مسألة تاليةمسألة سابقة
				
				
				
				متن:
				 وَأَمَّا   سُؤَالُ اللَّهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّتِي تَقْتَضِي مَا يَفْعَلُهُ بِالْعِبَادِ  مِنْ الْهُدَى وَالرِّزْقِ وَالنَّصْرِ  .  فَهَذَا أَعْظَمُ مَا يُسْأَلُ اللَّهُ تَعَالَى  بِهِ . فَقَوْلُ الْمُنَازِعِ : لَا يُسْأَلُ بِحَقِّ  الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُ لَا  حَقَّ لِلْمَخْلُوقِ  عَلَى الْخَالِقِ : مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ قَدْ  ثَبَتَ  فِي   الصَّحِيحَيْنِ  حَدِيثُ  مُعَاذٍ  الَّذِي تَقَدَّمَ إيرَادُهُ  وَقَالَ تَعَالَى :   {   كَتَبَ رَبُّكُمْ  عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ   }   {  وَكَانَ حَقًّا  عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ   }  .  فَيُقَالُ لِلْمُنَازِعِ : الْكَلَامُ  فِي  هَذَا  فِي مَقَامَيْنِ : -  أَحَدُهُمَا  فِي حَقِّ الْعِبَادِ  عَلَى اللَّهِ . وَالثَّانِي  فِي سُؤَالِهِ  بِذَلِكَ الْحَقِّ . أَمَّا الْأَوَّلُ  فَلَا رَيْبَ  أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ الْمُطِيعِينَ بِأَنْ يُثِيبَهُمْ وَوَعَدَ  السَّائِلِينَ بِأَنْ يُجِيبَهُمْ وَهُوَ الصَّادِقُ الَّذِي لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {   وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا   }   {   وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ  وَلَكِنَّ  أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ   }   {  فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ   }  فَهَذَا مِمَّا يَجِبُ وُقُوعُهُ  بِحُكْمِ الْوَعْدِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ .  وَتَنَازَعُوا : هَلْ عَلَيْهِ وَاجِبٌ بِدُونِ  ذَلِكَ ؟  عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ -  كَمَا تَقَدَّمَ .  قِيلَ : لَا يَجِبُ لِأَحَدِ عَلَيْهِ حَقٌّ بِدُونِ  ذَلِكَ .  وَقِيلَ : بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَاجِبَاتٌ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مُحَرَّمَاتٌ  بِالْقِيَاسِ  عَلَى عِبَادِهِ .  وَقِيلَ : هُوَ  أَوْجَبَ  عَلَى نَفْسِهِ وَحَرَّمَ  عَلَى نَفْسِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا  أَوْجَبَهُ  عَلَى نَفْسِهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا حَرَّمَهُ  عَلَى نَفْسِهِ  كَمَا  ثَبَتَ  فِي الصَّحِيحِ  مِنْ حَدِيثِ  أَبِي ذَرٍّ  كَمَا تَقَدَّمَ . وَالظُّلْمُ مُمْتَنِعٌ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ لَكِنْ  تَنَازَعُوا  فِي الظُّلْمِ الَّذِي لَا يَقَعُ  فَقِيلَ : هُوَ الْمُمْتَنِعُ وَكُلُّ مُمْكِنٍ يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَهُ لَا يَكُونُ ظُلْمًا  لِأَنَّ الظُّلْمَ إمَّا التَّصَرُّفُ  فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَإِمَّا  مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ طَاعَتُهُ  وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ مِنْهُ .  وَقِيلَ : بَلْ مَا  كَانَ ظُلْمًا  مِنْ الْعِبَادِ فَهُوَ ظُلْمٌ مِنْهُ :  وَقِيلَ : الظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ  فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا  قَالَ تَعَالَى : {   وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ  فَلَا  يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا   }  قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : هُوَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُ غَيْرِهِ وَيُعَاقَبَ بِغَيْرِ ذَنْبِهِ وَالْهَضْمُ أَنْ يُهْضَمَ  مِنْ  حَسَنَاتِهِ .  وَقَالَ تَعَالَى : {   إنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ  وَإِنْ تَكُ  حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا  وَيُؤْتِ  مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا   }   {   وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا  أَنْفُسَهُمْ   }  .  وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّانِي فَإِنَّهُ  يُقَالُ : مَا بَيَّنَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ  أَنَّهُ حَقٌّ لِلْعِبَادِ  عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَقٌّ ;  لَكِنَّ الْكَلَامَ  فِي السُّؤَالِ  بِذَلِكَ  فَيُقَالُ : إنْ  كَانَ الْحَقُّ الَّذِي سَأَلَ  بِهِ سَبَبًا لِإِجَابَةِ السُّؤَالِ حَسُنَ السُّؤَالُ  بِهِ كَالْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ لِعَابِدِيهِ  وَسَائِلِيهِ .  وَأَمَّا إذَا  قَالَ  السَّائِلُ : بِحَقِّ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَأُولَئِكَ إذَا  كَانَ  لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ حَقٌّ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ وَأَنْ يُكْرِمَهُمْ بِثَوَابِهِ وَيَرْفَعَ دَرَجَاتِهِمْ -  كَمَا وَعَدَهُمْ  بِذَلِكَ  وَأَوْجَبَهُ  عَلَى نَفْسِهِ - فَلَيْسَ  فِي اسْتِحْقَاقِ أُولَئِكَ مَا اسْتَحَقُّوهُ  مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِمَطْلُوبِ  هَذَا  السَّائِلِ  فَإِنَّ  ذَلِكَ اسْتَحَقَّ مَا اسْتَحَقَّهُ بِمَا يَسَّرَهُ اللَّهُ لَهُ  مِنْ  الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ .  وَهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ مَا اسْتَحَقَّهُ  ذَلِكَ . فَلَيْسَ  فِي إكْرَامِ اللَّهِ  لِذَلِكَ سَبَبٌ يَقْتَضِي إجَابَةَ  هَذَا .  وَإِنْ  قَالَ : السَّبَبُ هُوَ شَفَاعَتُهُ وَدُعَاؤُهُ  فَهَذَا حَقٌّ إذَا  كَانَ قَدْ شَفَعَ لَهُ  وَدَعَا لَهُ  وَإِنْ لَمْ يَشْفَعْ لَهُ وَلَمْ يَدْعُ لَهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سَبَبٌ .  وَإِنْ  قَالَ : السَّبَبُ هُوَ مَحَبَّتِي لَهُ  وَإِيمَانِي  بِهِ  وَمُوَالَاتِي لَهُ  فَهَذَا سَبَبٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ سُؤَالُ اللَّهِ وَتَوَسُّلٌ إلَيْهِ  بِإِيمَانِ  هَذَا  السَّائِلِ وَمَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ; وَطَاعَتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لَكِنْ يَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ لِلَّهِ وَالْمَحَبَّةِ مَعَ اللَّهِ : فَمَنْ  أَحَبَّ مَخْلُوقًا  كَمَا يُحِبُّ الْخَالِقَ فَقَدْ  جَعَلَهُ نِدًّا لِلَّهِ وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ تَضُرُّهُ وَلَا تَنْفَعُهُ  وَأَمَّا مَنْ  كَانَ اللَّهُ تَعَالَى  أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُ  وَأَحَبَّ  أَنْبِيَاءَهُ وَعِبَادَهُ الصَّالِحِينَ لَهُ فَحُبُّهُ لِلَّهِ تَعَالَى هُوَ  أَنْفَع الْأَشْيَاءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ  مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ .