تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
سُئِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الرَّبَّانِيُّ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بَحْرُ الْعُلُومِ إمَامُ الْأَئِمَّةِ نَاصِرُ السُّنَّةِ عَلَّامَةُ الْوَرَى وَارِثُ الْأَنْبِيَاءِ . أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ ابْنُ تيمية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ كَلِمَاتٍ وُجِدَتْ بِخَطِّ مَنْ يُوثَقُ بِهِ ذَكَرَهَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ فِيهِمْ مَنْ انْتَسَبَ إلَى الدِّينِ . فَمِنْ ذَلِكَ : قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : إنَّ اللَّهَ لَطَفَ ذَاتَه فَسَمَّاهَا حَقًّا وَكَشَفَهَا فَسَمَّاهَا خَلْقًا . وَقَالَ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ ابْنُ إسْرَائِيلَ : أَنَّ اللَّهَ ظَهَرَ فِي الْأَشْيَاءِ حَقِيقَةً وَاحْتَجَبَ بِهَا مَجَازًا فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْجَمْعِ : شَهِدَهَا مَظَاهِرَ وَمَجَالِيَ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَجَازِ وَالْفَرْقِ : شَهِدَهَا سُتُورًا وَحُجُبًا قَالَ : وَقَالَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ : - لَقَدْ حَقَّ لِي رَفْضُ الْوُجُودِ وَأَهْلِهِ وَقَدْ عَلِقَتْ كَفَّايَ جَمْعًا بِمُوجِدِي ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةِ غَيَّرَ الْبَيْتَ بِقَوْلِهِ : - لَقَدْ حَقَّ لِي عِشْقُ الْوُجُودِ وَأَهْلِهِ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : مَقَامُ الْبِدَايَةِ أَنْ يَرَى الْأَكْوَانَ حُجُبًا فَيَرْفُضُهَا ثُمَّ يَرَاهَا مَظَاهِرَ وَمَجَالِيَ فَيَحِقُّ لَهُ الْعِشْقُ لَهَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ : - أَقْبَلُ أَرْضًا سَارَ فِيهَا جَمَالُهَا فَكَيْفَ بِدَارِ دَارَ فِيهَا جَمَالُهَا قَالَ : وَقَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ عَقِيبَ إنْشَادِ بَيْتَيْ أَبِي نُوَاسٍ : - رَقَّ الزُّجَاجُ وَرَاقَتْ الْخَمْرُ وَتَشَاكَلَا فَتَشَابَهَ الْأَمْرُ فَكَأَنَّمَا خَمْرٌ وَلَا قَدَحٌ وَكَأَنَّمَا قَدَحٌ وَلَا خَمْرُ لَبِسَ صُورَةَ الْعَالَمِ ; فَظَاهِرُهُ خَلْقُهُ وَبَاطِنُهُ حَقُّهُ . وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : عَيْنُ مَا تَرَى ذَاتٌ لَا تَرَى وَذَاتٌ لَا تَرَى عَيْنُ مَا تَرَى اللَّهُ فَقَطْ وَالْكَثْرَةُ وَهْمٌ . قَالَ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ ابْنُ سَبْعِينَ : رَبٌّ مَالِكٌ وَعَبْدٌ هَالِكٌ وَأَنْتُمْ ذَلِكَ . اللَّهُ فَقَطْ وَالْكَثْرَةُ وَهْمٌ . وَقَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ ابْنُ عَرَبِيٍّ : - يَا صُورَةَ أُنْسِ سِرُّهَا معنائي مَا خَلْقُك لِلْأَمْرِ تَرَى لِوَلَائِي شِئْنَاك فَأَنْشَأْنَاك خَلْقًا بَشَرًا لِتَشْهَدَنَا فِي أَكْمَلِ الْأَشْيَاءِ وَفِيهِ : طَلَبَ بَعْضُ أَوْلَادِ الْمَشَايِخِ مِنْ وَالِدِهِ الْحَجَّ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : يَا بُنَيَّ طُفْ بِبَيْتِ مَا فَارَقَهُ اللَّهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ . قَالَ : وَقِيلَ عَنْ رَابِعَةَ العدوية : أَنَّهَا حَجَّتْ فَقَالَتْ : هَذَا الصَّنَمُ الْمَعْبُودُ فِي الْأَرْضِ وَاَللَّهِ مَا وَلَجَهُ اللَّهُ وَلَا خَلَا مِنْهُ . وَفِيهِ لِلْحَلَّاجِ : - سُبْحَانَ مَنْ أَظْهَرَ ناسوته سِرُّ سَنَا لَاهُوتِهِ الثَّاقِبِ ثُمَّ بَدَا مُسْتَتِرًا ظَاهِرًا فِي صُورَةِ الْآكِلِ وَالشَّارِبِ قَالَ وَلَهُ : عَقَدَ الْخَلَائِقُ فِي الْإِلَهِ عقائدا وَأَنَا اعْتَقَدْت جَمْعَ مَا اعْتَقَدُوهُ وَلَهُ أَيْضًا : بَيْنِي وَبَيْنَك إني تُزَاحِمُنِي فَارْفَعْ بِحَقِّك إنيي مِنْ الْبَيْنِ قَالَ : وَقَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ السهروردي الْحَلَبِيُّ الْمَقْتُولُ : وَبِهَذِهِ الإنية الَّتِي طَلَبَ الْحَلَّاجُ رَفْعَهَا تَصَرَّفَتْ الْأَغْيَارُ فِي دَمِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ السَّلَفُ : الْحَلَّاجُ نِصْفُ رَجُلٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ تُرْفَعْ لَهُ الإنية بِالْمَعْنَى فَرُفِعَتْ لَهُ صُورَةً . وَفِيهِ لِمُحْيِي الدِّينِ ابْنِ عَرَبِيٍّ : - وَاَللَّهِ مَا هِيَ إلَّا حَيْرَةٌ ظَهَرَتْ وَبِي حَلَفَتْ وَإِنَّ الْمُقْسِمَ اللَّهُ وَقَالَ فِيهِ : الْمَنْقُولُ عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : إنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - اشْتَاقَ بِأَنْ يَرَى ذَاتَه الْمُقَدَّسَةَ فَخَلَقَ مِنْ نُورِهِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَعَلَهُ كَالْمِرْآةِ يَنْظُرُ إلَى ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ فِيهَا وَإِنِّي أَنَا ذَلِكَ النُّورُ وَآدَمُ الْمِرْآةُ . قَالَ ابْنُ الْفَارِضِ فِي قَصِيدَتِهِ السُّلُوكِ : وَشَاهِدْ إذَا اسْتَجْلَيْت نَفْسَك مَنْ تَرَى بِغَيْرِ مِرَاءٍ فِي الْمِرْآةِ الصَّقِيلَةِ أَغَيْرُك فِيهَا لَاحَ أَمْ أَنْتَ نَاظِرٌ إلَيْك بِهَا عِنْدَ انْعِكَاسِ الْأَشِعَّةِ ؟ قَالَ : وَقَالَ ابْنُ إسْرَائِيلَ الْأَمْرُ أَمْرَانِ : أَمْرٌ بِوَاسِطَةِ وَأَمْرٌ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فَالْأَمْرُ الَّذِي بِالْوَسَائِطِ رَدَّهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَبِلَهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَالْأَمْرُ الَّذِي بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } . فَقَالَ لَهُ فَقِيرٌ : إنَّ اللَّهَ قَالَ لِآدَمَ بِلَا وَاسِطَةٍ : لَا تَقْرَبُ الشَّجَرَةَ - فَقَرِبَ وَأَكَلَ . فَقَالَ : صَدَقْت وَذَلِكَ أَنَّ آدَمَ إنْسَانٌ كَامِلٌ ; وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا عَلِيٌّ الْحَرِيرِيُّ : آدَمَ صَفِيُّ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ تَوْحِيدُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَكَانَ قَوْلُهُ لِآدَمَ " لَا تَقْرَبْ الشَّجَرَةَ " ظَاهِرًا وَكَانَ أَمْرُهُ " كُلْ " بَاطِنًا فَأَكَلَ فَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى . وَإِبْلِيسُ كَانَ تَوْحِيدُهُ ظَاهِرًا فَأُمِرَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ فَرَآهُ غَيْرًا فَلَمْ يَسْجُدْ . فَغَيْرُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَالَ : { اخْرُجْ مِنْهَا } . وَقَالَ شَخْصٌ لِسَيِّدِي يَا سَيِّدِي حَسَنُ إذَا كَانَ اللَّهُ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ } أيش نَكُونُ نَحْنُ ؟ فَقَالَ سَيِّدِي لَهُ : لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ أَوْ تَظُنُّ فَقَوْلُهُ لَهُ : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ } عَيْنُ الْإِثْبَاتِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } { إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } . وَفِيهِ لِأَوْحَدِ الدِّينِ الكرماني : - مَا غِبْت عَنْ الْقَلْبِ وَلَا عَنْ عَيْنِي مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَنَا مِنْ بَيْنِ وَقَالَ غَيْرُهُ : - لَا تَحْسَبْ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ تَنَالُ قُرْبًا وَدُنُوًّا مِنْ جَمَالٍ وَجَلَالٍ فَارِقْ ظُلْمَ الطَّبْعِ وَكُنْ مُتَّحِدًا بِاَللَّهِ وَإِلَّا كَلُّ دَعْوَاك مُحَالِ وَغَيْرُهُ لِلْحَلَّاجِ : - إذَا بَلَغَ الصَّبُّ الْكَمَالَ مِنْ الْهَوَى وَغَابَ عَنْ الْمَذْكُورِ فِي سَطْوَةِ الذِّكْرِ يُشَاهِدُ حَقًّا حِينَ يَشْهَدُهُ الْهَوَى بِأَنَّ صَلَاةَ الْعَارِفِينَ مِنْ الْكُفْرِ وَلِلشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ ابْنِ إسْرَائِيلَ . الْكَوْنُ يُنَادِيك أَلَا تَسْمَعُنِي مَنْ أَلَّفَ أَشْتَاتِي وَمَنْ فَرَّقَنِي اُنْظُرْ لِتَرَانِي مَنْظَرًا مُعْتَبَرًا مَا فِيَّ سِوَى وُجُودِ مَنْ أَوْجَدَنِي وَلَهُ أَيْضًا : - ذَرَّاتُ وُجُودِ الْكَوْنِ لِلْحَقِّ شُهُودُ أَنْ لَيْسَ لِمَوْجُودِ سِوَى الْحَقِّ وُجُودُ وَالْكَوْنُ وَإِنْ تَكَثَّرَتْ عِدَّتُهُ مِنْهُ وَإِلَى عُلَاهُ يَبْدُو وَيَعُودُ وَلَهُ أَيْضًا : - بَرِئْت إلَيْك مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي وَمِنْ ذَاتِي بَرَاءَةَ مُسْتَقِيلِ وَمَا أَنَا فِي طِرَازِ الْكَوْنِ شَيْءٌ لِأَنِّي مِثْلُ ظِلٍّ مُسْتَحِيلِ وَلِلْعَفِيفِ التلمساني : - أَحِنُّ إلَيْهِ وَهُوَ قَلْبِي وَهَلْ يَرَى سِوَايَ أَخُو وَجْدٍ يَحِنُّ لِقَلْبِهِ ؟ وَيَحْجُبُ طَرَفِي عَنْهُ إذْ هُوَ نَاظِرِي وَمَا بَعْدَهُ إلَّا لِإِفْرَاطِ قُرْبِهِ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : التَّوْحِيدُ لَا لِسَانَ لَهُ وَالْأَلْسِنَةُ كُلُّهَا لِسَانُهُ . وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا : التَّوْحِيدُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْوَاحِدُ وَلَا تَصِحُّ الْعِبَارَةُ عَنْ الْوَاحِدِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ إلَّا بِغَيْرِهِ وَمَنْ أَثْبَتَ غَيْرًا فَلَا تَوْحِيدَ لَهُ . قَالَ : وَسَمِعْت الشَّيْخَ مُحَمَّدَ بْنَ بِشْرٍ النواوي يَقُولُ : وَرَدَ سَيِّدُنَا الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْحَرِيرِيُّ إلَى جَامِعِ نَوَى قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ : فَجِئْت إلَيْهِ فَقَبَّلْت الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَجَلَسْت فَقَالَ : يَا بُنَيَّ وَقَفْت مَعَ الْمَحَبَّةِ مُدَّةً فَوَجَدْتهَا غَيْرَ الْمَقْصُودِ ; لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ غَيْرٍ لِغَيْرِ وَغَيْرُ مَا ثَمَّ ثُمَّ وَقَفْت مَعَ التَّوْحِيدِ مُدَّةً فَوَجَدْته كَذَلِكَ ; لِأَنَّ التَّوْحِيدَ لَا يَكُونُ إلَّا مَنْ عَبْدٍ لِرَبِّ وَلَوْ أَنْصَفَ النَّاسُ مَا رَأَوْا عَبْدًا وَلَا مَعْبُودًا . وَفِيهِ : سَمِعْت مِنْ الشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ ابْنِ إسْرَائِيلَ مِمَّا أَسَرَّ إلَيَّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ شَيْخِنَا الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْحَرِيرِيِّ فِي الْعَامِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ قَالَ يَا نَجْمُ رَأَيْت لَهَاتِي الْفَوْقَانِيَّةَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ وَحَنَكِي تَحْتَ الْأَرْضِينَ وَنَطَقَ لِسَانِي بِلَفْظَةِ لَوْ سُمِعَتْ مِنِّي مَا وَصَلَ إلَى الْأَرْضِ مِنْ دَمِي قَطْرَةٌ . فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةِ قَالَ شَخْصٌ فِي حَضْرَةِ سَيِّدِي الشَّيْخِ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَرِيرِيِّ : يَا سَيِّدِي حَسَنُ مَا خَلَقَ اللَّهُ أَقَلَّ عَقْلًا مِمَّنْ ادَّعَى أَنَّهُ إلَهٌ مِثْلُ فِرْعَوْنَ ونمروذ وَأَمْثَالِهِمَا فَقَالَ : إنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ لَا يَقُولُهَا إلَّا أَجْهَلُ خَلْقِ اللَّهِ أَوْ أَعْرَفُ خَلْقِ اللَّهِ فَقُلْت لَهُ : صَدَقْت ; وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ سَمِعْت جَدَّك يَقُولُ : رَأَيْت كَذَا وَكَذَا ; فَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ عَنْ الشَّيْخِ . وَفِيهِ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : مَنْ كَانَ عَيْنُ الْحِجَابِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا حِجَابَ وَلَا مَحْجُوبَ . فَالْمَطْلُوبُ مِنْ السَّادَةِ الْعُلَمَاءِ : - أَنْ يُبَيِّنُوا هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَهَلْ هِيَ حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ ؟ وَمَا يُعْرَفُ بِهِ مَعْنَاهَا ؟ وَمَا يُبَيِّنُ أَنَّهَا حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ ؟ وَهَلْ الْوَاجِبُ إنْكَارُهَا أَوْ إقْرَارُهَا أَوْ التَّسْلِيمُ لِمَنْ قَالَهَا ؟ وَهَلْ لَهَا وَجْهٌ سَائِغٌ ؟ وَمَا الْحُكْمُ فِيمَنْ اعْتَقَدَ مَعْنَاهَا إمَّا مَعَ الْمَعْرِفَةِ بِحَقِيقَتِهَا ؟ وَإِمَّا مَعَ التَّسْلِيمِ الْمُجْمَلِ لِمَنْ قَالَهَا . وَالْمُتَكَلّمونَ بِهَا هَلْ أَرَادُوا مَعْنًى صَحِيحًا يُوَافِقُ الْعَقْلَ وَالنَّقْلَ ؟ وَهَلْ يُمْكِنُ تَأْوِيلُ مَا يُشْكِلُ مِنْهَا وَحَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى ؟ وَهَلْ الْوَاجِبُ بَيَانُ مَعْنَاهَا وَكَشْفُ مَغْزَاهَا إذَا كَانَ هُنَاكَ نَاسٌ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَلَا يَعْرِفُونَ حَقِيقَتَهَا ؟ أَمْ يَنْبَغِي السُّكُوتُ عَنْ ذَلِكَ وَتَرْكُ النَّاسِ يُعَظِّمُونَهَا وَيُؤْمِنُونَ بِهَا مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِمَعْنَاهَا ؟ بَيِّنُوا ذَلِكَ مَأْجُورِينَ .
1234567891011121314151617181920212223
وَأَمَّا الْمَنْقُولُ عَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَذِبٌ عَلَيْهِ وَهُوَ كَلَامٌ مُلْحِدٌ كَاذِبٌ وَضَعَهُ عَلَى الْمَسِيحِ وَهَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْهُ مُسْلِمٌ وَلَا نَصْرَانِيٌّ فَإِنَّهُ لَا يُوَافِقُ قَوْلَ النَّصَارَى فَإِنَّ قَوْلَهُ : إنَّ اللَّهَ اشْتَاقَ أَنْ يَرَى ذَاتَهُ الْمُقَدَّسَةَ فَخَلَقَ مِنْ نُورِهِ آدَمَ وَجَعَلَهُ كَالْمِرْآةِ يَنْظُرُ إلَى ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ فِيهَا وَإِنِّي أَنَا ذَلِكَ النُّورُ وَآدَمُ الْمِرْآةُ ) : فَهَذَا الْكَلَامُ - مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْإِلْحَادِ - مُتَنَاقِضٌ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَرَى نَفْسَهُ كَمَا يَسْمَعُ كَلَامَ نَفْسِهِ وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَبْدٌ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ : { إنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي كَمَا أَرَاكُمْ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ } فَإِذَا كَانَ الْمَخْلُوقُ قَدْ يَرَى مَا خَلْفَهُ - وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ رُؤْيَةِ نَفْسِهِ - فَالْخَالِقُ تَعَالَى كَيْفَ لَا يَرَى نَفْسَهُ ؟ وَأَيْضًا فَإِنَّ شَوْقَهُ إلَى رُؤْيَةِ نَفْسِهِ حَتَّى خَلَقَ آدَمَ : يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَزَلِ يَرَى نَفْسَهُ حَتَّى خَلَقَ آدَمَ . ثُمَّ ذَلِكَ الشَّوْقُ إنْ كَانَ قَدِيمًا : كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي الْأَزَلِ وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا فَلَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ يَقْتَضِي حُدُوثَهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ : الشَّوْقُ أَيْضًا صِفَةُ نَقْصٍ وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ رُوِيَ : { طَالَ شَوْقُ الْأَبْرَارِ إلَى لِقَائِي وَأَنَا إلَى لِقَائِهِمْ أَشْوَقُ } وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ . وَقَوْلُهُ : فَخَلَقَ مِنْ نُورِهِ آدَمَ وَجَعَلَهُ كَالْمِرْآةِ وَأَنَا ذَلِكَ النُّورُ وَآدَمُ هُوَ الْمِرْآةُ - يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ آدَمَ مَخْلُوقًا مِنْ الْمَسِيحِ وَهَذَا نَقِيضُ الْوَاقِعِ فَإِنَّ آدَمَ خُلِقَ قَبْلَ الْمَسِيحِ وَالْمَسِيحُ خُلِقَ مِنْ مَرْيَمَ وَمَرْيَمُ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ فَكَيْفَ يَكُونُ آدَمَ مَخْلُوقًا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ ؟ . وَإِنْ قِيلَ : الْمَسِيحُ هُوَ نُورُ اللَّهِ فَهَذَا الْقَوْلُ - وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ النَّصَارَى - فَهُوَ شَرٌّ مِنْ قَوْلِ النَّصَارَى فَإِنَّ النَّصَارَى يَقُولُونَ : إنَّ الْمَسِيحَ هُوَ النَّاسُوتُ وَاللَّاهُوتُ الَّذِي هُوَ الْكَلِمَةُ هِيَ جَوْهَرُ الِابْنِ وَهُمْ يَقُولُونَ : اتِّحَادُ اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ مُتَجَدِّدٌ حِينَ خُلِقَ بَدَنُ الْمَسِيحِ لَا يَقُولُونَ : إنَّ آدَمَ خُلِقَ مِنْ الْمَسِيحِ إذْ الْمَسِيحُ عِنْدَهُمْ اسْمُ اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ جَمِيعًا وَذَلِكَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُخْلَقَ مِنْهُ آدَمَ وَأَيْضًا فَهُمْ لَا يَقُولُونَ : إنَّ آدَمَ خُلِقَ مِنْ لَاهُوتِ الْمَسِيحِ . وَأَيْضًا فَقَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّ آدَمَ خُلِقَ مِنْ نُورِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ ; إنْ أَرَادَ بِهِ نُورَهُ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لِلَّهِ : فَذَاكَ لَيْسَ هُوَ الْمَسِيحَ الَّذِي هُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ ; إذْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ صِفَةً لِغَيْرِهِ وَإِنْ أَرَادَ بِنُورِهِ مَا هُوَ نُورٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ : فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَوْجُودًا مُنْفَصِلًا قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ فَامْتَنَعَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ أَنْ يَكُونَ آدَمَ مَخْلُوقًا مِنْ نُورِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ . وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ آدَمَ كَالْمِرْآةِ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَى ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ فِيهَا : لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الظَّاهِرُ فِي آدَمَ هُوَ مِثَالُ ذَاتِهِ لَا أَنَّ آدَمَ هُوَ ذَاتُهُ وَلَا مِثَالَ ذَاتِهِ وَلَا كَذَاتِهِ . وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ آدَمَ يَعْرِفُ اللَّهَ تَعَالَى : فَيَرَى مِثَالَ ذَاتِهِ الْعِلْمِيَّ فِي آدَمَ . فَالرَّبُّ تَعَالَى يَعْرِفُ نَفْسَهُ فَكَانَ الْمِثَالُ الْعِلْمِيُّ إذَا أَمْكَنَ رُؤْيَتَهُ كَانَتْ رُؤْيَتُهُ لِلْعِلْمِ الْمُطَابِقِ لَهُ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ أَوْلَى مِنْ رُؤْيَتِهِ لِلْعِلْمِ الْقَائِمِ بِآدَمَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ آدَمَ نَفْسَهُ مِثَالٌ لِلَّهِ : فَلَا يَكُونُ آدَمَ هُوَ الْمِرْآةُ ; بَلْ يَكُونُ هُوَ كَالْمِثَالِ الَّذِي فِي الْمِرْآةِ . وَأَيْضًا فَتَخْصِيصُ الْمَسِيحِ بِكَوْنِهِ ذَلِكَ النُّورَ : هُوَ قَوْلُ النَّصَارَى الَّذِينَ يَخُصُّونَهُ بِأَنَّهُ اللَّهُ أَوْ ابْنُ اللَّهِ وَهَؤُلَاءِ الِاتِّحَادِيَّةُ ضَمُّوا إلَى قَوْلِ النَّصَارَى قَوْلَهُمْ بِعُمُومِ الِاتِّحَادِ حَيْثُ جَعَلُوا فِي غَيْرِ الْمَسِيحِ مِنْ جِنْسِ مَا تَقُولُهُ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ .