سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ  قَالَ  السَّائِلُ : الْمَسْئُولُ  مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ  وَالسَّادَةِ الْأَعْلَامِ -  أَحْسَنَ اللَّهُ ثَوَابَهُمْ  وَأَكْرَمَ نُزُلَهُمْ وَمَآبَهُمْ - أَنْ يَرْفَعُوا حِجَابَ الْإِجْمَالِ وَيَكْشِفُوا قِنَاعَ الْإِشْكَالِ عَنْ " مُقَدِّمَةِ " جَمِيعِ أَرْبَابِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ مُتَّفِقُونَ عَلَيْهَا وَمُسْتَنِدُونَ  فِي آرَائِهِمْ إلَيْهَا ;  حَاشَا مُكَابِرًا مِنْهُمْ مُعَانِدًا وَكَافِرًا بِرُبُوبِيَّةِ اللَّهِ جَاحِدًا .  وَهِيَ أَنْ   يُقَالَ : " هَذِهِ صِفَةُ  كَمَالٍ فَيَجِبُ لِلَّهِ إثْبَاتُهَا وَهَذِهِ صِفَةُ نَقْصٍ فَيَتَعَيَّنُ انْتِفَاؤُهَا "  لَكِنَّهُمْ  فِي تَحْقِيقِ مَنَاطِهَا  فِي أَفْرَادِ الصِّفَاتِ مُتَنَازِعُونَ  وَفِي تَعْيِينِ الصِّفَاتِ  لِأَجْلِ الْقِسْمَيْنِ مُخْتَلِفُونَ  .    فَأَهْلُ السُّنَّةِ  " يَقُولُونَ : إثْبَاتُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِهَا  مِنْ " الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ " كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْغَضَبِ وَالرِّضَا وَ " الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ " - كَالضَّحِكِ وَالنُّزُولِ وَالِاسْتِوَاءِ - صِفَاتُ  كَمَالٍ وَأَضْدَادُهَا صِفَاتُ نُقْصَانٍ .    وَالْفَلَاسِفَةُ  " تَقُولُ : اتِّصَافُهُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ إنْ  أَوْجَبَ لَهُ كَمَالًا فَقَدْ اسْتَكْمَلَ بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ نَاقِصًا بِذَاتِهِ  وَإِنْ  أَوْجَبَ لَهُ نَقْصًا لَمْ يَجُزْ اتِّصَافُهُ بِهَا .     وَالْمُعْتَزِلَةُ  " يَقُولُونَ : لَوْ  قَامَتْ بِذَاتِهِ صِفَاتٌ وُجُودِيَّةٌ  لَكَانَ مُفْتَقِرًا إلَيْهَا وَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ إلَيْهِ فَيَكُونُ الرَّبُّ مُفْتَقِرًا إلَى غَيْرِهِ ;  وَلِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَقُومُ إلَّا بِجِسْمِ . وَالْجِسْمُ مُرَكَّبٌ وَالْمُرَكَّبُ مُمْكِنٌ  مُحْتَاجٌ  وَذَلِكَ عَيْنُ النَّقْصِ  . وَيَقُولُونَ أَيْضًا : لَوْ قَدَّرَ  عَلَى الْعِبَادِ أَعْمَالَهُمْ وَعَاقَبَهُمْ عَلَيْهَا :  كَانَ ظَالِمًا  وَذَلِكَ نَقْصٌ . وَخُصُومُهُمْ يَقُولُونَ : لَوْ  كَانَ  فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُهُ  لَكَانَ نَاقِصًا .     والكلابية  وَمَنْ تَبِعَهُمْ "  يَنْفُونَ صِفَاتِ أَفْعَالِهِ وَيَقُولُونَ : لَوْ  قَامَتْ  بِهِ  لَكَانَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ . وَالْحَادِثُ إنْ  أَوْجَبَ لَهُ كَمَالًا فَقَدْ  عَدِمَهُ قَبْلَهُ وَهُوَ نَقْصٌ  وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ لَهُ كَمَالًا لَمْ يَجُزْ وَصْفُهُ  بِهِ .    وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ  يَنْفُونَ صِفَاتِهِ الْخَبَرِيَّةَ لِاسْتِلْزَامِهَا التَّرْكِيبَ الْمُسْتَلْزِمَ لِلْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ . وَهَكَذَا نَفْيُهُمْ أَيْضًا لِمَحَبَّتِهِ  لِأَنَّهَا مُنَاسِبَةٌ بَيْنَ الْمُحِبِّ وَالْمَحْبُوبِ  وَمُنَاسَبَةُ الرَّبِّ لِلْخَلْقِ نَقْصٌ :  وَكَذَا رَحْمَتُهُ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ رِقَّةٌ تَكُونُ  فِي الرَّاحِمِ وَهِيَ ضَعْفٌ وَخَوَرٌ  فِي الطَّبِيعَةِ وَتَأَلُّمٌ  عَلَى الْمَرْحُومِ وَهُوَ نَقْصٌ  .  وَكَذَا غَضَبُهُ لِأَنَّ الْغَضَبَ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ طَلَبًا لِلِانْتِقَامِ .  وَكَذَا نَفْيُهُمْ لِضَحِكِهِ وَتَعَجُّبِهِ لِأَنَّ الضَّحِكَ خِفَّةُ رُوحٍ تَكُونُ لِتَجَدُّدِ مَا يَسُرُّ وَانْدِفَاعِ مَا يَضُرُّ . وَالتَّعَجُّبُ اسْتِعْظَامٌ لِلْمُتَعَجَّبِ مِنْهُ . وَ " مُنْكِرُو النُّبُوَّاتِ " يَقُولُونَ : لَيْسَ الْخَلْقُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهِمْ رَسُولًا  كَمَا  أَنَّ أَطْرَافَ النَّاسِ لَيْسُوا أَهْلًا أَنْ يُرْسِلَ  السُّلْطَانُ إلَيْهِمْ رَسُولًا .  وَ " الْمُشْرِكُونَ " يَقُولُونَ : عَظَمَةُ الرَّبِّ وَجَلَالُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُتَقَرَّبَ إلَيْهِ إلَّا بِوَاسِطَةِ وَحِجَابٍ فَالتَّقَرُّبُ إلَيْهِ  ابْتِدَاءٌ  مِنْ غَيْرِ شِفَاءٍ وَوَسَائِطُ غَضٍّ  مِنْ جَنَابِهِ الرَّفِيعِ . هَذَا  وَإِنَّ  الْقَائِلِينَ بِهَذِهِ " الْمُقَدِّمَةِ " لَا يَقُولُونَ بِمُقْتَضَاهَا وَلَا يَطْرُدُونَهَا فَلَوْ  قِيلَ  لَهُمْ : أَيُّمَا أَكْمَلُ ؟ ذَاتٌ تُوصَفُ  بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِدْرَاكَاتِ :  مِنْ الشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ أَمْ ذَاتٌ لَا تُوصَفُ بِهَا كُلِّهَا ؟  لَقَالُوا  الْأُولَى أَكْمَلُ وَلَمْ يَصِفُوا بِهَا كُلِّهَا الْخَالِقَ .  وَ ( بِالْجُمْلَةِ فَالْكَمَالُ وَالنَّقْصُ  مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ وَالْمَعَانِي الْإِضَافِيَّةِ فَقَدْ تَكُونُ الصِّفَةُ كَمَالًا لِذَاتٍ وَنَقْصًا لِأُخْرَى  وَهَذَا نَحْوُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنِّكَاحِ : كَمَالٌ لِلْمَخْلُوقِ نَقْصٌ لِلْخَالِقِ  وَكَذَا التَّعَاظُمُ وَالتَّكَبُّرُ وَالثَّنَاءُ  عَلَى النَّفْسِ : كَمَالٌ لِلْخَالِقِ نَقْصٌ لِلْمَخْلُوقِ وَإِذَا  كَانَ الْأَمْرُ  كَذَلِكَ  فَلَعَلَّ مَا تَذْكُرُونَهُ  مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ إنَّمَا يَكُونُ كَمَالًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّاهِدِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ  يَكُونَ كَمَالًا لِلْغَائِبِ  كَمَا بُيِّنَ ; لَا سِيَّمَا مَعَ تَبَايُنِ الذَّاتَيْنِ . وَإِنْ قُلْتُمْ :  نَحْنُ نَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ مُتَعَلَّقِ الصِّفَةِ وَنَنْظُرُ  فِيهَا هَلْ هِيَ كَمَالٌ أَوْ نَقْصٌ ؟  فَلِذَلِكَ نُحِيلُ الْحُكْمَ عَلَيْهَا بِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ كَمَالًا لِذَاتٍ نَقْصًا لِأُخْرَى  عَلَى مَا  ذَكَرَ . وَهَذَا  مِنْ الْعَجَبِ  أَنَّ " مُقَدِّمَةً "  وَقَعَ عَلَيْهَا الْإِجْمَاعُ هِيَ مَنْشَأُ الِاخْتِلَافِ وَالنِّزَاعِ  فَرَضِيَ اللَّهُ عَمَّنْ بَيَّنَ لَنَا بَيَانًا يَشْفِي الْعَلِيلَ وَيَجْمَعُ بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ وَإِيضَاحِ الدَّلِيلِ إنَّهُ تَعَالَى سَمِيعُ الدُّعَاءِ وَأَهْلُ الرَّجَاءِ وَهُوَ حَسَبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . 
				
				
				 فَصْلٌ :  وَأَمَّا   قَوْلُ  الْقَائِلِ : " لَوْ  كَانَ  فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُهُ  لَكَانَ نَقْصًا "  .   وَقَوْلُ الْآخَرِ : " لَوْ  قَدَرَ وَعَذَّبَ  لَكَانَ ظُلْمًا وَالظُّلْمُ نَقْصٌ "  .  فَيُقَالُ :  أَمَّا الْمَقَالَةُ  الْأُولَى فَظَاهِرَةٌ : فَإِنَّهُ  إذَا قُدِّرَ  أَنَّهُ يَكُونُ  فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُهُ وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ; وَمَا لَا يَخْلُقُهُ وَلَا يُحْدِثُهُ  لَكَانَ نَقْصًا  مِنْ وُجُوهٍ : ( أَحَدُهَا  أَنَّ انْفِرَادَ شَيْءٍ  مِنْ الْأَشْيَاءِ عَنْهُ بِالْأَحْدَاثِ نَقْصٌ لَوْ قُدِّرَ  أَنَّهُ  فِي غَيْرِ مُلْكِهِ  فَكَيْفَ  فِي مُلْكِهِ ؟  فَإِنَّا نَعْلَمُ  أَنَّا إذَا فَرَضْنَا اثْنَيْنِ : أَحَدُهُمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ وَالْآخَرُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْضُ الْأَشْيَاءِ وَيَسْتَغْنِي عَنْهُ بَعْضُهَا :  كَانَ الْأَوَّلُ  أَكْمَلَ  فَنَفْسُ خُرُوجِ شَيْءٍ عَنْ قُدْرَتِهِ وَخَلْقِهِ نَقْصٌ وَهَذِهِ دَلَائِلُ الْوَحْدَانِيَّةِ  فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ نَقْصٌ بِكُلِّ  مِنْ الْمُشْتَرِكَيْنِ وَلَيْسَ الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ إلَّا  فِي الْوَحْدَانِيَّةِ . فَإِنَّا نَعْلَمُ  أَنَّ مَنْ  قَدَرَ بِنَفْسِهِ  كَانَ  أَكْمَلَ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى  مُعِينٍ وَمَنْ فَعَلَ الْجَمِيعَ بِنَفْسِهِ فَهُوَ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَهُ مُشَارِكٌ وَمُعَاوِنٌ  عَلَى فِعْلِ الْبَعْضِ وَمَنْ افْتَقَرَ إلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ فَهُوَ أَكْمَلُ مِمَّنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ بَعْضُ الْأَشْيَاءِ . ( وَمِنْهَا أَنْ  يُقَالَ : كَوْنُهُ خَالِقًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَقَادِرًا  عَلَى كُلِّ شَيْءٍ :  أَكْمَلَ  مِنْ كَوْنِهِ خَالِقًا لِلْبَعْضِ وَقَادِرًا  عَلَى الْبَعْضِ .  وَ " الْقَدَرِيَّةُ "  لَا يَجْعَلُونَهُ خَالِقًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَلَا قَادِرًا  عَلَى كُلِّ شَيْءٍ .  وَ " الْمُتَفَلْسِفَةُ "  الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ عِلَّةٌ غائية شَرٌّ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَجْعَلُونَهُ خَالِقًا لِشَيْءِ  مِنْ حَوَادِثِ الْعَالَمِ - لَا لِحَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ وَلَا غَيْرِهَا  مِنْ الْمُتَحَرِّكَاتِ وَلَا خَالِقًا لِمَا يَحْدُثُ بِسَبَبِ  ذَلِكَ وَلَا قَادِرًا  عَلَى شَيْءٍ  مِنْ  ذَلِكَ وَلَا عَالِمًا بِتَفَاصِيلِ  ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ : {   اللَّهُ الَّذِي  خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا  أَنَّ اللَّهَ  عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ  أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا   }  وَهَؤُلَاءِ يَنْظُرُونَ  فِي الْعَالَمِ وَلَا يَعْلَمُونَ  أَنَّ اللَّهَ  عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَلَا  أَنَّ اللَّهَ قَدْ  أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا .  ( وَمِنْهَا  أَنَّا إذَا قَدَّرْنَا مَالِكَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا يُرِيدُ شَيْئًا  فَلَا يَكُونُ وَيَكُونُ مَا لَا يُرِيدُ ( وَالْآخَرُ لَا يُرِيدُ شَيْئًا إلَّا  كَانَ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا يُرِيدُ عَلِمْنَا بِالضَّرُورَةِ  أَنَّ  هَذَا أَكْمَلُ . وَفِي الْجُمْلَةِ قَوْلُ " الْمُثْبِتَةِ لِلْقُدْرَةِ " يَتَضَمَّنُ  أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ  وَأَنَّهُ  عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  وَأَنَّهُ مَا  شَاءَ  كَانَ ; فَيَقْتَضِي كَمَالَ خَلْقِهِ وَقُدْرَتِهِ  وَمَشِيئَتِهِ وَ " نفاة الْقَدَرِ " يَسْلُبُونَهُ هَذِهِ الكمالات . وَأَمَّا قَوْلُهُ : " إنَّ التَّعْذِيبَ  عَلَى الْمُقَدَّرِ ظُلْمٌ مِنْهُ " فَهَذِهِ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ لَيْسَ مَعَهُمْ  فِيهَا إلَّا  قِيَاسُ الرَّبِّ  عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ إنَّ كُلَّ مَا  كَانَ نَقْصًا مِنْ  أَيِّ مَوْجُودٍ  كَانَ : لَزِمَ أَنْ  يَكُونَ نَقْصًا  مِنْ اللَّهِ ; بَلْ وَلَا يَقْبُحُ  هَذَا  مِنْ  الْإِنْسَانِ مُطْلَقًا ; بَلْ إذَا  كَانَ لَهُ مَصْلَحَةٌ  فِي تَعْذِيبِ بَعْضِ الْحَيَوَانِ وَأَنْ يَفْعَلَ  بِهِ مَا  فِيهِ تَعْذِيبٌ لَهُ حَسُنَ  ذَلِكَ مِنْهُ ; كَاَلَّذِي يَصْنَعُ الْقَزَّ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْعَى  فِي  أَنَّ  دُودَ الْقَزِّ يَنْسِجُهُ  ثُمَّ يَسْعَى  فِي أَنْ  يُلْقَى  فِي الشَّمْسِ لِيَحْصُلَ لَهُ الْمَقْصُودُ  مِنْ الْقَزِّ وَهُوَ هُنَا لَهُ سَعْيٌ  فِي حَرَكَةِ الدُّودِ الَّتِي  كَانَتْ سَبَبَ تَعْذِيبِهِ . وَكَذَلِكَ الَّذِي يَسْعَى  فِي أَنْ يَتَوَالَدَ لَهُ مَاشِيَةٌ وَتَبِيضَ لَهُ دَجَاجٌ  ثُمَّ يَذْبَحُ  ذَلِكَ لِيَنْتَفِعَ  بِهِ فَقَدْ تَسَبَّبَ  فِي وُجُودِ  ذَلِكَ الْحَيَوَانِ تَسَبُّبًا  أَفْضَى إلَى عَذَابِهِ ; لِمَصْلَحَةِ لَهُ  فِي  ذَلِكَ . فَفِي " الْجُمْلَةِ " : الْإِنْسَانُ يَحْسُنُ مِنْهُ  إيلَامُ الْحَيَوَانِ لِمَصْلَحَةِ رَاجِحَةٍ  فِي  ذَلِكَ فَلَيْسَ جِنْسُ  هَذَا مَذْمُومًا وَلَا قَبِيحًا وَلَا ظُلْمًا  وَإِنْ  كَانَ  مِنْ  ذَلِكَ مَا هُوَ ظُلْمٌ .  وَحِينَئِذٍ   فَالظُّلْمُ  مِنْ اللَّهِ   إمَّا أَنْ  يُقَالَ : هُوَ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ ;  لِأَنَّ الظُّلْمَ تَصَرُّفُ الْمُتَصَرِّفِ  فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَاَللَّهُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ ; أَوْ الظُّلْمُ  مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ الَّذِي تَجِبُ طَاعَتُهُ ; وَاَللَّهُ تَعَالَى يَمْتَنِعُ مِنْهُ التَّصَرُّفُ  فِي مِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ  مُخَالَفَةُ  أَمْرِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ طَاعَتُهُ .  فَإِذَا  كَانَ الظُّلْمُ لَيْسَ إلَّا  هَذَا أَوْ  هَذَا : امْتَنَعَ الظُّلْمُ مِنْهُ .  وَإِمَّا أَنْ  يُقَالَ : هُوَ مُمْكِنٌ  لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَفْعَلُهُ لِغِنَاهُ وَعِلْمِهِ بِقُبْحِهِ ; وَلِإِخْبَارِهِ  أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ ; وَلِكَمَالِ نَفْسِهِ يَمْتَنِعُ وُقُوعُ الظُّلْمِ مِنْهُ إذْ  كَانَ الْعَدْلُ وَالرَّحْمَةُ  مِنْ  لَوَازِمِ ذَاتِهِ ; فَيَمْتَنِعُ اتِّصَافُهُ بِنَقِيضِ صِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي هِيَ  مِنْ  لَوَازِمِهِ  عَلَى  هَذَا الْقَوْلِ فَاَلَّذِي يَفْعَلُهُ لِحِكْمَةِ اقْتَضَتْ  ذَلِكَ  كَمَا  أَنَّ الَّذِي يَمْتَنِعُ  مِنْ فِعْلِهِ لِحِكْمَةِ تَقْتَضِي تَنْزِيهَهُ عَنْهُ . وَعَلَى  هَذَا فَكُلُّ مَا  فَعَلَهُ عَلِمْنَا  أَنَّ لَهُ  فِيهِ حِكْمَةً ;  وَهَذَا يَكْفِينَا  مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ  وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ التَّفْصِيلَ وَعَدَمُ عِلْمِنَا بِتَفْصِيلِ حِكْمَتِهِ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ عِلْمِنَا بِكَيْفِيَّةِ ذَاتِهِ ;  وَكَمَا  أَنَّ ثُبُوتَ صِفَاتِ الْكَمَالِ لَهُ مَعْلُومٌ لَنَا  وَأَمَّا  كُنْهُ ذَاتِهِ فَغَيْرُ مَعْلُومَةٍ لَنَا  فَلَا نُكَذِّبُ بِمَا عَلِمْنَاهُ مَا لَمْ نَعْلَمْهُ . وَكَذَلِكَ  نَحْنُ نَعْلَمُ  أَنَّهُ " حَكِيمٌ " فِيمَا يَفْعَلُهُ وَيَأْمُرُ  بِهِ وَعَدَمُ عِلْمِنَا بِالْحِكْمَةِ  فِي بَعْضِ الْجُزْئِيَّاتِ لَا يَقْدَحُ فِيمَا عَلِمْنَاهُ  مِنْ  أَصْلِ حِكْمَتِهِ ;  فَلَا نُكَذِّبُ بِمَا عَلِمْنَاهُ  مِنْ حِكْمَتِهِ مَا لَمْ نَعْلَمْهُ  مِنْ تَفْصِيلِهَا . وَنَحْنُ نَعْلَمُ  أَنَّ مَنْ عَلِمَ حِذْقَ أَهْلِ الْحِسَابِ وَالطِّبِّ وَالنَّحْوِ وَلَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِهِمْ الَّتِي اسْتَحَقُّوا بِهَا أَنْ يَكُونُوا  مِنْ أَهْلِ الْحِسَابِ وَالطِّبِّ وَالنَّحْوِ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقْدَحَ فِيمَا  قَالُوهُ ; لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِتَوْجِيهِهِ .  وَالْعِبَادُ  أَبْعَدُ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ  فِي خَلْقِهِ  مِنْ مَعْرِفَةِ عَوَامِّهِمْ بِالْحِسَابِ وَالطِّبِّ وَالنَّحْوِ فَاعْتِرَاضُهُمْ  عَلَى حِكْمَتِهِ أَعْظَمُ جَهْلًا وَتَكَلُّفًا لِلْقَوْلِ  بِلَا عِلْمٍ  مِنْ الْعَامِّيِّ الْمَحْضِ إذَا  قَدَحَ  فِي الْحِسَابِ وَالطِّبِّ وَالنَّحْوِ بِغَيْرِ عِلْمٍ بِشَيْءِ  مِنْ  ذَلِكَ . وَهَذَا يَتَبَيَّنُ بِالْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ  فِي الْكَمَالِ وَهُوَ قَوْلُنَا : إنَّ الْكَمَالَ الَّذِي لَا  نَقْصَ  فِيهِ لِلْمُمْكِنِ الْوُجُودَ يَجِبُ اتِّصَافُهُ  بِهِ وَتَنْزِيهُهُ  عَمَّا يُنَاقِضُهُ  فَيُقَالُ : خَلْقُ بَعْضِ الْحَيَوَانِ وَفِعْلُهُ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لِعَذَابِهِ هَلْ هُوَ نَقْصٌ مُطْلَقًا أَمْ يَخْتَلِفُ ؟ .  وَأَيْضًا فَإِذَا  كَانَ  فِي خَلْقِ  ذَلِكَ حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ لَا تَحْصُلُ إلَّا  بِذَلِكَ فَأَيُّمَا أَكْمَلُ تَحْصِيلُ  ذَلِكَ بِتِلْكَ الْحِكْمَةِ الْعَظِيمَةِ أَوْ تَفْوِيتُهَا ؟ وَأَيْضًا فَهَلْ يُمْكِنُ حُصُولُ الْحِكْمَةِ الْمَطْلُوبَةِ بِدُونِ حُصُولِ  هَذَا ؟ فَهَذِهِ أُمُورٌ إذَا تَدَبَّرَهَا الْإِنْسَانُ ; عَلِمَ  أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ  يَقُولَ خَلْقُ فِعْلِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لِتَعْذِيبِهِ نَقْصٌ مُطْلَقًا  . وَ " الْمُثْبِتَةُ لِلْقَدَرِ " قَدْ تُجِيبُ بِجَوَابِ آخَرَ ; لَكِنْ يُنَازِعُهُمْ الْجُمْهُورُ  فِيهِ . فَيَقُولُونَ : كَوْنُهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيُحْكِمُ مَا يُرِيدُ صِفَةَ  كَمَالٍ بِخِلَافِ الَّذِي يَكُونُ مَأْمُورًا مَنْهِيًّا الَّذِي يُؤْمَرُ بِشَيْءِ وَيُنْهَى عَنْ شَيْءٍ . وَيَقُولُونَ إنَّمَا قَبُحَ  مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا  شَاءَ لِمَا يَلْحَقُهُ  مِنْ الضَّرَرِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ . وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ : إذَا قَدَّرْنَا مَنْ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ  بِلَا حِكْمَةٍ مَحْبُوبَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ وَلَا رَحْمَةٍ وَإِحْسَانٍ يَعُودُ إلَى غَيْرِهِ :  كَانَ الَّذِي يَفْعَلُ لِحِكْمَةِ وَرَحْمَةٍ  أَكْمَل مِمَّنْ يَفْعَلُ لَا لِحِكْمَةِ وَلَا لِرَحْمَةِ .  وَيَقُولُونَ : إذَا قَدَّرْنَا مُرِيدًا لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ مُرَادِهِ وَمُرَادِ غَيْرِهِ . وَمُرِيدًا يُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا ; فَيُرِيدُ مَا يَصْلُحُ أَنْ  يُرَادَ وَيَنْبَغِي أَنْ  يُرَادَ ;  دُونَ مَا هُوَ بِالضِّدِّ :  كَانَ  هَذَا الثَّانِي  أَكْمَلَ .  وَيَقُولُونَ : الْمَأْمُورُ الْمَنْهِيُّ الَّذِي فَوْقَهُ آمِرٌ  نَاهٍ هُوَ نَاقِصٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَيْسَ فَوْقَهُ آمِرٌ  نَاهٍ لَكِنْ إذَا  كَانَ هُوَ الْآمِرَ لِنَفْسِهِ بِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ وَالْمُحَرِّمَ عَلَيْهَا مَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ وَآخَرُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُهُ بِدُونِ أَمْرٍ وَنَهْيٍ  مِنْ نَفْسِهِ  فَهَذَا الْمُلْتَزِمُ  لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ - الْوَاقِعَيْنِ  عَلَى وَجْهِ الْحِكْمَةِ -  أَكْمَل  مِنْ  ذَلِكَ ; وَقَدْ  قَالَ تَعَالَى {   كَتَبَ رَبُّكُمْ  عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ   }  وَقَالَ :   {   يَا  عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ  عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا  فَلَا  تظالموا   }  .  وَقَالُوا أَيْضًا : إذَا  قِيلَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ  عَلَى وَجْهِ بَيَانِ قُدْرَتِهِ  وَأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ وَلَا يَقْدِرُ غَيْرُهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مُرَادَهُ وَلَا أَنْ يَجْعَلَهُ مُرِيدًا  كَانَ  هَذَا  أَكْمَلَ مِمَّنْ لَهُ مَانِعٌ يَمْنَعُهُ مُرَادَهُ  وَمُعِينٌ لَا يَكُونُ مُرِيدًا أَوْ فَاعِلًا لِمَا يُرِيدُ إلَّا  بِهِ .  وَأَمَّا إذَا  قِيلَ : يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ بِاعْتِبَارِ  أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ  عَلَى وَجْهِ مُقْتَضَى الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ ; بَلْ هُوَ ( مُتَسَفِّهٌ فِيمَا يَفْعَلُهُ وَآخَرُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ;  لَكِنَّ إرَادَتَهُ  مَقْرُونَةٌ بِالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ ;  كَانَ  هَذَا الثَّانِي  أَكْمَلَ . وَ ( جِمَاعُ الْأَمْرِ  فِي  ذَلِكَ :  أَنَّ كَمَالَ الْقُدْرَةِ صِفَةُ  كَمَالٍ وَكَوْنُ الْإِرَادَةِ نَافِذَةً لَا تَحْتَاجُ إلَى مُعَاوِنٍ وَلَا يُعَارِضُهَا مَانِعٌ وَصْفُ  كَمَالٍ .  وَأَمَّا كَوْنُ " الْإِرَادَةِ " لَا تُمَيِّزُ بَيْنَ  مُرَادٍ  وَمُرَادٍ بَلْ جَمِيعُ الْأَجْنَاسِ عِنْدَهَا  سَوَاءٌ  فَهَذَا لَيْسَ بِوَصْفِ  كَمَالٍ ; بَلْ الْإِرَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ بَيْنَ  مُرَادٍ  وَمُرَادٍ -  كَمَا يَقْتَضِيهِ الْعِلْمُ وَالْحِكْمَةُ - هِيَ الْمَوْصُوفَةُ بِالْكَمَالِ فَمَنْ نَقَصَهُ  فِي قُدْرَتِهِ وَخَلْقِهِ  وَمَشِيئَتِهِ فَلَمْ يُقَدِّرْهُ قَدْرَهُ . وَمَنْ نَقَصَهُ  مِنْ حِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ فَلَمْ يُقَدِّرْهُ  حَقَّ قَدْرِهِ . وَالْكَمَالُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ إثْبَاتُ  هَذَا  وَهَذَا .