سُئِلَ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  عَنْ   قَوْله تَعَالَى {   قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ  عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي   }  ؟ وَهَلْ الدَّعْوَةُ عَامَّةٌ تَتَعَيَّنُ  فِي حَقِّ كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ دَاخِلٌ  فِي هَذِهِ الدَّعْوَةِ أَمْ لَا  وَإِذَا  كَانَا دَاخِلَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُونَا فَهَلْ هُمَا  مِنْ الْوَاجِبَاتِ  عَلَى كُلِّ فَرْدٍ  مِنْ أَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ  كَمَا تَقَدَّمَ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا  كَانَا وَاجِبَيْنِ فَهَلْ يَجِبَانِ مُطْلَقًا مَعَ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ بِسَبَبِهِمَا أَمْ لَا ؟  وَهَلْ لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ  وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَقْتَصَّ  مِنْ الْجَانِي عَلَيْهِ إذَا  آذَاهُ  فِي  ذَلِكَ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى طَمَعٍ مِنْهُ  فِي  جَانِبِ الْحَقِّ أَمْ لَا ؟  وَإِذَا  كَانَ لَهُ  ذَلِكَ فَهَلْ  تَرْكُهُ  أَوْلَى مُطْلَقًا أَمْ لَا ؟ ؟ . 
				
				
				 فَالْمَأْمُورُ   الْمَنْهِيُّ إنْ  كَانَ مُسْتَحِلًّا لِأَذَى الْآمِرِ  النَّاهِي كَأَهْلِ الْبِدَعِ  وَالْأَهْوَاءِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ  أَنَّهُمْ  عَلَى حَقٍّ  وَأَنَّ الْآمِرَ  النَّاهِيَ  لَهُمْ  مُعْتَدٍ عَلَيْهِمْ  فَإِذَا تَابُوا لَمْ يُعَاقَبُوا بِمَا اعْتَدَوْا  بِهِ  عَلَى الْآمِرِ  النَّاهِي  مِنْ   أَهْلِ السُّنَّةِ  كالرافضي الَّذِي يَعْتَقِدُ كُفْرَ   الصَّحَابَةِ  أَوْ فِسْقَهُمْ  وَسَبَّهُمْ  عَلَى  ذَلِكَ  فَإِنْ تَابَ  مِنْ  هَذَا الِاعْتِقَادِ  وَصَارَ يُحِبُّهُمْ وَيَتَوَلَّاهُمْ لَمْ يَبْقَ  لَهُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ بَلْ  دَخَلَ حَقُّهُمْ  فِي حَقِّ اللَّهِ ثُبُوتًا وَسُقُوطًا ;  لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِاعْتِقَادِهِ  . وَلِهَذَا  كَانَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ -  كَأَبِي حَنِيفَةَ  وَمَالِكٍ  وَأَحْمَد  فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ  وَالشَّافِعِيِّ  فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ  عَلَى -  أَنَّ   أَهْلَ الْبَغْيِ الْمُتَأَوِّلِينَ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ  عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ بِالتَّأْوِيلِ  كَمَا لَا يَضْمَنُ أَهْلُ الْعَدْلِ مَا أَتْلَفُوهُ  عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ بِالتَّأْوِيلِ  بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ  .  وَكَذَلِكَ أَصَحُّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ  فِي  الْمُرْتَدِّينَ  فَإِنَّ  الْمُرْتَدَّ وَالْبَاغِيَ الْمُتَأَوِّلَ وَالْمُبْتَدِعَ كُلُّ هَؤُلَاءِ يَعْتَقِدُ أَحَدُهُمْ  أَنَّهُ  عَلَى حَقٍّ فَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ مُتَأَوِّلًا فَإِذَا تَابَ  مِنْ  ذَلِكَ  كَانَ كَتَوْبَةِ الْكَافِرِ  مِنْ كُفْرِهِ ; فَيُغْفَرُ لَهُ مَا  سَلَفَ مِمَّا  فَعَلَهُ مُتَأَوِّلًا  وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ يَعْتَقِدُ  أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ بَغْيٌ وَعُدْوَانٌ كَالْمُسْلِمِ إذَا  ظَلَمَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيِّ إذَا  ظَلَمَ الْمُسْلِمَ  وَالْمُرْتَدِّ الَّذِي  أَتْلَفَ  مَالَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِمُحَارَبِ بَلْ هُوَ  فِي الظَّاهِرِ مُسْلِمٌ أَوْ مُعَاهَدٌ  فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ  بِالِاتِّفَاقِ  . فَالْمَأْمُورُ   الْمَنْهِيُّ إنْ  كَانَ يَعْتَقِدُ  أَنَّ أَذَى الْآمِرِ  النَّاهِي جَائِزٌ لَهُ  فَهُوَ  مِنْ الْمُتَأَوِّلِينَ وَحَقُّ الْآمِرِ  النَّاهِي دَاخِلٌ  فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا تَابَ  سَقَطَ الْحَقَّانِ  وَإِنْ لَمْ يَتُبْ  كَانَ مَطْلُوبًا بِحَقِّ اللَّهِ الْمُتَضَمِّنِ  حَقَّ الْآدَمِيِّ فَإِمَّا أَنْ  يَكُونَ كَافِرًا وَإِمَّا أَنْ  يَكُونَ فَاسِقًا وَإِمَّا أَنْ  يَكُونَ  عَاصِيًا . فَهَؤُلَاءِ كَلٌّ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ الشَّرْعِيَّةَ بِحَسَبِهِ  وَإِنْ  كَانَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا  فَهَذَا قَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ خَطَأَهُ فَإِذَا  كَانَ قَدْ  حَصَلَ بِسَبَبِ اجْتِهَادِهِ الْخَطَأِ أَذًى لِلْآمِرِ  النَّاهِي بِغَيْرِ حَقٍّ فَهُوَ  كَالْحَاكِمِ إذَا اجْتَهَدَ  فَأَخْطَأَ  وَكَانَ  فِي  ذَلِكَ مَا هُوَ أَذًى لِلْمُسْلِمِ أَوْ كَالشَّاهِدِ أَوْ كَالْمُفْتِي .  فَإِذَا  كَانَ الْخَطَأُ لَمْ يَتَبَيَّنْ  لِذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ الْمُخْطِئِ  كَانَ  هَذَا مِمَّا ابْتَلَى اللَّهُ  بِهِ  هَذَا الْآمِرَ  النَّاهِيَ .  قَالَ تَعَالَى : {   وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ  وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا   }  فَهَذَا مِمَّا يَرْتَفِعُ عَنْهُ الْإِثْمُ  فِي نَفْسِ الْأَمْرِ  وَكَذَلِكَ الْجَزَاءُ  عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ ; وَلَكِنْ قَدْ  يُقَالُ : قَدْ يَسْقُطُ الْجَزَاءُ  عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ الَّذِي يَجِبُ  فِي الْعَمْدِ وَيَثْبُتُ الضَّمَانُ الَّذِي يَجِبُ  فِي الْخَطَأِ  كَمَا تَجِبُ الدِّيَةُ  فِي الْخَطَأِ  وَكَمَا يَجِبُ ضَمَانُ الْأَمْوَالِ الَّتِي يُتْلِفُهَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ  فِي  مَالِهِ  وَإِنْ  وَجَبَتْ الدِّيَةُ  عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ خَطَأً ;  مُعَاوَنَةً لَهُ  فَلَا  بُدَّ  مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّ الْمَظْلُومِ خَطَأً ;  فَكَذَلِكَ  هَذَا الَّذِي  ظَلَمَ خَطَأً  ; لَكِنْ  يُقَالُ : يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا  كَانَ الْحَقُّ  فِيهِ لِلَّهِ وَحَقُّ الْآدَمِيِّ تَبَعٌ لَهُ وَمَا  كَانَ حَقًّا لِآدَمِيِّ مَحْضًا أَوْ غَالِبًا وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْجِهَادُ  مِنْ  هَذَا الْبَابِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ لَا يُوجِبُونَ  عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ ضَمَانَ مَا أَتْلَفُوهُ لِأَهْلِ الْعَدْلِ بِالتَّأْوِيلِ  وَإِنْ  كَانَ  ذَلِكَ خَطَأً مِنْهُمْ لَيْسَ كُفْرًا وَلَا فِسْقًا .  وَإِذَا  قَدَرَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْعَدْلِ لَمْ يَتْبَعُوا مُدْبِرَهُمْ وَلَمْ يُجْهِزُوا  عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَمْ يَسْبُوا حَرِيمَهُمْ وَلَمْ يَغْنَمُوا أَمْوَالَهُمْ  فَلَا يُقَاتِلُونَهُمْ  عَلَى مَا أَتْلَفُوهُ  مِنْ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ إذَا أَتْلَفُوا مِثْلَ  ذَلِكَ أَوْ  تَمَلَّكُوا عَلَيْهِمْ .  فَتَبَيَّنَ  أَنَّ الْقِصَاصَ سَاقِطٌ  فِي  هَذَا الْمَوْضِعِ ; لِأَنَّ  هَذَا  مِنْ بَابِ الْجِهَادِ الَّذِي يَجِبُ  فِيهِ الْأَجْرُ  عَلَى اللَّهِ  وَهَذَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ الْعَبْدِ الْآمِرِ  النَّاهِي . وَأَمَّا قَوْلُ  السَّائِلِ :   هَلْ يُقْتَصُّ مِنْهُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى طَمَعٍ مِنْهُ  فِي جَانِبِ الْحَقِّ  ؟  فَيُقَالُ : مَتَى  كَانَ فِيمَا  فَعَلَهُ إفْسَادٌ لِجَانِبِ الْحَقِّ  كَانَ الْحَقُّ  فِي  ذَلِكَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُفْعَلُ  فِيهِ مَا يُفْعَلُ  فِي نَظِيرِهِ  وَإِنْ لَمْ يَكُنْ  فِيهِ أَذًى لِلْآمِرِ  النَّاهِي .  وَالْمَصْلَحَةُ  فِي  ذَلِكَ تَتَنَوَّعُ ; فَتَارَةً تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْقِتَالَ وَتَارَةً تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ  الْمُهَادَنَةَ وَتَارَةً تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ الْإِمْسَاكَ وَالِاسْتِعْدَادَ  بِلَا  مُهَادَنَةٍ  وَهَذَا يُشْبِهُ  ذَلِكَ ;  لَكِنَّ الْإِنْسَانَ تُزَيِّنُ لَهُ نَفْسُهُ  أَنَّ عَفْوَهُ عَنْ ظَالِمِهِ  يُجْرِيهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ  كَذَلِكَ ; بَلْ قَدْ  ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فِي الصَّحِيحِ  أَنَّهُ  قَالَ :   {   ثَلَاثٌ إنْ  كُنْت لَحَالِفًا عَلَيْهِنَّ مَا  زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوِ إلَّا عِزًّا وَمَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ  مِنْ  مَالٍ وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ   }  . فَاَلَّذِي   يَنْبَغِي  فِي  هَذَا الْبَابِ أَنْ يَعْفُوَ الْإِنْسَانُ عَنْ حَقِّهِ وَيَسْتَوْفِيَ حُقُوقَ اللَّهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ  .  قَالَ تَعَالَى :   {   وَالَّذِينَ إذَا  أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ   }  قَالَ  إبْرَاهِيمُ النَّخْعِيُّ  :  كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَذِلُّوا فَإِذَا قَدَرُوا عَفَوْا  .  قَالَ تَعَالَى :   {   هُمْ يَنْتَصِرُونَ   }  يَمْدَحُهُمْ بِأَنَّ  فِيهِمْ هِمَّةَ الِانْتِصَارِ لِلْحَقِّ وَالْحَمِيَّةَ لَهُ ; لَيْسُوا بِمَنْزِلَةِ الَّذِينَ يَعْفُونَ عَجْزًا وَذُلًّا ; بَلْ  هَذَا مِمَّا يُذَمُّ  بِهِ الرَّجُلُ وَالْمَمْدُوحُ الْعَفْوُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْقِيَامُ لِمَا يَجِبُ  مِنْ  نَصْرِ الْحَقِّ لَا مَعَ إهْمَالِ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْعِبَادِ . وَاَللَّهُ تَعَالَى  أَعْلَمُ .