وَسُئِلَ عَنْ " الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ " ؟ .
وَقَالَ أَيْضًا رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ بَعْدَ كَلَامٍ : وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } وَهَذَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ كَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْبُخَارِيُّ فِي مُصَنَّفِهِ . فَقَالَ : ( بَابُ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طُرُقٍ : مِثْلَ رِوَايَةِ ابْنِ عيينة وَصَالِحِ بْنِ كيسان وَيُوسُفَ بْنِ زَيْدٍ . قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ : { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَصَاعِدًا } وَعَامَّةُ الثقاة . لَمْ يُتَابِعْ مَعْمَرًا فِي قَوْلِهِ : " فَصَاعِدًا " مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ : " فَصَاعِدًا " غَيْرُ مَعْرُوفٍ مَا أَرَادَ بِهِ حَرْفَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ; إلَّا أَنْ يَكُونَ كَقَوْلِهِ : { لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا } فَقَدْ تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ . قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَيُقَالُ : إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إسْحَاقَ تَابَعَ مَعْمَرًا وَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رُبَّمَا رَوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ ثُمَّ أَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزُّهْرِيِّ غَيْرَهُ وَلَا يُعْلَمُ أَنَّ هَذَا مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِهِ أَمْ لَا . قُلْت : مَعْنَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْمُصَنَّفِ : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثِنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثِنَا أَبُو عُثْمَانَ النهدي { عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ فَنَادَى أَنْ لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا زَادَ } وَقَالَ أَيْضًا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جريج . عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { تُجْزِئُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنْ زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ } وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْآخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي السُّنَنِ . قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قتادة عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ : { أَمَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ } . قُلْت : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ قِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ حَالَ سَمَاعِهِ لِجَهْرِ الْإِمَامِ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ إنَّ زِيَادَتَهُ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَتَرْكَ إنْصَاتِهِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ فِي هَذِهِ الْحَالِ خَيْرٌ . وَلَا أَنَّ الْمَأْمُومَ مَأْمُورٌ حَالَ الْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ زَائِدَةٍ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَكَذَلِكَ عَلَّلَهَا الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ عبادة فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ الْمُسْتَمِعَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْحَدِيثِ وَلَكِنْ هَبْ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حَدِيثِ عبادة فَهِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ . وَأَيْضًا فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَأْمُرُ بِإِنْصَاتِ الْمَأْمُومِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَبْطَلَ صَلَاتَهُ إذَا لَمْ يُنْصِتْ بَلْ قَرَأَ مَعَهُ . وَحِينَئِذٍ يُقَالُ تَعَارَضَ عُمُومُ قَوْلِهِ : { لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ } وَعُمُومُ الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : يُنْصِتُ إلَّا فِي حَالِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَأُولَئِكَ يَقُولُونَ : قَوْلَهُ { لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ } يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَأْمُورُ بِالْإِنْصَاتِ إنْ سَلَّمُوا شُمُولَ اللَّفْظِ لَهُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ فَإِنَّهُ إنَّمَا قَالَ : { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ } . وَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالْإِجْمَاعِ أَنَّ إنْصَاتَ الْمَأْمُومِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْقِرَاءَةِ مَعَهُ وَزِيَادَةً ; فَإِنَّ اسْتِمَاعَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ أَوْلَى بِهِ بِالْقِرَاءَةِ بِاتِّفَاقِهِمْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَأْمُومُ الْمُسْتَمِعُ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ أَفْضَلَ مِنْ الْقَارِئِ لَكَانَ قِرَاءَتُهُ أَفْضَلَ لَهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِنْصَاتِ وَالْقِرَاءَةِ وَلَوْلَا أَنَّ الْإِنْصَاتَ يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الْقِرَاءَةِ وَزِيَادَةٌ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِتَرْكِ الْأَفْضَلِ لِأَجْلِ الْمَفْضُولِ . وَأَيْضًا فَهَذَا عُمُومٌ قَدْ خَصَّ مِنْهُ الْمَسْبُوقَ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَغَيْرِهِ وَخَصَّ مِنْهُ الصَّلَاةَ بِإِمَامَيْنِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى بِالنَّاسِ وَقَدْ سَبَقَهُ أَبُو بَكْرٍ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ قَرَأَ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ بَنَى عَلَى صَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ فَإِذَا سَقَطَتْ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَعَنْ الْمَأْمُومِ أَوْلَى . وَخَصَّ مِنْهُ حَالَ الْعُذْرِ وَحَالُ اسْتِمَاعِ الْإِمَامِ حَالُ عُذْرٍ فَهُوَ مَخْصُوصٌ وَأَمْرُ الْمَأْمُومِ بِالْإِنْصَاتِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ لَمْ يُخَصّ مَعَهُ شَيْءٌ لَا بِنَصِّ خَاصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ وَإِذَا تَعَارَضَ عمومان أَحَدُهُمَا مَحْفُوظٌ وَالْآخَرُ مَخْصُوصٌ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْمَحْفُوظِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِنْصَاتِ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى اتِّبَاعِ الْمَأْمُومِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُنْصِتَ يَحْصُلُ لَهُ بِإِنْصَاتِهِ وَاسْتِمَاعِهِ مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ قِرَاءَتِهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْخُطْبَةِ وَفِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَالْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلْإِنْصَاتِ يَتَنَاوَلُ الْإِنْصَاتَ عَنْ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا . وَأَمَّا وُجُوبُ قِرَاءَتِهَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ فَإِذَا أَنْصَتَ إلَى الْإِمَامِ الَّذِي يَقْرَؤُهَا كَانَ خَيْرًا مِمَّا يَقْرَأُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لَكَانَ صَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُجْزِئُهُ ; بَلْ هُوَ أَفْضَلُ لَهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ وَهُوَ لَمْ يُوجِبْ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا الصَّلَاةَ فِي الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ ; لَكِنَّ هَذَا أَفْضَلُ مِنْهُ . فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي إيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ جَعَلَ الشَّارِعُ الْأَفْضَلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَنْذُورِ وَإِلْغَاءُ تَعْيِينِهِ هُوَ بِالنَّذْرِ فَكَيْفَ يُوجِبُ الشَّارِعُ شَيْئًا وَلَا يَجْعَلُ أَفْضَلَ مِنْهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَالشَّارِعُ حَكِيمٌ لَا يُعَيِّنُ شَيْئًا قَطُّ وَغَيْرُهُ أَوْلَى بِالْفِعْلِ مِنْهُ ; بِخِلَافِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ قَدْ يَخُصُّ بِنَذْرِهِ وَوَقْفِهِ وَوَصِيَّتِهِ مَا غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُصَلِّيَ إذَا سَهَا بِسُجُودِ السَّهْوِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ . ثُمَّ الْمَأْمُومُ إذَا سَهَا يَتَحَمَّلُ إمَامُهُ عَنْهُ سَهْوَهُ ; لِأَجْلِ مُتَابَعَتِهِ لَهُ مَعَ إمْكَانِهِ أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ سَلَامِهِ . وَإِنْصَاتُهُ لِقِرَاءَتِهِ أَدْخَلُ فِي الْمُتَابَعَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَجْهَرُ لِمَنْ يَسْتَمِعُ قِرَاءَتَهُ فَإِذَا اشْتَغَلَ أَحَدٌ مِنْ الْمُصَلِّينَ بِالْقِرَاءَةِ لِنَفْسِهِ كَانَ كَالْمُخَاطِبِ لِمَنْ لَا يَسْتَمِعُ إلَيْهِ كَالْخَطِيبِ الَّذِي يَخْطُبُ النَّاسَ وَكُلُّهُمْ يَتَحَدَّثُونَ وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَهُوَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ { كَحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا } فَإِنَّهُ لَمْ يَفْقَهْ مَعْنَى الْمُتَابَعَةِ كَاَلَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ كَالْحِمَارِ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوَّلَ رَأْسُهُ رَأْسَ حِمَارٍ } فَإِنَّهُ مُتَّبِعٌ لِلْإِمَامِ فَكَيْفَ يُسَابِقُهُ وَلِهَذَا ضَرَبَ عُمَرُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَقَالَ : لَا وَحْدَك صَلَّيْت وَلَا بِإِمَامِك اقْتَدَيْت . وَأُمِرَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ سَهْوًا أَنْ يَعُودَ فَيَتَخَلَّفَ بِقَدْرِ مَا سَبَقَ بِهِ الْإِمَامَ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ الْآثَارَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ . فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ صَلَّى صَلَاةً فَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ } وَفِي تَمَامِهِ فَقُلْت : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إنِّي أَكُونُ أَحْيَانًا وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ : اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ فَإِنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { قَالَ اللَّهُ : قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ } الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ . وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ . وَ الْبُخَارِيُّ احْتَجَّ بِهِ فِي هَذَا الْمُصَنَّفِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُخْرِجْهُ فِي صَحِيحِهِ عَلَى عَادَتِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَإِسْنَادُهُ الْمَشْهُورُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ حَدِيثُ الْعَلَاءِ عَنْ ابْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِذٍ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ . قَالَ الْبُخَارِيُّ : ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرقاشي ثِنَا يَزِيدُ بْنُ زريع ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ ثِنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ } قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَزَادَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ : وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثِنَا أَبَانُ ثِنَا عَامِرٌ الْأَحْوَلُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ مخدجة } . وَقَالَ : حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ بِشْرٍ ثِنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ السلعي ثِنَا حَسَنٌ الْمُعَلَّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ فَهِيَ خِدَاجٌ } وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثِنَا مُوسَى ثِنَا داود بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : فِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَمَا أَعْلَنَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَحْنُ نُعْلِنُهُ وَمَا أَسَرَّ فَنَحْنُ نُسِرُّهُ . وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ أَبِي الزاهرية : ثِنَا كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ سَمِعَ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ : { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : وَجَبَتْ هَذِهِ } . وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } فَإِنَّ الْمُسْتَمِعَ الْمُنْصِتَ قَارِئٌ بَلْ أَفْضَلُ مِنْ الْقَارِئِ لِنَفْسِهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ { لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا زَادَ } وَقَوْلُهُ : { أُمِرْنَا أَنْ نَقْرَأَ بِهَا وَمَا تَيَسَّرَ } فَإِنَّ الْمُسْتَمِعَ الْمُنْصِتَ لَيْسَ مَأْمُورًا بِقِرَاءَةِ الزِّيَادَةِ . وَأَيْضًا : فَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ : مَا أَسْمَعَنَا أَسْمَعْنَاكُمْ وَمَا أَخْفَى عَلَيْنَا أَخْفَيْنَا عَلَيْكُمْ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِمَامُ وَإِلَّا فَالْمَأْمُومُ لَا يُسْمِعُ أَحَدًا قِرَاءَتَهُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : { أَفِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ ؟ } وَقَوْلُهُ : { لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ } . فَصَلَاةُ الْمَأْمُومِ الْمُسْتَمِعِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ فِيهَا قِرَاءَةٌ بَلْ الْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ الْإِمَامُ ضَامِنٌ لِصَلَاتِهِ فَصَلَاتُهُ فِي ضِمْنِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَفِيهَا الْقِرَاءَةُ . وَجُمْهُورُهُمْ يَقُولُونَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ أُمِّيًّا لَمْ يَقْتَدِ بِهِ الْقَارِئُ . فَلَوْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَا تُغْنِي عَنْ الْمَأْمُومِ شَيْئًا بَلْ كُلٌّ يَقْرَأُ لِنَفْسِهِ : لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ عَجْزِهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَعَجْزِهِ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ ; وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَلَيْسَتْ قِرَاءَةً وَاجِبَةً . فَكَيْفَ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِمَاعِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ الْفَاتِحَةَ وَهِيَ الْفَرْضُ وَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِاسْتِمَاعِ التَّطَوُّعِ دُونَ اسْتِمَاعِ الْفَرْضِ . وَإِذَا كَانَ الِاسْتِمَاعُ لِلْقِرَاءَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَاجِبًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَالِاسْتِمَاعُ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوْجَبُ . ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَقِيلَ لَهُ : احْتِجَاجُك بِقَوْلِ اللَّهِ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } أَرَأَيْت إذَا لَمْ يَجْهَرْ الْإِمَامُ أَيَقْرَأُ خَلْفَهُ فَإِنْ قَالَ : لَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ ; لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ : { فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } وَإِنَّمَا يَسْتَمِعُ لِمَا يَجْهَرُ مَعَ أَنَّا نَسْتَعْمِلُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : { فَاسْتَمِعُوا لَهُ } نَقُولُ : يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ عِنْدَ السَّكَتَاتِ . قَالَ سَمُرَةُ : { كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكَتَاتٌ : سَكْتَةٌ حِينَ يُكَبِّرُ وَسَكْتَةٌ حِينَ يَفْرَغُ مِنْ قِرَاءَتِهِ } . وَقَالَ ابْنُ خثيم : قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : أَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَإِنْ سَمِعْت قِرَاءَتَهُ . فَإِنَّهُمْ قَدْ أَحْدَثُوا مَا لَمْ يَكُونُوا يَصْنَعُونَهُ إنَّ السَّلَفَ كَانَ إذَا أَمَّ أَحَدُهُمْ النَّاسَ كَبَّرَ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ قَرَأَ وَأَنْصَتَ . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ سَكَتَ سَكْتَةً قَالَ : وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَيْمُونُ بْنُ مهران وَغَيْرُهُمْ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ سُكُوتِ الْإِمَامِ لِيَكُونَ مُقْتَدِيًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } فَتَكُونُ قِرَاءَتُهُ فِي السَّكْتَةِ . فَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ أَنْصَتَ حَتَّى يَكُونَ مُتَّبِعًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وَقَوْلِهِ : { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } . وَإِذَا تَرَكَ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ حَقِّ الصَّلَاةِ فَحَقٌّ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ أَنْ يُتِمُّوا قَالَ عَلْقَمَةُ : إنْ لَمْ يُتِمَّ الْإِمَامُ أَتْمَمْنَا . وَقَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وحميد بْنُ هِلَالٍ : أَقْرَأُ بِالْحَمْدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ . قَالَ : وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ يُجْزِئُهُ أَنْ يَقْرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَيُجْزِئُهُ أَنْ يَقْرَأَ بِآيَةِ : يَنْقُضُ آخِرُهُمْ عَلَى أَوَّلِهِمْ بِغَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ . وَقِيلَ لَهُ : مَنْ أَبَاحَ لَك الثَّنَاءَ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ بِخَبَرِ أَوْ قِيَاسٍ وَحَظَرَ عَلَى غَيْرِك الْفَرْضَ وَهِيَ الْقِرَاءَةُ وَلَا خَبَرَ عِنْدَك وَلَا اتِّفَاقَ لِأَنَّ عِدَّةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَرَوْا الثَّنَاءَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِغَيْرِهِ : يُكَبِّرُونَ ثُمَّ يَقْرَءُونَ فَتَحَيَّرَ عِنْدَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ مَعَ أَنَّ هَذَا صَنَعَهُ فِي أَشْيَاءَ مِنْ الْفَرْضِ فَجَعَلَ الْوَاجِبَ أَهْوَنَ مِنْ التَّطَوُّعِ . زَعَمْت أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ أَوْ الْعِشَاءِ يُجْزِئُهُ وَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي رَكْعَةٍ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ لَمْ يُجْزِئْهُ . قُلْت : وَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الْمَغْرِبِ أَجْزَأَهُ وَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الْوِتْرِ لَمْ يُجْزِئْهُ فَكَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَا فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قُلْت : أَمَّا سَكْتَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يُكَبِّرُ فَقَدْ بَيَّنَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ فِيهَا دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ لَمْ يَكُنْ سُكُوتًا مَحْضًا ; لِأَجْلِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِينَ . وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُكَبِّرُ وَيَجْهَرُ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ يُعَلِّمُهُ النَّاسَ . وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ عَلَى مَنْ اسْتَفْتَحَ حَالَ الْجَهْرِ فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ هَلْ يَسْتَفْتِحُ فِي حَالِ الْجَهْرِ وَيَتَعَوَّذُ أَوْ يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ إلَّا إذَا قَرَأَ أَوْ لَا يَسْتَفْتِحُ حَالَ الْجَهْرِ وَلَا يَتَعَوَّذُ فِيهِ ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ هِيَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَحْمَد . لَكِنَّ الْأَظْهَرَ مَا احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِنْصَاتِ يَقْتَضِي الْإِنْصَاتَ عَنْ كُلِّ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِمَاعِ الْقِرَاءَةِ مِنْ ثَنَاءٍ وَقِرَاءَةٍ وَدُعَاءٍ كَمَا يُنْصِتُ لِلْخُطْبَةِ بَلْ الْإِنْصَاتُ لِلْقِرَاءَةِ أَوْكَدُ . وَلَكِنْ إذَا سَكَتَ الْإِمَامُ السَّكْتَةَ الْأُولَى لِلثَّنَاءِ فَهُنَا عِنْدَ أَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا اسْتِفْتَاحُ الْمَأْمُومِ أَوْلَى مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي هَذِهِ السَّكْتَةِ ; لِأَنَّ مَقْصُودَ الْقِرَاءَةِ تَحَصَّلَ لَهُ بِاسْتِمَاعِهِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَأَمَّا مَقْصُودُ الِاسْتِفْتَاحِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا بِاسْتِفْتَاحِهِ لِنَفْسِهِ ; وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْكُتُ مُسْتَفْتِحًا وَعُمَرُ كَانَ يَجْهَرُ بِالِاسْتِفْتَاحِ لِيُعَلِّمَهُ الْمَأْمُومِينَ فَعُلِمَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلْمَأْمُومِ . وَلَوْ اشْتَغَلَ عَنْهُ بِالْقِرَاءَةِ لَفَاتَهُ الِاسْتِفْتَاحُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْكُتُ لِيَقْرَأَ الْمَأْمُومُونَ فِي حَالِ سُكُوتِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لَا يَسْتَحِبُّونَ لِلْإِمَامِ سُكُوتًا لِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ . وَمِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد مَنْ اسْتَحَبَّ لَهُ السُّكُوتَ لِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَبَّ لَهُ فِي حَالِ سُكُوتِ الْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ وَلَا يَسْتَفْتِحَ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الدِّينَوَرِيِّ وَأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ . وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَبَّ لَهُ الْقِرَاءَةَ بِالْفَاتِحَةِ فِي حَالِ جَهْرِ الْإِمَامِ . كَمَا اخْتَارَهُ جَدِّي أَبُو الْبَرَكَاتِ . وَهُوَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ والأوزاعي وَغَيْرِهِمَا . ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَسْتَحِبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِحَ فِي حَالِ سُكُوتِهِ وَيَقْرَأَ لِيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا . وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِبُّ لَهُ الْقِرَاءَةَ دُونَ السُّكُوتِ . كَمَا أَنَّ الَّذِينَ يَكْرَهُونَ قِرَاءَتَهُ حَالَ الْجَهْرِ : مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِبُّ لَهُ الِاسْتِفْتَاحَ حَالَ الْجَهْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْرَهُهُ وَهُوَ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد وَمَذْهَبُ أَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ فِي حَالِ سُكُوتِهِ لِلِاسْتِفْتَاحِ يَسْتَفْتِحُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ . وَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَنَّ عِدَّةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَرَوْا الِاسْتِفْتَاحَ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ : هُوَ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ ; لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْإِمَامُ هُنَا لَا سُكُوتَ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ قَرَأْنَا مَعَهُ خَالَفْنَا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ يَسْتَفْتِحُ حِينَئِذٍ فَيَشْتَغِلُ بِالِاسْتِفْتَاحِ عَنْ اسْتِمَاعِ الْقِرَاءَةِ . وَهَؤُلَاءِ نَظَرُوا إلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُ الْقِرَاءَةَ عَنْ الْمَأْمُومِ وَلَا يَحْمِلُ عَنْهُ الِاسْتِفْتَاحَ لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ وَالْمَأْمُومُ مَأْمُورٌ بِالِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ فَلَا يَشْتَغِلُ عَنْ ذَلِكَ بِثَنَاءِ كَمَا لَا يَشْتَغِلُ عَنْهُ بِقِرَاءَةِ وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْ الثَّنَاءِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَسْكُتُ لِلثَّنَاءِ وَأَدْرَكَهُ الْمَأْمُومُ أَثْنَى مَعَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْكُتُ أَوْ أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ وَهُوَ يَقْرَأُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ فَلَا يَعْدِلُ عَمَّا أُمِرَ بِهِ . فَإِنْ قِيلَ فِي وُجُوبِ الثَّنَاءِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد قِيلَ فِي وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَإِذَا نُهِيَ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَلِأَنْ يَنْهَى عَنْ الثَّنَاءِ أَوْلَى لِقَوْلِهِ : { فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } وَأَلَّا تُنَاقِضُوا . كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ . وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ : اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { قَالَ اللَّهُ : قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ } إلَى آخِرِهِ . فَقَدْ يُقَالُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْقِرَاءَةِ ; لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْفَضِيلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ الْقِسْمَةِ لَا لِقَوْلِهِ : { مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ } فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ خِدَاجًا إذَا لَمْ يَقْرَأْ لَأَمَرَهُ بِذَلِكَ ; لِأَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ . وَلَمْ يُعَلِّلْ الْأَمْرَ بِحَدِيثِ الْقِسْمَةِ . اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ : ذَكَرَهُ تَوْكِيدًا أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا قَسَمَ الْقِرَاءَةَ قَسَمَ الصَّلَاةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ إذْ لَوْ خَلَتْ عَنْهَا لَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ مَوْجُودَةً . وَعَلَى هَذَا يَبْقَى الْحَدِيثَانِ مَدْلُولُهُمَا وَاحِدٌ . وَقَوْلُهُ : اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك . مُجْمَلٌ فَإِنْ أَرَادَ مَا أَرَادَ غَيْرُهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي حَالِ الْمُخَافَتَةِ أَوْ سُكُوتِ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُخَالِفًا ; لِقَوْلِ أُولَئِكَ يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ مِمَّنْ رَوَى قَوْلَهُ : { وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا } وَرَوَى قَوْلَهُ : { لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ . وَمَا زَادَ } وَقَالَ : { تُجْزِئُ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَإِذَا زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ } وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَمْ يَتَنَاوَلْ الْمَأْمُومَ الْمُسْتَمِعَ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَإِنَّ هَذَا لَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْفَاتِحَةِ خَيْرًا لَهُ بَلْ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ خَيْرًا لَهُ فَلَا يَجْزِمُ حِينَئِذٍ بِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ حَالَ اسْتِمَاعِهِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ بِلَفْظِ مُجْمَلٍ . قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَرَوَى ابْنُ صَالِحٍ عَنْ الْأَصْفَهَانِيِّ عَنْ الْمُخْتَارِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَدْ أَخْطَأَ الْفِطْرَةَ قَالَ : وَهَذَا لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْمُخْتَارَ وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ ابْنِهِ وَلَا أَبِيهِ مِنْ عَلِيٍّ وَلَا يَحْتَجُّ أَهْلُ الْحَدِيثِ بِمِثْلِهِ . وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيٍّ أَوْلَى وَأَصَحُّ . قُلْت : حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ بَيِّنٌ فِي أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ لَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ إنْ كَانَ قَدْ قَالَ هَذَا قَالَهُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ إذَا سَمِعَ الْإِمَامَ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ . كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا . قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَرَوَى داود بْنُ قَيْسٍ عَنْ أَبِي نِجَادٍ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي فِيهِ جَمْرٌ . قَالَ : وَهَذَا مُرْسَلٌ وَابْنُ نِجَادٍ لَمْ يُعْرَفُ وَلَا سُمِّيَ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَقُولَ فِي فِي الْقَارِئِ خَلْفَ الْإِمَامِ جَمْرَةٌ ; لِأَنَّ الْجَمْرَةَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ } وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدِ أَنْ يَتَوَهَّمَ ذَلِكَ عَلَى سَعْدٍ مَعَ إرْسَالِهِ وَضَعْفِهِ . قَالَ : وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كهيل عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ مُلِئَ فُوهُ تِبْنًا قَالَ : وَهَذَا مُرْسَلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَخَالَفَهُ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ وَقَالَ : رَضْفًا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِوُجُوهِ . أَمَّا أَحَدُهَا : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ وَلَا بِالنَّارِ وَلَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ } . وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدِ أَنْ يَتَمَنَّى أَنْ يَمْلَأَ أَفْوَاهَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وأبي بْنِ كَعْبٍ وَحُذَيْفَةَ وَمَنْ ذَكَرْنَا رَضْفًا وَلَا تِبْنًا وَلَا تُرَابًا . وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : إذَا ثَبَتَ الْخَبَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ فَلَيْسَ فِي [ قَوْلِ ] الْأَسْوَدِ وَنَحْوِهِ حُجَّةٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ لَيْسَ أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ : " وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ مُلِئَ فُوهُ سُكْرًا " . قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَرَوَى عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : " مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ " وَلَا يُعْرَفُ لِهَذَا الْإِسْنَادِ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ وَلَا يَصِحُّ مِثْلُهُ . قَالَ : وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الْمُلَيْحِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو مجلز وَمَكْحُولٌ وَمَالِكٌ وَابْنُ عَوْنٍ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ . وَكَانَ أَنَسٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيُّ يَسْتَحِبَّانِ [ الْقِرَاءَةَ ] خَلْفَ الْإِمَامِ . قُلْت : قَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ . فَقَالَ : لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ . وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْقِرَاءَةَ مَعَهُ فِي الْجَهْرِ كَمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ . وَأَمَّا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ فَلَا يُقَالُ قَرَأَ مَعَهُ كَمَا لَا يُقَالُ إنَّ أَحَدَ الْمَأْمُومِينَ يَقْرَأُ مَعَ الْآخَرِ وَكَمَا لَا يُقَالُ : إنَّهُ اسْتَفْتَحَ مَعَهُ وَتَشَهَّدَ مَعَهُ وَسَبَّحَ مَعَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ . وَكَذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَدْ تَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِإِنْصَاتِ الْمَأْمُومِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَكَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ . وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ : إنْ كَانَ قَالَهُ أَوْ قَوْلُ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ نَقَلُوا عَنْهُ كَالْأَسْوَدِ : " وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ مُلِئَ فُوهُ رَضْفًا أَوْ تِبْنًا أَوْ تُرَابًا " يَتَنَاوَلُ مَنْ قَرَأَ وَهُوَ يَسْمَعُ الْإِمَامَ يَقْرَأُ فَتَرَكَ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ الْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَنَاوَلُهُ قَوْلُ سَعْدٍ إنْ كَانَ قَالَهُ : " وَدِدْت أَنَّ فِي فِيهِ جَمْرًا " لَا سِيَّمَا إذَا نَازَعَ الْإِمَامَ الْقِرَاءَةَ بِأَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ أَوْ مَنْ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ يَسْمَعُ حِسَّهُ فَيَكُونُ مِمَّنْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ : { مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ } وَقَالَ فِيهِ : { عَلِمْت أَنَّ بَعْضَكُمْ خالجنيها } وَكَذَلِكَ لَوْ قَرَأَ فِي السِّرِّ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يُخَالِجُ الْإِمَامَ وَيُنَازِعُهُ أَوْ يُخَالِجُ وَيُنَازِعُ غَيْرَهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ لَكَانَ مُسِيئًا فِي ذَلِكَ . وَقَوْلُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ : " وَدِدْت أَنَّهُ مُلِئَ فُوهُ سُكْرًا " إذَا قَرَأَ حَيْثُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْقِرَاءَةُ لِقِرَاءَتِهِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ السِّرِّ وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ " يَتَنَاوَلُ مَنْ تَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ وَفَعَلَ مَا نُهِيَ عَنْهُ . فَقَرَأَ وَهُوَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَفِي بُطْلَانِ صَلَاةِ هَذَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَمَنْ قَالَ هَذَا مِنْ السَّلَفِ مِنْ صَحَابِيٍّ أَوْ تَابِعِيٍّ فَقَدْ يُرِيدُ بِهِ مَعْنًى صَحِيحًا . كَمَا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَخْلُصَ إلَى جَلْدِهِ فَتَحْرُقَ ثِيَابَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ } وَتَعْذِيبُ الْإِنْسَانِ بِعَذَابِ فِي الدُّنْيَا أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ رُكُوبِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ . فَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ قِرَاءَتَهُ حَالَ اسْتِمَاعِ إمَامِهِ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ تَرَكَ بِهَا مَا أَمَرَهُ اللَّهُ وَفَعَلَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ جَازَ أَنْ يَقُولَ ; لِأَنْ يَحْصُلَ بِفِيهِ شَيْءٌ يُؤْذِيهِ فَيَمْنَعَهُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ مَا نُهِيَ عَنْهُ كَمَا قَدْ يُقَالُ : لِمَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ مُحَرَّمَةٍ : لَوْ كُنْت أَخْرَسَ لَكَانَ خَيْرًا لَك وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّا نَحْنُ نُعَذِّبُهُ بِذَلِكَ لَكِنْ يُرَادُ لَوْ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِهَذَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِي الذَّنْبِ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمتلاعنين : { عَذَابُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ } وَالْوَاحِدُ مِنْ السَّلَفِ قَدْ يَذْكُرُ مَا فِي الْفِعْلِ مِنْ الْوَعِيدِ وَإِنْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ مُتَأَوِّلًا لِقَوْلِ عَائِشَةَ أَخْبِرِي زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ " وَلَيْسَ فِي هَذَا تَلَاعُنٌ بِلَعْنَةِ اللَّهِ وَلَا بِالنَّارِ وَلَا تَعْذِيبٌ بِعَذَابِ اللَّهِ بَلْ فِيهِ تَمَنَّى أَنْ يُبْتَلَى بِمَا يَمْنَعُهُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ . وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَذًى لَهُ . وَالْعَالِمُ قَدْ يَذْكُرُ الْوَعِيدَ فِيمَا يَرَاهُ ذَنْبًا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْمُتَأَوِّلَ مَغْفُورٌ لَهُ لَا يَنَالُهُ الْوَعِيدُ . لَكِنْ يَذْكُرُ ذَلِكَ لِيُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مُقْتَضِي لِهَذِهِ الْعُقُوبَةِ عِنْدَهُ فَكَيْفَ وَهُوَ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا مَا يَمْنَعُهُ عَمَّا يَرَاهُ ذَنْبًا . وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : " وَدِدْت أَنَّهُ مُلِئَ فُوهُ سُكْرًا " يَتَنَاوَلُ مَنْ فَعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَمَعَ هَذَا فَمَنْ فَعَلَ الْقِرَاءَةِ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ أَوْ تَرَكَ الْمَأْمُورَ بِهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَانَ مُثَابًا عَلَى اجْتِهَادِهِ وَخَطَؤُهُ مَغْفُورٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْعَالِمُ يَقُولُ فِي الْفِعْلِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ مُحَرَّمٌ مَا يُنَاسِبُ الْوُجُوبَ وَالتَّحْرِيمَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَمَنَّى أَنْ يَمْلَأَ أَفْوَاهَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رَضْفًا وَلَا تِبْنًا ; لِأَنَّ أُولَئِكَ عَامَّةُ مَا نُقِلَ عَنْهُمْ مِنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي السِّرِّ وَذَمِّ الذَّامِّينَ لِمَنْ يَقْرَأُ فِي الْجَهْرِ . فَلَمْ يَتَوَارَدْ الذَّمُّ وَالْفِعْلُ وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُمَا تَوَارَدَا مِنْ السَّلَفِ فَهُوَ كَتَوَارُدِهِمَا مِنْ الْخَلَفِ . وَحِينَئِذٍ فَهَذَا يَتَكَلَّمُ بِاجْتِهَادِهِ وَهَذَا بِاجْتِهَادِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَعْظَمَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ لِبَعْضِ أَكَابِرِهِمْ قُدَّامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ . وَقَوْلُ الْقَائِلِ : دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَعْظَمَ مِمَّا وَقَعَ بَيْنَهُمْ مِنْ التَّأْوِيلِ فِي الْقِتَالِ فِي الْفِتَنِ وَالدُّعَاءِ فِي الْقُنُوتِ بِاللَّعْنِ وَغَيْرِهِ مَعَ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ : { لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ } وَقَوْلِهِ : { إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ } فَإِذَا كَانَ هَذَا الْوَعِيدُ يَنْدَفِعُ عَنْهُمْ بِالتَّأْوِيلِ فِي الدِّمَاءِ فَلِأَنْ يَنْدَفِعَ بِالتَّأْوِيلِ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ أَوْلَى وَأَحْرَى . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ حَرَّق