سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ  قَالَ  السَّائِلُ : الْمَسْئُولُ  مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ  وَالسَّادَةِ الْأَعْلَامِ -  أَحْسَنَ اللَّهُ ثَوَابَهُمْ  وَأَكْرَمَ نُزُلَهُمْ وَمَآبَهُمْ - أَنْ يَرْفَعُوا حِجَابَ الْإِجْمَالِ وَيَكْشِفُوا قِنَاعَ الْإِشْكَالِ عَنْ " مُقَدِّمَةِ " جَمِيعِ أَرْبَابِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ مُتَّفِقُونَ عَلَيْهَا وَمُسْتَنِدُونَ  فِي آرَائِهِمْ إلَيْهَا ;  حَاشَا مُكَابِرًا مِنْهُمْ مُعَانِدًا وَكَافِرًا بِرُبُوبِيَّةِ اللَّهِ جَاحِدًا .  وَهِيَ أَنْ   يُقَالَ : " هَذِهِ صِفَةُ  كَمَالٍ فَيَجِبُ لِلَّهِ إثْبَاتُهَا وَهَذِهِ صِفَةُ نَقْصٍ فَيَتَعَيَّنُ انْتِفَاؤُهَا "  لَكِنَّهُمْ  فِي تَحْقِيقِ مَنَاطِهَا  فِي أَفْرَادِ الصِّفَاتِ مُتَنَازِعُونَ  وَفِي تَعْيِينِ الصِّفَاتِ  لِأَجْلِ الْقِسْمَيْنِ مُخْتَلِفُونَ  .    فَأَهْلُ السُّنَّةِ  " يَقُولُونَ : إثْبَاتُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِهَا  مِنْ " الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ " كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْغَضَبِ وَالرِّضَا وَ " الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ " - كَالضَّحِكِ وَالنُّزُولِ وَالِاسْتِوَاءِ - صِفَاتُ  كَمَالٍ وَأَضْدَادُهَا صِفَاتُ نُقْصَانٍ .    وَالْفَلَاسِفَةُ  " تَقُولُ : اتِّصَافُهُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ إنْ  أَوْجَبَ لَهُ كَمَالًا فَقَدْ اسْتَكْمَلَ بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ نَاقِصًا بِذَاتِهِ  وَإِنْ  أَوْجَبَ لَهُ نَقْصًا لَمْ يَجُزْ اتِّصَافُهُ بِهَا .     وَالْمُعْتَزِلَةُ  " يَقُولُونَ : لَوْ  قَامَتْ بِذَاتِهِ صِفَاتٌ وُجُودِيَّةٌ  لَكَانَ مُفْتَقِرًا إلَيْهَا وَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ إلَيْهِ فَيَكُونُ الرَّبُّ مُفْتَقِرًا إلَى غَيْرِهِ ;  وَلِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَقُومُ إلَّا بِجِسْمِ . وَالْجِسْمُ مُرَكَّبٌ وَالْمُرَكَّبُ مُمْكِنٌ  مُحْتَاجٌ  وَذَلِكَ عَيْنُ النَّقْصِ  . وَيَقُولُونَ أَيْضًا : لَوْ قَدَّرَ  عَلَى الْعِبَادِ أَعْمَالَهُمْ وَعَاقَبَهُمْ عَلَيْهَا :  كَانَ ظَالِمًا  وَذَلِكَ نَقْصٌ . وَخُصُومُهُمْ يَقُولُونَ : لَوْ  كَانَ  فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُهُ  لَكَانَ نَاقِصًا .     والكلابية  وَمَنْ تَبِعَهُمْ "  يَنْفُونَ صِفَاتِ أَفْعَالِهِ وَيَقُولُونَ : لَوْ  قَامَتْ  بِهِ  لَكَانَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ . وَالْحَادِثُ إنْ  أَوْجَبَ لَهُ كَمَالًا فَقَدْ  عَدِمَهُ قَبْلَهُ وَهُوَ نَقْصٌ  وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ لَهُ كَمَالًا لَمْ يَجُزْ وَصْفُهُ  بِهِ .    وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ  يَنْفُونَ صِفَاتِهِ الْخَبَرِيَّةَ لِاسْتِلْزَامِهَا التَّرْكِيبَ الْمُسْتَلْزِمَ لِلْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ . وَهَكَذَا نَفْيُهُمْ أَيْضًا لِمَحَبَّتِهِ  لِأَنَّهَا مُنَاسِبَةٌ بَيْنَ الْمُحِبِّ وَالْمَحْبُوبِ  وَمُنَاسَبَةُ الرَّبِّ لِلْخَلْقِ نَقْصٌ :  وَكَذَا رَحْمَتُهُ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ رِقَّةٌ تَكُونُ  فِي الرَّاحِمِ وَهِيَ ضَعْفٌ وَخَوَرٌ  فِي الطَّبِيعَةِ وَتَأَلُّمٌ  عَلَى الْمَرْحُومِ وَهُوَ نَقْصٌ  .  وَكَذَا غَضَبُهُ لِأَنَّ الْغَضَبَ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ طَلَبًا لِلِانْتِقَامِ .  وَكَذَا نَفْيُهُمْ لِضَحِكِهِ وَتَعَجُّبِهِ لِأَنَّ الضَّحِكَ خِفَّةُ رُوحٍ تَكُونُ لِتَجَدُّدِ مَا يَسُرُّ وَانْدِفَاعِ مَا يَضُرُّ . وَالتَّعَجُّبُ اسْتِعْظَامٌ لِلْمُتَعَجَّبِ مِنْهُ . وَ " مُنْكِرُو النُّبُوَّاتِ " يَقُولُونَ : لَيْسَ الْخَلْقُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهِمْ رَسُولًا  كَمَا  أَنَّ أَطْرَافَ النَّاسِ لَيْسُوا أَهْلًا أَنْ يُرْسِلَ  السُّلْطَانُ إلَيْهِمْ رَسُولًا .  وَ " الْمُشْرِكُونَ " يَقُولُونَ : عَظَمَةُ الرَّبِّ وَجَلَالُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُتَقَرَّبَ إلَيْهِ إلَّا بِوَاسِطَةِ وَحِجَابٍ فَالتَّقَرُّبُ إلَيْهِ  ابْتِدَاءٌ  مِنْ غَيْرِ شِفَاءٍ وَوَسَائِطُ غَضٍّ  مِنْ جَنَابِهِ الرَّفِيعِ . هَذَا  وَإِنَّ  الْقَائِلِينَ بِهَذِهِ " الْمُقَدِّمَةِ " لَا يَقُولُونَ بِمُقْتَضَاهَا وَلَا يَطْرُدُونَهَا فَلَوْ  قِيلَ  لَهُمْ : أَيُّمَا أَكْمَلُ ؟ ذَاتٌ تُوصَفُ  بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِدْرَاكَاتِ :  مِنْ الشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ أَمْ ذَاتٌ لَا تُوصَفُ بِهَا كُلِّهَا ؟  لَقَالُوا  الْأُولَى أَكْمَلُ وَلَمْ يَصِفُوا بِهَا كُلِّهَا الْخَالِقَ .  وَ ( بِالْجُمْلَةِ فَالْكَمَالُ وَالنَّقْصُ  مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ وَالْمَعَانِي الْإِضَافِيَّةِ فَقَدْ تَكُونُ الصِّفَةُ كَمَالًا لِذَاتٍ وَنَقْصًا لِأُخْرَى  وَهَذَا نَحْوُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنِّكَاحِ : كَمَالٌ لِلْمَخْلُوقِ نَقْصٌ لِلْخَالِقِ  وَكَذَا التَّعَاظُمُ وَالتَّكَبُّرُ وَالثَّنَاءُ  عَلَى النَّفْسِ : كَمَالٌ لِلْخَالِقِ نَقْصٌ لِلْمَخْلُوقِ وَإِذَا  كَانَ الْأَمْرُ  كَذَلِكَ  فَلَعَلَّ مَا تَذْكُرُونَهُ  مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ إنَّمَا يَكُونُ كَمَالًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّاهِدِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ  يَكُونَ كَمَالًا لِلْغَائِبِ  كَمَا بُيِّنَ ; لَا سِيَّمَا مَعَ تَبَايُنِ الذَّاتَيْنِ . وَإِنْ قُلْتُمْ :  نَحْنُ نَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ مُتَعَلَّقِ الصِّفَةِ وَنَنْظُرُ  فِيهَا هَلْ هِيَ كَمَالٌ أَوْ نَقْصٌ ؟  فَلِذَلِكَ نُحِيلُ الْحُكْمَ عَلَيْهَا بِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ كَمَالًا لِذَاتٍ نَقْصًا لِأُخْرَى  عَلَى مَا  ذَكَرَ . وَهَذَا  مِنْ الْعَجَبِ  أَنَّ " مُقَدِّمَةً "  وَقَعَ عَلَيْهَا الْإِجْمَاعُ هِيَ مَنْشَأُ الِاخْتِلَافِ وَالنِّزَاعِ  فَرَضِيَ اللَّهُ عَمَّنْ بَيَّنَ لَنَا بَيَانًا يَشْفِي الْعَلِيلَ وَيَجْمَعُ بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ وَإِيضَاحِ الدَّلِيلِ إنَّهُ تَعَالَى سَمِيعُ الدُّعَاءِ وَأَهْلُ الرَّجَاءِ وَهُوَ حَسَبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . 
				
				
				 فَصْلٌ :  وَأَمَّا قَوْلُهُ : " التَّعَجُّبُ اسْتِعْظَامٌ لِلْمُتَعَجَّبِ مِنْهُ " . فَيُقَالُ : نَعَمْ . وَقَدْ يَكُونُ مَقْرُونًا بِجَهْلِ بِسَبَبِ التَّعَجُّبِ وَقَدْ يَكُونُ لِمَا  خَرَجَ عَنْ نَظَائِرِهِ  وَاَللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْلَمَ سَبَبَ مَا تَعَجَّبَ مِنْهُ  ; بَلْ يَتَعَجَّبُ لِخُرُوجِهِ عَنْ نَظَائِرِهِ تَعْظِيمًا لَهُ . وَاَللَّهُ تَعَالَى يُعَظِّمُ مَا هُوَ عَظِيمٌ ; إمَّا لِعَظَمَةِ سَبَبِهِ أَوْ لِعَظَمَتِهِ .  فَإِنَّهُ وَصَفَ بَعْضَ الْخَيْرِ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ . وَوَصَفَ بَعْضَ الشَّرِّ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ  فَقَالَ تَعَالَى : {   رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ   }  وَقَالَ :   {   وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ   }  وَقَالَ :   {   وَلَوْ  أَنَّهُمْ  فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ  بِهِ  لَكَانَ خَيْرًا  لَهُمْ  وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا   }   {   وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ  مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا   }  وَقَالَ :   {   وَلَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ  هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ   }  وَقَالَ :   {   إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ   }  . وَلِهَذَا  قَالَ تَعَالَى :   {   بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ   }  عَلَى  قِرَاءَةِ الضَّمِّ فَهُنَا هُوَ عَجَبٌ  مِنْ كُفْرِهِمْ مَعَ وُضُوحِ الْأَدِلَّةِ . {  وَقَالَ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي  آثَرَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ ضَيْفَهُمَا : لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ   }  وَفِي لَفْظٍ  فِي  الصَّحِيحِ  :   {   لَقَدْ  ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ  مِنْ صُنْعِكُمَا الْبَارِحَةَ   }  .  وَقَالَ :   {  إنَّ الرَّبَّ لَيَعْجَبُ  مِنْ عَبْدِهِ   إذَا  قَالَ  رَبِّ اغْفِرْ  لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا  أَنْتَ . يَقُولُ عَلِمَ عَبْدِي  أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنَا   }  وَقَالَ :   {   عَجِبَ رَبُّك  مِنْ شَابٍّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ   }  وَقَالَ :   {   عَجِبَ رَبُّك  مِنْ  رَاعِي غَنَمٍ  عَلَى رَأْسِ شَظِيَّةٍ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ فَيَقُولُ اللَّهُ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي   }  أَوْ  كَمَا  قَالَ . وَنَحْوَ  ذَلِكَ .