تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ عَنْ حُكْمِ قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَرَاءِ : إنَّ الدُّعَاءَ مُسْتَجَابٌ عِنْدَ قُبُورِ أَرْبَعَةٍ - مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ " قَبْرُ الفندلاوي " مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ و " قَبْرُ الْبُرْهَانِ البلخي " مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ و " قَبْرُ الشَّيْخِ نَصْرٍ المقدسي " مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ . و " قَبْرُ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ " مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ؟ وَمَنْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ قُبُورِهِمْ وَدَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ ؟ وَقَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يُوصِيهِ : إذَا نَزَلَ بِك حَادِثٌ أَوْ أَمْرٌ تَخَافُهُ اسْتَوْحِنِي يَنْكَشِفُ عَنْك مَا تَجِدُهُ مِنْ الشِّدَّةِ : حَيًّا كُنْت أَوْ مَيِّتًا ؟ وَمَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَاسْتَقْبَلَ جِهَةَ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الجيلاني وَسَلَّمَ عَلَيْهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ يَخْطُو مَعَ كُلِّ تَسْلِيمَةٍ خَطْوَةً إلَى قَبْرِهِ قُضِيَتْ حَاجَتُهُ أَوْ كَانَ فِي سَمَاعٍ فَإِنَّهُ يَطِيبُ وَيَكْثُرُ التَّوَاجُدُ وَقَوْلُ الْفُقَرَاءِ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْظُرُ إلَى الْفُقَرَاءِ بِتَجَلِّيهِ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ : عِنْدَ مَدِّ السِّمَاطِ وَعِنْدَ قِيَامِهِمْ فِي الِاسْتِغْفَارِ أَوْ الْمُجَارَاةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَعِنْدَ السَّمَاعِ ؟ وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمُتَعَبِّدِينَ مِنْ الدُّعَاءِ عِنْدَ قَبْرِ زَكَرِيَّا وَقَبْرِ هُودٍ وَالصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا وَالْمَوْقِفِ بَيْنَ شَرْقِيِّ رِوَاقِ الْجَامِعِ بِبَابِ الطَّهَارَةِ بِدِمَشْقَ وَالدُّعَاءِ عِنْدَ الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ وَمَنْ أَلْصَقَ ظَهْرَهُ الْمَوْجُوعَ بِالْعَمُودِ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِ قَبْرِ مُعَاوِيَةَ عِنْدَ الشُّهَدَاءِ بِبَابِ الصَّغِيرِ . فَهَلْ لِلدُّعَاءِ خُصُوصِيَّةُ قَبُولٍ أَوْ سُرْعَةُ إجَابَةٍ بِوَقْتِ مَخْصُوصٍ أَوْ مَكَانٍ مُعَيَّنٍ : عِنْدَ قَبْرِ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَغِيثَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّعَاءِ بِنَبِيِّ مُرْسَلٍ أَوْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ أَوْ بِكَلَامِهِ تَعَالَى أَوْ بِالْكَعْبَةِ أَوْ بِالدُّعَاءِ الْمَشْهُورِ بِاحْتِيَاطِ قَافٍ أَوْ بِدُعَاءِ أُمِّ داود أَوْ الْخَضِرِ ؟ ؟ . وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي السُّؤَالِ بِحَقِّ فُلَانٍ بِحُرْمَةِ فُلَانٍ بِجَاهِ الْمُقَرَّبِينَ بِأَقْرَبَ الْخَلْقِ أَوْ يُقْسِمَ بِأَفْعَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ ؟ وَهَلْ يَجُوزُ تَعْظِيمُ مَكَانٍ فِيهِ خَلُوقٌ وَزَعْفَرَانٌ وَسَرْجٌ ; لِكَوْنِهِ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ عِنْدَهُ أَوْ يَجُوزُ تَعْظِيمُ شَجَرَةٍ يُوجَدُ فِيهَا خِرَقٌ مُعَلَّقَةٌ وَيُقَالُ : هَذِهِ مُبَارَكَةٌ يَجْتَمِعُ إلَيْهَا الرِّجَالُ الْأَوْلِيَاءُ ؟ وَهَلْ يَجُوزُ تَعْظِيمُ جَبَلٍ أَوْ زِيَارَتُهُ أَوْ زِيَارَةُ مَا فِيهِ مِنْ الْمَشَاهِدِ وَالْآثَارِ وَالدُّعَاءُ فِيهَا وَالصَّلَاةُ كَمَغَارَةِ الدَّمِ وَكَهْفِ آدَمَ وَالْآثَارِ . وَمَغَارَةِ الْجُوعِ وَقَبْرِ شيث وَهَابِيلَ وَنُوحٍ وَإِلْيَاسَ وحزقيل وشيبال الرَّاعِي وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ بِجِبِلَّةِ وَعُشِّ الْغُرَابِ بِبَعْلَبَكَّ وَمَغَارَةِ الْأَرْبَعِينَ وَحَمَّامِ طبرية وَزِيَارَةُ عَسْقَلَانَ وَمَسْجِدِ صَالِحٍ بعكا - وَهُوَ مَشْهُورٌ بِالْحُرُمَاتِ وَالتَّعْظِيمِ وَالزِّيَارَاتِ ؟ . وَهَلْ يَجُوزُ تَحَرِّي الدُّعَاءِ عِنْدَ الْقُبُورِ وَأَنْ تُقَبَّلَ أَوْ يُوقَدَ عِنْدَهَا الْقَنَادِيلُ وَالسُّرُجُ ؟ وَهَلْ يَحْصُلُ لِلْأَمْوَاتِ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ مِنْ الْأَحْيَاءِ مَنْفَعَةٌ أَوْ مَضَرَّةٌ ؟ وَهَلْ الدُّعَاءُ عِنْدَ " الْقَدَمِ النَّبَوِيِّ " بِدَارِ الْحَدِيثِ الأشرفية بِدِمَشْقَ وَغَيْرِهِ وَقَدَمِ مُوسَى وَمَهْدِ عِيسَى " وَمَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَرَأْسِ الْحُسَيْنِ وصهيب الرُّومِيِّ وَبِلَالٍ الْحَبَشِيِّ وَأُوَيْسٍ القرني وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - كُلَّهُ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَالْقُرَى وَالسَّوَاحِلِ وَالْجِبَالِ وَالْمَشَاهِدِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ ؟ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ : الدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ عِنْدَ بُرْجِ " بَابِ كيسان " بَيْنَ بَابَيْ الصَّغِيرِ وَالشَّرْقِيِّ مُسْتَدْبِرًا لَهُ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ وَالدُّعَاءُ عِنْدَ دَاخِلِ بَابِ الْفَرَّادِينَ ؟ فَهَلْ ثَبَتَ شَيْءٌ فِي إجَابَةِ الْأَدْعِيَةِ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَغَاثَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يَقُولَ : يَا جَاهَ مُحَمَّدٍ أَوْ يَا لَسِتِّ نَفِيسَةَ أَوْ يَا سَيِّدِي أَحْمَد أَوْ إذَا عَثَرَ أَحَدٌ وَتَعَسَّرَ أَوْ قَفَزَ مِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ يَقُولُ : يال عَلِيٍّ أَوْ يال الشَّيْخِ فُلَانٍ : أَمْ لَا ؟ وَهَلْ تَجُوزُ النُّذُورُ لِلْأَنْبِيَاءِ أَوْ لِلْمَشَايِخِ : مِثْلُ الشَّيْخِ جاكير أَوْ أَبِي الْوَفَاءِ أَوْ نُورِ الدِّينِ الشَّهِيدِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَمْ لَا ؟ وَكَذَلِكَ هَلْ تَجُوزُ النُّذُورُ لِقُبُورِ أَحَدٍ مِنْ آلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَمُدْرِكِهِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَمَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَالْعَجَمِ وَمِصْرَ وَالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَالْهِنْدِ وَالْمَغْرِبِ وَجَمِيعِ الْأَرْضِ وَجَبَلِ قَانٍ وَغَيْرِهَا أَمْ لَا ؟ .
123456789101112
فَصْلٌ وَأَمَّا " عَسْقَلَانُ " فَإِنَّهَا كَانَتْ ثَغْرًا مِنْ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ صَالِحُو الْمُسْلِمِينَ يُقِيمُونَ بِهَا لِأَجْلِ الرِّبَاطِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهَكَذَا سَائِرُ الْبِقَاعِ الَّتِي مِثْلُ هَذَا الْجِنْسِ مِثْلُ " جَبَلِ لُبْنَانَ " و " الإسكندرية " وَمِثْلُ " عبادان " وَنَحْوِهَا بِأَرْضِ الْعِرَاقِ وَمِثْلُ " قَزْوِينَ " وَنَحْوِهَا مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي كَانَتْ ثُغُورًا . فَهَذِهِ كَانَ الصَّالِحُونَ يَقْصِدُونَهَا ; لِأَجْلِ الرِّبَاطِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا مَاتَ مُجَاهِدًا وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ } وَفِي سُنَنِ أَبِي داود وَغَيْرِهِ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَنَازِلِ } وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : لَأَنْ أُرَابِطَ لَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ . وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ : إنَّ الرِّبَاطَ بِالثُّغُورِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ بِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ ; لِأَنَّ الْمُرَابَطَةَ مَنْ جِنْسِ الْجِهَادِ وَالْمُجَاوَرَةَ مَنْ جِنْسِ الْحَجِّ . وَجِنْسُ الْجِهَادِ أَفْضَلُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ جِنْسِ الْحَجِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } { الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ } { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } . فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي تَعْظِيمِ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ . ثُمَّ مِنْ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ مَا سَكَنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْكُفَّارُ وَأَهْلُ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ . وَمِنْهَا مَا خَرَبَ وَصَارَ ثَغْرًا غَيْرَ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ . وَالْبِقَاعُ تَتَغَيَّرُ أَحْكَامُهَا بِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ أَهْلِهَا . فَقَدْ تَكُونُ الْبُقْعَةُ دَارَ كُفْرٍ إذَا كَانَ أَهْلُهَا كُفَّارًا ثُمَّ تَصِيرُ دَارَ إسْلَامٍ إذَا أَسْلَمَ أَهْلُهَا كَمَا كَانَتْ مَكَّةُ - شَرَّفَهَا اللَّهُ - فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ دَارَ كُفْرٍ وَحَرْبٍ وَقَالَ اللَّهُ فِيهَا : { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ } ثُمَّ لَمَّا فَتَحَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ وَهِيَ فِي نَفْسِهَا أُمُّ الْقُرَى وَأَحَبُّ الْأَرْضِ إلَى اللَّهِ . وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ كَانَ فِيهَا الْجَبَّارُونَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ } { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } { قَالُوا يَا مُوسَى إنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } الْآيَاتُ وَقَالَ تَعَالَى لَمَّا أَنْجَى مُوسَى وَقَوْمَهُ مِنْ الْغَرَقِ : { سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ } وَكَانَتْ تِلْكَ الدِّيَارُ دِيَارَ الْفَاسِقِينَ لَمَّا كَانَ يَسْكُنُهَا إذْ ذَاكَ الْفَاسِقُونَ ثُمَّ لَمَّا سَكَنَهَا الصَّالِحُونَ صَارَتْ دَارَ الصَّالِحِينَ . وَهَذَا أَصْلٌ يَجِبُ أَنْ يُعْرَفَ . فَإِنَّ الْبَلَدَ قَدْ تُحْمَدُ أَوْ تُذَمُّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِحَالِ أَهْلِهِ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ حَالُ أَهْلِهِ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ فِيهِمْ ; إذْ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ أَوْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيِّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ إلَّا بِالتَّقْوَى . النَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ } . وَكَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ آخَى بَيْنَهُمَا لَمَّا آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ بِالشَّامِ وَسَلْمَانُ بِالْعِرَاقِ نَائِبًا لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ - أَنْ هَلُمَّ إلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ . فَكَتَبَ إلَيْهِ سَلْمَانُ : إنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الرَّجُلَ عَمَلُهُ . فَصْلٌ وَقَدْ تَبَيَّنَ الْجَوَابُ فِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّ قَصْدَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَمَا يُقَالُ إنَّهُ قَدَمُ نَبِيٍّ أَوْ أَثَرُ نَبِيٍّ أَوْ قَبْرُ نَبِيٍّ أَوْ قَبْرُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَوْ بَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ أَوْ الْأَبْرَاجِ أَوْ الْغِيرَان : مِنْ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ الْمُنْكَرَةِ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَشْرَعْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا كَانَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ يَفْعَلُونَهُ وَلَا اسْتَحَبَّهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الشِّرْكِ وَذَرَائِعِ الْإِفْكِ . وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْجَوَابِ .