وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّا ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ القشيري فِي ( بَابِ الرِّضَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ : الرِّضَا أَلَّا يَسْأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَلَا يَسْتَعِيذَ مِنْ النَّارِ . فَهَلْ هَذَا الْكَلَامُ صَحِيحٌ ؟ ؟ .
وَأَمَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَطَرِيقِهِ وَدِينِهِ فَمِنْ وُجُوهٍ : ( أَحَدُهَا أَنْ يُقَالَ الرَّاضِي لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ وَإِلَّا فَكَيْفَ يَكُونُ رَاضِيًا عَنْ اللَّهِ مَنْ لَا يَفْعَلُ مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ ؟ وَكَيْفَ يَسُوغُ رِضَا مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَيَسْخَطُهُ وَيَذُمُّهُ وَيَنْهَى عَنْهُ . وَبَيَانُ هَذَا : أَنَّ الرِّضَا الْمَحْمُودَ : إمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَإِمَّا أَلَّا يُحِبَّهُ وَيَرْضَاهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا الرِّضَا مَأْمُورًا بِهِ لَا أَمْرَ إيجَابٍ وَلَا أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ ; فَإِنَّ مِنْ الرِّضَا مَا هُوَ كُفْرٌ كَرِضَا الْكُفَّارِ بِالشِّرْكِ وَقَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ وَتَكْذِيبِهِمْ وَرِضَاهُمْ بِمَا يَسْخَطُهُ اللَّهُ وَيَكْرَهُهُ . قَالَ تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } فَمَنْ اتَّبَعَ مَا أَسْخَطَ اللَّهَ بِرِضَاهُ وَعَمَلِهِ فَقَدْ أَسْخَطَ اللَّهَ . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ الْخَطِيئَةَ إذَا عُمِلَتْ فِي الْأَرْضِ كَانَ مَنْ غَابَ عَنْهَا وَرَضِيَهَا كَمَنْ حَضَرَهَا وَمَنْ شَهِدَهَا وَسَخِطَهَا كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا وَأَنْكَرَهَا } . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ هَلَكَ } . وَقَالَ تَعَالَى : { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } فَرِضَانَا عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ لَيْسَ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ وَهُوَ لَا يَرْضَى عَنْهُمْ . وَقَالَ تَعَالَى : { أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إلَّا قَلِيلٌ } فَهَذَا رِضًا قَدْ ذَمَّهُ اللَّهُ . وَقَالَ تَعَالَى { إنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا } فَهَذَا أَيْضًا رِضًا مَذْمُومٌ وَسِوَى هَذَا وَهَذَا كَثِيرٌ . فَمَنْ رَضِيَ بِكُفْرِهِ وَكُفْرِ غَيْرِهِ وَفِسْقِهِ وَفِسْقِ غَيْرِهِ وَمَعَاصِيهِ وَمَعَاصِي غَيْرِهِ فَلَيْسَ هُوَ مُتَّبِعًا لِرِضَا اللَّهِ وَلَا هُوَ مُؤْمِنٌ بِاَللَّهِ . بَلْ هُوَ مُسْخِطٌ لِرَبِّهِ وَرَبُّهُ غَضْبَانُ عَلَيْهِ لَاعِنٌ لَهُ ذَامٌّ لَهُ مُتَوَعِّدٌ لَهُ بِالْعِقَابِ . وَطَرِيقُ اللَّهِ الَّتِي يَأْمُرُ بِهَا الْمَشَايِخُ الْمُهْتَدُونَ : إنَّمَا هِيَ الْأَمْرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَالنَّهْيُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ . فَمَنْ أَمَرَ أَوْ اسْتَحَبَّ أَوْ مَدَحَ الرِّضَا الَّذِي يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَيَذُمُّهُ وَيَنْهَى عَنْهُ وَيُعَاقِبُ أَصْحَابَهُ فَهُوَ عَدُوٌّ لِلَّهِ لَا وَلِيٌّ لِلَّهِ وَهُوَ يَصُدُّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَطَرِيقُهُ لَيْسَ بِسَالِكِ لِطَرِيقِهِ وَسَبِيلِهِ . وَإِذَا كَانَ الرِّضَا الْمَوْجُودُ فِي بَنِي آدَمَ مِنْهُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَمِنْهُ مَا يَكْرَهُهُ وَيَسْخَطُهُ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُبَاحٌ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا كَسَائِرِ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ مِنْ الْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ : كُلُّهَا تَنْقَسِمُ إلَى مَحْبُوبٍ لِلَّهِ وَمَكْرُوهٍ لِلَّهِ مُبَاحٍ . فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَالرَّاضِي الَّذِي لَا يَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَلَا يَسْتَعِيذُهُ مِنْ النَّارِ يُقَالُ لَهُ : سُؤَالُ اللَّهِ الْجَنَّةَ وَاسْتِعَاذَتُهُ مِنْ النَّارِ إمَّا أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَبَّةً وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَكْرُوهَةً وَلَا يَقُولُ مُسْلِمٌ : إنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَلَا مَكْرُوهَةٌ وَلَيْسَتْ أَيْضًا مُبَاحَةً مُسْتَوِيَةَ الطَّرَفَيْنِ . وَلَوْ قِيلَ : إنَّهَا كَذَلِكَ فَفِعْلُ الْمُبَاحِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ لَا يُنَافِي الرِّضَا ; إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الرَّاضِي أَلَّا يَأْكُلَ وَلَا يَشْرَبَ وَلَا يَلْبَسَ وَلَا يَفْعَلَ أَمْثَالَ هَذِهِ الْأُمُورِ . فَإِذَا كَانَ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا يُنَافِي رِضَاهُ أَيُنَافِي رِضَاهُ دُعَاءٌ وَسُؤَالٌ هُوَ مُبَاحٌ . وَإِذَا كَانَ السُّؤَالُ وَالدُّعَاءُ كَذَلِكَ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا فَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ يَرْضَى بِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّات فَكَيْفَ يَكُونُ الرَّاضِي الَّذِي مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ لَا يَفْعَلُ مَا يَرْضَاهُ وَيُحِبُّهُ ; بَلْ يَفْعَلُ مَا يَسْخَطُهُ وَيَكْرَهُهُ وَهَذِهِ صِفَةُ أَعْدَاءِ اللَّهِ لَا أَوْلِيَاءِ اللَّهِ . والقشيري قَدْ ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ ( بَابِ الرِّضَا فَقَالَ : اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَرْضَى بِقَضَاءِ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِالرِّضَا بِهِ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَا هُوَ بِقَضَائِهِ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَوْ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الرِّضَا بِهِ . كَالْمَعَاصِي وَفُنُونِ مِحَنِ الْمُسْلِمِينَ . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَالَهُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَمَعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ : كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَمْثَالِهِمَا لَمَّا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ الْقَدَرِيَّةُ بِأَنَّ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَوْ كَانَتْ الْمَعَاصِي بِقَضَاءِ اللَّهِ لَكُنَّا مَأْمُورِينَ بِالرِّضَا بِهَا وَالرِّضَا بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ فَأَجَابَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ عَنْ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ : ( أَحَدُهَا - وَهُوَ جَوَابُ هَؤُلَاءِ وَجَمَاهِيرِ الْأَئِمَّةِ - أَنَّ هَذَا الْعُمُومَ لَيْسَ بِصَحِيحِ فَلَسْنَا مَأْمُورِينَ أَنْ نَرْضَى بِكُلِّ مَا قَضَى وَقَدَّرَ وَلَمْ يَجِئْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمْرٌ بِذَلِكَ وَلَكِنْ عَلَيْنَا أَنْ نَرْضَى بِمَا أَمَرَنَا أَنْ نَرْضَى بِهِ كَطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ . ( وَالْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّهُمْ قَالُوا : إنَّا نَرْضَى بِالْقَضَاءِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ اللَّهِ أَوْ فِعْلُهُ لَا بِالْمَقْضِيِّ الَّذِي هُوَ مَفْعُولُهُ . وَفِي هَذَا الْجَوَابِ ضَعْفٌ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . ( الثَّالِثُ أَنَّهُمْ قَالُوا : هَذِهِ الْمَعَاصِي لَهَا وَجْهَانِ : وَجْهٌ إلَى الْعَبْدِ مِنْ حَيْثُ هِيَ فِعْلُهُ وَصُنْعُهُ وَكَسْبُهُ وَوَجْهٌ إلَى الرَّبِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَلَقَهَا وَقَضَاهَا وَقَدَّرَهَا فَيَرْضَى مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُضَافُ بِهِ إلَى اللَّهِ وَلَا يَرْضَى مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُضَافُ بِهِ إلَى الْعَبْدِ إذْ كَوْنُهَا شَرًّا وَقَبِيحَةً وَمُحَرَّمًا وَسَبَبًا لِلْعَذَابِ وَالذَّمِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مُضَافَةً إلَى الْعَبْدِ . وَهَذَا مَقَامٌ فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْحَقَائِقِ وَالْأَسْرَارِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْهُ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; وَلَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمَكَانُ . فَإِنَّ هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِمَسَائِلِ " الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ " وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ مَطَالِبِ الدِّينِ وَأَشْرَفِ عُلُومِ الْأَوَّلِينَ والآخرين وَأَدَقِّهَا عَلَى عُقُولِ أَكْثَرِ الْعَالَمِينَ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَشَايِخَ الصُّوفِيَّةِ وَالْعُلَمَاءِ وَغَيْرَهُمْ قَدْ بَيَّنُوا أَنَّ مِنْ الرِّضَا مَا يَكُونُ جَائِزًا وَمِنْهُ مَا لَا يَكُونُ جَائِزًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مُسْتَحَبًّا أَوْ مِنْ صِفَاتِ الْمُقَرَّبِينَ وَأَنَّ أَبَا الْقَاسِمِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي " الرِّسَالَةِ " أَيْضًا . ( فَإِنْ قِيلَ : هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ أَمْرٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ فَمِنْ أَيْنَ غَلِطَ مَنْ قَالَ : الرِّضَا أَلَّا تَسْأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَلَا تَسْتَعِيذَهُ مِنْ النَّارِ ؟ وَغَلِطَ مَنْ يَسْتَحْسِنُ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ كَائِنًا مَنْ كَانَ ؟ . ( قِيلَ : غَلِطُوا فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الرَّاضِيَ بِأَمْرِ لَا يَطْلُبُ غَيْرَ ذَلِكَ الْأَمْرِ فَالْعَبْدُ إذَا كَانَ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ فَمِنْ رِضَاهُ أَلَّا يَطْلُبَ غَيْرَ تِلْكَ الْحَالِ ثُمَّ إنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ أَقْصَى الْمَطَالِبِ الْجَنَّةُ وَأَقْصَى الْمَكَارِه النَّارُ . فَقَالُوا : يَنْبَغِي أَلَّا يَطْلُبَ شَيْئًا وَلَوْ أَنَّهُ الْجَنَّةُ وَلَا يَكْرَهَ مَا يَنَالُهُ وَلَوْ أَنَّهُ النَّارُ وَهَذَا وَجْهُ غَلَطِهِمْ . وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ الضَّلَالُ مِنْ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا : ظَنُّهُمْ أَنَّ الرِّضَا بِكُلِّ مَا يَكُونُ أَمْرٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ وَأَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ طُرُقِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ فَجَعَلُوا الرِّضَا بِكُلِّ حَادِثٍ وَكَائِنٍ أَوْ بِكُلِّ حَالٍ يَكُونُ فِيهَا لِلْعَبْدِ طَرِيقًا إلَى اللَّهِ فَضَلُّوا ضَلَالًا مُبِينًا . وَالطَّرِيقُ إلَى اللَّهِ إنَّمَا هِيَ أَنْ تُرْضِيَهُ بِأَنْ تَفْعَلَ مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ لَيْسَ أَنْ تَرْضَى بِكُلِّ مَا يَحْدُثُ وَيَكُونُ فَإِنَّهُ هُوَ لَمْ يَأْمُرْك بِذَلِكَ وَلَا رَضِيَهُ لَك وَلَا أَحَبَّهُ ; بَلْ [ هُوَ ] سُبْحَانَهُ يَكْرَهُ وَيَسْخَطُ وَيُبْغِضُ عَلَى أَعْيَانِ أَفْعَالٍ مَوْجُودَةٍ لَا يُحْصِيهَا إلَّا هُوَ . وَوِلَايَةُ اللَّهِ مُوَافَقَتُهُ بِأَنْ تُحِبَّ مَا يُحِبُّ وَتُبْغِضَ مَا يُبْغِضُ وَتَكْرَهَ مَا يَكْرَهُ وَتَسْخَطَ مَا يَسْخَطُ وَتُوَالِيَ مَنْ يُوَالِي وَتُعَادِي مَنْ يُعَادِي . فَإِذَا كُنْت تُحِبُّ وَتَرْضَى مَا يَكْرَهُهُ وَيَسْخَطُهُ كُنْت عَدُوَّهُ لَا وَلِيَّهُ وَكَانَ كُلُّ ذَمٍّ نَالَ مَنْ رَضِيَ مَا أَسْخَطَ اللَّهَ قَدْ نَالَك . فَتَدَبَّرْ هَذَا ; فَإِنَّهُ يُنَبِّهُ عَلَى أَصْلٍ عَظِيمٍ ضَلَّ فِيهِ مِنْ طَوَائِفِ النُّسَّاكِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالْعُبَّادِ وَالْعَامَّةِ مَنْ لَا يُحْصِيهِمْ إلَّا اللَّهُ .