وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد بْنُ تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّا يَقَعُ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ قَوْلِهِمْ : هَذَا خِلَافُ الْقِيَاسِ لِمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَوْ قَوْلِ الصَّحَابَةِ أَوْ بَعْضِهِمْ وَرُبَّمَا كَانَ حُكْمًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ : تَطْهِيرُ الْمَاءِ إذَا وَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ خِلَافُ الْقِيَاسِ بَلْ وَتَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالتَّوَضُّؤُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْفِطْرُ بِالْحِجَامَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالسَّلَمُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْإِجَارَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْقَرْضُ وَصِحَّةُ صَوْمِ الْمُفْطِرِ نَاسِيًا وَالْمُضِيُّ فِي الْحَجِّ الْفَاسِدِ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ : فَهَلْ هَذَا الْقَوْلُ صَوَابٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يُعَارِضُ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ النَّصَّ أَمْ لَا ؟
فَصْلٌ وَأَمَّا الْحِجَامَةُ فَإِنَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْفِطْرَ مِنْهَا مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْفِطْرَ مِمَّا خَرَجَ لَا مِمَّا دَخَلَ وَهَؤُلَاءِ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ الْقَيْءُ وَالِاحْتِلَامُ وَدَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ . وَأَمَّا مَنْ تَدَبَّرَ أُصُولَ الشَّرْعِ وَمَقَاصِدَهُ فَإِنَّهُ رَأَى الشَّارِعَ لَمَّا أَمَرَ بِالصَّوْمِ أَمَرَ فِيهِ بِالِاعْتِدَالِ حَتَّى كَرِهَ الْوِصَالَ وَأَمَرَ بِتَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرِ السُّحُورِ وَجَعَلَ أَعْدَلَ الصِّيَامِ وَأَفْضَلَهُ صِيَامَ داود وَكَانَ مِنْ الْعَدْلِ أَنْ لَا يُخْرِجَ مِنْ الْإِنْسَانِ مَا هُوَ قِيَامُ قُوَّتِهِ فَالْقَيْءُ يُخْرِجُ الْغِذَاءَ وَالِاسْتِمْنَاءُ يُخْرِجُ الْمَنِيَّ وَالْحَيْضُ يُخْرِجُ الدَّمَ وَبِهَذِهِ الْأُمُورِ قِوَامُ الْبَدَنِ لَكِنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَمَا لَا يُمْكِنُ فَالِاحْتِلَامُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَكَذَا دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ بِخِلَافِ دَمِ الْحَيْضِ فَإِنَّ لَهُ وَقْتًا مُعَيَّنًا فَالْمُحْتَجِمُ أَخْرَجَ دَمَهُ وَكَذَلِكَ الْمُفْتَصِدُ بِخِلَافِ مَنْ خَرَجَ دَمُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَالْمَجْرُوحِ فَإِنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَكَانَتْ الْحِجَامَةُ مِنْ جِنْسِ الْقَيْءِ وَالِاسْتِمْنَاءِ وَالْحَيْضِ وَكَانَ خُرُوجُ دَمِ الْجُرْحِ مِنْ جِنْسِ الِاسْتِحَاضَةِ وَالِاحْتِلَامِ وَذَرْعِ الْقَيْءِ فَقَدْ تَنَاسَبَتْ الشَّرِيعَةُ وَتَشَابَهَتْ وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ الْقِيَاسِ . وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِالْكُحْلِ وَلَا بِالتَّقْطِيرِ فِي الْإِحْلِيلِ وَلَا بِابْتِلَاعِ مَا لَا يُغَذِّي كَالْحَصَاةِ وَلَكِنْ يُفْطِرُ بِالسَّعُوطِ لِقَوْلِهِ : { وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا } .