سُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ ( الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ هَلْ فَوْقَهُ مَقَامٌ مِنْ الْمَقَامَاتِ أَوْ حَالٌ مِنْ الْأَحْوَالِ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْمَقَامَاتِ وَالْأَحْوَالِ الْمَحْمُودَةِ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ تَكُونُ صِفَةُ الْإِيمَانِ نُورًا يُوقِعُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ وَيَعْرِفُ الْعَبْدُ عِنْدَ وُقُوعِهِ فِي قَلْبِهِ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَكُونُ لِأَوَّلِ حُصُولِهِ سَبَبٌ مِنْ الْأَسْبَابِ - مِثْلَ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ أَوْ مُجَالَسَتِهِمْ وَصُحْبَتِهِمْ أَوْ تَعَلُّمِ عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ؟ . فَإِنْ كَانَ لِأَوَّلِ حُصُولِهِ سَبَبٌ فَمَا هُوَ ذَلِكَ السَّبَبُ ؟ وَمَا الْأَسْبَابُ أَيْضًا الَّتِي يَقْوَى بِهَا الْإِيمَانُ - إلَى أَنْ يَكْمُلَ عَلَى تَرْتِيبِهَا ؟ هَلْ يَبْدَأُ بِالزُّهْدِ حَتَّى يُصَحِّحَهُ ؟ أَمْ بِالْعِلْمِ حَتَّى يَرْسَخَ فِيهِ ؟ أَمْ بِالْعِبَادَةِ حَتَّى يُجْهِدَ نَفْسَهُ ؟ أَمْ يَجْمَعُ بَيْنَ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ ؟ أَمْ كَيْفَ يَتَوَصَّلُ إلَى حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ الَّذِي مَدَحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؟ بَيِّنُوا لَنَا الْأَسْبَابَ وَأَنْوَاعَهَا وَشَرْحَهَا الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَمَا وَصْفُ صَاحِبِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ
فَصْلٌ : وَأَمَّا طَرِيقُ الْوُصُولِ إلَى ذَلِكَ : فَبِالِاجْتِهَادِ فِي فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجِزَن وَإِنْ أَصَابَك شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْت لَكَانَ كَذَا وَكَذَا . وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ ; فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ } وَفِي السُّنَنِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ : حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ وَلَكِنْ عَلَيْك بِالْكَيِّسِ فَإِذَا غَلَبَك أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } . فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبْدَ بِأَنْ يَحْرِصَ عَلَى مَا يَنْفَعُهُ وَيَسْتَعِينَ بِاَللَّهِ عَلَى ذَلِكَ وَالْحِرْصُ عَلَى مَا يَنْفَعُهُ هُوَ الِاجْتِهَادُ فِي الْخَيْرِ وَهُوَ الْعِبَادَةُ ; فَإِنَّ كُلَّ مَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِطَلَبِهِ وَإِنَّمَا يُنْهَى عَنْ طَلَبِ مَا يَضُرُّهُ - وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ - كَمَا يَطْلُبُ الْمُحَرَّمَاتِ وَهِيَ تَضُرُّهُ وَيَطْلُبُ الْمَفْضُولَ الَّذِي لَا يَنْفَعُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَبَاحَ لِلْمُؤْمِنِينَ الطَّيِّبَاتِ وَهِيَ مَا يَنْفَعُهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَهِيَ مَا يَضُرُّهُمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا