سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ  قَالَ  السَّائِلُ : الْمَسْئُولُ  مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ  وَالسَّادَةِ الْأَعْلَامِ -  أَحْسَنَ اللَّهُ ثَوَابَهُمْ  وَأَكْرَمَ نُزُلَهُمْ وَمَآبَهُمْ - أَنْ يَرْفَعُوا حِجَابَ الْإِجْمَالِ وَيَكْشِفُوا قِنَاعَ الْإِشْكَالِ عَنْ " مُقَدِّمَةِ " جَمِيعِ أَرْبَابِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ مُتَّفِقُونَ عَلَيْهَا وَمُسْتَنِدُونَ  فِي آرَائِهِمْ إلَيْهَا ;  حَاشَا مُكَابِرًا مِنْهُمْ مُعَانِدًا وَكَافِرًا بِرُبُوبِيَّةِ اللَّهِ جَاحِدًا .  وَهِيَ أَنْ   يُقَالَ : " هَذِهِ صِفَةُ  كَمَالٍ فَيَجِبُ لِلَّهِ إثْبَاتُهَا وَهَذِهِ صِفَةُ نَقْصٍ فَيَتَعَيَّنُ انْتِفَاؤُهَا "  لَكِنَّهُمْ  فِي تَحْقِيقِ مَنَاطِهَا  فِي أَفْرَادِ الصِّفَاتِ مُتَنَازِعُونَ  وَفِي تَعْيِينِ الصِّفَاتِ  لِأَجْلِ الْقِسْمَيْنِ مُخْتَلِفُونَ  .    فَأَهْلُ السُّنَّةِ  " يَقُولُونَ : إثْبَاتُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِهَا  مِنْ " الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ " كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْغَضَبِ وَالرِّضَا وَ " الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ " - كَالضَّحِكِ وَالنُّزُولِ وَالِاسْتِوَاءِ - صِفَاتُ  كَمَالٍ وَأَضْدَادُهَا صِفَاتُ نُقْصَانٍ .    وَالْفَلَاسِفَةُ  " تَقُولُ : اتِّصَافُهُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ إنْ  أَوْجَبَ لَهُ كَمَالًا فَقَدْ اسْتَكْمَلَ بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ نَاقِصًا بِذَاتِهِ  وَإِنْ  أَوْجَبَ لَهُ نَقْصًا لَمْ يَجُزْ اتِّصَافُهُ بِهَا .     وَالْمُعْتَزِلَةُ  " يَقُولُونَ : لَوْ  قَامَتْ بِذَاتِهِ صِفَاتٌ وُجُودِيَّةٌ  لَكَانَ مُفْتَقِرًا إلَيْهَا وَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ إلَيْهِ فَيَكُونُ الرَّبُّ مُفْتَقِرًا إلَى غَيْرِهِ ;  وَلِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَقُومُ إلَّا بِجِسْمِ . وَالْجِسْمُ مُرَكَّبٌ وَالْمُرَكَّبُ مُمْكِنٌ  مُحْتَاجٌ  وَذَلِكَ عَيْنُ النَّقْصِ  . وَيَقُولُونَ أَيْضًا : لَوْ قَدَّرَ  عَلَى الْعِبَادِ أَعْمَالَهُمْ وَعَاقَبَهُمْ عَلَيْهَا :  كَانَ ظَالِمًا  وَذَلِكَ نَقْصٌ . وَخُصُومُهُمْ يَقُولُونَ : لَوْ  كَانَ  فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُهُ  لَكَانَ نَاقِصًا .     والكلابية  وَمَنْ تَبِعَهُمْ "  يَنْفُونَ صِفَاتِ أَفْعَالِهِ وَيَقُولُونَ : لَوْ  قَامَتْ  بِهِ  لَكَانَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ . وَالْحَادِثُ إنْ  أَوْجَبَ لَهُ كَمَالًا فَقَدْ  عَدِمَهُ قَبْلَهُ وَهُوَ نَقْصٌ  وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ لَهُ كَمَالًا لَمْ يَجُزْ وَصْفُهُ  بِهِ .    وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ  يَنْفُونَ صِفَاتِهِ الْخَبَرِيَّةَ لِاسْتِلْزَامِهَا التَّرْكِيبَ الْمُسْتَلْزِمَ لِلْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ . وَهَكَذَا نَفْيُهُمْ أَيْضًا لِمَحَبَّتِهِ  لِأَنَّهَا مُنَاسِبَةٌ بَيْنَ الْمُحِبِّ وَالْمَحْبُوبِ  وَمُنَاسَبَةُ الرَّبِّ لِلْخَلْقِ نَقْصٌ :  وَكَذَا رَحْمَتُهُ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ رِقَّةٌ تَكُونُ  فِي الرَّاحِمِ وَهِيَ ضَعْفٌ وَخَوَرٌ  فِي الطَّبِيعَةِ وَتَأَلُّمٌ  عَلَى الْمَرْحُومِ وَهُوَ نَقْصٌ  .  وَكَذَا غَضَبُهُ لِأَنَّ الْغَضَبَ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ طَلَبًا لِلِانْتِقَامِ .  وَكَذَا نَفْيُهُمْ لِضَحِكِهِ وَتَعَجُّبِهِ لِأَنَّ الضَّحِكَ خِفَّةُ رُوحٍ تَكُونُ لِتَجَدُّدِ مَا يَسُرُّ وَانْدِفَاعِ مَا يَضُرُّ . وَالتَّعَجُّبُ اسْتِعْظَامٌ لِلْمُتَعَجَّبِ مِنْهُ . وَ " مُنْكِرُو النُّبُوَّاتِ " يَقُولُونَ : لَيْسَ الْخَلْقُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهِمْ رَسُولًا  كَمَا  أَنَّ أَطْرَافَ النَّاسِ لَيْسُوا أَهْلًا أَنْ يُرْسِلَ  السُّلْطَانُ إلَيْهِمْ رَسُولًا .  وَ " الْمُشْرِكُونَ " يَقُولُونَ : عَظَمَةُ الرَّبِّ وَجَلَالُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُتَقَرَّبَ إلَيْهِ إلَّا بِوَاسِطَةِ وَحِجَابٍ فَالتَّقَرُّبُ إلَيْهِ  ابْتِدَاءٌ  مِنْ غَيْرِ شِفَاءٍ وَوَسَائِطُ غَضٍّ  مِنْ جَنَابِهِ الرَّفِيعِ . هَذَا  وَإِنَّ  الْقَائِلِينَ بِهَذِهِ " الْمُقَدِّمَةِ " لَا يَقُولُونَ بِمُقْتَضَاهَا وَلَا يَطْرُدُونَهَا فَلَوْ  قِيلَ  لَهُمْ : أَيُّمَا أَكْمَلُ ؟ ذَاتٌ تُوصَفُ  بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِدْرَاكَاتِ :  مِنْ الشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ أَمْ ذَاتٌ لَا تُوصَفُ بِهَا كُلِّهَا ؟  لَقَالُوا  الْأُولَى أَكْمَلُ وَلَمْ يَصِفُوا بِهَا كُلِّهَا الْخَالِقَ .  وَ ( بِالْجُمْلَةِ فَالْكَمَالُ وَالنَّقْصُ  مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ وَالْمَعَانِي الْإِضَافِيَّةِ فَقَدْ تَكُونُ الصِّفَةُ كَمَالًا لِذَاتٍ وَنَقْصًا لِأُخْرَى  وَهَذَا نَحْوُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنِّكَاحِ : كَمَالٌ لِلْمَخْلُوقِ نَقْصٌ لِلْخَالِقِ  وَكَذَا التَّعَاظُمُ وَالتَّكَبُّرُ وَالثَّنَاءُ  عَلَى النَّفْسِ : كَمَالٌ لِلْخَالِقِ نَقْصٌ لِلْمَخْلُوقِ وَإِذَا  كَانَ الْأَمْرُ  كَذَلِكَ  فَلَعَلَّ مَا تَذْكُرُونَهُ  مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ إنَّمَا يَكُونُ كَمَالًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّاهِدِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ  يَكُونَ كَمَالًا لِلْغَائِبِ  كَمَا بُيِّنَ ; لَا سِيَّمَا مَعَ تَبَايُنِ الذَّاتَيْنِ . وَإِنْ قُلْتُمْ :  نَحْنُ نَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ مُتَعَلَّقِ الصِّفَةِ وَنَنْظُرُ  فِيهَا هَلْ هِيَ كَمَالٌ أَوْ نَقْصٌ ؟  فَلِذَلِكَ نُحِيلُ الْحُكْمَ عَلَيْهَا بِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ كَمَالًا لِذَاتٍ نَقْصًا لِأُخْرَى  عَلَى مَا  ذَكَرَ . وَهَذَا  مِنْ الْعَجَبِ  أَنَّ " مُقَدِّمَةً "  وَقَعَ عَلَيْهَا الْإِجْمَاعُ هِيَ مَنْشَأُ الِاخْتِلَافِ وَالنِّزَاعِ  فَرَضِيَ اللَّهُ عَمَّنْ بَيَّنَ لَنَا بَيَانًا يَشْفِي الْعَلِيلَ وَيَجْمَعُ بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ وَإِيضَاحِ الدَّلِيلِ إنَّهُ تَعَالَى سَمِيعُ الدُّعَاءِ وَأَهْلُ الرَّجَاءِ وَهُوَ حَسَبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . 
				
				
				 فَصْلٌ :  وَأَمَّا نَفْيُ   النَّافِي " لِلصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ " الْمُعَيَّنَةِ  ; فلاستلزامها التَّرْكِيبَ الْمُسْتَلْزِمَ لِلْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ : فَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ نَظِيرِهِ فَإِنَّهُ إنْ  أُرِيدَ بِالتَّرْكِيبِ مَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ  فِي اللُّغَةِ أَوْ  فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ أَوْ عُرْفِ بَعْضِ النَّاسِ - وَهُوَ مَا رَكَّبَهُ غَيْرُهُ - أَوْ  كَانَ مُتَفَرِّقًا فَاجْتَمَعَ أَوْ مَا جَمَعَ الْجَوَاهِرَ الْفَرْدَةَ أَوْ الْمَادَّةَ وَالصُّورَةَ أَوْ مَا  أَمْكَنَ  مُفَارَقَةُ بَعْضِهِ لِبَعْضِ  فَلَا نُسَلِّمُ الْمُقَدِّمَةَ  الْأُولَى وَلَا نُسَلِّمُ  أَنَّ إثْبَاتَ الْوَجْهِ وَالْيَدِ مُسْتَلْزِمٌ لِلتَّرْكِيبِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ . وَإِنْ  أُرِيدَ  بِهِ التَّلَازُمُ  عَلَى مَعْنَى امْتِيَازِ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ  فِي نَفْسِهِ  وَأَنَّ  هَذَا لَيْسَ  هَذَا :  فَهَذَا لَازِمٌ  لَهُمْ  فِي الصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ الْمَعْلُومَةِ بِالْعَقْلِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ  فَإِنَّ الْوَاحِدَةَ  مِنْ هَذِهِ الصِّفَات لَيْسَتْ هِيَ الْأُخْرَى ; بَلْ كُلُّ صِفَةٍ  مُمْتَازَةٍ بِنَفْسِهَا عَنْ الْأُخْرَى  وَإِنْ  كَانَتَا مُتَلَازِمَتَيْنِ يُوصَفُ بِهِمَا مَوْصُوفٌ وَاحِدٌ .  وَنَحْنُ نَعْقِلُ  هَذَا  فِي صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ كَأَبْعَاضِ الشَّمْسِ وَأَعْرَاضِهَا .  وَأَيْضًا :  فَإِنْ  أُرِيدَ  أَنَّهُ لَا  بُدَّ  مِنْ وُجُودِ مَا بِالْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ إلَى مُبَايِنٍ لَهُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ  وَإِنْ  أُرِيدَ  أَنَّهُ لَا  بُدَّ  مِنْ وُجُودِ مَا هُوَ دَاخِلٌ  فِي مُسَمَّى اسْمِهِ ;  وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ وُجُودُ الْوَاجِبِ بِدُونِ تِلْكَ الْأُمُورِ الدَّاخِلَةِ  فِي مُسَمَّى اسْمِهِ : فَمَعْلُومٌ  أَنَّهُ لَا  بُدَّ لَهُ  مِنْ نَفْسِهِ  فَلَا  بُدَّ لَهُ مِمَّا يَدْخُلُ  فِي مُسَمَّاهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى الْأَحْرَى .  وَإِذَا  قِيلَ : هُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ  أَنَّ نَفْسَهُ تَفْعَلُ نَفْسَهُ ;  فَكَذَلِكَ مَا هُوَ دَاخِلٌ  فِيهَا  ;  وَلَكِنَّ الْعِبَارَةَ مُوهِمَةٌ مُجْمَلَةٌ فَإِذَا فُسِّرَ الْمَعْنَى  زَالَ الْمَحْذُورُ . وَيُقَالُ أَيْضًا :  نَحْنُ لَا نُطْلِقُ  عَلَى  هَذَا اللَّفْظِ الْغَيْرَ ;  فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ  يَكُونَ  مُحْتَاجًا إلَى الْغَيْرِ  فَهَذَا  مِنْ جِهَةِ الْإِطْلَاقِ اللَّفْظِيِّ ;  وَأَمَّا  مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ الْعِلْمِيِّ فَالدَّلِيلُ  دَلَّ  عَلَى وُجُودِ مَوْجُودٍ بِنَفْسِهِ لَا فَاعِلٍ وَلَا عِلَّةٍ فَاعِلَةٍ  وَأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ بِنَفْسِهِ عَنْ كُلِّ مَا يُبَايِنُهُ . وَأَمَّا الْوُجُودُ الَّذِي لَا يَكُونُ لَهُ صِفَةٌ وَلَا يَدْخُلُ  فِي مُسَمَّى اسْمِهِ مَعْنَى  مِنْ الْمَعَانِي الثُّبُوتِيَّةِ :  فَهَذَا إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي  أَنَّهُ الْمَعْنِيُّ بِوُجُوبِ الْوُجُودِ وَبِالْغَنِيِّ .  قِيلَ لَهُ :  لَكِنَّ  هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ هُوَ مَدْلُولَ الْأَدِلَّةِ ; وَلَكِنْ  أَنْتَ قَدَّرْت  أَنَّ  هَذَا مُسَمَّى الِاسْمِ وَجَعْلُ اللَّفْظِ دَلِيلًا  عَلَى  هَذَا الْمَعْنَى لَا يَنْفَعُك إنْ لَمْ يُثْبِتْ  أَنَّ الْمَعْنَى حَقٌّ  فِي نَفْسِهِ وَلَا دَلِيلَ  لَك  عَلَى  ذَلِكَ ; بَلْ الدَّلِيلُ يَدُلُّ  عَلَى نَقِيضِهِ .  فَهَؤُلَاءِ عَمَدُوا إلَى لَفْظِ الْغَنِيِّ وَالْقَدِيمِ وَالْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ  فَصَارُوا يَحْمِلُونَهَا  عَلَى  مَعَانِي تَسْتَلْزِمُ مَعَانِيَ تُنَاقِضُ ثُبُوتَ الصِّفَاتِ  وَتَوَسَّعُوا  فِي التَّعْبِيرِ  ثُمَّ ظَنُّوا  أَنَّ  هَذَا الَّذِي فَعَلُوهُ هُوَ مُوجِبُ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَغَيْرِهَا .  وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُمْ . فَمُوجِبُ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ لَا  يُتَلَقَّى  مِنْ مُجَرَّدِ التَّعْبِيرِ وَمُوجِبُ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ  يُتَلَقَّى  مِنْ عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِ بِالْخِطَابِ لَا  مِنْ الْوَضْعِ الْمُحْدَثِ ; فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَقُولَ : إنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي جَاءَتْ  فِي الْقُرْآنِ مَوْضُوعَةٌ لِمَعَانٍ  ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُفَسِّرَ مُرَادَ اللَّهِ بِتِلْكَ الْمَعَانِي ;  هَذَا  مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ  الْمُفْتَرِينَ . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ عَمَدُوا إلَى مَعَانٍ ظَنُّوهَا ثَابِتَةً ; فَجَعَلُوهَا هِيَ مَعْنَى الْوَاحِدِ وَالْوَاجِبِ وَالْغَنِيِّ وَالْقَدِيمِ وَنَفْيِ الْمِثْلِ ;  ثُمَّ عَمَدُوا إلَى مَا جَاءَ  فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ  مِنْ تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ أَحَدٌ وَوَاحِدٌ  عَلِيٌّ وَنَحْوُ  ذَلِكَ  مِنْ نَفْيِ الْمِثْلِ وَالْكُفُؤِ عَنْهُ .  فَقَالُوا :  هَذَا يَدُلُّ  عَلَى الْمَعَانِي الَّتِي سَمَّيْنَاهَا بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ  وَهَذَا  مِنْ أَعْظَمِ  الِافْتِرَاءِ  عَلَى اللَّهِ . وَكَذَلِكَ "   الْمُتَفَلْسِفَةُ  " عَمَدُوا إلَى لَفْظِ الْخَالِقِ وَالْفَاعِلِ وَالصَّانِعِ وَالْمُحْدِثِ  وَنَحْوِ  ذَلِكَ . فَوَضَعُوهَا لِمَعْنَى ابْتَدَعُوهُ وَقَسَّمُوا الْحُدُوثَ إلَى نَوْعَيْنِ : ذَاتِيٍّ وَزَمَانِيٍّ وَأَرَادُوا بِالذَّاتِيِّ كَوْنَ الْمَرْبُوبِ مُقَارِنًا لِلرَّبِّ أَزَلًا وَأَبَدًا ;  فَإِنَّ اللَّفْظَ  عَلَى  هَذَا الْمَعْنَى لَا يُعْرَفُ  فِي لُغَةِ أَحَدٍ  مِنْ الْأُمَمِ ; وَلَوْ جَعَلُوا  هَذَا اصْطِلَاحًا  لَهُمْ لَمْ تُنَازِعْهُمْ  فِيهِ ; لَكِنْ قَصَدُوا  بِذَلِكَ التَّلْبِيسَ  عَلَى النَّاسِ وَأَنْ يَقُولُوا  نَحْنُ نَقُولُ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ  وَأَنَّ اللَّهَ خَالِقٌ لَهُ وَفَاعِلٌ لَهُ وَصَانِعٌ لَهُ وَنَحْوُ  ذَلِكَ  مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ  أَنَّهَا تَقْتَضِي تَأَخُّرَ الْمَفْعُولِ لَا يُطْلَقُ  عَلَى مَا  كَانَ قَدِيمًا بِقِدَمِ الرَّبِّ مُقَارِنًا لَهُ أَزَلًا وَأَبَدًا . وَكَذَلِكَ فِعْلُ مَنْ فَعَلَ بِلَفْظِ " الْمُتَكَلِّمِ " وَغَيْرِ  ذَلِكَ  مِنْ الْأَسْمَاءِ وَلَوْ فُعِلَ هَذَا بِكَلَامِ  سِيبَوَيْهِ  وبقراط  : لَفَسَدَ مَا ذَكَرُوهُ  مِنْ النَّحْوِ وَالطِّبِّ ; وَلَوْ فُعِلَ  هَذَا بِكَلَامِ آحَادِ الْعُلَمَاءِ  كَمَالِكِ  وَالشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَد  وَأَبِي حَنِيفَةَ  : لَفَسَدَ الْعِلْمُ  بِذَلِكَ  وَلَكَانَ مَلْبُوسًا عَلَيْهِمْ  فَكَيْفَ إذَا فُعِلَ  هَذَا بِكَلَامِ  رَبِّ الْعَالَمِينَ .  وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ أَلْحَدُوا  فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ وَمَنْ شَارَكَهُمْ  فِي بَعْضِ  ذَلِكَ . مِثْلَ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : " الْوَاحِدُ " الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ : لَا يَنْقَسِمُ أَيْ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ وَيَقُولُ لَا تَقُومُ  بِهِ صِفَةٌ .  ثُمَّ زَعَمُوا  أَنَّ  الْأَحَدَ وَالْوَاحِدَ  فِي الْقُرْآنِ   يُرَادُ  بِهِ  هَذَا . وَمَعْلُومٌ  أَنَّ كُلَّ مَا  فِي الْقُرْآنِ  مِنْ اسْمِ الْوَاحِدِ وَالْأَحَدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {  وَإِنْ  كَانَتْ  وَاحِدَةً  فَلَهَا النِّصْفُ   }  وَقَوْلِهِ :   {  قَالَتْ إحْدَاهُمَا يَا  أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ   }  وَقَوْلِهِ :   {   وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ   }  وَقَوْلِهِ :   {  وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ   }  وَقَوْلِهِ :   {   ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ  وَحِيدًا   }  وَأَمْثَالِ  ذَلِكَ يُنَاقِضُ مَا ذَكَرُوهُ  فَإِنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ أُطْلِقَتْ  عَلَى قَائِمٍ بِنَفْسِهِ  مُشَارٍ إلَيْهِ يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ .  وَهَذَا الَّذِي يُسَمُّونَهُ  فِي اصْطِلَاحِهِمْ جِسْمًا . وَكَذَلِكَ إذَا  قَالُوا : الْمَوْصُوفَاتُ تَتَمَاثَلُ وَالْأَجْسَامُ تَتَمَاثَلُ وَالْجَوَاهِرُ تَتَمَاثَلُ وَأَرَادُوا أَنْ يَسْتَدِلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {   لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ   }  عَلَى نَفْيِ مُسَمَّى هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي سَمَّوْهَا بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ  فِي اصْطِلَاحِهِمْ الْحَادِثِ  كَانَ  هَذَا  افْتِرَاءً  عَلَى الْقُرْآنِ ;  فَإِنَّ  هَذَا لَيْسَ هُوَ الْمَثَلُ  فِي لُغَةِ   الْعَرَبِ  ; وَلَا لُغَةِ الْقُرْآنِ وَلَا غَيْرِهِمَا .  قَالَ تَعَالَى :   {  وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ  ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ   }  .  فَنَفَى  مُمَاثَلَةَ هَؤُلَاءِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ  فِي الْإِنْسَانِيَّةِ  فَكَيْفَ  يُقَالُ : إنَّ لُغَةَ   الْعَرَبِ  تُوجِبُ  أَنَّ كُلَّ مَا يُشَارُ إلَيْهِ مِثْلُ كُلِّ مَا يُشَارُ إلَيْهِ . وَقَالَ تَعَالَى :   {   أَلَمْ تَرَ  كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ  بِعَادٍ   }   {   إرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ   }   {   الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا  فِي الْبِلَادِ   }  فَأَخْبَرَ  أَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا  فِي الْبِلَادِ  وَكِلَاهُمَا بَلَدٌ ;  فَكَيْفَ  يُقَالُ إنَّ كُلَّ جِسْمٍ فَهُوَ مِثْلٌ لِكُلِّ جِسْمٍ  فِي لُغَةِ   الْعَرَبِ  حَتَّى يُحْمَلَ  عَلَى  ذَلِكَ قَوْلُهُ :   {   لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ   }  . وَقَدْ  قَالَ الشَّاعِرُ :  لَيْسَ كَمِثْلِ الْفَتَى زُهَيْرٌ  وَقَالَ :  مَا إنْ كَمِثْلِهِمْ  فِي النَّاسِ  مِنْ بَشَرٍ  وَلَمْ يَقْصِدْ  هَذَا أَنْ يَنْفِيَ وُجُودَ جِسْمٍ  مِنْ الْأَجْسَامِ . وَكَذَلِكَ لَفْظُ " التَّشَابُهِ " لَيْسَ هُوَ التَّمَاثُلَ  فِي اللُّغَةِ  قَالَ تَعَالَى : {  وَأُتُوا  بِهِ مُتَشَابِهًا   }  وَقَالَ تَعَالَى   {   مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ   }  وَلَمْ يُرِدْ  بِهِ شَيْئًا هُوَ مُمَاثِلٌ  فِي اللُّغَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا كَوْنَ الْجَوَاهِرِ مُتَمَاثِلَةً  فِي الْعَقْلِ أَوْ لَيْسَتْ مُتَمَاثِلَةً ;  فَإِنَّ  هَذَا مَبْسُوطٌ  فِي مَوْضِعِهِ ; بَلْ الْمُرَادُ  أَنَّ   أَهْلَ اللُّغَةِ  الَّتِي بِهَا  نَزَلَ الْقُرْآنُ لَا يَجْعَلُونَ مُجَرَّدَ  هَذَا مُوجِبًا لِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمِثْلِ ; وَلَا يَجْعَلُونَ نَفْيَ الْمِثْلِ نَفْيًا لِهَذَا فَحَمْلُ الْقُرْآنِ  عَلَى  ذَلِكَ كَذِبٌ  عَلَى الْقُرْآنِ .