تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
سُئِلَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ قَوْمٍ دَاوَمُوا عَلَى " الرِّيَاضَةِ " مَرَّةً فَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ تجوهروا فَقَالُوا : لَا نُبَالِي الْآنَ مَا عَمِلْنَا وَإِنَّمَا الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي رُسُومُ الْعَوَامِّ وَلَوْ تجوهروا لَسَقَطَتْ عَنْهُمْ وَحَاصِلُ النُّبُوَّةِ يَرْجِعُ إلَى الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَالْمُرَادُ مِنْهَا ضَبْطُ الْعَوَامِّ وَلَسْنَا نَحْنُ مِنْ الْعَوَامِّ فَنَدْخُلُ فِي حِجْرِ التَّكْلِيفِ لِأَنَّا قَدْ تجوهرنا وَعَرَفْنَا الْحِكْمَةَ . فَهَلْ هَذَا الْقَوْلُ كُفْرٌ مِنْ قَائِلِهِ ؟ أَمْ يُبَدَّعُ مِنْ غَيْرِ تَكْفِيرٍ . وَهَلْ يَصِيرُ ذَلِكَ عَمَّنْ فِي قَلْبِهِ خُضُوعٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ .
12345
وَأَيْضًا فَلَفْظُ " الشَّرْعِ " فِي هَذَا الزَّمَانِ يُطْلَقُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ : شَرْعٌ مُنَزَّلٌ وَشَرْعٌ مُتَأَوَّلٌ وَشَرْعٌ مُبَدَّلٌ . فَالْمُنَزَّلُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَهَذَا الَّذِي يَجِبُ اتِّبَاعُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَهُوَ كَافِرٌ . وَ " الْمُتَأَوَّلُ " مَوَارِدُ الِاجْتِهَادِ الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ فَاتِّبَاعُ أَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ جَائِزٌ لِمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ حُجَّتَهُ هِيَ الْقَوِيَّةُ أَوْ لِمَنْ سَاغَ لَهُ تَقْلِيدُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعُ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ إذَا رَأَى بَعْضُ النَّاسِ مِنْ الْمَشَايِخِ الصَّالِحِينَ [ يَرَى أَنَّهُ ] يَكُونُ الصَّوَابُ مَعَ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ قَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ وَإِنَّمَا خَالَفَ مَا يَظُنُّهُ هُوَ الشَّرْعُ وَقَدْ يَكُونُ ظَنُّهُ خَطَأً فَيُثَابُ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَخَطَؤُهُ مَغْفُورٌ لَهُ وَقَدْ يَكُونُ الْآخَرُ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا . وَأَمَّا " الشَّرْعُ الْمُبَدَّلُ " : فَمِثْلُ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ وَالتَّأْوِيلَاتِ الْفَاسِدَةِ وَالْأَقْيِسَةِ الْبَاطِلَةِ وَالتَّقْلِيدِ الْمُحَرَّمِ فَهَذَا يَحْرُمُ أَيْضًا . وَهَذَا مِنْ مَثَارِ النِّزَاعِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُتَكَلِّمَةِ قَدْ يُوجِبُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَصَوِّفَةِ وَالْمُتَفَقِّرَةِ اتِّبَاعَ مَذْهَبِهِ الْمُعَيَّنِ وَتَقْلِيدَ مَتْبُوعِهِ ; وَالْتِزَامَ حُكْمِ حَاكِمِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَيَرَى خُرُوجَهُ عَنْ ذَلِكَ خُرُوجًا عَنْ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُ وَظُلْمٌ ; بَلْ دَعْوَى ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ . كَمَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُتَصَوِّفَةِ وَالْمُتَفَقِّرَةِ يَرَى مِثْلَ ذَلِكَ فِي شَيْخِهِ وَمَتْبُوعِهِ وَهُوَ فِي هَذَا نَظِيرُ ذَلِكَ . وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ يُسَوِّغُ الْخُرُوجَ عَمَّا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ لِمَا يَظُنُّهُ مُعَارِضًا لَهُمَا إمَّا لِمَا يُسَمِّيه هَذَا ذَوْقًا وَوَجْدًا وَمُكَاشَفَاتٍ وَمُخَاطَبَاتٍ وَإِمَّا لِمَا يُسَمِّيه هَذَا قِيَاسًا وَرَأْيًا وَعَقْلِيَّاتٍ وَقَوَاطِعَ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ شُعَبِ النِّفَاقِ بَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ تَصْدِيقُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَطَاعَتُهُ فِي جَمِيعِ مَا أَمَرَ بِهِ وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُعَارِضَهُ بِضَرْبِ الْأَمْثَالِ وَلَا بِآرَاءِ الرِّجَالِ وَكُلُّ مَا عَارَضَهُ فَهُوَ خَطَأٌ وَضَلَالٌ . وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ تَفْصِيلِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا لَا يَتَّسِعُ لَهُ هَذَا الْمَجَالُ . وَاَللَّهُ تَعَالَى يُوَفِّقُنَا وَسَائِرَ إخْوَانِنَا لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ ; مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ وَفِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَوَاتُهُ وَسَلَامُهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .