بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد بْنُ تيمية - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ مَا تَقُولُونَ فِي " الْمَنْطِقِ " وَهَلْ مَنْ قَالَ إنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ مُصِيبٌ أَمْ مُخْطِئٌ ؟ .
وَأَيْضًا هُمْ يَطْعَنُونَ فِي قِيَاسِ التَّمْثِيلِ . أَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ وَرُبَّمَا تَكَلَّمُوا عَلَى بَعْضِ الْأَقْيِسَةِ الْفَرْعِيَّةِ أَوْ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي تَكُونُ مُقَدِّمَاتُهَا ضَعِيفَةً أَوْ مَظْنُونَةً مِثْلَ كَلَامِ السهروردي الْمَقْتُولِ عَلَى الزَّنْدَقَةِ صَاحِبِ " التَّلْوِيحَاتُ " و " الْأَلْوَاحُ " و " حِكْمَةُ الْإِشْرَاقِ " . وَكَانَ فِي فَلْسَفَتِهِ مُسْتَمِدًّا مِنْ الرُّومِ الصَّابِئِينَ وَالْفُرْسِ الْمَجُوس . وَهَاتَانِ الْمَادَّتَانِ : هُمَا مَادَّتَا الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَمَنْ دَخَلَ وَيَدْخُلُ فِيهِمْ مِنْ الإسماعيلية والنصيرية وَأَمْثَالِهِمْ وَهُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " { لَتَأْخُذُنَّ مَأْخَذَ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرِ وَذِرَاعًا بِذِرَاعِ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ قَالُوا : فَارِسُ وَالرُّومُ ؟ قَالَ : فَمَنْ } " . وَالْمَقْصُودُ : أَنَّ ذِكْرَ كَلَامِ السهروردي هَذَا عَلَى قِيَاسِ ضَرْبِهِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : السَّمَاءُ مُحْدَثَةٌ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْتِ بِجَامِعِ مَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ مِنْ التَّأْلِيفِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ عِلَّةَ حُدُوثِ الْبِنَاءِ هُوَ التَّأْلِيفُ وَأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْفَرْعِ . وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّ " قِيَاسَ التَّمْثِيلِ " أَبْلَغُ فِي إفَادَةِ الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ مِنْ " قِيَاسِ الشُّمُولِ " وَإِنْ كَانَ عِلْمُ قِيَاسِ الشُّمُولِ أَكْثَرَ فَذَاكَ أَكْبَرُ فَقِيَاسُ التَّمْثِيلِ فِي الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ كَالْبَصَرِ فِي الْعِلْمِ الْحِسِّيِّ وَقِيَاسُ الشُّمُولِ : كَالسَّمْعِ فِي الْعِلْمِ الْحِسِّيِّ . وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْبَصَرَ أَعْظَمُ وَأَكْمَلُ وَالسَّمْعَ أَوْسَعُ وَأَشْمَلُ فَقِيَاسُ التَّمْثِيلِ : بِمَنْزِلَةِ الْبَصَرِ كَمَا قِيلَ : مَنْ قَاسَ مَا لَمْ يَرَهُ بِمَا رَأَى . وَقِيَاسُ الشُّمُولِ يُشَابِهُ السَّمْعَ مِنْ جِهَةِ الْعُمُومِ . ثُمَّ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِيَاسَيْنِ - فِي كَوْنِهِ عِلْمِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا - يَتْبَعُ مُقَدِّمَاتِهِ فَقِيَاسُ التَّمْثِيلِ فِي الْحِسِّيَّاتِ وَكُلُّ شَيْءٍ : إذَا عَلِمْنَا أَنَّ هَذَا مِثْلَ هَذَا عَلِمْنَا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ عِلَّةَ الْحُكْمِ وَإِنْ عَلِمْنَا عِلَّةَ الْحُكْمِ اسْتَدْلَلْنَا بِثُبُوتِهَا عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِلْمِ بِقِيَاسِ التَّمْثِيلِ وَقِيَاسِ التَّعْلِيلِ يُعْلَمُ الْحُكْمُ . وَقِيَاسُ التَّعْلِيلِ : هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ نَوْعِ قِيَاسِ الشُّمُولِ لَكِنَّهُ امْتَازَ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَدَّ الْأَوْسَطَ - الَّذِي هُوَ الدَّلِيلُ فِيهِ - هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ وَيُسَمَّى قِيَاسَ الْعِلَّةِ وَبُرْهَانَ الْعِلَّةِ . وَذَلِكَ يُسَمَّى قِيَاسَ الدِّلَالَةِ وَبُرْهَانَ الدِّلَالَةِ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ التَّمَاثُلَ وَالْعِلَّةَ بَلْ ظَنَنَّاهَا ظَنًّا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ . وَهَكَذَا الْأَمْرُ فِي قِيَاسِ الشُّمُولِ : إنْ كَانَتْ الْمُقَدِّمَتَانِ مَعْلُومَتَيْنِ كَانَتْ النَّتِيجَةُ مَعْلُومَةً وَإِلَّا فَالنَّتِيجَةُ تَتْبَعُ أَضْعَفَ الْمُقَدِّمَاتِ . فَأَمَّا دَعْوَاهُمْ : أَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ فَهُوَ غَلَطٌ مَحْضٌ مَحْسُوسٌ بَلْ عَامَّةُ عُلُومِ بَنِي آدَمَ الْعَقْلِيَّةِ الْمَحْضَةِ [ هِيَ ] مِنْ قِيَاسِ التَّمْثِيلِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ عُلُومَهُمْ الَّتِي جَعَلُوا هَذِهِ الصِّنَاعَةَ مِيزَانًا لَهَا بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ : لَا يَكَادُ يَنْتَفِعُ بِهَذِهِ الصِّنَاعَةِ الْمَنْطِقِيَّةِ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ إلَّا قَلِيلًا . فَإِنَّ الْعُلُومَ الرِّيَاضِيَّةَ : مِنْ حِسَابِ الْعَدَدِ وَحِسَابِ الْمِقْدَارِ الذِّهْنِيِّ وَالْخَارِجِيِّ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْخَائِضِينَ فِيهَا مِنْ الْأَوَّلِينَ والآخرين مُسْتَقِلُّونَ بِهَا مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى هَذِهِ الصِّنَاعَةِ الْمَنْطِقِيَّةِ وَاصْطِلَاحِ أَهْلِهَا . وَكَذَلِكَ مَا يَصِحُّ مِنْ الْعُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ وَالطِّبِّيَّةِ تَجِدُ الْحَاذِقِينَ فِيهَا لَمْ يَسْتَعِينُوا عَلَيْهَا بِشَيْءِ مِنْ صِنَاعَةِ الْمَنْطِقِ بَلْ إمَامُ صِنَاعَةِ الطِّبِّ بقراط : لَهُ فِيهَا مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي تَلَقَّاهُ أَهْلُ الطِّبِّ بِالْقَبُولِ وَوَجَدُوا مِصْدَاقَهُ بِالتَّجَارِبِ وَلَهُ فِيهَا مِنْ الْقَضَايَا الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ عِنْدَ عُقَلَاءِ بَنِي آدَمَ مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ هُوَ مُسْتَعِينًا بِشَيْءِ مِنْ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ بَلْ كَانَ قَبْلُ وَاضِعَهَا . وَهُمْ وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ الطَّبِيعِيُّ عِنْدَهُمْ أَعْلَمَ وَأَعْلَى مِنْ عِلْمِ الطِّبِّ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ . فَبِالْعِلْمِ بِطَبَائِعِ الْأَجْسَامِ الْمُعَيَّنَةِ الْمَحْسُوسَةِ تُعْلَمُ طَبَائِعُ سَائِرِ الْأَجْسَامِ وَمَبْدَأُ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ الَّذِي فِي الْجِسْمِ . وَيُسْتَدَلُّ بِالْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ وَلِهَذَا كَثِيرًا مَا يَتَنَاظَرُونَ فِي مَسَائِلَ وَيَتَنَازَعُ فِيهَا هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كَتَنَاظُرِ الْفُقَهَاءِ والمتكلمين فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ تَتَّفِقُ فِيهَا الصِّنَاعَتَانِ وَأُولَئِكَ يَدَّعُونَ عُمُومَ النَّظَرِ وَلَكِنَّ الْخَطَأَ وَالْغَلَطَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ والمتفلسفة أَكْثَرُ مِمَّا هُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْأَطِبَّاءِ وَكَلَامُهُمْ وَعِلْمُهُمْ أَنْفَعُ وَأُولَئِكَ أَكْثَرُ ضَلَالًا وَأَقَلُّ نَفْعًا لِأَنَّهُمْ طَلَبُوا بِالْقِيَاسِ مَا لَا يُعْلَمُ بِالْقِيَاسِ وَزَاحَمُوا الْفِطْرَةَ وَالنُّبُوَّةَ مُزَاحَمَةً أَوْجَبَتْ مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ لِلْفِطْرَةِ وَالنُّبُوَّةِ مَا صَارُوا بِهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ الَّذِينَ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا بِخِلَافِ الطِّبِّ الْمَحْضِ فَإِنَّهُ عِلْمٌ نَافِعٌ وَكَذَلِكَ الْفِقْهُ الْمَحْضُ .