سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ :  فَرِيدُ الزَّمَانِ بَحْرُ الْعُلُومِ  تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ  أَحْمَد بْنُ تيمية   رَحِمَهُ اللَّهُ  عَنْ رَجُلَيْنِ  تَبَاحَثَا  فِي "   مَسْأَلَةِ الْإِثْبَاتِ لِلصِّفَاتِ وَالْجَزْمِ بِإِثْبَاتِ الْعُلُوِّ  عَلَى الْعَرْشِ  " .  فَقَالَ أَحَدُهُمَا : لَا يَجِبُ  عَلَى أَحَدٍ مَعْرِفَةُ  هَذَا وَلَا الْبَحْثُ عَنْهُ ; بَلْ يُكْرَهُ لَهُ  كَمَا  قَالَ  الْإِمَامُ مَالِكٌ  لِلسَّائِلِ : وَمَا  أَرَاك إلَّا رَجُلُ سُوءٍ . وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ وَيَعْتَقِدَ  أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ  فِي مُلْكِهِ وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ وَمَلِيكُهُ ; بَلْ وَمَنْ  تَكَلَّمَ  فِي شَيْءٍ  مِنْ  هَذَا فَهُوَ مُجَسِّمٌ حَشْوِيٌّ .  فَهَلْ  هَذَا  الْقَائِلُ لِهَذَا الْكَلَامِ مُصِيبٌ أَمْ مُخْطِئٌ ؟ فَإِذَا  كَانَ مُخْطِئًا  فَمَا الدَّلِيلُ  عَلَى  أَنَّهُ يَجِبُ  عَلَى النَّاسِ أَنْ يَعْتَقِدُوا إثْبَاتَ الصِّفَاتِ وَالْعُلُوِّ  عَلَى الْعَرْشِ  - الَّذِي هُوَ  أَعْلَى الْمَخْلُوقَاتِ - وَيَعْرِفُوهُ ؟ وَمَا   مَعْنَى التَّجْسِيمِ وَالْحَشْوِ   ؟ .  أَفْتُونَا وَابْسُطُوا الْقَوْلَ بَسْطًا شَافِيًا يُزِيلُ الشُّبُهَاتِ  فِي  هَذَا مُثَابِينَ مَأْجُورِينَ إنْ  شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى  . 
				
				
				 فَأَجَابَ : - الْحَمْدُ لِلَّهِ  رَبِّ الْعَالَمِينَ . يَجِبُ  عَلَى الْخَلْقِ الْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ  بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فَمَا جَاءَ  بِهِ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ أَوْ السُّنَّةُ الْمَعْلُومَةُ  وَجَبَ  عَلَى الْخَلْقِ الْإِقْرَارُ  بِهِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا عِنْدَ الْعِلْمِ بِالتَّفْصِيلِ ;  فَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا حَتَّى يُقِرَّ بِمَا جَاءَ  بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَهُوَ تَحْقِيقُ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ  وَأَنَّ   مُحَمَّدًا  رَسُولُ اللَّهِ . فَمَنْ شَهِدَ  أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ شَهِدَ  أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا يُخْبِرُ  بِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى  فَإِنَّ  هَذَا حَقِيقَةُ الشَّهَادَةِ بِالرِّسَالَةِ ; إذْ الْكَاذِبُ لَيْسَ بِرَسُولِ فِيمَا يُكَذِّبُهُ وَقَدْ  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {   وَلَوْ تَقَوَّلَ  عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ   }   {   لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ   }   {  ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ   }  . وَ " بِالْجُمْلَةِ "  فَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ  مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ; لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْرِيرِهِ هُنَا ; وَهُوَ  الْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ  بِهِ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَهُوَ مَا جَاءَ  بِهِ  مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ  كَمَا  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {   لَقَدْ  مَنَّ اللَّهُ  عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ  فِيهِمْ رَسُولًا  مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ  وَإِنْ  كَانُوا  مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {  كَمَا  أَرْسَلْنَا  فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ  آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ   }  .  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا  أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ  بِهِ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَمَا  أَرْسَلْنَا  مِنْ رَسُولٍ إلَّا  لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {  فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا  شَجَرَ بَيْنَهُمْ  ثُمَّ لَا يَجِدُوا  فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   يَا  أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا  أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ  وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ  فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ  فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ   }  . وَمِمَّا جَاءَ  بِهِ الرَّسُولُ : رِضَاهُ عَنْ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ ; وَعَمَّنْ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ ;  كَمَا  قَالَ تَعَالَى : {   وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ   }  . وَمِمَّا جَاءَ  بِهِ الرَّسُولُ : إخْبَارُهُ بِأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ  أَكْمَلَ الدِّينَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : {   الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا   }  . وَمِمَّا جَاءَ  بِهِ الرَّسُولُ أَمْرُ اللَّهِ لَهُ بِالْبَلَاغِ الْمُبِينِ  كَمَا  قَالَ تَعَالَى : {   وَمَا  عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَأَنْزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   يَا  أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا  أُنْزِلَ إلَيْكَ  مِنْ رَبِّكَ  وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ  فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ   }  . وَمَعْلُومٌ  أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ  كَمَا أُمِرَ وَلَمْ يَكْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا ;  فَإِنَّ كِتْمَانَ مَا  أَنْزَلَهُ اللَّهُ إلَيْهِ يُنَاقِضُ مُوجِبَ الرِّسَالَةِ ;  كَمَا  أَنَّ الْكَذِبَ يُنَاقِضُ مُوجِبَ الرِّسَالَةِ . وَمِنْ الْمَعْلُومِ  مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ  أَنَّهُ مَعْصُومٌ  مِنْ الْكِتْمَانِ لِشَيْءِ  مِنْ الرِّسَالَةِ  كَمَا  أَنَّهُ مَعْصُومٌ  مِنْ الْكَذِبِ  فِيهَا . وَالْأُمَّةُ تَشْهَدُ لَهُ بِأَنَّهُ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ  كَمَا  أَمَرَهُ اللَّهُ وَبَيَّنَ مَا  أُنْزِلَ إلَيْهِ  مِنْ  رَبِّهِ وَقَدْ  أَخْبَرَ اللَّهُ بِأَنَّهُ قَدْ  أَكْمَلَ الدِّينَ ; وَإِنَّمَا كَمُلَ بِمَا بَلَّغَهُ ; إذْ الدِّينُ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا بِتَبْلِيغِهِ فَعُلِمَ  أَنَّهُ بَلَّغَ جَمِيعَ الدِّينِ الَّذِي  شَرَعَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ  كَمَا  قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {   تَرَكْتُكُمْ  عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إلَّا هَالِكٌ   }  .  وَقَالَ :   {   مَا تَرَكْتُ  مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ إلَى الْجَنَّةِ إلَّا وَقَدْ حَدَّثْتُكُمْ  بِهِ وَمَا تَرَكْتُ  مِنْ شَيْءٍ يُبْعِدُكُمْ عَنْ النَّارِ إلَّا وَقَدْ حَدَّثْتُكُمْ  بِهِ   }  .  وَقَالَ  أَبُو ذَرٍّ  : لَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَمَا  طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ  فِي السَّمَاءِ إلَّا  ذَكَرَ لَنَا مِنْهُ عِلْمًا  . إذَا تَبَيَّنَ  هَذَا : فَقَدْ  وَجَبَ   عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ تَصْدِيقُهُ فِيمَا  أَخْبَرَ  بِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى :  مِنْ " أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ "  مِمَّا جَاءَ  فِي الْقُرْآنِ  وَفِي السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْهُ  كَمَا  كَانَ عَلَيْهِ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ  مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ; وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ الَّذِينَ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ  تَلَقَّوْا عَنْهُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ  وَكَانُوا يَتَلَقَّوْنَ عَنْهُ مَا  فِي  ذَلِكَ  مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ  كَمَا  قَالَ  أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ  السلمي  : لَقَدْ   {   حَدَّثَنَا الَّذِينَ  كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ  كَعُثْمَانِ بْنِ  عفان  وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ  وَغَيْرِهِمَا  أَنَّهُمْ  كَانُوا إذَا  تَعَلَّمُوا  مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَا  فِيهَا  مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ  قَالُوا : فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا   }  .   وَقَدْ قَامَ  عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ  - وَهُوَ  مِنْ  أَصَاغِرِ   الصَّحَابَةِ  -  فِي تَعَلُّمِ الْبَقَرَةِ  ثَمَانِيَ سِنِينَ وَإِنَّمَا  ذَلِكَ  لِأَجْلِ الْفَهْمِ وَالْمَعْرِفَةِ  .  وَهَذَا مَعْلُومٌ  مِنْ وُجُوهٍ : -  ( أَحَدُهَا  أَنَّ  الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ الَّتِي  جَبَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا بَنِي  آدَمَ تُوجِبُ اعْتِنَاءَهُمْ بِالْقُرْآنِ  - الْمُنَزَّلِ عَلَيْهِمْ - لَفْظًا وَمَعْنًى ; بَلْ أَنْ  يَكُونَ اعْتِنَاؤُهُمْ بِالْمَعْنَى  أَوْكَدَ فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ  أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ كِتَابًا  فِي الطِّبِّ أَوْ الْحِسَابِ أَوْ النَّحْوِ أَوْ الْفِقْهِ أَوْ غَيْرِ  ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ لَا  بُدَّ أَنْ  يَكُونَ رَاغِبًا  فِي فَهْمِهِ وَتَصَوُّرِ مَعَانِيهِ  فَكَيْفَ بِمَنْ قَرَءُوا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى الْمُنَزَّلَ إلَيْهِمْ الَّذِي  بِهِ هَدَاهُمْ اللَّهُ  وَبِهِ عَرَّفَهُمْ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ وَالْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَالْهُدَى وَالضَّلَالَ وَالرَّشَادَ وَالْغَيَّ . فَمِنْ الْمَعْلُومِ  أَنَّ رَغْبَتَهُمْ  فِي فَهْمِهِ وَتَصَوُّرِ مَعَانِيهِ أَعْظَمُ الرَّغَبَاتِ ; بَلْ إذَا سَمِعَ الْمُتَعَلِّمُ  مِنْ الْعَالِمِ حَدِيثًا فَإِنَّهُ يَرْغَبُ  فِي فَهْمِهِ ;  فَكَيْفَ بِمَنْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ  مِنْ الْمُبَلِّغِ عَنْهُ ; بَلْ  وَمِنْ الْمَعْلُومِ  أَنَّ رَغْبَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فِي تَعْرِيفِهِمْ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ أَعْظَمُ  مِنْ رَغْبَتِهِ  فِي تَعْرِيفِهِمْ حُرُوفَهُ  فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْحُرُوفِ بِدُونِ الْمَعَانِي لَا تُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ إذَا اللَّفْظُ إنَّمَا يُرَادُ لِلْمَعْنَى .  ( الْوَجْهُ الثَّانِي  أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ  حَضَّهُمْ  عَلَى تَدَبُّرِهِ وَتَعَقُّلِهِ وَاتِّبَاعِهِ  فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ  كَمَا  قَالَ تَعَالَى : {   كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ   }  .  وَقَالَ تَعَالَى :   {  أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ  عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ  آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {  أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ  كَانَ  مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا  فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا   }  . فَإِذَا  كَانَ قَدْ  حَضَّ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ  عَلَى تَدَبُّرِهِ : عُلِمَ  أَنَّ مَعَانِيَهُ مِمَّا يُمْكِنُ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ فَهْمُهَا وَمَعْرِفَتُهَا  فَكَيْفَ لَا يَكُونُ  ذَلِكَ مُمْكِنًا لِلْمُؤْمِنِينَ ;  وَهَذَا يُبَيِّنُ  أَنَّ مَعَانِيَهُ  كَانَتْ مَعْرُوفَةً بَيِّنَةً  لَهُمْ .  ( الْوَجْهُ الثَّالِثُ  أَنَّهُ  قَالَ تَعَالَى :   {   إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا  لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا  لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ   }  فَبَيَّنَ  أَنَّهُ  أَنْزَلَهُ عَرَبِيًّا لِأَنْ يَعْقِلُوا وَالْعَقْلُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ بِمَعَانِيهِ .  ( الْوَجْهُ الرَّابِعُ  أَنَّهُ  ذَمَّ مَنْ لَا يَفْهَمُهُ  فَقَالَ تَعَالَى : {   وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا   }   {   وَجَعَلْنَا  عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ  وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {  فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا   }  فَلَوْ  كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لَا يَفْقَهُونَهُ أَيْضًا  لَكَانُوا مُشَارِكِينَ لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِيمَا  ذَمَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى  بِهِ .  ( الْوَجْهُ الْخَامِسُ  أَنَّهُ  ذَمَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ حَظُّهُ  مِنْ السَّمَاعِ إلَّا سَمَاعَ الصَّوْتِ  دُونَ فَهْمِ الْمَعْنَى وَاتِّبَاعِهِ  فَقَالَ تَعَالَى : {   وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   أَمْ تَحْسَبُ  أَنَّ  أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ  أَضَلُّ سَبِيلًا   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَيْكَ حَتَّى إذَا خَرَجُوا  مِنْ عِنْدِكَ  قَالُوا لِلَّذِينَ  أُوتُوا الْعِلْمَ  مَاذَا  قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ  طَبَعَ اللَّهُ  عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا  أَهْوَاءَهُمْ   }  وَأَمْثَالُ  ذَلِكَ .  وَهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ سَمِعُوا صَوْتَ الرَّسُولِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَفْهَمُوا  وَقَالُوا :  مَاذَا  قَالَ آنِفًا ؟ أَيْ السَّاعَةَ  وَهَذَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يَفْقَهْ قَوْلَهُ  فَقَالَ تَعَالَى : {   أُولَئِكَ الَّذِينَ  طَبَعَ اللَّهُ  عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا  أَهْوَاءَهُمْ   }  . فَمَنْ  جَعَلَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ  مِنْ   الْمُهَاجِرِينَ   وَالْأَنْصَارِ  وَالتَّابِعِينَ  لَهُمْ بِإِحْسَانٍ غَيْرَ عَالِمِينَ بِمَعَانِي الْقُرْآنِ  جَعَلَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِيمَا  ذَمَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ .  ( الْوَجْهُ السَّادِسُ  أَنَّ   الصَّحَابَةَ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ  فَسَّرُوا   لِلتَّابِعِينَ  الْقُرْآنَ  كَمَا  قَالَ  مُجَاهِدٌ  عَرَضْت الْمُصْحَفَ  عَلَى  ابْنِ عَبَّاسٍ  مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ أَقِفُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا  . وَلِهَذَا  قَالَ  سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ  : إذَا جَاءَك التَّفْسِيرُ عَنْ  مُجَاهِدٍ  فَحَسْبُك  بِهِ 
							
				 
            