وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد بْنُ تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّا يَقَعُ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ قَوْلِهِمْ : هَذَا خِلَافُ الْقِيَاسِ لِمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَوْ قَوْلِ الصَّحَابَةِ أَوْ بَعْضِهِمْ وَرُبَّمَا كَانَ حُكْمًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ : تَطْهِيرُ الْمَاءِ إذَا وَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ خِلَافُ الْقِيَاسِ بَلْ وَتَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالتَّوَضُّؤُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْفِطْرُ بِالْحِجَامَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالسَّلَمُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْإِجَارَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْقَرْضُ وَصِحَّةُ صَوْمِ الْمُفْطِرِ نَاسِيًا وَالْمُضِيُّ فِي الْحَجِّ الْفَاسِدِ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ : فَهَلْ هَذَا الْقَوْلُ صَوَابٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يُعَارِضُ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ النَّصَّ أَمْ لَا ؟
فَصْلٌ وَمَنْ قَالَ : الْقَرْضُ خِلَافُ الْقِيَاسِ قَالَ : لِأَنَّهُ بَيْعُ رِبَوِيٍّ بِجِنْسِهِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ . وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ الْقَرْضَ مِنْ جِنْسِ التَّبَرُّعِ بِالْمَنَافِعِ كَالْعَارِيَةِ وَلِهَذَا { سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِيحَةً فَقَالَ : أَوْ مَنِيحَةُ ذَهَبٍ أَوْ مَنِيحَةُ وَرِقٍ } وَبَابُ الْعَارِيَةِ أَصْلُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَصْلَ الْمَالِ لِيَنْتَفِعَ بِمَا يَسْتَخْلِفُ مِنْهُ ثُمَّ يُعِيدَهُ إلَيْهِ فَتَارَةً يَنْتَفِعُ بِالْمَنَافِعِ كَمَا فِي عَارِيَةِ الْعَقَارِ وَتَارَةً يَمْنَحُهُ مَاشِيَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا ثُمَّ يُعِيدَهَا وَتَارَةً يُعِيرَهُ شَجَرَةً لِيَأْكُلَ ثَمَرَهَا ثُمَّ يُعِيدَهَا فَإِنَّ اللَّبَنَ وَالثَّمَرَ يُسْتَخْلَفُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الْمَنَافِعِ وَلِهَذَا كَانَ فِي الْوَقْفِ يَجْرِي مَجْرَى الْمَنَافِعِ وَالْمُقْرِضُ يُقْرِضُهُ مَا يُقْرِضُهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ ثُمَّ يُعِيدَ لَهُ بِمِثْلِهِ فَإِنَّ إعَادَةَ الْمِثْلِ تَقُومُ مَقَامَ إعَادَةِ الْعَيْنِ وَلِهَذَا نُهِيَ أَنْ يَشْتَرِطَ زِيَادَةً عَلَى الْمِثْلِ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْعَارِيَةِ أَنْ يَرُدَّ مَعَ الْأَصْلِ غَيْرَهُ . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْبَيْعِ فَإِنَّ عَاقِلًا لَا يَبِيعُ دِرْهَمًا بِمِثْلِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلَى أَجَلٍ وَلَا يُبَاعُ الشَّيْءُ بِجِنْسِهِ إلَى أَجَلٍ إلَّا مَعَ اخْتِلَافِ الصِّفَةِ أَوْ الْقَدْرِ كَمَا يُبَاعُ نَقْدٌ بِنَقْدِ آخَرَ وَصَحِيحٌ بِمَكْسُورِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ فِي الْقَرْضِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُقْرِضِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ السَّفْتَجَةِ وَلِهَذَا كَرِهَهَا مَنْ كَرِهَهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ لِأَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَنْتَفِعُ بِهَا أَيْضًا فَفِيهَا مَنْفَعَةٌ لَهُمَا جَمِيعًا إذَا أَقْرَضَهُ .