سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ :  فَرِيدُ الزَّمَانِ بَحْرُ الْعُلُومِ  تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ  أَحْمَد بْنُ تيمية   رَحِمَهُ اللَّهُ  عَنْ رَجُلَيْنِ  تَبَاحَثَا  فِي "   مَسْأَلَةِ الْإِثْبَاتِ لِلصِّفَاتِ وَالْجَزْمِ بِإِثْبَاتِ الْعُلُوِّ  عَلَى الْعَرْشِ  " .  فَقَالَ أَحَدُهُمَا : لَا يَجِبُ  عَلَى أَحَدٍ مَعْرِفَةُ  هَذَا وَلَا الْبَحْثُ عَنْهُ ; بَلْ يُكْرَهُ لَهُ  كَمَا  قَالَ  الْإِمَامُ مَالِكٌ  لِلسَّائِلِ : وَمَا  أَرَاك إلَّا رَجُلُ سُوءٍ . وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ وَيَعْتَقِدَ  أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ  فِي مُلْكِهِ وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ وَمَلِيكُهُ ; بَلْ وَمَنْ  تَكَلَّمَ  فِي شَيْءٍ  مِنْ  هَذَا فَهُوَ مُجَسِّمٌ حَشْوِيٌّ .  فَهَلْ  هَذَا  الْقَائِلُ لِهَذَا الْكَلَامِ مُصِيبٌ أَمْ مُخْطِئٌ ؟ فَإِذَا  كَانَ مُخْطِئًا  فَمَا الدَّلِيلُ  عَلَى  أَنَّهُ يَجِبُ  عَلَى النَّاسِ أَنْ يَعْتَقِدُوا إثْبَاتَ الصِّفَاتِ وَالْعُلُوِّ  عَلَى الْعَرْشِ  - الَّذِي هُوَ  أَعْلَى الْمَخْلُوقَاتِ - وَيَعْرِفُوهُ ؟ وَمَا   مَعْنَى التَّجْسِيمِ وَالْحَشْوِ   ؟ .  أَفْتُونَا وَابْسُطُوا الْقَوْلَ بَسْطًا شَافِيًا يُزِيلُ الشُّبُهَاتِ  فِي  هَذَا مُثَابِينَ مَأْجُورِينَ إنْ  شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى  . 
				
				
				 فَصْلٌ : فَإِذَا تَبَيَّنَ  ذَلِكَ : فَوُجُوبُ   إثْبَاتِ " الْعُلُوِّ لِلَّهِ تَعَالَى "  وَنَحْوِهِ  يَتَبَيَّنُ  مِنْ وُجُوهٍ : - ( أَحَدُهَا أَنْ  يُقَالَ : إنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الْمُسْتَفِيضَةَ الْمُتَوَاتِرَةَ وَغَيْرَ الْمُتَوَاتِرَةِ وَكَلَامَ السَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ  وَسَائِرِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ : مَمْلُوءٌ بِمَا  فِيهِ إثْبَاتُ الْعُلُوِّ لِلَّهِ تَعَالَى  عَلَى عَرْشِهِ بِأَنْوَاعِ  مِنْ الدَّلَالَاتِ وَوُجُوهٍ  مِنْ الصِّفَاتِ وَأَصْنَافٍ  مِنْ الْعِبَارَاتِ ; تَارَةً يُخْبِرُ  أَنَّهُ  خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ  فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ  ثُمَّ اسْتَوَى  عَلَى الْعَرْشِ . وَقَدْ  ذَكَرَ الِاسْتِوَاءَ  عَلَى الْعَرْشِ  فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ .  وَتَارَةً يُخْبِرُ بِعُرُوجِ الْأَشْيَاءِ وَصُعُودِهَا وَارْتِفَاعِهَا إلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {   بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ   }   {   إنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إلَيَّ   }   {   تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إلَيْهِ   }   وقَوْله تَعَالَى   {   إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ   }  . وَتَارَةً يُخْبِرُ بِنُزُولِهَا مِنْهُ أَوْ  مِنْ عِنْدِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {   وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ  أَنَّهُ مُنَزَّلٌ  مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ   }   {   قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ  مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ   }   {  حم   }   {   تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ   }   {  حم   }   {   تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ   }  .  وَتَارَةً يُخْبِرُ " بِأَنَّهُ  الْعَلِيُّ الْأَعْلَى " كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {   سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى   }  وَقَوْلِهِ :   {   وَهُوَ  الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ   }  . وَتَارَةً يُخْبِرُ بِأَنَّهُ  فِي " السَّمَاءِ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {   أَأَمِنْتُمْ مَنْ  فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ   }   {   أَمْ  أَمِنْتُمْ مَنْ  فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا   }  .  فَذَكَرَ السَّمَاءَ  دُونَ الْأَرْضِ وَلَمْ يُعَلِّقْ  بِذَلِكَ أُلُوهِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا  كَمَا  ذَكَرَ  فِي قَوْله تَعَالَى   {   وَهُوَ الَّذِي  فِي السَّمَاءِ إلَهٌ  وَفِي الْأَرْضِ إلَهٌ   }  وَقَالَ تَعَالَى   {   وَهُوَ اللَّهُ  فِي السَّمَاوَاتِ  وَفِي الْأَرْضِ   }  .  وَكَذَلِكَ  قَالَ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {  أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا  أَمِينُ مَنْ  فِي السَّمَاءِ ؟   }   {  وَقَالَ لِلْجَارِيَةِ :  أَيْنَ اللَّهُ ؟  قَالَتْ  فِي السَّمَاءِ .  قَالَ :  أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ   }  . وَتَارَةً يَجْعَلُ بَعْضَ الْخَلْقِ " عِنْدَهُ "  دُونَ بَعْضٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {  وَلَهُ مَنْ  فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ   }  . وَيُخْبِرُ عَمَّنْ عِنْدَهُ بِالطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ :   {   إنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ  وَلَهُ يَسْجُدُونَ   }  فَلَوْ  كَانَ مُوجِبُ الْعِنْدِيَّةِ مَعْنًى عَامًّا كَدُخُولِهِمْ تَحْتَ قُدْرَتِهِ  وَمَشِيئَتِهِ وَأَمْثَالِ  ذَلِكَ :  لَكَانَ كُلُّ مَخْلُوقٍ عِنْدَهُ ; وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مُسْتَكْبِرًا عَنْ عِبَادَتِهِ بَلْ مُسَبِّحًا لَهُ سَاجِدًا وَقَدْ  قَالَ تَعَالَى : {   إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ   }  وَهُوَ  سُبْحَانَهُ وَصَفَ الْمَلَائِكَةَ  بِذَلِكَ رَدًّا  عَلَى الْكُفَّارِ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَأَمْثَالُ  هَذَا  فِي الْقُرْآنِ لَا  يُحْصَى إلَّا بِكُلْفَةِ . وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ عَنْ "   الصَّحَابَةِ   وَالتَّابِعِينَ  "  فَلَا يُحْصِيهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى .  فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ  يَكُونَ مَا اشْتَرَكَتْ  فِيهِ هَذِهِ النُّصُوصُ  مِنْ إثْبَاتِ عُلُوِّ اللَّهِ نَفْسِهِ  عَلَى خَلْقِهِ هُوَ الْحَقُّ أَوْ الْحَقُّ  نَقِيضُهُ ; إذْ الْحَقُّ لَا يَخْرُجُ عَنْ النَّقِيضَيْنِ ; وَإِمَّا أَنْ  يَكُونَ نَفْسُهُ فَوْقَ الْخَلْقِ ; أَوْ لَا يَكُونُ فَوْقَ الْخَلْقِ -  كَمَا تَقُولُ   الجهمية  - .  ثُمَّ تَارَةً يَقُولُونَ : لَا فَوْقَهُمْ وَلَا  فِيهِمْ وَلَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ وَلَا مُبَايِنَ وَلَا محايث وَتَارَةً يَقُولُونَ : هُوَ بِذَاتِهِ  فِي كُلِّ  مَكَانٍ  وَفِي الْمَقَالَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا يَدْفَعُونَ أَنْ  يَكُونَ هُوَ نَفْسُهُ فَوْقَ خَلْقِهِ .  فَإِمَّا أَنْ  يَكُونَ الْحَقُّ إثْبَاتَ  ذَلِكَ ; أَوْ نَفْيَهُ  فَإِنْ  كَانَ نَفْيُ  ذَلِكَ هُوَ الْحَقَّ فَمَعْلُومٌ  أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يُبَيِّنْ  هَذَا  قَطُّ - لَا نَصًّا وَلَا ظَاهِرًا - وَلَا الرَّسُولُ وَلَا أَحَدٌ  مِنْ   الصَّحَابَةِ   وَالتَّابِعِينَ  وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ; لَا أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ وَاحِدٍ  مِنْ هَؤُلَاءِ  أَنَّهُ نَفَى  ذَلِكَ أَوْ  أَخْبَرَ  بِهِ . وَأَمَّا مَا نُقِلَ  مِنْ الْإِثْبَاتِ عَنْ هَؤُلَاءِ : فَأَكْثَرُ  مِنْ أَنْ  يُحْصَى أَوْ يُحْصَرَ  فَإِنْ  كَانَ الْحَقُّ هُوَ النَّفْيَ -  دُونَ الْإِثْبَاتِ - وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ إنَّمَا  دَلَّ  عَلَى الْإِثْبَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّفْيَ أَصْلًا : لَزِمَ أَنْ  يَكُونَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ لَمْ يَنْطِقُوا بِالْحَقِّ  فِي  هَذَا الْبَابِ ; بَلْ نَطَقُوا بِمَا يَدُلُّ - إمَّا نَصًّا وَإِمَّا ظَاهِرًا -  عَلَى الضَّلَالِ وَالْخَطَأِ الْمُنَاقِضِ لِلْهُدَى وَالصَّوَابِ  . وَمَعْلُومٌ  أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ  هَذَا  فِي " الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ " فَلَهُ أَوْفَرُ حَظٍّ  مِنْ قَوْله تَعَالَى   {   وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ  مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ  نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ  مَصِيرًا   }  .  فَإِنَّ  الْقَائِلَ إذَا  قَالَ : هَذِهِ النُّصُوصُ  أُرِيدَ بِهَا خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْهَا أَوْ خِلَافُ مَا  دَلَّتْ عَلَيْهِ أَوْ  أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إثْبَاتُ عُلُوِّ اللَّهِ نَفْسِهِ  عَلَى خَلْقِهِ ; وَإِنَّمَا  أُرِيدَ بِهَا عُلُوُّ  الْمَكَانَةِ وَنَحْوُ  ذَلِكَ -  كَمَا قَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ  عَلَى  هَذَا  فِي غَيْرِ  هَذَا الْمَوْضِعِ . فَيُقَالُ لَهُ :  فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ الْحَقَّ الَّذِي يَجِبُ التَّصْدِيقُ (  بِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ; بَلْ وَيُبَيِّنُ  لَهُمْ مَا يَدُلُّهُمْ  عَلَى  أَنَّ  هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يُرَدْ  بِهِ مَفْهُومُهُ وَمُقْتَضَاهُ ;  فَإِنَّ غَايَةَ مَا يُقَدَّرُ  أَنَّهُ  تَكَلَّمَ بِالْمَجَازِ الْمُخَالِفِ لِلْحَقِيقَةِ وَالْبَاطِنِ الْمُخَالِفِ لِلظَّاهِرِ .  وَمَعْلُومٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ  :  أَنَّ الْمُخَاطَبَ الْمُبِينَ إذَا  تَكَلَّمَ  بِمُجَازٍ  فَلَا  بُدَّ أَنْ يَقْرِنَ بِخِطَابِهِ مَا يَدُلُّ  عَلَى إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ ; فَإِذَا  كَانَ الرَّسُولُ الْمُبَلِّغُ الْمُبَيِّنُ الَّذِي بَيَّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ يَعْلَمُ  أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلَامِ خِلَافُ مَفْهُومِهِ وَمُقْتَضَاهُ  كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرِنَ بِخِطَابِهِ مَا يَصْرِفُ الْقُلُوبَ عَنْ فَهْمِ الْمَعْنَى الَّذِي لَمْ يُرِدْ ; لَا سِيَّمَا إذَا  كَانَ بَاطِلًا لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ  فِي اللَّهِ  فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَعْتَقِدُوا  فِي اللَّهِ مَا لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ إذَا  كَانَ  ذَلِكَ مَخُوفًا عَلَيْهِمْ ; وَلَوْ لَمْ يُخَاطِبْهُمْ بِمَا يَدُلُّ  عَلَى  ذَلِكَ  فَكَيْفَ إذَا  كَانَ خِطَابُهُ هُوَ الَّذِي يَدُلُّهُمْ  عَلَى  ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ الَّذِي تَقُولُ النفاة : هُوَ اعْتِقَادٌ بَاطِلٌ ؟ .  فَإِذَا لَمْ يَكُنْ  فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ وَلَا  كَلَامِ أَحَدٍ  مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ النفاة أَصْلًا ; بَلْ هُمْ  دَائِمًا لَا يَتَكَلَّمُونَ إلَّا بِالْإِثْبَاتِ امْتَنَعَ حِينَئِذٍ أَنْ لَا  يَكُونَ مُرَادُهُمْ الْإِثْبَاتَ وَأَنْ  يَكُونَ النَّفْيُ هُوَ الَّذِي يَعْتَقِدُونَهُ وَيَعْتَمِدُونَهُ وَهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا  بِهِ  قَطُّ وَلَمْ يُظْهِرُوهُ ; وَإِنَّمَا أَظْهَرُوا مَا يُخَالِفُهُ وَيُنَافِيهِ  وَهَذَا كَلَامٌ مُبَيَّنٌ ; لَا  مخلص لِأَحَدِ عَنْهُ ; لَكِنْ   للجهمية الْمُتَكَلِّمَةِ  هُنَا كَلَامٌ   وللجهمية الْمُتَفَلْسِفَةِ  كَلَامٌ .  أَمَّا "   الْمُتَفَلْسِفَةُ   وَالْقَرَامِطَةُ  " فَيَقُولُونَ ; إنَّ الرُّسُلَ كَلَّمُوا الْخَلْقَ بِخِلَافِ مَا هُوَ الْحَقُّ وَأَظْهَرُوا  لَهُمْ خِلَافَ مَا يُبْطِنُونَ وَرُبَّمَا يَقُولُونَ إنَّهُمْ كَذَبُوا  لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ  فَإِنَّ مَصْلَحَةَ الْعَامَّةِ لَا تَقُومُ إلَّا بِإِظْهَارِ الْإِثْبَاتِ  وَإِنْ  كَانَ  فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَاطِلًا . وَهَذَا مَعَ مَا  فِيهِ  مِنْ  الزَّنْدَقَةِ الْبَيِّنَةِ وَالْكُفْرِ الْوَاضِحِ : قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ  فِي نَفْسِهِ فَإِنَّهُ  يُقَالُ : لَوْ  كَانَ الْأَمْرُ  كَمَا تَقُولُونَ وَالرُّسُلُ  مِنْ جِنْسِ رُؤَسَائِكُمْ ; لَكَانَ خَوَاصُّ الرُّسُلِ يَطَّلِعُونَ  عَلَى  ذَلِكَ ;  وَلَكَانُوا يُطْلِعُونَ خَوَاصَّهُمْ  عَلَى  هَذَا الْأَمْرِ ;  فَكَأَنْ  يَكُونَ النَّفْيُ مَذْهَبَ خَاصَّةِ الْأُمَّةِ وَأَكْمَلِهَا عَقْلًا وَعِلْمًا وَمَعْرِفَةً وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ ;  فَإِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ " السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ " وَجَدَ  أَعْلَمَ الْأُمَّةِ - عِنْدَ الْأُمَّةِ -  كَأَبِي بَكْرٍ  وَعُمَرَ  وَعُثْمَانَ  وَعَلِيٍّ  وَابْنِ مَسْعُودٍ  وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ  وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ  وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ  وأبي بْنِ كَعْبٍ  وَأَبِي الدَّرْدَاءِ  وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ  وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ  وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو  وَأَمْثَالِهِمْ ; هُمْ أَعْظَمُ الْخَلْقِ إثْبَاتًا .  وَكَذَلِكَ أَفْضَلُ   التَّابِعِينَ  : مِثْلُ  سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ  وَأَمْثَالِهِ  وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ  وَأَمْثَالِهِ  وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ  وَأَمْثَالِهِ   وَأَصْحَابِ  ابْنِ مَسْعُودٍ   وَأَصْحَابِ  ابْنِ عَبَّاسٍ  وَهُمْ  مِنْ  أَجَلِّ   التَّابِعِينَ  . بَلْ النُّقُولُ عَنْ هَؤُلَاءِ  فِي الْإِثْبَاتِ يَجْبُنُ عَنْ إثْبَاتِهِ كَثِيرٌ  مِنْ النَّاسِ  وَعَلَى  ذَلِكَ تَأَوَّلَ  يَحْيَى بْنُ عَمَّارٍ  وَصَاحِبُهُ  شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو إسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيُّ  مَا يُرْوَى :   {  أَنَّ  مِنْ الْعِلْمِ كَهَيْئَةِ الْمَكْنُونِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ فَإِذَا ذَكَرُوهُ لَمْ يُنْكِرْهُ إلَّا أَهْلُ الْغِرَّةِ بِاَللَّهِ   }  تَأَوَّلُوا  ذَلِكَ  عَلَى مَا جَاءَ  مِنْ الْإِثْبَاتِ ; لِأَنَّ  ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَالسَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ  لَهُمْ بِإِحْسَانِ بِخِلَافِ النَّفْيِ فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ عَنْهُمْ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ .  وَقَدْ جَمَعَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ  مِنْ الْمَنْقُولِ عَنْ السَّلَفِ  فِي الْإِثْبَاتِ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ عَنْهُمْ  فِي النَّفْيِ بِحَرْفِ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ  يَكُونَ  مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ الَّتِي يَنْقُلُهَا مَنْ هُوَ  مِنْ  أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ  كَلَامِهِمْ . وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَتَمَسَّكُ " بِمُجْمَلَاتِ " سَمِعَهَا : بَعْضُهَا كَذِبٌ وَبَعْضُهَا صِدْقٌ مِثْلُ مَا يَنْقُلُونَهُ عَنْ  عُمَرَ  أَنَّهُ  قَالَ :   {  كَانَ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَأَبُو بَكْرٍ  يَتَحَدَّثَانِ  وَكُنْت كَالزِّنْجِيِّ بَيْنَهُمَا   }  .  فَهَذَا كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَثَرِ ; وَبِتَقْدِيرِ صِدْقِهِ فَهُوَ مُجْمَلٌ . فَإِذَا  قَالَ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ  كَانَ مَا يَتَكَلَّمَانِ  فِيهِ  مِنْ  هَذَا الْبَابِ  لِمُوَافَقَتِهِ مَا نُقِلَ عَنْهُمَا  كَانَ  أَوْلَى  مِنْ قَوْلِ النفاة إنَّهُمَا يَتَكَلَّمَانِ بِالنَّفْيِ . وَكَذَلِكَ حَدِيثُ جِرَابِ   {  أَبِي هُرَيْرَةَ  لَمَّا  قَالَ : حَفِظْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  جِرَابَيْنِ :  أَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْته  فِيكُمْ  وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْته لَقَطَعْتُمْ  هَذَا الْبُلْعُومَ .   }  فَإِنَّ  هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ;  لَكِنَّهُ مُجْمَلٌ . وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا :  أَنَّ الْجِرَابَ الْآخَرَ  كَانَ  فِيهِ حَدِيثُ الْمَلَاحِمِ وَالْفِتَنِ وَلَوْ قُدِّرَ  أَنَّ  فِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ فَلَيْسَ  فِيهِ مَا يَدُلُّ  عَلَى النَّفْيِ ; بَلْ الثَّابِتُ الْمَحْفُوظُ  مِنْ أَحَادِيثِ  أَبِي هُرَيْرَةَ  كَحَدِيثِ " إتْيَانِهِ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ " وَحَدِيثِ " النُّزُولِ " وَ " الضَّحِكِ " وَأَمْثَالُ  ذَلِكَ كُلُّهَا  عَلَى الْإِثْبَاتِ ; وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ  أَبِي هُرَيْرَةَ  حَرْفٌ وَاحِدٌ  مِنْ جِنْسِ قَوْلِ النفاة .  وَأَمَّا "   الجهمية الْمُتَكَلِّمَةُ  " فَيَقُولُونَ : إنَّ الْقَرِينَةَ الصَّارِفَةَ  لَهُمْ  عَمَّا  دَلَّ عَلَيْهِ الْخِطَابُ هُوَ الْعَقْلُ ; فَاكْتَفَى بِالدَّلَالَةِ الْعَقْلِيَّةِ الْمُوَافِقَةِ لِمَذْهَبِ النفاة . فَيُقَالُ  لَهُمْ " أَوَّلًا " : فَحِينَئِذٍ إذَا  كَانَ مَا  تَكَلَّمَ  بِهِ إنَّمَا  يُفِيدُهُمْ مُجَرَّدُ الضَّلَالِ ; وَإِنَّمَا  يَسْتَفِيدُونَ الْهُدَى  مِنْ عُقُولِهِمْ :  كَانَ الرَّسُولُ قَدْ  نَصَبَ  لَهُمْ أَسْبَابَ الضَّلَالِ وَلَمْ يَنْصِبْ  لَهُمْ أَسْبَابَ الْهُدَى وَأَحَالَهُمْ  فِي الْهُدَى  عَلَى نُفُوسِهِمْ فَيَلْزَمُ  عَلَى قَوْلِهِمْ  أَنَّ تَرْكَهُمْ  فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَيْرٌ  لَهُمْ  مِنْ هَذِهِ الرِّسَالَةِ الَّتِي لَمْ تَنْفَعْهُمْ ; بَلْ ضَرَّتْهُمْ . وَيُقَالُ  لَهُمْ " ثَانِيًا " : فَالرَّسُولُ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ الْإِثْبَاتَ الَّذِي هُوَ  أَظْهَرُ  فِي الْعَقْلِ  مِنْ قَوْلِ النفاة ; مِثْلُ ذِكْرِهِ لِخَلْقِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ  وَمَشِيئَتِهِ وَعِلْمِهِ  وَنَحْوِ  ذَلِكَ -  مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُعْلَمُ بِالْعَقْلِ -  أَعْظَمَ مِمَّا يُعْلَمُ نَفْيُ   الجهمية  وَهُوَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا يُنَاقِضُ  هَذَا الْإِثْبَاتَ  فَكَيْفَ يُحِيلُهُمْ  عَلَى مُجَرَّدِ الْعَقْلِ  فِي النَّفْيِ الَّذِي هُوَ  أَخْفَى وَأَدَقُّ ؟ وَكَلَامُهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ ; بَلْ  دَلَّ  عَلَى نَقِيضِهِ وَضِدِّهِ وَمَنْ  نَسَبَ  هَذَا إلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فَاَللَّهُ حَسِيبُهُ  عَلَى مَا يَقُولُ . وَ " الْمَرَاتِبُ ثَلَاثٌ " : إمَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْهُدَى أَوْ بِالضَّلَالِ أَوْ يَسْكُتُ عَنْهُمَا .  وَمَعْلُومٌ  أَنَّ السُّكُوتَ عَنْهُمَا خَيْرٌ  مِنْ التَّكَلُّمِ بِمَا يَضِلُّ وَهُنَا يُعْرَفُ بِالْعَقْلِ  أَنَّ الْإِثْبَاتَ لَمْ يَسْكُتْ عَنْهُ ; بَلْ بَيَّنَهُ  وَكَانَ مَا جَاءَ  بِهِ السَّمْعُ مُوَافِقًا لِلْعَقْلِ ;  فَكَانَ الْوَاجِبُ فِيمَا يَنْفِيهِ الْعَقْلُ أَنْ يَتَكَلَّمَ  فِيهِ بِالنَّفْيِ ;  كَمَا فَعَلَ فِيمَا يُثْبِتُهُ الْعَقْلُ وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ  ذَلِكَ  كَانَ السُّكُوتُ عَنْهُ  أَسْلَمُ لِلْأُمَّةِ . أَمَّا إذَا  تَكَلَّمَ  فِيهِ بِمَا يَدُلُّ  عَلَى الْإِثْبَاتِ وَأَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَعْتَقِدُوا إلَّا النَّفْيَ ; لِكَوْنِ مُجَرَّدِ عُقُولِهِمْ تَعْرِفُهُمْ  بِهِ فَإِضَافَةُ  هَذَا إلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ  الزَّنْدَقَةِ وَالنِّفَاقِ .  وَيُقَالُ  لَهُمْ " ثَالِثًا " مَنْ الَّذِي سَلَّمَ لَكُمْ  أَنَّ الْعَقْلَ يُوَافِقُ مَذْهَبَ النفاة ; بَلْ الْعَقْلُ الصَّرِيحُ إنَّمَا يُوَافِقُ مَا  أَثْبَتَهُ الرَّسُولُ وَلَيْسَ بَيْنَ الْمَعْقُولِ الصَّرِيحِ وَالْمَنْقُولِ الصَّحِيحِ تَنَاقُضٌ أَصْلًا وَقَدْ بَسَطْنَا  هَذَا  فِي " مَوَاضِعَ " بَيَّنَّا  فِيهَا  أَنَّ مَا يَذْكُرُونَ  مِنْ الْمَعْقُولِ الْمُخَالِفِ لِمَا جَاءَ  بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  إنَّمَا هُوَ جَهْلٌ وَضَلَالٌ تَقَلَّدَهُ مُتَأَخِّرُوهُمْ عَنْ مُتَقَدِّمِيهِمْ وَسَمَّوْا  ذَلِكَ عَقْلِيَّاتٍ وَإِنَّمَا هِيَ جهليات وَمَنْ طُلِبَ مِنْهُ تَحْقِيقُ مَا  قَالَهُ أَئِمَّةُ الضَّلَالِ بِالْمَعْقُولِ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا إلَى مُجَرَّدِ تَقْلِيدِهِمْ . فَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالشَّرْعِ وَيُخَالِفُونَ الْعَقْلَ تَقْلِيدًا لِمَنْ  تَوَهَّمُوا  أَنَّهُ عَالِمٌ بِالْعَقْلِيَّاتِ . وَهُمْ مَعَ " أَئِمَّتِهِمْ الضُّلَّالِ "   كَقَوْمِ  فِرْعَوْنَ  مَعَهُ حَيْثُ  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى   {   فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ   }  وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ :   {   وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ  فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا  أَنَّهُمْ إلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ   }   {   فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ  فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ  كَيْفَ  كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ   }   {   وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إلَى النَّارِ وَيَوْمَ  الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ   }   {   وَأَتْبَعْنَاهُمْ  فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ  الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ   }  وَفِرْعَوْنُ  هُوَ إمَامُ النفاة . وَلِهَذَا صَرَّحَ مُحَقِّقُو النفاة بِأَنَّهُمْ  عَلَى قَوْلِهِ  كَمَا يُصَرِّحُ  بِهِ   الِاتِّحَادِيَّةُ  مِنْ   الجهمية النفاة  ; إذْ هُوَ  أَنْكَرَ الْعُلُوَّ وَكَذَّبَ  مُوسَى  فِيهِ  وَأَنْكَرَ تَكْلِيمَ اللَّهِ  لِمُوسَى  قَالَ تَعَالَى :   {  وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ  ابْنِ  لِي صَرْحًا  لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ   }   {   أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إلَى إلَهِ  مُوسَى  وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا   }  .  وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ  أَخْبَرَ عَنْ  فِرْعَوْنَ  أَنَّهُ  أَنْكَرَ " الصَّانِعَ " بِلِسَانِهِ  فَقَالَ : {   وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ   }  وَطَلَبَ أَنْ يَصْعَدَ لِيَطَّلِعَ إلَى إلَهِ  مُوسَى  فَلَوْ لَمْ يَكُنْ  مُوسَى  أَخْبَرَهُ  أَنَّ إلَهَهُ فَوْقُ لَمْ يَقْصِدْ  ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ هُوَ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا  بِهِ فَإِذَا لَمْ يُخْبِرُهُ  مُوسَى  بِهِ لَمْ يَكُنْ إثْبَاتُ الْعُلُوِّ لَا مِنْهُ وَلَا  مِنْ  مُوسَى  ;  فَلَا يَقْصِدُ الِاطِّلَاعَ وَلَا يَحْصُلُ  بِهِ مَا قَصَدَهُ  مِنْ التَّلْبِيسِ  عَلَى قَوْمِهِ بِأَنَّهُ صَعِدَ إلَى إلَهِ  مُوسَى  ;  وَلَكَانَ صُعُودُهُ إلَيْهِ كَنُزُولِهِ إلَى الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ  وَكَانَ  ذَلِكَ  أَهْوَنَ عَلَيْهِ ;  فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَكَلُّفِ الصَّرْحِ . {   وَنَبِيُّنَا   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لَمَّا عُرِجَ  بِهِ لَيْلَةَ  الْإِسْرَاءِ وَجَدَ  فِي السَّمَاءِ  الْأُولَى  آدَمَ   عَلَيْهِ السَّلَامُ  وَفِي الثَّانِيَةِ   يَحْيَى   وَعِيسَى  ثُمَّ  فِي الثَّالِثَةِ   يُوسُفَ  ثُمَّ  فِي الرَّابِعَةِ   إدْرِيسَ  ثُمَّ  فِي الْخَامِسَةِ  هَارُونَ  ثُمَّ وَجَدَ  مُوسَى   وَإِبْرَاهِيمَ  ثُمَّ  عَرَجَ إلَى  رَبِّهِ فَفَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً  ثُمَّ رَجَعَ إلَى  مُوسَى  .  فَقَالَ لَهُ : ارْجِعْ إلَى رَبِّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ  لِأُمَّتِك  فَإِنَّ  أُمَّتَك لَا تُطِيقُ  ذَلِكَ  قَالَ : فَرَجَعْت إلَى  رَبِّي فَسَأَلْته التَّخْفِيفَ  لِأُمَّتِي  وَذَكَرَ  أَنَّهُ رَجَعَ إلَى  مُوسَى  ثُمَّ رَجَعَ إلَى  رَبِّهِ مِرَارًا   }  فَصَدَقَ  مُوسَى  فِي  أَنَّ  رَبَّهُ فَوْقَ السَّمَوَاتِ  وَفِرْعَوْنُ  كَذَّبَ  مُوسَى  فِي  ذَلِكَ . "   والجهمية النفاة  " : مُوَافِقُونَ   لِآلِ  فِرْعَوْنَ  أَئِمَّةِ الضَّلَالِ .  وَ " أَهْلُ السُّنَّةِ  وَالْإِثْبَاتِ " : مُوَافِقُونَ   لِآلِ   إبْرَاهِيمَ  أَئِمَّةِ الْهُدَى  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَوَهَبْنَا لَهُ إسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ   }   {   وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ  وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ   }  وَمُوسَى   وَمُحَمَّدٌ  مِنْ  آلِ   إبْرَاهِيمَ  ; بَلْ هُمْ  سَادَاتُ  آلِ   إبْرَاهِيمَ  صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .