تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ جَارِهِ ثُمَّ اُضْطُرَّ إلَى الدُّخُولِ فَدَخَلَ : فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ بِذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى لُزُومِهَا ؟
12345678
قَالُوا : وَأَمَّا الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ وَالْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَاقِعٌ فِي الْفِعْلِ لَا فِي الْعَقْدِ فَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ . وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَقَالُوا أَيْضًا فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ كَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَد فِي الْمُسْتَقْبَلِ . وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَحْنَثُ الْجَاهِلُ وَالنَّاسِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَكَذَلِكَ لَا يَحْنَثُ الْمُخْطِئُ حِينَ عَقَدَ الْيَمِينَ الَّذِي حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ . وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا : إنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَحْنَثُ فِي الْمَاضِي ; تَسْوِيَةً بَيْنَ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ فَكَذَلِكَ لَا يَحْنَثُ . وَهَذِهِ طَرِيقَةُ مَنْ سَلَكَهَا مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد : كَأَبِي الْبَرَكَاتِ فِي " مُحَرَّرِهِ " . وَأَصْحَابُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَقُولُونَ : إنَّ مَنْ قَالَ : إنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ : فَيَلْزَمُهُ أَلَّا يَحْنَثَ مِنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا . وَيُضَعِّفُونَ قَوْلَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَرْقِ وَقِيلَ : بَلْ لَا يَحْنَثُ فِي الْمَاضِي قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ قَوْلَانِ . وَهَذِهِ طَرِيقَةُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد سَلَكُوا مَسْلَكَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ : فَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ فَقَالُوا : إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَفَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ . وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَابْنِ عَقِيلٍ فِي " الْفُصُولِ " وَأَبِي مُحَمَّدٍ المقدسي ; وَغَيْرِهِمْ فَجَعَلُوا النِّزَاعَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي . وَهَؤُلَاءِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : " لَغْوُ الْيَمِينِ " هُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ بِلَا نِزَاعٍ . وَأَمَّا إذَا سَبَقَ لِسَانُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ : فَفِيهِ رِوَايَتَانِ . وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ فِي " الْفُصُولِ " ; وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي " خِلَافِهِ " أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ لَيْسَ بِلَغْوِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : مَا يَسْبِقُ عَلَى اللِّسَانِ هُوَ لَغْوٌ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَفِيمَا إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ رِوَايَتَانِ . وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ . " وَالصَّوَابُ " أَنَّ النِّزَاعَ فِي الصُّورَتَيْنِ ; فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ عَنْهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ ; وَلَكِنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذَا لَغْوٌ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد أَنَّ كِلَا النَّوْعَيْنِ لَغْوٌ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; وَلِهَذَا جَزَمَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ أَحْمَد بِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ لَا فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا . وَلَمْ يَذْكُرُوا نِزَاعًا ; لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ كِلَيْهِمَا لَغْوٌ فِي جَوَابِهِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الخرقي وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ . وَذَكَرَ طَائِفَةٌ عَنْهُ فِي اللَّغْوِ " رِوَايَتَيْنِ " رِوَايَةً كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ . وَرِوَايَةً كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ : مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا . وَصَرَّحَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ - كَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ - بِأَنَّهُ إذَا قِيلَ : إنَّ اللَّغْوَ هُوَ أَنْ يَسْبِقَ عَلَى لِسَانِهِ الْيَمِينُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَإِنَّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ حَنِثَ . فَلِهَذَا صَارَ فِي مَذْهَبِهِ عِدَّةُ طُرُقٍ . " طَرِيقَةُ الْقُدَمَاءِ " أَنَّ كِلَيْهِمَا لَغْوٌ قَوْلًا وَاحِدًا . وَطَرِيقَةُ الْقَاضِي أَنَّ الْمَاضِيَ لَغْوٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي سَبْقِ اللِّسَانِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ رِوَايَتَانِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ تُوَافِقُ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ . " وَطَرِيقَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ سَبْقَ اللِّسَانِ لَغْوٌ قَوْلًا وَاحِدًا . وَفِي الْمَاضِي رِوَايَتَانِ . وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ تُوَافِقُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ . " وَالطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ " وَهِيَ أَضْعَفُ الطُّرُقِ : أَنَّ اللَّغْوَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ هَذَا دُونَ هَذَا وَفِي الْأُخْرَى هَذَا دُونَ هَذَا . " وَالطَّرِيقَةُ الْخَامِسَةُ " وَهِيَ الْجَامِعَةُ بَيْنَ الطُّرُقِ : أَنَّ فِي مَذْهَبِهِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فَإِذَا سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ : لَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ : فَهَذَا لَغْوٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ .