وَسُئِلَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ عَنْ حُكْمِ قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَرَاءِ : إنَّ الدُّعَاءَ مُسْتَجَابٌ عِنْدَ قُبُورِ أَرْبَعَةٍ - مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ " قَبْرُ الفندلاوي " مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ و " قَبْرُ الْبُرْهَانِ البلخي " مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ و " قَبْرُ الشَّيْخِ نَصْرٍ المقدسي " مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ . و " قَبْرُ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ " مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ؟ وَمَنْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ قُبُورِهِمْ وَدَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ ؟ وَقَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يُوصِيهِ : إذَا نَزَلَ بِك حَادِثٌ أَوْ أَمْرٌ تَخَافُهُ اسْتَوْحِنِي يَنْكَشِفُ عَنْك مَا تَجِدُهُ مِنْ الشِّدَّةِ : حَيًّا كُنْت أَوْ مَيِّتًا ؟ وَمَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَاسْتَقْبَلَ جِهَةَ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الجيلاني وَسَلَّمَ عَلَيْهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ يَخْطُو مَعَ كُلِّ تَسْلِيمَةٍ خَطْوَةً إلَى قَبْرِهِ قُضِيَتْ حَاجَتُهُ أَوْ كَانَ فِي سَمَاعٍ فَإِنَّهُ يَطِيبُ وَيَكْثُرُ التَّوَاجُدُ وَقَوْلُ الْفُقَرَاءِ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْظُرُ إلَى الْفُقَرَاءِ بِتَجَلِّيهِ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ : عِنْدَ مَدِّ السِّمَاطِ وَعِنْدَ قِيَامِهِمْ فِي الِاسْتِغْفَارِ أَوْ الْمُجَارَاةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَعِنْدَ السَّمَاعِ ؟ وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمُتَعَبِّدِينَ مِنْ الدُّعَاءِ عِنْدَ قَبْرِ زَكَرِيَّا وَقَبْرِ هُودٍ وَالصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا وَالْمَوْقِفِ بَيْنَ شَرْقِيِّ رِوَاقِ الْجَامِعِ بِبَابِ الطَّهَارَةِ بِدِمَشْقَ وَالدُّعَاءِ عِنْدَ الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ وَمَنْ أَلْصَقَ ظَهْرَهُ الْمَوْجُوعَ بِالْعَمُودِ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِ قَبْرِ مُعَاوِيَةَ عِنْدَ الشُّهَدَاءِ بِبَابِ الصَّغِيرِ . فَهَلْ لِلدُّعَاءِ خُصُوصِيَّةُ قَبُولٍ أَوْ سُرْعَةُ إجَابَةٍ بِوَقْتِ مَخْصُوصٍ أَوْ مَكَانٍ مُعَيَّنٍ : عِنْدَ قَبْرِ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَغِيثَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّعَاءِ بِنَبِيِّ مُرْسَلٍ أَوْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ أَوْ بِكَلَامِهِ تَعَالَى أَوْ بِالْكَعْبَةِ أَوْ بِالدُّعَاءِ الْمَشْهُورِ بِاحْتِيَاطِ قَافٍ أَوْ بِدُعَاءِ أُمِّ داود أَوْ الْخَضِرِ ؟ ؟ . وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي السُّؤَالِ بِحَقِّ فُلَانٍ بِحُرْمَةِ فُلَانٍ بِجَاهِ الْمُقَرَّبِينَ بِأَقْرَبَ الْخَلْقِ أَوْ يُقْسِمَ بِأَفْعَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ ؟ وَهَلْ يَجُوزُ تَعْظِيمُ مَكَانٍ فِيهِ خَلُوقٌ وَزَعْفَرَانٌ وَسَرْجٌ ; لِكَوْنِهِ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ عِنْدَهُ أَوْ يَجُوزُ تَعْظِيمُ شَجَرَةٍ يُوجَدُ فِيهَا خِرَقٌ مُعَلَّقَةٌ وَيُقَالُ : هَذِهِ مُبَارَكَةٌ يَجْتَمِعُ إلَيْهَا الرِّجَالُ الْأَوْلِيَاءُ ؟ وَهَلْ يَجُوزُ تَعْظِيمُ جَبَلٍ أَوْ زِيَارَتُهُ أَوْ زِيَارَةُ مَا فِيهِ مِنْ الْمَشَاهِدِ وَالْآثَارِ وَالدُّعَاءُ فِيهَا وَالصَّلَاةُ كَمَغَارَةِ الدَّمِ وَكَهْفِ آدَمَ وَالْآثَارِ . وَمَغَارَةِ الْجُوعِ وَقَبْرِ شيث وَهَابِيلَ وَنُوحٍ وَإِلْيَاسَ وحزقيل وشيبال الرَّاعِي وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ بِجِبِلَّةِ وَعُشِّ الْغُرَابِ بِبَعْلَبَكَّ وَمَغَارَةِ الْأَرْبَعِينَ وَحَمَّامِ طبرية وَزِيَارَةُ عَسْقَلَانَ وَمَسْجِدِ صَالِحٍ بعكا - وَهُوَ مَشْهُورٌ بِالْحُرُمَاتِ وَالتَّعْظِيمِ وَالزِّيَارَاتِ ؟ . وَهَلْ يَجُوزُ تَحَرِّي الدُّعَاءِ عِنْدَ الْقُبُورِ وَأَنْ تُقَبَّلَ أَوْ يُوقَدَ عِنْدَهَا الْقَنَادِيلُ وَالسُّرُجُ ؟ وَهَلْ يَحْصُلُ لِلْأَمْوَاتِ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ مِنْ الْأَحْيَاءِ مَنْفَعَةٌ أَوْ مَضَرَّةٌ ؟ وَهَلْ الدُّعَاءُ عِنْدَ " الْقَدَمِ النَّبَوِيِّ " بِدَارِ الْحَدِيثِ الأشرفية بِدِمَشْقَ وَغَيْرِهِ وَقَدَمِ مُوسَى وَمَهْدِ عِيسَى " وَمَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَرَأْسِ الْحُسَيْنِ وصهيب الرُّومِيِّ وَبِلَالٍ الْحَبَشِيِّ وَأُوَيْسٍ القرني وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - كُلَّهُ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَالْقُرَى وَالسَّوَاحِلِ وَالْجِبَالِ وَالْمَشَاهِدِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ ؟ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ : الدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ عِنْدَ بُرْجِ " بَابِ كيسان " بَيْنَ بَابَيْ الصَّغِيرِ وَالشَّرْقِيِّ مُسْتَدْبِرًا لَهُ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ وَالدُّعَاءُ عِنْدَ دَاخِلِ بَابِ الْفَرَّادِينَ ؟ فَهَلْ ثَبَتَ شَيْءٌ فِي إجَابَةِ الْأَدْعِيَةِ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَغَاثَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يَقُولَ : يَا جَاهَ مُحَمَّدٍ أَوْ يَا لَسِتِّ نَفِيسَةَ أَوْ يَا سَيِّدِي أَحْمَد أَوْ إذَا عَثَرَ أَحَدٌ وَتَعَسَّرَ أَوْ قَفَزَ مِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ يَقُولُ : يال عَلِيٍّ أَوْ يال الشَّيْخِ فُلَانٍ : أَمْ لَا ؟ وَهَلْ تَجُوزُ النُّذُورُ لِلْأَنْبِيَاءِ أَوْ لِلْمَشَايِخِ : مِثْلُ الشَّيْخِ جاكير أَوْ أَبِي الْوَفَاءِ أَوْ نُورِ الدِّينِ الشَّهِيدِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَمْ لَا ؟ وَكَذَلِكَ هَلْ تَجُوزُ النُّذُورُ لِقُبُورِ أَحَدٍ مِنْ آلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَمُدْرِكِهِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَمَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَالْعَجَمِ وَمِصْرَ وَالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَالْهِنْدِ وَالْمَغْرِبِ وَجَمِيعِ الْأَرْضِ وَجَبَلِ قَانٍ وَغَيْرِهَا أَمْ لَا ؟ .
فَصْلٌ وَكَذَلِكَ النَّذْرُ لِلْقُبُورِ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ : كَالنَّذْرِ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ أَوْ لِلشَّيْخِ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ أَوْ لِبَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ أَوْ غَيْرِهِمْ : نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الدِّينِ ; بَلْ وَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ } وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ } فَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَبْنِي عَلَى الْقُبُورِ الْمَسَاجِدَ وَيُسْرِجُ فِيهَا السُّرُجَ : كَالْقَنَادِيلِ وَالشَّمْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَ هَذَا مَلْعُونًا فَاَلَّذِي يَضَعُ فِيهَا قَنَادِيلَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَشَمْعُدَانَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْقُبُورِ أَوْلَى بِاللَّعْنَةِ . فَمَنْ نَذَرَ زَيْتًا أَوْ شَمْعًا أَوْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ سِتْرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لِيُجْعَلَ عِنْدَ قَبْرِ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوْ الْقَرَابَةِ أَوْ الْمَشَايِخِ : فَهُوَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ وَهَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ . وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا نَذَرَهُ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ الصَّالِحِينَ كَانَ خَيْرًا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَنْفَعَ لَهُ ; فَإِنَّ هَذَا عَمَلٌ صَالِحٌ يُثِيبُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ وَلَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ . وَالْمُتَصَدِّقُ يَتَصَدَّقُ لِوَجْهِ اللَّهِ وَلَا يَطْلُبُ أَجْرَهُ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ بَلْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى } { الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى } { وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى } { إلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى } { وَلَسَوْفَ يَرْضَى } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ } الْآيَةُ وَقَالَ عَنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ : { إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا } . وَلِهَذَا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَ بِغَيْرِ اللَّهِ : مِثْلُ الَّذِي يَقُولُ : كَرَامَةً لِأَبِي بَكْرٍ وَلِعَلِيِّ أَوْ لِلشَّيْخِ فُلَانٍ ; أَوْ الشَّيْخِ فُلَانٍ ; بَلْ لَا يُعْطِي إلَّا مَنْ سَأَلَ لِلَّهِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّ إخْلَاصَ الدِّينِ لِلَّهِ وَاجِبٌ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ : كَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ فَلَا يَصْلُحُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ إلَّا لِلَّهِ وَلَا الصِّيَامُ إلَّا لِلَّهِ وَلَا الْحَجُّ إلَّا إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَا الدُّعَاءُ إلَّا لِلَّهِ : قَالَ تَعَالَى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } { إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ } . وَهَذَا هُوَ أَصْلُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَنْ لَا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ وَلَا نَعْبُدَهُ إلَّا بِمَا شَرَعَ لَا نَعْبُدُهُ بِالْبِدَعِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } وَقَالَ تَعَالَى : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } قَالَ : الفضيل بْنُ عِيَاضٍ : أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ قَالُوا : يَا أَبَا عَلِيٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ . قَالَ : إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا . وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ . هَذَا كُلُّهُ لِأَنَّ دِينَ اللَّهِ بَلَّغَهُ عَنْهُ رَسُولُهُ . فَلَا حَرَامَ إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَلَا دِينَ إلَّا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ . وَاَللَّهُ تَعَالَى ذَمَّ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ شَرَعُوا فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ فَحَرَّمُوا أَشْيَاءَ لَمْ يُحَرِّمْهَا اللَّهُ : كَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ والحام . وَشَرَعُوا دِينًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ كَدُعَاءِ غَيْرِهِ وَعِبَادَتِهِ والرهبانية الَّتِي ابْتَدَعَهَا النَّصَارَى . وَالْإِسْلَامُ دِينُ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ أَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَكُلُّهُمْ بُعِثُوا بِالْإِسْلَامِ كَمَا قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ { يَا قَوْمِ إنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ } { فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إنْ أَجْرِيَ إلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } { إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } { وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ دِينُنَا وَاحِدٌ } فَدِينُ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ دِينٌ وَاحِدٌ وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ بِمَا أَمَرَ بِهِ وَشَرَعَهُ كَمَا قَالَ : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ } وَإِنَّمَا يَتَنَوَّعُ فِي هَذَا الدِّينِ الشِّرْعَةُ وَالْمِنْهَاجُ كَمَا قَالَ : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } كَمَا تَتَنَوَّعُ شَرِيعَةُ الرَّسُولِ الْوَاحِدِ . فَقَدْ كَانَ اللَّهُ أَمَرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ أَمَرَهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى الْكَعْبَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَهَذَا فِي وَقْتِهِ كَانَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ شَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ فِي وَقْتِهَا كَانَتْ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَشَرِيعَةُ الْإِنْجِيلِ فِي وَقْتِهِ كَانَتْ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ آمَنَ بِالتَّوْرَاةِ ثُمَّ كَذَّبَ بِالْإِنْجِيلِ خَرَجَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَكَانَ كَافِرًا وَكَذَلِكَ مَنْ آمَنَ بِالْكِتَابَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَكَذَّبَ بِالْقُرْآنِ كَانَ كَافِرًا خَارِجًا مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ بِجَمِيعِ الْكُتُبِ وَجَمِيعِ الرُّسُلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } الْآيَةُ .