تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)

التحليل الموضوعي

متن:
بَابُ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ يَمِينِ الْغَمُوسِ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَعَنْ رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : لَا يَدْخُلُ أَهْلُك بَيْتِي فَصَعُبَ عَلَيْهِ : فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ مَا قَالَهُ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ قَالَهُ .
1234567
فَفِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ " قَوْلَانِ " أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ فَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى مَاضٍ أَوْ حَاضِرٍ قَصْدُهُ بِهِ الْخَبَرَ - لَا الْحَضَّ وَالْمَنْعَ - كَقَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَقَدْ فَعَلْت كَذَا . أَوْ لَمْ أَفْعَلْهُ . وَقَوْلُهُ : الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَقَدْ فَعَلْت كَذَا . أَوْ لَمْ أَفْعَلْهُ . أَوْ الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ لَقَدْ فَعَلْت كَذَا . فَهَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدًا صِدْقَ نَفْسِهِ ; أَوْ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ ; فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ صِدْقَ نَفْسِهِ " فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ " . " أَحَدُهَا " لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَيْمَانِ ; وَهَذَا أَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ; وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَد . فَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أَوْ غَيْرِهِمَا عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ . وَالثَّانِي يَكُونُ كَالْحَلِفِ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فِي الْجَمِيعِ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَد . فَعَلَى هَذَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِيمَا يُكَفِّرُهُ " وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ " أَنَّ يَمِينَهُ إذَا كَانَتْ مُكَفِّرَةً كَالْحَلِفِ بِسْمِ اللَّهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ; بَلْ هَذَا مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ ; وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُكَفِّرَةٍ كَالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ ; وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ فَإِذَا كَانَتْ الْيَمِينُ غَمُوسًا - وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ كَاذِبًا عَالِمًا بِكَذِبِ نَفْسِهِ - فَهَذِهِ الْيَمِينُ يَأْثَمُ بِهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ مِنْهَا وَهِيَ كَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ ; لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَاجِرَةٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ } ثُمَّ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُكَفِّرُ : فَفِيهَا كَفَّارَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي رِوَايَةٍ وَأَمَّا الْأَكْثَرُونَ فَقَالُوا : هَذِهِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ . قَالُوا : وَالْكَبَائِرُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا كَمَا لَا كَفَّارَةَ فِي السَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ ; وَكَذَلِكَ قَتْلُ الْعَمْدِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ . وَإِذَا حَلَفَ بِالْتِزَامِ يَمِينٍ غَمُوسٍ كَالصُّورَةِ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا السَّائِلُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : الْحِلُّ عَلَيْهِ حَرَامٌ مَا فَعَلْت كَذَا . أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي مَا فَعَلْت كَذَا . أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا . فَمَالِي صَدَقَةٌ . أَوْ فَعَلَيَّ الْحَجُّ . أَوْ فَنِسَائِي طَوَالِقُ . أَوْ عَبِيدِي أَحْرَارٌ . فَقِيلَ : تَلْزَمُهُ هَذِهِ اللَّوَازِمُ إذَا قُلْنَا لَا كَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ ; وَإِنْ قُلْنَا : هَذِهِ أَيْمَانٌ مُكَفِّرَةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ لَخَلَتْ هَذِهِ الْأَيْمَانُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلُزُومُ مَا الْتَزَمَهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ " جَدِّي أَبِي الْبَرَكَاتِ وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيَّ : مَنْ حَلَفَ بِالْكُفْرِ يَمِينًا غَمُوسًا كَفَّرَ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ هَذَا كَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ بِاَللَّهِ هِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَا يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ النَّذْرِ وَالطَّلَاقِ وَالْحَرَامِ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَقْصِدْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ نَذْرٌ وَلَا طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ وَلَا حَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً أَوْ كَانَتْ غَمُوسًا أَوْ كَانَتْ لَغْوًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنَّذْرُ لِمَنْ قَصَدَ ذَلِكَ ; فَإِنَّ التَّعْلِيقَ " نَوْعَانِ " نَوْعٌ يُقْصَدُ بِهِ وُقُوعُ الْجَزَاءِ إذَا وَقَعَ الشَّرْطُ : فَهَذَا تَعْلِيقٌ لَازِمٌ . فَإِذَا عَلَّقَ النَّذْرَ أَوْ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَزِمَهُ . فَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا تَطَهَّرْت مِنْ الْحَيْضِ فَأَنْتِ طَالِقٌ . أَوْ إذَا تَبَيَّنَ حَمْلُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ عِنْدَ الصِّفَةِ وَكَذَلِكَ إذَا عَلَّقَهُ بِالْهِلَالِ وَكَذَلِكَ لَوْ نَهَاهَا عَنْ أَمْرٍ وَقَالَ : إنْ فَعَلْته فَأَنْتِ طَالِقٌ : وَهُوَ إذَا فَعَلَتْهُ يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَنَحْوَ هَذَا . بِخِلَافِ مِثْلَ أَنْ يَنْهَاهَا عَنْ فَاحِشَةٍ أَوْ خِيَانَةٍ أَوْ ظُلْمٍ فَيَقُولُ : إنْ فعلتيه أَنْتِ طَالِقٌ . فَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَكْرَهُ طَلَاقَهَا ; لَكِنْ إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ الْمُنْكَرَ كَانَ طَلَاقُهَا أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يُقِيمَ مَعَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ . فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَوْقَعُوا الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ إذَا كَانَ قَصْدُهُ وُقُوعَهُ عِنْدَ الشَّرْطِ كَمَا أَلْزَمُوهُ بِالنَّذْرِ ; بِخِلَافِ مَنْ كَانَ قَصْدُهُ الْيَمِينَ . وَاَلَّذِي قَصْدُهُ الْيَمِينَ هُوَ مِثْلَ الَّذِي يَكْرَهُ الشَّرْطَ وَيَكْرَهُ الْجَزَاءَ وَإِنْ وَقْعَ الشَّرْطُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : إنْ سَافَرْت مَعَكُمْ فَنِسَائِي طَوَالِقُ وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ وَمَالِي صَدَقَةٌ وَعَلَيَّ عَشْرُ حِجَجٍ . وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا مِمَّا يُعْرَفُ قَطْعًا أَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَنْ تَلْزَمَهُ هَذِهِ الْأُمُورُ وَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ . فَهَذَا هُوَ الْحَالِفُ . فَيَجِبُ الْفَرْقُ فِي جَمِيعِ التَّعْلِيقَاتِ وَمَنْ قَصْدُهُ وُقُوعَ الْجَزَاءِ وَمَنْ قَصْدُهُ الْيَمِينَ . فَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا بِصِفَةِ يَقْصِدُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عِنْدَهَا : وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ إذَا كَانَ حَلَالًا وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ أَوْ حَامِلٌ قَدْ تَبَيَّنَ حَمْلُهَا . " وَأَمَّا الطَّلَاقُ الْحَرَامُ " كَمَا لَوْ طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ أَوْ الطُّهْرِ بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا وَقَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا : فَفِيهِ نِزَاعٌ . وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَمَا لَا يَلْزَمُ النِّكَاحُ الْمُحَرَّمُ وَنَحْوُهُ . وَجَمْعُ الثَّلَاثِ حَرَامٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ . فَإِذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا : فَهَلْ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ ؟ أَوْ وَاحِدَةٌ ؟ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ . وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .