تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ عَنْ الزَّيْت إذَا وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ مِثْلُ الْفَأْرَةِ وَنَحْوِهَا وَمَاتَتْ فِيهِ . هَلْ يَنْجُسُ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا قِيلَ يَنْجُسُ : فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُكَاثَرَ بِغَيْرِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قُلَّتَيْنِ أَمْ لَا ؟ . وَإِذَا قِيلَ تَجُوزُ الْمُكَاثَرَةُ هَلْ يَجُوزُ إلْقَاءُ الطَّاهِرِ عَلَى النَّجِسِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ لَا فَرْقَ . وَإِذَا لَمْ تَجُزْ الْمُكَاثَرَةُ وَقِيلَ بِنَجَاسَتِهِ هَلْ لَهُمْ طَرِيقٌ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ مِثْلَ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ أَوْ غَسْلِهِ إذَا قِيلَ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا كَانَتْ الْمِيَاهُ النَّجِسَةُ الْيَسِيرَةُ تَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ هَلْ تَطْهُرُ سَائِرُ الْمَائِعَاتِ بِالْمُكَاثَرَةِ أَمْ لَا ؟ .
1234
وَنَظِيرُ الْمَاءِ الَّذِي فِيهِ النَّجَاسَةُ الْغُسَالَةُ الْمُنْفَصِلَةُ عَنْ الْمَحَلِّ وَتِلْكَ نَجِسَةٌ قَبْلَ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ . وَفِيهَا بَعْدَ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : هَلْ هِيَ طَاهِرَةٌ أَوْ مُطَهِّرَةٌ أَوْ نَجِسَةٌ ؟ . وَأَبُو حَنِيفَةَ نَظَرَ إلَى هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ : الْمَاءُ يُنَجَّسُ بِوُقُوعِهَا فِيهِ وَإِنْ كَانَ يُزِيلُهَا عَنْ غَيْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِذَا كَانَتْ النُّصُوصُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُنَجَّسُ بِمُجَرَّدِ الْوُقُوعِ مَعَ الْكَثْرَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ } وَقَوْلُهُ : { إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ } فَإِنَّهُ إذَا كَانَ طَهُورًا يُطَهَّرُ بِهِ غَيْرُهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنَجَّسُ بِالْمُلَاقَاةِ . إذْ لَوْ نُجِّسَ بِهَا لَكَانَ إذَا صُبَّ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ يُنَجَّسُ بِمُلَاقَاتِهَا فَحِينَئِذٍ لَا يُنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ ; لَكِنْ إنْ بَقِيَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ حَرَّمَتْ وَإِنْ اسْتَحَالَتْ زَالَتْ . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اسْتِحَالَةَ النَّجَاسَةِ بِمُلَاقَاتِهِ لَهَا فِيهِ لَا يُنَجِّسُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَدْ زَالَتْ كَمَا زَالَتْ عَنْ الْمَحَلِّ . فَإِنَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ يَدْفَعُهَا عَنْ نَفْسِهِ كَمَا يُزِيلُهَا عَنْ غَيْرِهِ فَقَدْ خَالَفَ الْمُشَاهَدَةَ وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجَدُ فِي سَائِرِ الْمَائِعَاتِ مَنَّ الْأَشْرِبَةِ وَغَيْرِهَا . الْوَجْهُ الثَّانِي ; أَنْ يُقَالَ غَايَةُ هَذَا أَنْ يَقْتَضِيَ أَنَّهُ يُمْكِنُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعِ وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَمَالِكٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ . وَأَحْمَد جَعَلَهُ لَازِمًا لِمَنْ قَالَ : إنَّ الْمَائِعَ لَا يُنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ وَقَالَ : يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ تُزَالَ بِهِ النَّجَاسَةُ وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا دَفَعَهَا عَنْ نَفْسِهِ دَفَعَهَا عَنْ غَيْرِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَاءِ فَيَلْزَمُ جَوَازُ إزَالَتِهِ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ لِلْعَيْنِ قَلَّاعٍ لِلْأَثَرِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ . وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فَنَقُولُ بِهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ . وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْ دَفْعِهَا عَنْ نَفْسِهِ دَفْعُهَا عَنْ غَيْرِهِ لِكَوْنِ الْإِحَالَةِ أَقْوَى مِنْ الْإِزَالَةِ فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ : إنَّهُ يَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ أَنْ تَكُونَ الْمَائِعَاتُ كَالْمَاءِ فَإِذَا كَانَ الصَّحِيحُ فِي الْمَاءِ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا مَعَ الْكَثْرَةِ - فَكَذَلِكَ الصَّوَابُ فِي الْمَائِعَاتِ . وَفِي الْجُمْلَةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْمَائِعَاتِ مُمْكِنٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَهَذَا مُقْتَضَى النَّصِّ وَالْقِيَاسِ فِي مَسْأَلَةِ إزَالَةِ النَّجَاسَاتِ وَفِي مَسْأَلَةِ مُلَاقَاتِهَا لِلْمَائِعَاتِ الْمَاءِ وَغَيْرِ الْمَاءِ . وَمَنْ تَدَبَّرَ الْأُصُولَ الْمَنْصُوصَةَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا وَالْمَعَانِيَ الشَّرْعِيَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا هُوَ أَصْوَبُ الْأَقْوَالِ فَإِنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ وَالْمَائِعَاتِ بِدُونِ التَّغَيُّرِ بَعِيدٌ عَنْ ظَوَاهِرِ النُّصُوصِ وَالْأَقْيِسَةِ وَكَوْنُ حُكْمِ النَّجَاسَةِ يَبْقَى فِي مَوَارِدِهَا بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِمَائِعِ أَوْ غَيْرِ مَائِعٍ بَعِيدٌ عَنْ الْأُصُولِ وَمُوجِبُ الْقِيَاسِ . وَمَنْ كَانَ فَقِيهًا خَبِيرًا بِمَآخِذِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَزَالَ عَنْهُ الْهَوَى تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ إذَا كَانَ فِي اسْتِعْمَالِهَا فَسَادٌ فَإِنَّهُ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ : كَمَا يُنْهَى عَنْ ذَبْحِ الْخَيْلِ الَّتِي يُجَاهَدُ عَلَيْهَا وَالْإِبِلِ الَّتِي يُحَجُّ عَلَيْهَا . وَالْبَقَرُ الَّتِي يُحْرَثُ عَلَيْهَا . وَنَحْوِ ذَلِكَ . لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لَا لِأَجْلِ الْخَبَثِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ مَعَ أَصْحَابِهِ فَنَفِدَتْ أَزْوَادُهُمْ فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي نَحْرِ الظَّهْرِ فَأَذِنَ لَهُمْ ثُمَّ أَتَى عُمَرُ فَسَأَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ الْأَزْوَادَ فَيَدْعُو اللَّهَ بِالْبَرَكَةِ فِيهَا وَيَبْقَى الظَّهْرُ فَفَعَلَ ذَلِكَ } فَنَهْيُهُ لَهُمْ عَنْ نَحْرِ الظَّهْرِ كَانَ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ لِلرُّكُوبِ ; لَا لِأَنَّ الْإِبِلَ مُحَرَّمَةٌ . فَهَكَذَا يُنْهَى فِيمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ عَنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِهَا كَمَا يُنْهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِمَا لَهُ حُرْمَةٌ مِنْ طَعَامِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَعَلَفِ دَوَابِّ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِكَوْنِ هَذِهِ الْأَعْيَانِ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا بَلْ لِحُرْمَتِهَا فَالْقَوْلُ فِي الْمَائِعَاتِ كَالْقَوْلِ فِي الْجَامِدَاتِ . الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنْ يُقَالَ إحَالَةُ الْمَائِعَاتِ لِلنَّجَاسَةِ إلَى طَبْعِهَا أَقْوَى مِنْ إحَالَةِ الْمَاءِ وَتَغَيُّرُ الْمَاءِ بِالنَّجَاسَاتِ أَسْرَعُ مِنْ تَغَيُّرِ الْمَائِعَاتِ فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ لَا يَنْجُسُ بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ لِاسْتِحَالَتِهَا إلَى طَبِيعَتِهِ فَالْمَائِعَاتُ أَوْلَى وَأَحْرَى . الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي الْمَاءِ وَالْمَائِعِ طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ فَلَا نُسَلِّمُ أَنْ يُقَالَ بِنَجَاسَتِهِ أَصْلًا كَمَا فِي الْخَمْرِ الْمُنْقَلِبَةِ أَوْ أَبْلَغُ وَطُرِدَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الِاسْتِحَالَةِ . فَإِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ مِنْ النَّجَاسَاتِ طَاهِرٌ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَوَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ . الْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنَّ دَفْعَ الْمَائِعَاتِ لِلنَّجَاسَةِ عَنْ نَفْسِهَا كَدَفْعِ الْمَاءِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَاءِ بَلْ هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي التُّرَابِ وَغَيْرِهِ ; فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي النَّجَاسَةِ إذَا أَصَابَتْ الْأَرْضَ وَذَهَبَتْ بِالشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ أَوْ الِاسْتِحَالَةِ هَلْ تَطْهُرُ الْأَرْضُ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : تَطْهُرُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الدَّلِيلِ . فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : { كَانَتْ الْكِلَابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ وَتَبُولُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ } . وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَنْظُرْ فِي نَعْلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا أَذًى فَلْيُدَلِّكْهُمَا فِي التُّرَابِ فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُمَا طَهُورٌ } . وَكَانَ الصَّحَابَةُ كَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ يَخُوضُونَ فِي الْوَحْلِ ثُمَّ يَدْخُلُونَ يُصَلُّونَ بِالنَّاسِ وَلَا يَغْسِلُونَ أَقْدَامَهُمْ . وَأَوْكَدُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذُيُولِ النِّسَاءِ إذَا أَصَابَتْ أَرْضًا طَاهِرَةً بَعْدَ أَرْضٍ خَبِيثَةٍ : { تِلْكَ بِتِلْكَ } وَقَوْلُهُ . { يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ } وَهَذَا هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَد فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ الشالنجي الَّتِي شَرَحَهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الجوزجاني وَهِيَ مِنْ أَجْلِ الْمَسَائِلِ . وَهَذَا لِأَنَّ الذُّيُولَ تَتَكَرَّرُ مُلَاقَاتُهَا لِلنَّجَاسَةِ فَصَارَتْ كَأَسْفَلِ الْخُفِّ وَمَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ . فَإِذَا كَانَ الشَّارِعُ قَدْ جَعَلَ الْجَامِدَاتِ تُزِيلُ النَّجَاسَةَ عَنْ غَيْرِهَا لِأَجْلِ الْحَاجَةِ . كَمَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ وَجَعَلَ الْجَامِدَ طَهُورًا عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَاءِ . وَإِذَا كَانَتْ الْجَامِدَاتُ لَا تَنْجُسُ بِمَا اسْتَحَالَ إلَيْهَا مِنْ النَّجَاسَةِ فَالْمَائِعَاتُ أَوْلَى وَأَحْرَى لِأَنَّ إحَالَتَهَا أَشَدُّ وَأَسْرَعُ وَلِبَسْطِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَوَاضِعُ غَيْرُ هَذَا . وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ الدُّهْنَ يَنْجُسُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ : فَفِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد أَظْهَرُهُمَا : جَوَازُ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَفِي طَهَارَتِهِ بِالْغَسْلِ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . أَحَدُهُمَا : يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ شريح وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ شَعْبَانَ وَغَيْرُهُمْ . وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ . وَالثَّانِي : لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ . وَهَذَا النِّزَاعُ يَجْرِي فِي الدُّهْنِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ بِلَا رَيْبٍ فَفِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ هَذَا النِّزَاعُ . وَكَذَلِكَ فِي غَسْلِهِ هَذَا النِّزَاعُ . وَأَمَّا بَيْعُهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا مِنْ كَافِرٍ . وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَعَنْ أَحْمَد أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ كَافِرٍ إذَا أَعْلَمَ بِنَجَاسَتِهِ . كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَقَدْ خُرِّجَ قَوْلٌ لَهُ بِجَوَازِ بَيْعِهِ مِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَهُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ كَمَا فَعَلَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ أَحْمَد وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا . وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَ جَوَازَ بَيْعِهِ عَلَى جَوَازِ تَطْهِيرِهِ ; لِأَنَّهُ إذَا جَازَ تَطْهِيرُهُ صَارَ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ وَالْإِنَاءِ النَّجِسِ وَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُهُ وِفَاقًا . وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لَهُمْ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ إذَا قَالُوا : بِجَوَازِ تَطْهِيرِهِ وَجْهَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجُوزُ بَيْعُهُ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .