وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ النِّكَاحِ قَبْلَ بِعْثَةِ الرُّسُلِ : أَهْوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ : كَانَتْ مناكحهم فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَنْحَاءٍ مُتَعَدِّدَةٍ : مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ . وَذَلِكَ النِّكَاحُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ صَحِيحٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مناكح أَهْلِ الشِّرْكِ الَّتِي لَا تَحْرُمُ فِي الْإِسْلَامِ وَيَلْحَقُهَا أَحْكَامُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ : مِنْ الْإِرْثِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالظِّهَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : نِكَاحُ أَهْلِ الشِّرْكِ لَيْسَ بِصَحِيحِ . وَمَعْنَى هَذَا عِنْدَهُ : أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ الْكَافِرُ ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ وَلَوْ طَلَّقَ الْمُسْلِمُ زَوْجَتَهُ الذِّمِّيَّةَ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا ذِمِّيٌّ وَوَطِئَهَا لَمْ يُحِلَّهَا عِنْدَهُ وَلَوْ وَطِئَ ذِمِّيًّ ذِمِّيَّةً بِنِكَاحِ لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ مُحْصِنًا . وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يُخَالِفُونَهُ فِي هَذَا . وَأَمَّا كَوْنُهُ صَحِيحًا فِي لُحُوقِ النَّسَبِ وَثُبُوتِ - الْفِرَاشِ : فَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ; فَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ ; بَلْ لَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ الْكَافِرَانِ أُقِرَّا عَلَى نِكَاحِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَا لَا يُقَرَّانِ عَلَى وَطْءِ شُبْهَةٍ وَقَدْ احْتَجَّ النَّاسُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ نِكَاحٌ صَحِيحٌ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ : { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } وَقَوْلِهِ { امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ } وَقَالُوا : قَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ " امْرَأَةً " وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .