سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ :  فَرِيدُ الزَّمَانِ بَحْرُ الْعُلُومِ  تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ  أَحْمَد بْنُ تيمية   رَحِمَهُ اللَّهُ  عَنْ رَجُلَيْنِ  تَبَاحَثَا  فِي "   مَسْأَلَةِ الْإِثْبَاتِ لِلصِّفَاتِ وَالْجَزْمِ بِإِثْبَاتِ الْعُلُوِّ  عَلَى الْعَرْشِ  " .  فَقَالَ أَحَدُهُمَا : لَا يَجِبُ  عَلَى أَحَدٍ مَعْرِفَةُ  هَذَا وَلَا الْبَحْثُ عَنْهُ ; بَلْ يُكْرَهُ لَهُ  كَمَا  قَالَ  الْإِمَامُ مَالِكٌ  لِلسَّائِلِ : وَمَا  أَرَاك إلَّا رَجُلُ سُوءٍ . وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ وَيَعْتَقِدَ  أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ  فِي مُلْكِهِ وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ وَمَلِيكُهُ ; بَلْ وَمَنْ  تَكَلَّمَ  فِي شَيْءٍ  مِنْ  هَذَا فَهُوَ مُجَسِّمٌ حَشْوِيٌّ .  فَهَلْ  هَذَا  الْقَائِلُ لِهَذَا الْكَلَامِ مُصِيبٌ أَمْ مُخْطِئٌ ؟ فَإِذَا  كَانَ مُخْطِئًا  فَمَا الدَّلِيلُ  عَلَى  أَنَّهُ يَجِبُ  عَلَى النَّاسِ أَنْ يَعْتَقِدُوا إثْبَاتَ الصِّفَاتِ وَالْعُلُوِّ  عَلَى الْعَرْشِ  - الَّذِي هُوَ  أَعْلَى الْمَخْلُوقَاتِ - وَيَعْرِفُوهُ ؟ وَمَا   مَعْنَى التَّجْسِيمِ وَالْحَشْوِ   ؟ .  أَفْتُونَا وَابْسُطُوا الْقَوْلَ بَسْطًا شَافِيًا يُزِيلُ الشُّبُهَاتِ  فِي  هَذَا مُثَابِينَ مَأْجُورِينَ إنْ  شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى  . 
				
				
				 وَقَالَ  الْإِمَامُ أَبُو عُثْمَانَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُونِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ  فِي كِتَابِ "   الرِّسَالَةِ  فِي السُّنَّةِ  " لَهُ :   وَيَعْتَقِدُ   أَصْحَابُ الْحَدِيثِ  وَيَشْهَدُونَ  أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتِهِ  عَلَى عَرْشِهِ  كَمَا نَطَقَ  بِهِ كِتَابُهُ وَعُلَمَاءُ الْأُمَّةِ وَأَعْيَانُ سَلَفِ الْأُمَّةِ ; لَمْ يَخْتَلِفُوا  أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى  عَلَى عَرْشِهِ وَعَرْشَهُ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ . قَالَ : وَإِمَامُنَا  أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ  احْتَجَّ  فِي كِتَابِهِ "   الْمَبْسُوطِ  "  فِي مَسْأَلَةِ إعْتَاقِ الرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ  فِي الْكَفَّارَةِ  وَأَنَّ الرَّقَبَةَ الْكَافِرَةَ لَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِهَا بِخَبَرِ {  مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ  وَأَنَّهُ  أَرَادَ أَنْ يَعْتِقَ الْجَارِيَةَ السَّوْدَاءَ عَنْ الْكَفَّارَةِ ; وَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  عَنْ إعْتَاقِهِ إيَّاهَا فَامْتَحَنَهَا لِيَعْرِفَ  أَنَّهَا مُؤْمِنَةٌ أَمْ لَا  فَقَالَ  لَهَا :  أَيْنَ رَبُّك ؟ فَأَشَارَتْ إلَى السَّمَاءِ  فَقَالَ :  أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ   }  فَحَكَمَ  بِإِيمَانِهَا  لَمَّا  أَقَرَّتْ  أَنَّ  رَبَّهَا  فِي السَّمَاءِ وَعَرَفْت  رَبَّهَا بِصِفَةِ الْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ . وَقَالَ  الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ البيهقي  : " بَابُ الْقَوْلِ  فِي الِاسْتِوَاءِ " :  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {   الرَّحْمَنُ  عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى   }   {  ثُمَّ اسْتَوَى  عَلَى الْعَرْشِ   }   {   وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ   }   {  يَخَافُونَ  رَبَّهُمْ  مِنْ فَوْقِهِمْ   }   {   إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ   }   {   أَأَمِنْتُمْ مَنْ  فِي السَّمَاءِ   }  وَأَرَادَ مَنْ فَوْقِ السَّمَاءِ ;  كَمَا  قَالَ :   {   وَلَأُصَلِّبَنَّكُم  فِي جُذُوعِ النَّخْلِ   }  بِمَعْنَى  عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ .  وَقَالَ   {   فَسِيحُوا  فِي الْأَرْضِ   }  أَيْ  عَلَى الْأَرْضِ وَكُلُّ مَا عَلَا فَهُوَ سَمَاءٌ وَالْعَرْشُ  أَعْلَى السَّمَوَاتِ . فَمَعْنَى الْآيَةِ أَأَمِنْتُمْ مَنْ  عَلَى الْعَرْشِ  كَمَا صَرَّحَ  بِهِ  فِي  سَائِرِ الْآيَاتِ .  قَالَ : وَفِيمَا كَتَبْنَا  مِنْ الْآيَاتِ دَلَالَةٌ  عَلَى إبْطَالِ   قَوْلِ مَنْ  زَعَمَ  مِنْ   الجهمية  :  أَنَّ اللَّهَ بِذَاتِهِ  فِي كُلِّ  مَكَانٍ   وَقَوْلُهُ :   {   وَهُوَ مَعَكُمْ  أَيْنَ مَا كُنْتُمْ   }  إنَّمَا  أَرَادَ بِعِلْمِهِ لَا بِذَاتِهِ .  وَقَالَ  أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ  فِي "   شَرْحِ الْمُوَطَّأِ  "  لَمَّا  تَكَلَّمَ  عَلَى حَدِيثِ النُّزُولِ  قَالَ :  هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَخْتَلِفْ   أَهْلُ الْحَدِيثِ  فِي صِحَّتِهِ  وَفِيهِ دَلِيلٌ  أَنَّ اللَّهَ  فِي السَّمَاءِ  عَلَى الْعَرْشِ  مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَات ;  كَمَا  قَالَتْ الْجَمَاعَةُ ; وَهُوَ  مِنْ حُجَّتِهِمْ  عَلَى   الْمُعْتَزِلَةِ  قَالَ :  وَهَذَا  أَشْهَرُ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَأَعْرَفُ  مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ إلَى  أَكْثَرَ  مِنْ حِكَايَتِهِ ; لِأَنَّهُ اضْطِرَارٌ لَمْ يُوقِفْهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ ; وَلَا  أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ مُسْلِمٌ .  وَقَالَ  أَبُو عُمَرَ  أَيْضًا :  أَجْمَعَ عُلَمَاءُ   الصَّحَابَةِ   وَالتَّابِعِينَ  الَّذِينَ حُمِلَ عَنْهُمْ التَّأْوِيلُ  قَالُوا  فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ : {   مَا يَكُونُ  مِنْ  نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ   }  هُوَ  عَلَى الْعَرْشِ وَعِلْمُهُ  فِي كُلِّ  مَكَانٍ ; وَمَا خَالَفَهُمْ  فِي  ذَلِكَ أَحَدٌ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ  .  فَهَذَا مَا  تَلَقَّاهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ ; إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ غَيْرُ  ذَلِكَ ; إذْ هُوَ الْحَقُّ الظَّاهِرُ الَّذِي  دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ وَالْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ ; فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَخْتِمَ لَنَا بِخَيْرِ  وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ لَا يَزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَانَا ; بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ إنَّهُ  أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ . 
							
				 
            