّحِيحَ وَالْحَسَنَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَوْضُوعَ وَالْمَكْذُوبَ الَّذِي لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ . وَتَارَةً يَرْوِيهِ عَلَى عَادَةِ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ يَرْوُونَ مَا سَمِعُوا وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ صَحِيحِهِ وَبَاطِلِهِ وَكَانَ أَهْلُ الْحَدِيثِ لَا يَرْوُونَ مِثْلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ ; لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ } . وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ أَنَّ مَا يَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ النَّوَازِلِ فِي الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ : مِثْلُ دُعَائِهِمْ عِنْدَ الِاسْتِسْقَاءِ لِنُزُولِ الرِّزْقِ وَدُعَائِهِمْ عِنْدَ الْكُسُوفِ وَالِاعْتِدَادِ لِرَفْعِ الْبَلَاءِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ إنَّمَا يَدْعُونَ فِي ذَلِكَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَا يُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ قَطُّ أَنْ يَرْجِعُوا بِحَوَائِجِهِمْ إلَى غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ; بَلْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ يَدْعُونَهُ بِلَا وَاسِطَةٍ فَيُجِيبُهُمْ اللَّهُ أَفَتَرَاهُمْ بَعْدَ التَّوْحِيدِ وَالْإِسْلَامِ لَا يُجِيبُ دُعَاءَهُمْ إلَّا بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ الَّتِي مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ؟ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إلَى ضُرٍّ مَسَّهُ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلَّا إيَّاهُ } وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } { بَلْ إيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إلَيْهِ إنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } وَقَالَ { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } { فَلَوْلَا إذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى لِأَصْحَابِهِ بِصَلَاةِ وَبِغَيْرِ صَلَاةٍ وَصَلَّى بِهِمْ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَصَلَاةَ الْكُسُوفِ وَكَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاتِهِ فَيَسْتَنْصِرُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ أَئِمَّةُ الدِّينِ وَمَشَايِخُ الْمُسْلِمِينَ وَمَا زَالُوا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ . وَلِهَذَا يُقَالُ : ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ مَا لَهَا مِنْ أَصْلٍ ( بَابُ النصيرية و ( مُنْتَظَرُ الرَّافِضَةِ و ( غَوْثُ الْجُهَّالِ : فَإِنَّ النصيرية تَدَّعِي فِي الْبَابِ الَّذِي لَهُمْ مَا هُوَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ أَنَّهُ الَّذِي يُقِيمُ الْعَالَمَ فَذَاكَ شَخْصُهُ مَوْجُودٌ ; وَلَكِنَّ دَعْوَى النصيرية فِيهِ بَاطِلَةٌ . وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُنْتَظَرُ وَالْغَوْثُ الْمُقِيمُ بِمَكَّةَ وَنَحْوُ هَذَا : فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لَيْسَ لَهُ وُجُودٌ . وَكَذَلِكَ مَا يَزْعُمُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْقُطْبَ الْغَوْثَ الْجَامِعَ يَمُدُّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَيَعْرِفُهُمْ كُلَّهُمْ وَنَحْوَ هَذَا ; فَهَذَا بَاطِلٌ . فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمْ يَكُونَا يَعْرِفَانِ جَمِيعَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَلَا يَمُدَّانِهِمْ فَكَيْفَ بِهَؤُلَاءِ الضَّالِّينَ الْمُغْتَرِّينَ الْكَذَّابِينَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ إنَّمَا عَرَفَ الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ رَآهُمْ مَنْ أُمَّتِهِ بِسِيمَاءِ الْوُضُوءِ وَهُوَ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ مَنْ لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . وَأَنْبِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ هُوَ إمَامُهُمْ وَخَطِيبُهُمْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ أَكْثَرَهُمْ ; بَلْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } وَمُوسَى لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ الْخَضِرَ وَالْخَضِرُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ مُوسَى ; بَلْ لَمَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى قَالَ لَهُ الْخَضِرُ : وَأَنَّى بِأَرْضِك السَّلَامُ ؟ فَقَالَ لَهُ : أَنَا مُوسَى قَالَ : مُوسَى بَنِي إسْرَائِيلَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . وَقَدْ كَانَ بَلَغَهُ اسْمُهُ وَخَبَرُهُ وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ عَيْنَهُ . وَمَنْ قَالَ إنَّهُ نَقِيبُ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ أَنَّهُ يُعَلِّمُهُمْ كُلَّهُمْ فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ . وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ مَيِّتٌ وَأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ الْإِسْلَامَ وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ وَيُجَاهِدَ مَعَهُ كَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَلَكَانَ يَكُونُ فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَلَكَانَ يَكُونُ حُضُورُهُ مَعَ الصَّحَابَةِ لِلْجِهَادِ مَعَهُمْ وَإِعَانَتِهِمْ عَلَى الدِّينِ أَوْلَى بِهِ مِنْ حُضُورِهِ عِنْدَ قَوْمٍ كُفَّارٍ لِيُرَقِّعَ لَهُمْ سَفِينَتَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ مُخْتَفِيًا عَنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَهُوَ قَدْ كَانَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يَحْتَجِبْ عَنْهُمْ . ثُمَّ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ بِهِ وَأَمْثَالِهِ حَاجَةٌ لَا فِي دِينِهِمْ وَلَا فِي دُنْيَاهُمْ ; فَإِنَّ دِينَهُمْ أَخَذُوهُ عَنْ الرَّسُولِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي عَلَّمَهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ : " { لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ } وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ إنَّمَا يَحْكُمُ فِيهِمْ بِكِتَابِ رَبِّهِمْ وَسُنَّةِ نَبِيَّهُمْ . فَأَيُّ حَاجَةٍ لَهُمْ مَعَ هَذَا إلَى الْخَضِرِ وَغَيْرِهِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخْبَرَهُمْ بِنُزُولِ عِيسَى مِنْ السَّمَاءِ وَحُضُورِهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ : " { كَيْفَ تَهْلِكُ أُمَّةٌ أَنَا فِي أَوَّلِهَا وَعِيسَى فِي آخِرِهَا } . فَإِذَا كَانَ النَّبِيَّانِ الْكَرِيمَانِ اللَّذَانِ هُمَا مَعَ إبْرَاهِيمَ مُوسَى وَنُوحٌ أَفْضَلَ الرُّسُلِ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَمْ يَحْتَجِبُوا عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا عَوَامُّهُمْ وَلَا خَوَاصُّهُمْ فَكَيْفَ يَحْتَجِبُ عَنْهُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُمْ . وَإِذَا كَانَ الْخَضِرُ حَيًّا دَائِمًا فَكَيْفَ لَمْ يَذْكُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ قَطُّ وَلَا أَخْبَرَ بِهِ أُمَّتَهُ وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ . وَقَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّهُ نَقِيبُ الْأَوْلِيَاءِ . فَيُقَالُ لَهُ مَنْ وَلَّاهُ النِّقَابَةَ وَأَفْضَلُ الْأَوْلِيَاءِ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ؟ وَلَيْسَ فِيهِمْ الْخَضِرُ . وَعَامَّةُ مَا يُحْكَى فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الْحِكَايَاتِ بَعْضُهَا كَذِبٌ وَبَعْضُهَا مَبْنِيٌّ عَلَى ظَنِّ رَجُلٍ : مِثْلُ شَخْصٍ رَأَى رَجُلًا ظَنَّ أَنَّهُ الْخَضِرُ وَقَالَ : إنَّهُ الْخَضِرُ كَمَا أَنَّ الرَّافِضَةَ تَرَى شَخْصًا تَظُنُّ أَنَّهُ الْإِمَامُ الْمُنْتَظَرُ الْمَعْصُومُ أَوْ تَدَّعِي ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ - وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ الْخَضِرُ - مَنْ أَحَالَك عَلَى غَائِبٍ فَمَا أَنْصَفَك . وَمَا أَلْقَى هَذَا عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ إلَّا الشَّيْطَانُ . وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَأَمَّا إنْ قَصَدَ الْقَائِلُ بِقَوْلِهِ " الْقُطْبُ الْغَوْثُ الْفَرْدُ الْجَامِعُ " أَنَّهُ رَجُلٌ يَكُونُ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ فَهَذَا مُمْكِنٌ لَكِنْ مِنْ الْمُمْكِنِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِي الزَّمَانِ اثْنَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْفَضْلِ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَلَا يُجْزَمُ بِأَلَا يَكُونَ فِي كُلِّ زَمَانٍ أَفْضَلُ النَّاسِ إلَّا وَاحِدًا وَقَدْ تَكُونُ جَمَاعَةٌ بَعْضُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَتِلْكَ الْوُجُوهُ إمَّا مُتَقَارِبَةٌ وَإِمَّا مُتَسَاوِيَةٌ . ثُمَّ إذَا كَانَ فِي الزَّمَانِ رَجُلٌ هُوَ أَفْضَلُ أَهْلِ الزَّمَانِ فَتَسْمِيَتُهُ " بِالْقُطْبِ الْغَوْثِ الْجَامِعِ " بِدْعَةٌ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ وَلَا تَكَلَّمَ بِهَذَا أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَمَا زَالَ السَّلَفُ يَظُنُّونَ فِي بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ أَفْضَلُ أَوْ مِنْ أَفْضَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ وَلَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الَّتِي مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ; لَا سِيَّمَا أَنَّ مِنْ الْمُنْتَحِلِينَ لِهَذَا الِاسْمِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ أَوَّلَ الْأَقْطَابِ هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثُمَّ يَتَسَلَّلُ الْأَمْرُ إلَى مَا دُونَهُ إلَى بَعْضِ مَشَايِخِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لَا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا عَلَى مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ . فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ؟ وَالْحَسَنُ عِنْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ قَارَبَ سِنَّ التَّمْيِيزِ وَالِاحْتِلَامِ . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْأَكَابِرِ مِنْ الشُّيُوخِ الْمُنْتَحِلِينَ لِهَذَا : أَنَّ " الْقُطْبَ الْفَرْدَ الْغَوْثَ الْجَامِعَ " يَنْطَبِقُ عِلْمُهُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتُهُ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَعْلَمُ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ وَيَقْدِرُ عَلَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ اللَّهُ . وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَذَلِكَ وَأَنَّ هَذَا انْتَقَلَ عَنْهُ إلَى الْحَسَنِ وَتَسَلْسَلَ إلَى شَيْخِهِ . فَبَيَّنْت أَنَّ هَذَا كُفْرٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ وَأَنَّ دَعْوَى هَذَا فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ; كُفْرٌ دَعْ مَا سِوَاهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إنِّي مَلَكٌ } وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } الْآيَةُ وَقَالَ تَعَالَى : { يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } الْآيَةُ وَقَالَ تَعَالَى : { يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ } وَقَالَ تَعَالَى : { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ } { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَنَا أَنْ نُطِيعَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وَأَمَرَنَا أَنْ نَتَّبِعَهُ فَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } وَأَمَرَنَا أَنْ نُعَزِّرَهُ وَنُوَقِّرَهُ وَنَنْصُرَهُ وَجَعَلَ لَهُ مِنْ الْحُقُوقِ مَا بَيَّنَهُ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولُهُ حَتَّى أَوْجَبَ عَلَيْنَا أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ النَّاسِ إلَيْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا وَأَهْلِينَا فَقَالَ تَعَالَى : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ { وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِنْ نَفْسِي فَقَالَ : لَا يَا عُمَرُ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْك مِنْ نَفْسِك - قَالَ : فَلَأَنْتَ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي قَالَ : الْآنَ يَا عُمَرُ } وَقَالَ : " { ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَمَنْ كَانَ يُجِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ وَمَنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ } . وَقَدْ بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ حُقُوقَهُ الَّتِي لَا تَصْلُحُ إلَّا لَهُ وَحُقُوقَ رُسُلِهِ وَحُقُوقَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ كَمَا بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } فَالطَّاعَةُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَالْخَشْيَةُ وَالتَّقْوَى لِلَّهِ وَحْدَهُ وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إنَّا إلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ } فَالْإِيتَاءُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَالرَّغْبَةُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } لِأَنَّ الْحَلَالَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْحَرَامَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَأَمَّا الحسب فَهُوَ لِلَّهِ وَحْدَهُ كَمَا قَالَ : { وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ } وَلَمْ يَقُلْ : حَسْبُنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ يَكْفِيك اللَّهُ وَيَكْفِي مَنْ اتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ; وَلِهَذَا كَانَتْ كَلِمَةُ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .