تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
سُئِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الرَّبَّانِيُّ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بَحْرُ الْعُلُومِ إمَامُ الْأَئِمَّةِ نَاصِرُ السُّنَّةِ عَلَّامَةُ الْوَرَى وَارِثُ الْأَنْبِيَاءِ . أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ ابْنُ تيمية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ كَلِمَاتٍ وُجِدَتْ بِخَطِّ مَنْ يُوثَقُ بِهِ ذَكَرَهَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ فِيهِمْ مَنْ انْتَسَبَ إلَى الدِّينِ . فَمِنْ ذَلِكَ : قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : إنَّ اللَّهَ لَطَفَ ذَاتَه فَسَمَّاهَا حَقًّا وَكَشَفَهَا فَسَمَّاهَا خَلْقًا . وَقَالَ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ ابْنُ إسْرَائِيلَ : أَنَّ اللَّهَ ظَهَرَ فِي الْأَشْيَاءِ حَقِيقَةً وَاحْتَجَبَ بِهَا مَجَازًا فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْجَمْعِ : شَهِدَهَا مَظَاهِرَ وَمَجَالِيَ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَجَازِ وَالْفَرْقِ : شَهِدَهَا سُتُورًا وَحُجُبًا قَالَ : وَقَالَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ : - لَقَدْ حَقَّ لِي رَفْضُ الْوُجُودِ وَأَهْلِهِ وَقَدْ عَلِقَتْ كَفَّايَ جَمْعًا بِمُوجِدِي ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةِ غَيَّرَ الْبَيْتَ بِقَوْلِهِ : - لَقَدْ حَقَّ لِي عِشْقُ الْوُجُودِ وَأَهْلِهِ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : مَقَامُ الْبِدَايَةِ أَنْ يَرَى الْأَكْوَانَ حُجُبًا فَيَرْفُضُهَا ثُمَّ يَرَاهَا مَظَاهِرَ وَمَجَالِيَ فَيَحِقُّ لَهُ الْعِشْقُ لَهَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ : - أَقْبَلُ أَرْضًا سَارَ فِيهَا جَمَالُهَا فَكَيْفَ بِدَارِ دَارَ فِيهَا جَمَالُهَا قَالَ : وَقَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ عَقِيبَ إنْشَادِ بَيْتَيْ أَبِي نُوَاسٍ : - رَقَّ الزُّجَاجُ وَرَاقَتْ الْخَمْرُ وَتَشَاكَلَا فَتَشَابَهَ الْأَمْرُ فَكَأَنَّمَا خَمْرٌ وَلَا قَدَحٌ وَكَأَنَّمَا قَدَحٌ وَلَا خَمْرُ لَبِسَ صُورَةَ الْعَالَمِ ; فَظَاهِرُهُ خَلْقُهُ وَبَاطِنُهُ حَقُّهُ . وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : عَيْنُ مَا تَرَى ذَاتٌ لَا تَرَى وَذَاتٌ لَا تَرَى عَيْنُ مَا تَرَى اللَّهُ فَقَطْ وَالْكَثْرَةُ وَهْمٌ . قَالَ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ ابْنُ سَبْعِينَ : رَبٌّ مَالِكٌ وَعَبْدٌ هَالِكٌ وَأَنْتُمْ ذَلِكَ . اللَّهُ فَقَطْ وَالْكَثْرَةُ وَهْمٌ . وَقَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ ابْنُ عَرَبِيٍّ : - يَا صُورَةَ أُنْسِ سِرُّهَا معنائي مَا خَلْقُك لِلْأَمْرِ تَرَى لِوَلَائِي شِئْنَاك فَأَنْشَأْنَاك خَلْقًا بَشَرًا لِتَشْهَدَنَا فِي أَكْمَلِ الْأَشْيَاءِ وَفِيهِ : طَلَبَ بَعْضُ أَوْلَادِ الْمَشَايِخِ مِنْ وَالِدِهِ الْحَجَّ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : يَا بُنَيَّ طُفْ بِبَيْتِ مَا فَارَقَهُ اللَّهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ . قَالَ : وَقِيلَ عَنْ رَابِعَةَ العدوية : أَنَّهَا حَجَّتْ فَقَالَتْ : هَذَا الصَّنَمُ الْمَعْبُودُ فِي الْأَرْضِ وَاَللَّهِ مَا وَلَجَهُ اللَّهُ وَلَا خَلَا مِنْهُ . وَفِيهِ لِلْحَلَّاجِ : - سُبْحَانَ مَنْ أَظْهَرَ ناسوته سِرُّ سَنَا لَاهُوتِهِ الثَّاقِبِ ثُمَّ بَدَا مُسْتَتِرًا ظَاهِرًا فِي صُورَةِ الْآكِلِ وَالشَّارِبِ قَالَ وَلَهُ : عَقَدَ الْخَلَائِقُ فِي الْإِلَهِ عقائدا وَأَنَا اعْتَقَدْت جَمْعَ مَا اعْتَقَدُوهُ وَلَهُ أَيْضًا : بَيْنِي وَبَيْنَك إني تُزَاحِمُنِي فَارْفَعْ بِحَقِّك إنيي مِنْ الْبَيْنِ قَالَ : وَقَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ السهروردي الْحَلَبِيُّ الْمَقْتُولُ : وَبِهَذِهِ الإنية الَّتِي طَلَبَ الْحَلَّاجُ رَفْعَهَا تَصَرَّفَتْ الْأَغْيَارُ فِي دَمِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ السَّلَفُ : الْحَلَّاجُ نِصْفُ رَجُلٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ تُرْفَعْ لَهُ الإنية بِالْمَعْنَى فَرُفِعَتْ لَهُ صُورَةً . وَفِيهِ لِمُحْيِي الدِّينِ ابْنِ عَرَبِيٍّ : - وَاَللَّهِ مَا هِيَ إلَّا حَيْرَةٌ ظَهَرَتْ وَبِي حَلَفَتْ وَإِنَّ الْمُقْسِمَ اللَّهُ وَقَالَ فِيهِ : الْمَنْقُولُ عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : إنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - اشْتَاقَ بِأَنْ يَرَى ذَاتَه الْمُقَدَّسَةَ فَخَلَقَ مِنْ نُورِهِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَعَلَهُ كَالْمِرْآةِ يَنْظُرُ إلَى ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ فِيهَا وَإِنِّي أَنَا ذَلِكَ النُّورُ وَآدَمُ الْمِرْآةُ . قَالَ ابْنُ الْفَارِضِ فِي قَصِيدَتِهِ السُّلُوكِ : وَشَاهِدْ إذَا اسْتَجْلَيْت نَفْسَك مَنْ تَرَى بِغَيْرِ مِرَاءٍ فِي الْمِرْآةِ الصَّقِيلَةِ أَغَيْرُك فِيهَا لَاحَ أَمْ أَنْتَ نَاظِرٌ إلَيْك بِهَا عِنْدَ انْعِكَاسِ الْأَشِعَّةِ ؟ قَالَ : وَقَالَ ابْنُ إسْرَائِيلَ الْأَمْرُ أَمْرَانِ : أَمْرٌ بِوَاسِطَةِ وَأَمْرٌ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فَالْأَمْرُ الَّذِي بِالْوَسَائِطِ رَدَّهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَبِلَهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَالْأَمْرُ الَّذِي بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } . فَقَالَ لَهُ فَقِيرٌ : إنَّ اللَّهَ قَالَ لِآدَمَ بِلَا وَاسِطَةٍ : لَا تَقْرَبُ الشَّجَرَةَ - فَقَرِبَ وَأَكَلَ . فَقَالَ : صَدَقْت وَذَلِكَ أَنَّ آدَمَ إنْسَانٌ كَامِلٌ ; وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا عَلِيٌّ الْحَرِيرِيُّ : آدَمَ صَفِيُّ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ تَوْحِيدُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَكَانَ قَوْلُهُ لِآدَمَ " لَا تَقْرَبْ الشَّجَرَةَ " ظَاهِرًا وَكَانَ أَمْرُهُ " كُلْ " بَاطِنًا فَأَكَلَ فَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى . وَإِبْلِيسُ كَانَ تَوْحِيدُهُ ظَاهِرًا فَأُمِرَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ فَرَآهُ غَيْرًا فَلَمْ يَسْجُدْ . فَغَيْرُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَالَ : { اخْرُجْ مِنْهَا } . وَقَالَ شَخْصٌ لِسَيِّدِي يَا سَيِّدِي حَسَنُ إذَا كَانَ اللَّهُ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ } أيش نَكُونُ نَحْنُ ؟ فَقَالَ سَيِّدِي لَهُ : لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ أَوْ تَظُنُّ فَقَوْلُهُ لَهُ : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ } عَيْنُ الْإِثْبَاتِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } { إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } . وَفِيهِ لِأَوْحَدِ الدِّينِ الكرماني : - مَا غِبْت عَنْ الْقَلْبِ وَلَا عَنْ عَيْنِي مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَنَا مِنْ بَيْنِ وَقَالَ غَيْرُهُ : - لَا تَحْسَبْ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ تَنَالُ قُرْبًا وَدُنُوًّا مِنْ جَمَالٍ وَجَلَالٍ فَارِقْ ظُلْمَ الطَّبْعِ وَكُنْ مُتَّحِدًا بِاَللَّهِ وَإِلَّا كَلُّ دَعْوَاك مُحَالِ وَغَيْرُهُ لِلْحَلَّاجِ : - إذَا بَلَغَ الصَّبُّ الْكَمَالَ مِنْ الْهَوَى وَغَابَ عَنْ الْمَذْكُورِ فِي سَطْوَةِ الذِّكْرِ يُشَاهِدُ حَقًّا حِينَ يَشْهَدُهُ الْهَوَى بِأَنَّ صَلَاةَ الْعَارِفِينَ مِنْ الْكُفْرِ وَلِلشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ ابْنِ إسْرَائِيلَ . الْكَوْنُ يُنَادِيك أَلَا تَسْمَعُنِي مَنْ أَلَّفَ أَشْتَاتِي وَمَنْ فَرَّقَنِي اُنْظُرْ لِتَرَانِي مَنْظَرًا مُعْتَبَرًا مَا فِيَّ سِوَى وُجُودِ مَنْ أَوْجَدَنِي وَلَهُ أَيْضًا : - ذَرَّاتُ وُجُودِ الْكَوْنِ لِلْحَقِّ شُهُودُ أَنْ لَيْسَ لِمَوْجُودِ سِوَى الْحَقِّ وُجُودُ وَالْكَوْنُ وَإِنْ تَكَثَّرَتْ عِدَّتُهُ مِنْهُ وَإِلَى عُلَاهُ يَبْدُو وَيَعُودُ وَلَهُ أَيْضًا : - بَرِئْت إلَيْك مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي وَمِنْ ذَاتِي بَرَاءَةَ مُسْتَقِيلِ وَمَا أَنَا فِي طِرَازِ الْكَوْنِ شَيْءٌ لِأَنِّي مِثْلُ ظِلٍّ مُسْتَحِيلِ وَلِلْعَفِيفِ التلمساني : - أَحِنُّ إلَيْهِ وَهُوَ قَلْبِي وَهَلْ يَرَى سِوَايَ أَخُو وَجْدٍ يَحِنُّ لِقَلْبِهِ ؟ وَيَحْجُبُ طَرَفِي عَنْهُ إذْ هُوَ نَاظِرِي وَمَا بَعْدَهُ إلَّا لِإِفْرَاطِ قُرْبِهِ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : التَّوْحِيدُ لَا لِسَانَ لَهُ وَالْأَلْسِنَةُ كُلُّهَا لِسَانُهُ . وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا : التَّوْحِيدُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْوَاحِدُ وَلَا تَصِحُّ الْعِبَارَةُ عَنْ الْوَاحِدِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ إلَّا بِغَيْرِهِ وَمَنْ أَثْبَتَ غَيْرًا فَلَا تَوْحِيدَ لَهُ . قَالَ : وَسَمِعْت الشَّيْخَ مُحَمَّدَ بْنَ بِشْرٍ النواوي يَقُولُ : وَرَدَ سَيِّدُنَا الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْحَرِيرِيُّ إلَى جَامِعِ نَوَى قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ : فَجِئْت إلَيْهِ فَقَبَّلْت الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَجَلَسْت فَقَالَ : يَا بُنَيَّ وَقَفْت مَعَ الْمَحَبَّةِ مُدَّةً فَوَجَدْتهَا غَيْرَ الْمَقْصُودِ ; لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ غَيْرٍ لِغَيْرِ وَغَيْرُ مَا ثَمَّ ثُمَّ وَقَفْت مَعَ التَّوْحِيدِ مُدَّةً فَوَجَدْته كَذَلِكَ ; لِأَنَّ التَّوْحِيدَ لَا يَكُونُ إلَّا مَنْ عَبْدٍ لِرَبِّ وَلَوْ أَنْصَفَ النَّاسُ مَا رَأَوْا عَبْدًا وَلَا مَعْبُودًا . وَفِيهِ : سَمِعْت مِنْ الشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ ابْنِ إسْرَائِيلَ مِمَّا أَسَرَّ إلَيَّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ شَيْخِنَا الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْحَرِيرِيِّ فِي الْعَامِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ قَالَ يَا نَجْمُ رَأَيْت لَهَاتِي الْفَوْقَانِيَّةَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ وَحَنَكِي تَحْتَ الْأَرْضِينَ وَنَطَقَ لِسَانِي بِلَفْظَةِ لَوْ سُمِعَتْ مِنِّي مَا وَصَلَ إلَى الْأَرْضِ مِنْ دَمِي قَطْرَةٌ . فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةِ قَالَ شَخْصٌ فِي حَضْرَةِ سَيِّدِي الشَّيْخِ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَرِيرِيِّ : يَا سَيِّدِي حَسَنُ مَا خَلَقَ اللَّهُ أَقَلَّ عَقْلًا مِمَّنْ ادَّعَى أَنَّهُ إلَهٌ مِثْلُ فِرْعَوْنَ ونمروذ وَأَمْثَالِهِمَا فَقَالَ : إنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ لَا يَقُولُهَا إلَّا أَجْهَلُ خَلْقِ اللَّهِ أَوْ أَعْرَفُ خَلْقِ اللَّهِ فَقُلْت لَهُ : صَدَقْت ; وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ سَمِعْت جَدَّك يَقُولُ : رَأَيْت كَذَا وَكَذَا ; فَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ عَنْ الشَّيْخِ . وَفِيهِ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : مَنْ كَانَ عَيْنُ الْحِجَابِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا حِجَابَ وَلَا مَحْجُوبَ . فَالْمَطْلُوبُ مِنْ السَّادَةِ الْعُلَمَاءِ : - أَنْ يُبَيِّنُوا هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَهَلْ هِيَ حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ ؟ وَمَا يُعْرَفُ بِهِ مَعْنَاهَا ؟ وَمَا يُبَيِّنُ أَنَّهَا حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ ؟ وَهَلْ الْوَاجِبُ إنْكَارُهَا أَوْ إقْرَارُهَا أَوْ التَّسْلِيمُ لِمَنْ قَالَهَا ؟ وَهَلْ لَهَا وَجْهٌ سَائِغٌ ؟ وَمَا الْحُكْمُ فِيمَنْ اعْتَقَدَ مَعْنَاهَا إمَّا مَعَ الْمَعْرِفَةِ بِحَقِيقَتِهَا ؟ وَإِمَّا مَعَ التَّسْلِيمِ الْمُجْمَلِ لِمَنْ قَالَهَا . وَالْمُتَكَلّمونَ بِهَا هَلْ أَرَادُوا مَعْنًى صَحِيحًا يُوَافِقُ الْعَقْلَ وَالنَّقْلَ ؟ وَهَلْ يُمْكِنُ تَأْوِيلُ مَا يُشْكِلُ مِنْهَا وَحَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى ؟ وَهَلْ الْوَاجِبُ بَيَانُ مَعْنَاهَا وَكَشْفُ مَغْزَاهَا إذَا كَانَ هُنَاكَ نَاسٌ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَلَا يَعْرِفُونَ حَقِيقَتَهَا ؟ أَمْ يَنْبَغِي السُّكُوتُ عَنْ ذَلِكَ وَتَرْكُ النَّاسِ يُعَظِّمُونَهَا وَيُؤْمِنُونَ بِهَا مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِمَعْنَاهَا ؟ بَيِّنُوا ذَلِكَ مَأْجُورِينَ .
1234567891011121314151617181920212223
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّ قَوْلَهُ : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ } عَيْنُ الْإِثْبَاتِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِهِ : { وَمَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } . { إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } فَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْوَحْدَةِ وَالِاتِّحَادِ وَجُعِلَ مَعْنَى قَوْلِهِ : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ } أَنَّ فِعْلَك هُوَ فِعْلُ اللَّهِ لِعَدَمِ الْمُغَايَرَةِ وَهَذَا ضَلَالٌ عَظِيمٌ مِنْ وُجُوهٍ : - ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ قَوْلَهُ : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ } نَزَلَ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ : { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ } { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْكُفَّارِ أَوْ يَلْعَنُهُمْ فِي الْقُنُوتِ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ : تَرَكَ ذَلِكَ } فَعُلِمَ أَنَّ مَعْنَاهَا إفْرَادُ الرَّبِّ تَعَالَى بِالْأَمْرِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِ أَمْرٌ ; بَلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَطَعَ طَرَفًا مِنْ الْكُفَّارِ وَإِنْ شَاءَ كَبَتَهُمْ فَانْقَلَبُوا بِالْخَسَارَةِ وَإِنْ شَاءَ تَابَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ . وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : { قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } { قُلْ إنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ } . ( الْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّ قَوْلَهُ : { وَمَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ هُوَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى - كَمَا تَظُنُّهُ طَائِفَةٌ مِنْ الغالطين - فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِكُلِّ أَحَدٍ حَتَّى يُقَالَ لِلْمَاشِي : مَا مَشَيْت إذْ مَشَيْت وَلَكِنَّ اللَّهَ مَشَى وَيُقَالُ لِلرَّاكِبِ : وَمَا رَكِبْت إذْ رَكِبْت وَلَكِنَّ اللَّهَ رَكِبَ وَيُقَالُ لِلْمُتَكَلِّمِ : مَا تَكَلَّمْت إذْ تَكَلَّمْت وَلَكِنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ وَيُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ لِلْآكِلِ وَالشَّارِبِ وَالصَّائِمِ وَالْمُصَلِّي وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَطَرْدُ ذَلِكَ : يَسْتَلْزِمُ أَنْ يُقَالَ لِلْكَافِرِ مَا كَفَرْت إذْ كَفَرْت وَلَكِنَّ اللَّهَ كَفَرَ وَيُقَالُ لِلْكَاذِبِ مَا كَذَبْت إذْ كَذَبْت وَلَكِنَّ اللَّهَ كَذَبَ . وَمَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا : فَهُوَ كَافِرٌ مُلْحِدٌ خَارِجٌ عَنْ الْعَقْلِ وَالدِّينِ . وَلَكِنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ رَمَاهُمْ وَلَمْ يَكُنْ فِي قُدْرَتِهِ أَنْ يُوصِلَ الرَّمْيَ إلَى جَمِيعِهِمْ فَإِنَّهُ إذْ رَمَاهُمْ بِالتُّرَابِ وَقَالَ : شَاهَتْ الْوُجُوهُ } لَمْ يَكُنْ فِي قُدْرَتِهِ أَنْ يُوصِلَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْصَلَ ذَلِكَ الرَّمْيَ إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ بِقُدْرَتِهِ . يَقُولُ : وَمَا أَوَصَلْت إذْ حَذَفْت وَلَكِنَّ اللَّهَ أَوْصَلَ فَالرَّمْيُ الَّذِي أَثْبَتَهُ لَهُ لَيْسَ هُوَ الرَّمْيُ الَّذِي نَفَاهُ عَنْهُ فَإِنَّ هَذَا مُسْتَلْزِمٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ بَلْ نَفَى عَنْهُ الْإِيصَالَ وَالتَّبْلِيغَ وَأَثْبَتَ لَهُ الْحَذْفَ وَالْإِلْقَاءَ وَكَذَلِكَ إذَا رَمَى سَهْمًا فَأَوْصَلَهُ اللَّهُ إلَى الْعَدُوِّ إيصَالًا خَارِقًا لِلْعَادَةِ : كَانَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْصَلَهُ بِقُدْرَتِهِ . ( الْوَجْهُ الثَّالِثُ ) أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ ) فَهَذَا الْمَعْنَى حَقٌّ وَقَدْ قَالَ الْخَلِيلُ : { رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } فَاَللَّهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْمُسْلِمَ مُسْلِمًا وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا } { إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا } { وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا } فَاَللَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَهُ هَلُوعًا لَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَبْدُ ; وَلَا أَنَّ وُجُودَ الْخَالِقِ هُوَ وُجُودُ الْمَخْلُوقِ وَلَا أَنَّ اللَّه حَالٌّ فِي الْعَبْدِ . فَالْقَوْلُ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ حَقٌّ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْخَلْقَ حَالٌّ فِي الْمَخْلُوقِ أَوْ وُجُودُهُ وُجُودُ الْمَخْلُوقِ بَاطِلٌ . وَهَؤُلَاءِ يَنْتَقِلُونَ مِنْ الْقَوْلِ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ إلَى الْقَوْلِ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَهَذَا عَيْنُ الضَّلَالِ وَالْإِلْحَادِ . ( الْوَجْهُ الرَّابِعُ ) أَنَّ قَوْله تَعَالَى { إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } لَمْ يُرِدْ بِهِ إنَّك أَنْتَ اللَّهُ ) وَإِنَّمَا أَرَادَ إنَّك أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَمُبَلِّغُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فَمَنْ بَايَعَك فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ كَمَا أَنَّ مَنْ أَطَاعَك فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ هُوَ اللَّهُ ; وَلَكِنَّ الرَّسُولَ أَمَرَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ . فَمَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي } وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَمِيرَهُ لَيْسَ هُوَ إيَّاهُ . وَمَنْ ظَنَّ فِي قَوْلِهِ : { إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ فِعْلَك هُوَ فِعْلُ اللَّهِ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ حَالٌّ فِيك وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهُوَ - مَعَ جَهْلِهِ وَضَلَالِهِ بَلْ كُفْرُهُ وَإِلْحَادُهُ - قَدْ سَلَبَ الرَّسُولَ خَاصِّيَّتَهُ وَجَعَلَهُ مِثْلَ غَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ كَوْنَ اللَّهِ فَاعِلًا لِفِعْلِك : لَكَانَ هَذَا قَدَرًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْخَلْقِ وَكَانَ مَنْ بَايَعَ أَبَا جَهْلٍ فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ وَمَنْ بَايَعَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ وَمَنْ بَايَعَ قَادَةَ الْأَحْزَابِ فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْمُبَايِعُ هُوَ اللَّهُ أَيْضًا فَيَكُونُ اللَّهُ قَدْ بَايَعَ اللَّهَ ; إذْ اللَّهُ خَالِقٌ لِهَذَا وَلِهَذَا وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ بِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحُلُولِ وَالْوَحْدَةِ وَالِاتِّحَادِ فَإِنَّهُ عَامٌّ عِنْدَهُمْ فِي هَذَا وَهَذَا فَيَكُونُ اللَّهُ قَدْ بَايَعَ اللَّهَ . وَهَذَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِ هَؤُلَاءِ الْحُلُولِيَّةِ الِاتِّحَادِيَّةِ حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ إذَا أُمِرَ بِقِتَالِ الْعَدُوِّ يَقُولُ : أُقَاتِلُ اللَّهَ ؟ مَا أَقْدِرُ أَنْ أُقَاتِلَ اللَّهَ وَنَحْوَ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْ شُيُوخِهِمْ وَبَيَّنَّا فَسَادَهُ لَهُمْ وَضَلَالَهُمْ فِيهِ غَيْرَ مَرَّةٍ . وَأَمَّا الْحُلُولُ الْخَاصُّ فَلَيْسَ هُوَ قَوْلَ هَؤُلَاءِ ; بَلْ هُوَ قَوْلُ النَّصَارَى وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْغَالِيَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ لَهُ : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ } وَقَالَ : { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ } وَقَالَ : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا } وَقَالَ : { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا } وَقَالَ : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } . فَقَوْلُهُ : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } بَيَّنَ قَوْلَهُ : { إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } وَلِهَذَا قَالَ : { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } وَمَعْلُومٌ أَنَّ يَدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مَعَ أَيْدِيهِمْ كَانُوا يُصَافِحُونَهُ وَيُصَفِّقُونَ عَلَى يَدِهِ فِي الْبَيْعَةِ فَعَلِمَ أَنَّ يَدَ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ لَيْسَتْ هِيَ يَدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّ الرَّسُولَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَبَايَعَهُمْ عَنْ اللَّهِ وَعَاهَدَهُمْ وعاقدهم عَنْ اللَّهِ فَاَلَّذِينَ بَايَعُوهُ بَايَعُوا اللَّهَ الَّذِي أَرْسَلَهُ وَأَمَرَهُ بِبَيْعَتِهِمْ . أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ مَنْ وَكَّلَ شَخْصًا يَعْقِدُ مَعَ الْوَكِيلِ : كَانَ ذَلِكَ عَقْدًا مَعَ الْمُوَكِّلِ ؟ وَمَنْ وَكَّلَ نَائِبًا لَهُ فِي مُعَاهَدَةِ قَوْمٍ فَعَاهَدَهُمْ عَنْ مُسْتَنِيبِهِ : كَانُوا مُعَاهِدِينَ لِمُسْتَنِيبِهِ ؟ وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي إنْكَاحٍ أَوْ تَزْوِيجٍ : كَانَ الْمُوَكَّلُ هُوَ الزَّوْجُ الَّذِي وُقِّعَ لَهُ الْعَقْدُ ؟ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ } الْآيَةَ وَلِهَذَا قَالَ فِي تَمَامِ الْآيَةِ : { وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } . فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَ ذَلِكَ الْفَقِيرِ هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ وَأَنَّ اللَّهَ إذَا كَانَ قَدْ قَالَ لِنَبِيِّهِ : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ } فأيش نَكُونُ نَحْنُ ؟ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ : { لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ } .