وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَلْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الْمَطْعُومَاتُ الَّتِي يُؤْخَذُ عَلَيْهَا الْمَكْسُ وَهِيَ مُضَمَّنَةٌ أَوْ مُحْتَكَرَةٌ هَلْ يَحْرُمُ عَلَى مَنْ يَشْتَرِي مِنْهَا شَيْئًا وَيَأْكُلُ مِنْهَا ؟ وَإِنْ عَامَلَ رَجُلٌ لِإِنْسَانِ كُلُّ مَالِهِ حَرَامٌ مِثْلَ ضَامِنِ الْمَكْسِ أَوْ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ سِوَى الْمَكْسِ فَهَلْ يَفْسُقُ بِذَلِكَ .
وَالْمَالُ الَّذِي لَا نَعْرِفُ مَالِكَهُ يَسْقُطُ عَنَّا وُجُوبُ رَدِّهِ إلَيْهِ فَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالصَّدَقَةُ مِنْ أَعْظَمِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ . وَهَذَا أَصْلٌ عَامٌّ فِي كُلِّ مَالٍ جُهِلَ مَالِكُهُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ رَدُّهُ إلَيْهِ . كَالْمَغْصُوبِ وَالْعَوَارِيّ وَالْوَدَائِعُ تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ . وَإِذَا صُرِفَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَازَ لِلْفَقِيرِ أَخْذُهَا ; لِأَنَّ الْمُعْطِيَ هُنَا إنَّمَا يُعْطِيهَا نِيَابَةً عَنْ صَاحِبِهَا ; بِخِلَافِ مَنْ تَصَدَّقَ مِنْ غُلُولٍ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ } . فَهَذَا الَّذِي يَحُوزُ الْمَالَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ . مَعَ إمْكَانِ رَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ يَتَصَدَّقُ صَدَقَةَ مُتَقَرِّبٍ كَمَا يَتَصَدَّقُ بِمَالِهِ فَاَللَّهُ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَأَمَّا ذَاكَ فَإِنَّمَا يَتَصَدَّقُ بِهِ صَدَقَةَ مُتَحَرِّجٍ مُتَأَثِّمٍ فَكَانَتْ صَدَقَتُهُ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَاتِ إلَى أَصْحَابِهَا وَبِمَنْزِلَةِ إعْطَاءِ الْمَالِ لِلْوَكِيلِ الْمُسْتَحِقِّ لَيْسَ هُوَ مِنْ الصَّدَقَةِ الدَّاخِلَةِ فِي قَوْلِهِ : { وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ } .