تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ عَنْ " الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ " ؟ .
123456
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَصْلٌ النَّاسُ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ مُتَنَازِعُونَ فِي الْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ : فَقِيلَ تُكْرَهُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ . وَقِيلَ : بَلْ تَجِبُ بِالْفَاتِحَةِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَغَيْرِهِ . وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ وَزَادَ لَا تُشْرَعُ بِغَيْرِ ذَلِكَ بِحَالِ . وَقِيلَ : بَلْ تَجِبُ بِهَا فِي صَلَاةِ السِّرِّ فَقَطْ كَقَوْلِهِ الْقَدِيمِ . وَالْإِمَامُ أَحْمَد ذَكَرَ إجْمَاعَ النَّاسِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ . وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَلَا تُكْرَهُ مُطْلَقًا بَلْ تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ فِي صَلَاةِ السِّرِّ وَفِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ بِالْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا . وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ سَكَتَاتٌ فَقَرَأَ فِيهَا . فَهَلْ تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ أَمْ تُسْتَحَبُّ بِالْفَاتِحَةِ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ . فَمَذْهَبُ أَحْمَد وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّهَا تُكْرَهُ بِالْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا وَاخْتَارَ طَائِفَةٌ أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ حِينَئِذٍ بِالْفَاتِحَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ جَدِّي وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ والأوزاعي . وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ فِي قِرَاءَتِهَا خُرُوجًا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَقْرَأْ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ خِلَافٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَرَأَ فَإِنَّمَا يَفُوتُهُ الِاسْتِمَاعُ حِينَ قِرَاءَتِهَا فَقَطْ . الثَّانِي : الْحَدِيثُ الَّذِي فِي السُّنَنِ حَدِيثُ عبادة : " { إذَا كُنْتُمْ وَرَائِي أَوْ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَلَا تَقْرَءُوا إلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا } وَهُوَ حُجَّةُ الْمُوجِبِينَ . وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : النَّهْيُ إنَّمَا هُوَ حَالُ اسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَقَطْ فَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَالْقِرَاءَةُ مَشْرُوعَةٌ . فَعُلِمَ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى الْفَاتِحَةُ حَالَ النَّهْيِ عَنْ غَيْرِهَا وَهَذَا يُفِيدُ قِرَاءَتَهَا حَالَ اسْتِمَاعِ الْجَهْرِ . ثُمَّ هُنَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : قِيلَ : إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَأَنَّهُ لَا يَقْرَأُ بِغَيْرِهَا بِحَالِ . كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ . وَقِيلَ : بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ وَالنَّهْيُ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِغَيْرِهَا حَالَ الْجَهْرِ فَلَا يُفِيدُ النَّهْيَ مُطْلَقًا . وَقِيلَ : بَلْ يُفِيدُ اسْتِثْنَاءَ قِرَاءَتِهَا مِنْ النَّهْيِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّهْيِ لَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ . وَقَوْلُهُ : " { فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا } تَعْلِيلٌ بِوُجُوبِ قِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ . فَإِنَّ كَوْنَهَا رُكْنًا اقْتَضَى أَنْ تُسْتَثْنَى فِي هَذِهِ الْحَالِ لِلْمَأْمُومِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَفْرُوضَةً عَلَيْهِ كَفَرَائِضِ الْكِفَايَاتِ إذَا قَامَ بِهَا طَائِفَةٌ سَقَطَ بِهَا الْفَرْضُ ثُمَّ قَامَ بِهَا آخَرُونَ فَإِنَّهُ يُقَالُ : هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ إسْقَاطُهَا بِفِعْلِ الْغَيْرِ ; وَلِهَذَا يُقَالُ : الْجِنَازَةُ تُفْعَلُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ لِأَنَّهَا فَرْضٌ وَإِنْ فُعِلَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ; لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فَرْضًا فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ إسْقَاطُهَا بِفِعْلِ الْغَيْرِ . وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ هِيَ رُكْنٌ وَلِلْمَأْمُومِ أَنْ يَجْتَزِئَ بِقِرَاءَةِ إمَامِهِ وَلَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا بِنَفْسِهِ . وَهَذَا كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ الَّتِي يَتَحَمَّلُهَا الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ كَصَدَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا هَلْ تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ ابْتِدَاءً أَوْ تَحَمُّلًا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَصَحُّهُمَا : أَنَّهَا تُحْمَلُ فَلَوْ أَخْرَجَتْهَا الزَّوْجَةُ لَجَازَ فَتَكُونُ الزَّوْجَةُ مُخَيَّرَةً بَيْنَ أَنْ تُخْرِجَهَا وَبَيْنَ أَنْ تُلْزِمَ الزَّوْجَ بِإِخْرَاجِهَا فَلَوْ أَخْرَجَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ أَخْرَجَتْهَا هِيَ وَلَمْ تَعْتَدَّ بِذَلِكَ الْإِخْرَاجِ لَكَانَ لَكِنَّ الْإِمَامَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قِرَاءَةٍ وَهُوَ يَتَحَمَّلُ الْقِرَاءَةَ عَنْ الْمَأْمُومِ . فَالْقِرَاءَةُ الْوَاحِدَةُ تُجْزِي عَنْ إمَامِهِ وَعَنْهُ وَإِنْ قَرَأَ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ فَحَسَنٌ كَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ لَكِنَّ هَذَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْأَئِمَّةِ . وَأَمَّا الَّذِينَ كَرِهُوا الْقِرَاءَةَ فِي حَالِ اسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ مُطْلَقًا وَهُمْ الْجُمْهُورُ . فَحُجَّتُهُمْ قَوْله تَعَالَى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } فَأَمَرَ بِالْإِنْصَاتِ مُطْلَقًا وَمَنْ قَرَأَ وَهُوَ يَسْتَمِعُ فَلَمْ يُنْصِتْ . وَمَنْ أَجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْآيَةَ مَخْصُوصَةٌ بِغَيْرِ حَالِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد مِنْ إجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْخُطْبَةِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : " { وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا } " . وَأَيْضًا : فَالْمُسْتَمِعُ لِلْفَاتِحَةِ هُوَ كَالْقَارِئِ ; وَلِهَذَا يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهَا . وَقَالَ : " { إذَا أَمَّنَ الْقَارِئُ فَأَمِّنُوا فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } . وَأَمَّا الْإِنْصَاتُ الْمَأْمُورُ بِهِ حَالَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ ; فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُتَابَعَةِ لِلْإِمَامِ فَهُوَ فَاعِلٌ لِلِاتِّبَاعِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَيْ بِمَقْصُودِ الْقِرَاءَةِ وَإِذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ تَرَكَ الْمُتَابَعَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا بِالْإِنْصَاتِ وَتَرَكَ الْإِنْصَاتَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يَعْتَضْ عَنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ إلَّا بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ الَّتِي حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا بِاسْتِمَاعِهِ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَتَأْمِينِهِ عَلَيْهَا . وَكَانَ قَدْ تَرَكَ الْإِنْصَاتَ الْمَأْمُورَ بِهِ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ فَفَاتَهُ هَذَا الْوَاجِبُ وَلَمْ يَعْتَضْ عَنْهُ إلَّا مَا حَصَلَ مَقْصُودُهُ بِدُونِهِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ تَفْوِيتِ أَحَدِ أَمْرَيْنِ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ تَحْصِيلَ أَحَدِهِمَا كَانَ تَحْصِيلُ مَا يَفُوتُ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ أَوْلَى مِنْ تَحْصِيلِ مَا يَقُومُ بَدَلُهُ مَقَامَهُ . وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَمِعُ كَالْقَارِئِ لَكَانَ الْمُسْتَحَبُّ حَالَ جَهْرِهِ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ أَنْ يَقْرَأَ الْمَأْمُومُ فَلَمَّا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ لِلْمَأْمُومِ حَالَ سَمَاعِ الْقِرَاءَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ أَنْ يَسْتَمِعَ وَلَا يَقْرَأَ : عُلِمَ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ مَقْصُودُ الْقِرَاءَةِ بِالِاسْتِمَاعِ وَإِلَّا كَانَ الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّهِ التِّلَاوَةَ بَلْ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْإِنْصَاتَ حَالَ الْقِرَاءَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ فَالْإِنْصَاتُ حَالَ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ أَوْلَى . وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ طَعَنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوْلٌ مُطْلَقٌ . وَأَيْضًا فَإِنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الْإِمَامِ الَّذِي لَهُ سَكَتَاتٌ يُقَرِّرُ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَهُ لَيْسَ فِيهِ عُمُومٌ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ : " { إذَا كُنْتُمْ وَرَائِي فَلَا تَقْرَءُوا إلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ } وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ النَّهْيِ لَهُمْ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَهُ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ سَكْتَتَانِ كَمَا رَوَى ذَلِكَ سَمُرَةُ وأبي بْنُ كَعْبٍ . كَمَا ثَبَتَ سُكُوتُهُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالدُّعَاءِ الَّذِي رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ فِي هَذَا السُّكُوتِ يُمْكِنُ فِيهِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَكَيْفَ إذَا قَرَأَ بَعْضَهَا فِي سَكْتَةٍ وَبَعْضَهَا فِي سَكْتَةٍ أُخْرَى . فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ فِي قَوْلِهِ : " { إذَا كُنْتُمْ وَرَائِي فَلَا تَقْرَءُوا إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ بِهَا فِي حَالِ الْجَهْرِ فَإِنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ النَّهْيِ فَلَا يُفِيدُ إلَّا الْإِذْنَ الْمُطْلَقَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا مَنْهِيِّينَ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِهَا لَا يُمْكِنُ قِرَاءَتُهَا فِي حَالِ سَكَتَاتِهِ . يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ جُمْهُورَ الْمُنَازِعِينَ يُسَلِّمُونَ أَنَّهُ فِي صَلَاةِ السِّرِّ يَقْرَأُ بِالْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا وَيُسَلِّمُونَ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَقْرَأَ بِمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ قَرَأَ وَأَنَّ الْبَعِيدَ الَّذِي لَا يَسْمَعُ يَقْرَأُ بِالْفَاتِحَةِ وَبِمَا زَادَ . فَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا النَّهْيُ خَاصًّا فِيمَنْ صَلَّى خَلْفَهُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ . وَاسْتِثْنَاءُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لِإِمْكَانِ قِرَاءَتِهَا فِي سَكَتَاتِهِ . يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عبادة بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ } وَفِي رِوَايَةٍ { بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَرَوَاهَا عَنْ عبادة بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : { كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إمَامِكُمْ قُلْنَا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا } رَوَاهُ أَبُو داود والترمذي وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ والدارقطني وَقَالَ إسْنَادَهُ حَسَنٌ . وَرَوَاهَا عَنْ عبادة بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : { صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَقَالَ : هَلْ تَقْرَءُونَ إذَا جَهَرْت بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ بَعْضُنَا : إنَّا لَنَصْنَعُ ذَلِكَ قَالَ : فَلَا وَأَنَا أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ فَلَا تَقْرَءُوا بِشَيْءِ مِنْ الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْت بِالْقِرَاءَةِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ } رَوَاهُ أَبُو داود وَاللَّفْظُ لَهُ والنسائي والدارقطني . وَلَهُ أَيْضًا " { لَا يَجُوزُ صَلَاةٌ لَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ فِيهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ } وَقَالَ إسْنَادٌ حَسَنٌ وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ : هَلْ يَقْرَءُونَ وَرَاءَهُ بِشَيْءِ أَمْ لَا ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمَأْمُومِ لَكَانَ قَدْ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ وَأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ بَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ لَفَعَلَهُ عَامَّتُهُمْ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ الْوَاحِدُ أَوْ الِاثْنَانِ مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِفْهَامِهِ . فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ قِرَاءَةً خَلْفَهُ حَالَ الْجَهْرِ ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُمْ يَقْرَءُونَ نَهَاهُمْ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِغَيْرِ أُمِّ الْكِتَابِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْتِبَاسِ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ تَكُونُ بِالْقِرَاءَةِ مَعَهُ حَالَ الْجَهْرِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَالْعِلَّةُ مُتَنَاوِلَةٌ لِلْأَمْرَيْنِ فَإِنَّ مَا يُوجِبُ ثِقَلَ الْقِرَاءَةِ وَالْتِبَاسَهَا عَلَى الْإِمَامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ . وَهَذَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُؤْتَمِّينَ الَّذِينَ يَرَوْنَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ حَالَ جَهْرِ الْإِمَامِ وَاجِبَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً فَيُثْقِلُونَ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْإِمَامِ وَيُلْبِسُونَهَا عَلَيْهِ وَيُلْبِسُونَ عَلَى مَنْ يُقَارِبُهُمْ الْإِصْغَاءَ وَالِاسْتِمَاعَ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ فَيُفَوِّتُونَ مَقْصُودَ جَهْرِ الْإِمَامِ وَمَقْصُودَ اسْتِمَاعِ الْمَأْمُومِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَكُونُ مَكْرُوهًا ثُمَّ إذَا فُرِضَ أَنَّ جَمِيعَ الْمَأْمُومِينَ يَقْرَءُونَ خَلْفَهُ فَنَفْسُ جَهْرِهِ لَا لِمَنْ يَسْتَمِعُ فَلَا يَكُونُ فِيهِ فَائِدَةٌ لِقَوْلِهِ " { إذَا أَمَّنَ فَأَمِّنُوا } وَيَكُونُونَ قَدْ أَمَّنُوا عَلَى قُرْآنٍ لَمْ يَسْتَمِعُوهُ وَلَا اسْتَمَعَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ السُّكُوتَ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ بِقَدْرِ مَا يَقْرَءُونَ وَهُمْ لَا يُوجِبُونَ السُّكُوتَ الَّذِي يَسَعُ قَدْرَ الْقِرَاءَةِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِبُّونَهُ فَعُلِمَ أَنَّ اسْتِحْبَابَ السُّكُوتِ يُنَاسِبُ اسْتِحْبَابَ الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ وَاجِبَةً لَوَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ بِقَدْرِهَا سُكُوتًا فِيهِ ذِكْرٌ أَوْ سُكُوتًا مَحْضًا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ السُّكُوتَ لِأَجْلِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ . يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ الْإِنْصَاتَ حَالَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَنَا فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا فَقَالَ : أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمّكُمْ أَحَدُكُمْ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا } وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد وَأَبُو داود وَابْنُ ماجه والنسائي . قِيلَ لِمُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ صَحِيحٌ يَعْنِي : " { إذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا } قَالَ : عِنْدِي صَحِيحٌ . قِيلَ لَهُ : لِمَ لَا تَضَعُهُ هَاهُنَا ؟ يَعْنِي فِي كِتَابِهِ قَالَ : لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدِي صَحِيحٍ وَضَعْته هَاهُنَا . إنَّمَا وَضَعْت هَاهُنَا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ يَعْنِي مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَجْمَعْ عَلَيْهَا وَأَجْمَعَ عَلَيْهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى وَرَوَاهَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى مُسْلِمٌ . وَلَمْ يَرْوِهَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ . وَعَنْ ابْنِ أكيمة الليثي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ : هَلْ قَرَأَ ؟ يَعْنِي أَحَدًا مِنَّا آنِفًا قَالَ رَجُلٌ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهَ قَالَ : إنِّي أَقُولُ : مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ } فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ الصَّلَاةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو داود وَابْنُ ماجه والنسائي والترمذي وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ . قَالَ أَبُو داود سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ قَالَ قَوْلُهُ : فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ إلَى آخِرِهِ . مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ البيهقي : ابْنُ أكيمة رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَمْ يُحَدِّثْ إلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَحْدَهُ وَلَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ وَجَوَابُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ قَدْ قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ الرازي : صَحِيحُ الْحَدِيثِ حَدِيثُهُ مَقْبُولٌ وَتَزْكِيَةُ أَبِي حَاتِمٍ هُوَ فِي الْغَايَةِ . وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ البستي أَنَّهُ قَالَ : رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ وَابْنُ ابْنِهِ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أكيمة بْنِ عُمَرَ . الثَّانِي : أَنْ يُقَالَ لَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ أكيمة إلَّا مَا فِي حَدِيثِ عبادة الَّذِي اعْتَمَدَهُ البيهقي وَنَحْوُهُ . مِنْ أَنَّهُمْ قَرَءُوا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَنَّهُ قَالَ : " { مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ } . الثَّالِثُ : أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ أكيمة رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ فَإِذَا كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ هُوَ مُسَلَّمَ صِحَّةِ مَتْنِهِ وَأَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ وَاَلَّذِي احْتَجَّ بِهِ مُنَازِعُوهُ قَدْ اتَّفَقَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَانَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مَعْمُولًا بِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَمَا فِي حَدِيثِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ قَدْ انْفَرَدَ بِهَا مِنْ ذَلِكَ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَرْوِهَا إلَّا بَعْضُ أَهْلِ السُّنَنِ وَطَعَنَ فِيهَا الْأَئِمَّةُ وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا أَحَقَّ بِالْقَدْحِ فِي الْأَصْلِ الْمُتَّفَقِ عَلَى رِوَايَتِهِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : فَانْتَهَى النَّاسُ . فَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ كَانَ تَابِعًا فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ أَعْلَمُ التَّابِعِينَ فِي زَمَنِهِ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي وَالْهِمَمُ عَلَى نَقْلِ مَا كَانَ يُفْعَلُ فِيهَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَنْفَرِدُ بِهِ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ فَجَزْمُ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْقِرَاءَةَ خَلْفَهُ حَالَ الْجَهْرِ بَعْدَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَيُوَافِقُ قَوْلَهُ : ( { وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا } وَلَمْ يَسْتَثْنِ فَاتِحَةً وَلَا غَيْرَهَا . وَتَحَقَّقَ أَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ إمَّا ضَعِيفَةُ الْأَصْلِ أَوْ لَمْ يَحْفَظْ رَاوِيهَا لَفْظَهَا وَأَنَّ مَعْنَاهَا كَانَ مِمَّا يُوَافِقُ سَائِرَ الرِّوَايَاتِ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُ الْأُصُولِ الْكُلِّيَّةِ الثَّابِتَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْمُحْتَمَلِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَتَمَامُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ يَتَّضِحُ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ : " { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ بسبح اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : أَيُّكُمْ قَرَأَ ؟ أَوْ أَيُّكُمْ الْقَارِئُ ؟ قَالَ رَجُلٌ : أَنَا فَقَالَ : قَدْ ظَنَنْت أَنَّ بَعْضَكُمْ خالجنيها } فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ خَلْفَهُ فِي صَلَاةِ السِّرِّ بِزِيَادَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْهَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ إقْرَارٌ مِنْهُ لَهُمْ عَلَى الْقِرَاءَةِ خَلْفَهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ السِّرِّ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَهُ بِحَالِ أَوْ لَا يَقْرَأُ بِزِيَادَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ . وَقَوْلُهُ : " { قَدْ ظَنَنْت أَنَّ بَعْضَكُمْ خالجنيها } لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ أَصْلِ الْقِرَاءَةِ وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَرْفَعَ حِسَّهُ بِحَيْثُ يُخَالِجُ الْإِمَامَ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ وَكَمَا قَدْ يَفْعَلُ الْإِمَامُ . كَمَا قَالَ أَبُو قتادة : كَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا . وَفِيهِ أَيْضًا : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَهُ فِي السِّرِّ لَا بِالْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهَا . إذْ لَوْ كَانَ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ الْقِرَاءَةَ خَلْفَهُ وَهُوَ لَمْ يُنْكِرْ قِرَاءَةَ سُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ قَالَ : " { أَيُّكُمْ قَرَأَ أَوْ أَيُّكُمْ الْقَارِئُ ؟ } بَلْ مِنْ الْمَعْلُومِ فِي الْعَادَةِ أَنَّ الْقَارِئَ خَلْفَهُ لَمْ يَقْرَأْ بسبح إلَّا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي السِّرِّ لَا بِالْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهَا . كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ لَمَّا اسْتَخْلَفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ حِينَ ذَهَبَ يُصْلِحُ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثُمَّ رَجَعَ يَقْرَأُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى أَبُو بَكْرٍ وَكَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ لَمَّا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ } وَلَوْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَرْضًا عَلَى الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا لَمْ تَسْقُطْ بِسَبْقِ وَلَا جَهْلٍ . كَمَا أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ الْمُسِيءَ فِي صَلَاتِهِ قَالَ لَهُ : " { ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ } وَأَمَرَ الَّذِي صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ . وَأَيْضًا فَتَحَمُّلُ الْإِمَامِ الْقِرَاءَةَ عَنْ الْمَأْمُومِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ فَيَأْتِي هُوَ بِالْكَمَالِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ مِنْ السُّكُوتِ الَّذِي لَا اسْتِمَاعَ مَعَهُ وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ مُتَيَقَّنٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْقَارِئَ لِلْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ السَّاكِتِ الَّذِي لَا يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ غَيْرِهِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ : " { مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ أَمَا إنِّي لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ } فَكَرَاهَةُ هَذَا الْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسْتَمِعِ فَإِنَّ اسْتِمَاعَهُ يَقُومُ مَقَامَ قِرَاءَتِهِ . وَدَلِيلُ ذَلِكَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ حَالَ الْقِرَاءَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ بِالْإِنْصَاتِ إمَّا أَمْرَ إيجَابٍ وَإِمَّا أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَهُمْ الْقِرَاءَةُ حَالَ الِاسْتِمَاعِ فَلَوْلَا أَنَّ الِاسْتِمَاعَ كَالْقِرَاءَةِ بَلْ وَأَفْضَلَ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِالْإِنْصَاتِ مَنْهِيًّا عَنْ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْأَدْنَى وَيَنْهَى عَنْ الْأَفْضَلِ . وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عبادة { فَلَا تَقْرَءُوا بِشَيْءِ مِنْ الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْت بِالْقِرَاءَةِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ } فَإِنَّمَا نَهَاهُمْ عَنْ الْقِرَاءَةِ إذَا جَهَرَ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ : فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَا الْمُفَسَّرُ يُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ . قَالَ : " { تَقْرَءُونَ خَلْفَ إمَامِكُمْ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ قَالَ : فَلَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } يَعْنِي فِي الْجَهْرِ . وَيُبَيِّنُ أَيْضًا مَا رَوَاهُ أَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : { كَانُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : خَلَطْتُمْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ } فَهَذَا يَكُونُ فِي صَلَاةِ جَهْرٍ أَوْ فِي صَلَاةِ سِرٍّ رَفَعَ الْمَأْمُومُ فِيهَا صَوْتَهُ حَتَّى سَمِعَهُ الْإِمَامُ وَإِلَّا فَالْمَأْمُومُ الَّذِي يَقْرَأُ سِرًّا فِي نَفْسِهِ لَا يَخْلِطُ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا يَخْلِطُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ ; بِخِلَافِ الْمَأْمُومِ الَّذِي يَقْرَأُ حَالَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَإِنَّ الْإِمَامَ قَطْعًا يُخْلَطُ عَلَيْهِ حَتَّى إنَّ مِنْ الْمَأْمُومِينَ مَنْ يُعِيدُ الْفَاتِحَةَ مَرَّاتٍ لِأَنَّ صَوْتَ الْإِمَامِ يَشْغَلُهُ قَطْعًا . بَلْ إذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَ الْمَأْمُومَ يُخْلَطُ عَلَيْهِ وَيَلْبَسُ وَيُخَالِجُ الْإِمَامَ فَكَيْفَ بِالْإِمَامِ فِي حَالِ جَهْرِهِ مَعَ الْمَأْمُومِ وَالْمَأْمُومُ يَلْبِسُ عَلَى الْمَأْمُومِ حَالَ الْجَهْرِ ; لِأَنَّهُ إذَا جَهَرَ وَحْدَهُ كَانَ أَدْنَى حِسٍّ يَلْبِسُ عَلَيْهِ وَيُثْقِلُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأَصْوَاتُ هَادِئَةً هُدُوءًا تَامًّا وَإِلَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ وَلَبِسَ عَلَيْهِ وَهَذَا أَمْرٌ مَحْسُوسٌ . وَلِهَذَا تَجِدُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ سَمَاعَ الْقَصَائِدِ سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ يُشَوِّشُونَ بِأَدْنَى حِسٍّ وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يُشَوِّشُ . وَكَذَلِكَ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُشَوِّشُ عَلَيْهِ بِأَدْنَى حِسٍّ فَكَيْفَ مَنْ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ قَرَأَ قَارِئٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ عَلَى جَمَاعَةٍ وَهُمْ لَا يُنْصِتُونَ لَهُ بَلْ يَقْرَءُونَ لِأَنْفُسِهِمْ لَتَشَوَّشَ عَلَيْهِ . فَقَدْ تَبَيَّنَ بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْقِيَاسِيَّةِ الْقَوْلُ الْمُعْتَدِلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَالْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا الْبَابِ تُبَيِّنُ الصَّوَابَ فَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ . فَقَالَ : " لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَمَعْلُومُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ مِنْ أَعْلَمِ الصَّحَابَةِ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ عَالِمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ بِالْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا حَالَ الْجَهْرِ مَشْرُوعَةً لَمْ يَقُلْ لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ . وَقَوْلُهُ : " مَعَ الْإِمَامِ " إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَنْ قَرَأَ مَعَهُ حَالَ الْجَهْرِ . فَأَمَّا حَالَ الْمُخَافَتَةِ فَلَا هَذَا يَقْرَأُ مَعَ هَذَا وَلَا هَذَا مَعَ هَذَا وَكَلَامُ زَيْدٍ هَذَا يَنْفِي الْإِيجَابَ وَالِاسْتِحْبَابَ وَيُثْبِتُ النَّهْيَ وَالْكَرَاهَةَ . وَعَنْ وَهْبِ بْنِ كيسان أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُصَلِّ ; إلَّا وَرَاءَ الْإِمَامِ . رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ . وَجَابِرٌ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مِنْ أَعْيَانِ تِلْكَ الطَّبَقَةِ وَرَوَى مَالِكٌ أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَانَ إذَا سُئِلَ : هَلْ يَقْرَأُ أَحَدٌ خَلْفَ الْإِمَامِ ؟ يَقُولُ : إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيَقْرَأْ . قَالَ : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَابْنُ عُمَرَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالسُّنَّةِ وأتبعهم لَهَا . وَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمَأْمُومِ لَكَانَ هَذَا مِنْ الْعِلْمِ الْعَامِّ الَّذِي بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانًا عَامًّا وَلَوْ بَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ لَكَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ عَمَلًا عَامًّا وَلَكَانَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ لَمْ يَخْفَ مِثْلُ هَذَا الْوَاجِبِ عَلَى ابْنِ عُمَرَ حَتَّى يَتْرُكَهُ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبًا عَامَّ الْوُجُوبِ عَلَى عَامَّةِ الْمُصَلِّينَ قَدْ بَيَّنَ بَيَانًا عَامًّا بِخِلَافِ مَا يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فَإِنَّ هَذَا قَدْ يَخْفَى . وَرَوَى البيهقي عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ : أَنْصِتْ لِلْقُرْآنِ فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا وَسَيَكْفِيك ذَاكَ الْإِمَامُ . فَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَاهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ ; لِأَجْلِ الْإِنْصَاتِ . وَالِاشْتِغَالُ بِهِ لَمْ يَنْهَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَمِعًا كَمَا فِي صَلَاةِ السِّرِّ وَحَالِ السَّكَتَاتِ . فَإِنَّ الْمَأْمُومَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُنْصِتًا وَلَا مُشْتَغِلًا بِشَيْءِ . وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَ ابْنَ مَسْعُودٍ مِنْ الْكُوفِيِّينَ وَمُبَيِّنٌ لِمَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ . وَحَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي تَقَدَّمَ قَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمُسْنَدًا وَمُرْسَلًا فَأَمَّا الْمَوْقُوفُ عَلَى جَابِرٍ فَثَابِتٌ بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَلِكَ الْمُرْسَلُ ثَابِتٌ بِلَا نِزَاعٍ مِنْ رِوَايَةِ الْأَئِمَّةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ } وَأَمَّا الْمُسْنَدُ فَتُكُلِّمَ فِيهِ . رَوَاهُ ابْنُ ماجه مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الجعفي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ . وَجَابِرٌ الجعفي كَذَّبَهُ أَيُّوبُ وَزَائِدَةُ وَوَثَّقَهُ الثَّوْرِيُّ وَسَعِيدٌ وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ : لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا كَرَامَةَ لَيْسَ بِشَيْءِ . وَقَالَ النسائي مَتْرُوكٌ . وَرَوَى أَبُو داود عَنْ أَحْمَد أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يُتَكَلَّمْ فِي جَابِرٍ لِحَدِيثِهِ إنَّمَا تُكُلِّمَ فِيهِ لِرَأْيِهِ . قَالَ أَبُو داود لَيْسَ عِنْدِي بِالْقَوِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ وَقَوْلُهُ " { فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ } لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ الْقِرَاءَةُ كَمَا احْتَجَّ بِذَلِكَ مَنْ احْتَجَّ بِهِ مِنْ الْكُوفِيِّينَ فَإِنَّ قَوْلَهُ : " { قِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْتَزِئَ بِذَلِكَ وَأَنَّ الْوَاجِبَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ كَمَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَلَهُ أَنْ يُسْقِطَ الْوَاجِبَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ . وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحَبُّ . وَأَقْصَى مَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ هُوَ كَأَنَّهُ قَدْ قَرَأَ . ثُمَّ إنَّ أَذْكَارَ الصَّلَاةِ وَاجِبُهَا وَمُسْتَحَبُّهَا إذَا فَعَلَهَا الْعَبْدُ مَرَّةً لَمْ يُكْرَهْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهَا فِي مَحَلِّهَا مَرَّةً ثَانِيَةً لِغَرَضِ صَحِيحٍ مَعَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " { اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا } وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَدِّدُ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ كَمَا رَدَّدَ قَوْلَهُ : { إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } آخِرُ مَا وُجِدَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ .