تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ جَارِهِ ثُمَّ اُضْطُرَّ إلَى الدُّخُولِ فَدَخَلَ : فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ بِذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى لُزُومِهَا ؟
12345678
وَإِذَا سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ الْيَمِينُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ تَعَمَّدَ الْيَمِينَ عَلَى أَمْرٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ : فَفِي الصُّورَتَيْنِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ ; هِيَ الرِّوَايَاتُ الثَّلَاثُ عَنْ أَحْمَد . " أَحَدُهَا " أَنَّ الْجَمِيعَ لَغْوٌ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد وَهِيَ وَمَذْهَبُهُ فِي إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ بِلَا نِزَاعٍ عَنْهُ . وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَقَدْ فَسَّرَ اللَّغْوَ بِهَذَا . وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ . " وَالثَّانِي " أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْمَاضِي دُونَ مَا سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا . " وَالثَّالِثُ " بِالْعَكْسِ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ . فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُخْطِئَ فِي عَقْدِ الْيَمِينِ الَّذِي حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ هُوَ فِي إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ كَالنَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَفِي الْأُخْرَى لَا يَحْنَثُ قَوْلًا وَاحِدًا . وَالْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ أَئِمَّةِ أَصْحَابِ أَحْمَد . وَعَلَى هَذَا فَالْحَالِفُ بِالطَّلَاقِ عَلَى أَمْرٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ لَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ يَحْنَثْ النَّاسِي وَالْجَاهِلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ : إمَّا تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا . وَإِمَّا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عَلَى اخْتِلَافِ الطَّرِيقَتَيْنِ . وَهَكَذَا ذَكَرَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ . وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ كَالسَّامِرِيِّ صَاحِبِ " الْمُسْتَوْعِبِ " أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ عَلَى أَمْرٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ قَوْلًا وَاحِدًا ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا لَغْوَ فِيهِ وَهَذَا خَطَأٌ ; فَإِنَّ الَّذِي يَقُولُ إنَّ الطَّلَاقَ لَا لَغْوَ فِيهِ هُوَ الَّذِي يَحْنَثُ النَّاسِي وَالْجَاهِلُ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَحْنَثْ النَّاسِي وَالْجَاهِلُ فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ لَا لَغْوَ فِي الطَّلَاقِ - إذَا فَسَّرَ اللَّغْوَ بِأَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ - فَإِنَّ عَدَمَ الْحِنْثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ أَوْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهَا ; كَمَا قَدْ بَيَّنَّاهُ . وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ : إنَّهُ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ عَلَى امْرَأَتِهِ لَا يَفْعَلُهُ فَفَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ ; وَيَقُولُ إذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ ; لِأَنَّ الْجَهْلَ الْمُقَارَنَ لِعَقْدِ الْيَمِينِ أَخَفُّ مِنْ الْجَهْلِ الْمُقَارِنِ لِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَغَايَتِهِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ ; وَلِأَنَّ الْيَمِينَ الْأُولَى مُنْعَقِدَةٌ اتِّفَاقًا . وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَفِي انْعِقَادِهَا نِزَاعٌ بَيْنَهُمْ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .