وَسُئِلَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَيُّمَا أَفْضَلُ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ : الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ؟ أَوْ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ لِيَعْتَمِرَ مِنْهُ وَيَعُودَ ؟ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ الطَّوَافُ بَدَلَ ذَلِكَ ؟ وَكَذَلِكَ كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ : هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ ؟ وَهَلْ فِي اعْتِمَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَفِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مُسْتَنَدٌ لِمَنْ يَعْتَمِرُ مِنْ مَكَّةَ كَمَا فِي أَمْرِهِ لِعَائِشَةَ أَنْ تَعْتَمِرَ مَنْ التَّنْعِيمِ ؟ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً } هَلْ هِيَ عُمْرَةُ الْأُفُقِيِّ ؟ أَوْ تَتَنَاوَلُ الْمَكِّيَّ الَّذِي يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ لِيَعْتَمِرَ فِي رَمَضَانَ ؟
وَأَمَّا مَنْ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ . ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِصْرِهِ ثُمَّ قَدِمَ ثَانِيًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَتَمَتَّعَ بِعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَهَذَا أَفْضَلُ مِمَّنْ اقْتَصَرَ عَلَى مُجَرَّدِ الْحَجِّ فِي سَفْرَتِهِ الثَّانِيَةِ إذَا اعْتَمَرَ مَعَهَا عَقِيبَ الْحَجِّ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ مَعَ الْحَجِّ تَمَتُّعًا هُوَ قِرَانٌ كَمَا بَيَّنُوا وَلِأَنَّ مَنْ تَحْصُلُ لَهُ عُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ وَعُمْرَةٌ مَعَ حَجَّةٍ أَفْضَلِ مِمَّنْ لَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ وَعُمْرَةُ تَمَتُّعٍ أَفْضَلُ مِنْ عُمْرَةٍ مَكِّيَّةٍ عَقِيبَ الْحَجِّ . فَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ عُمَرُ لِلنَّاسِ هُوَ الِاخْتِيَارُ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ : كَالْإِمَامِ أَحْمَد وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ . وَلَا يُعْرَفُ فِي اخْتِيَارِ ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ . وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْأَفْضَلَ الْأَرْجَحَ وَكَانَ إنْ لَمْ يُؤْمَرْ النَّاسُ بِهِ زَهِدُوا فِيهِ وَأَعْرَضُوا عَمَّا هُوَ أَنْفَعُ لَهُمْ فِي دِينِهِمْ كَانَ مِنْ اجْتِهَادِ عُمَرُ وَنَظَرِهِ لِرَعِيَّتِهِ أَنَّهُ أَلْزَمَهُمْ بِذَلِكَ كَمَا يُلْزِمُ الْأَبُ الشَّفِيقُ وَلَدَهُ مَا هُوَ أَصْلَحُ لَهُ وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَهَذَا كَانَ مَوْضِعَ اجْتِهَادٍ خَالَفَهُ فِيهِ عَلِيٌّ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَرَوْا أَنْ يُؤْمَرَ النَّاسُ بِذَلِكَ أَمْرًا بَلْ يُتْرَكُونَ مَنْ أَحَبَّ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَمَنْ أَحَبَّ اعْتَمَرَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَكْمَلَ . وَقَوِيَ النِّزَاعُ فِي ذَلِكَ فِي " خِلَافَةِ عُثْمَانُ حَتَّى ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عُثْمَانُ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ فَلَمَّا رَآهُ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا وَقَالَ : لَمْ أَكُنْ لِأَدَعَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ أَحَدٍ وَنَهْيُ عُثْمَانُ كَانَ لِاخْتِيَارِ الْأَفْضَلِ لَا نَهْيَ كَرَاهَةٍ . فَلَمَّا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَ الْأُمَّةِ بِمَقْتَلِ عُثْمَانَ وَمَصِيرِ النَّاسِ شِيعَتَيْنِ : قَوْمًا يَمِيلُونَ إلَى عُثْمَانَ وَشِيعَتِهِ وَقَوْمًا يَمِيلُونَ إلَى عَلِيٍّ وَشِيعَتِهِ صَارَ قَوْمٌ مِنْ وُلَاةِ بَنِي أُمَيَّةَ يَنْهَوْنَ عَنْ الْمُتْعَةِ وَيُعَاقِبُونَ مَنْ يَتَمَتَّعُ وَلَا يُمَكِّنُونَ أَحَدًا مِنْ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَانَ فِي ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ . فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا جَعَلُوا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْمُتْعَةِ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَيُخْبِرُونَ النَّاسَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أَمَرَ بِهَا أَصْحَابَهُ فِي " حَجَّةِ الْوَدَاعِ " فَصَارَ بَعْضُ النَّاسِ يُنَاظِرُهُمْ بِمَا تَوَهَّمَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَيَقُولُونَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : إنَّ أَبَاك كَانَ يَنْهَى عَنْهَا فَيَقُولُ : إنَّ أَبِي لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ وَلَا كَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَيْهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ . فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ عُمَرُ قَصَدَ أَمْرَ النَّاسِ بِالْأَفْضَلِ لَا تَحْرِيمَ الْمَفْضُولِ وَعُمَرَ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالِاعْتِمَارِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَوْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ اخْتَارَ لِلنَّاسِ أَنْ يُفْرِدُوا الْحَجَّ فِي أَشْهُرِهِ وَيَعْتَمِرُوا فِيهِ عُمْرَةً مَكِّيَّةً فَهَذَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَلَمْ يَخْتَرْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا وَلَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا وَأَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ . وَقَدْ حَمَلَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ نَهْيَ عُمَرُ عَلَى أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ مُتْعَةِ الْفَسْخِ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ الْفَسْخُ إنَّمَا كَانَ جَائِزًا لِمَنْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَبَيِّنٌ أَنَّ السَّلَفَ وَالْعُلَمَاءَ تَنَازَعُوا فِي الْفَسْخِ . فَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَكَثِيرٍ مِنْ الظَّاهِرِيَّةِ وَالشِّيعَةِ : يَرَوْنَ أَنَّ الْفَسْخَ وَاجِبٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحُجَّ إلَّا مُتَمَتِّعًا . وَمَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ وَإِنْ جَازَ التَّمَتُّعُ فَلَيْسَ لِمَنْ أَحْرَمَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا أَنْ يَفْسَخَ . وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ . وَمَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ : كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ الْفَسْخَ هُوَ الْأَفْضَلُ وَأَنَّهُ إنْ حَجَّ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا وَلَمْ يَفْسَخْ جَازَ . وَأَمَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلَا يَفْسَخُ بِلَا نِزَاعٍ وَالْفَسْخُ جَائِزٍ مَا لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ وَسَوَاءٌ كَانَ قَدْ نَوَى عِنْدَ الطَّوَافِ طَوَافَ الْقُدُومِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ كَانَ قَدْ نَوَى عِنْدَ الْإِحْرَامِ الْقِرَانَ أَوْ الْإِفْرَادَ أَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا . فَالْأَفْضَلُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ لِكُلِّ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إحْرَامِهِ بِعُمْرَةِ تَمَتُّعٍ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةِ إذَا كَانَ قَصْدُهُ أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا . فَأَمَّا الْفَسْخُ بِعُمْرَةِ مُجَرَّدَةٍ فَلَا يُجَوِّزُهُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلَا لِلَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَحُجَّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَعْتَمِرَ عَقِيبَ ذَلِكَ مِنْ مَكَّةَ بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ الْمُسْتَحَبُّ الْمَسْنُونُ . فَهَذَا أَفْضَلُ مِمَّنْ اقْتَصَرَ عَلَى مُجَرَّدِ الْحَجِّ فِي سَفْرَتِهِ الثَّانِيَةِ أَوْ اعْتَمَرَ فِيهَا . فَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ مَعَ الْحَجِّ عُمْرَةَ تَمَتُّعٍ هُوَ قِرَانٌ كَمَا تَقَدَّمَ . وَلِأَنَّ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ عُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ وَعُمْرَةٌ مَعَ حَجِّهِ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إلَّا عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ وَعُمْرَةُ تَمَتُّعٍ أَفْضَلُ مِنْ عُمْرَةٍ بِمَكَّةَ عَقِيبَ الْحَجِّ إلَى الْحَجِّ وَإِنْ جَوَّزُوهُ . فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا بَيَّنَ لَهُمْ مَعْنَى كَلَامِ عُمَرُ يُنَازِعُونَهُ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ لَهُمْ : فَقَدِّرُوا أَنَّ عُمَرُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ . أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوهُ أَمْ عُمَرُ وَكَذَلِكَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ إذَا بَيَّنَ لَهُمْ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَتُّعِهِ يُعَارِضُونَهُ بِمَا تَوَهَّمُوهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَيَقُولُ لَهُمْ : يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ . أَقُولُ لَكُمْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُونَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ . يُبَيِّنُ لَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُعَارِضَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مَعَ أَنَّ أُولَئِكَ الْمُعَارِضِينَ كَانُوا يُخْطِئُونَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَهُمْ سَوَاءٌ كَانُوا عَلِمُوا حَالَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَمْ أَخْطَئُوا عَلَيْهِمَا لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَدْفَعَ الْمَعْلُومَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ بَلْ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا . وَإِنَّمَا تَنَازَعَ فِيهِ أَهْلُ الْجَهَالَةِ مِنْ الرَّافِضَةِ وَغَالِيَةِ النُّسَّاكِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُ أَحَدُهُمْ فِي بَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ أَوْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ مَعْصُومٌ أَوْ كَالْمَعْصُومِ وَكَانَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُبَالِغُ فِي الْمُتْعَةِ حَتَّى يَجْعَلَهَا وَاجِبَةً وَيَجْعَلَ الْفَسْخَ وَاجِبًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَالشِّيعَةِ وَيَجْعَلُ مَنْ طَافَ وَسَعَى فَقَدْ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَصَارَ مُتَمَتِّعًا سَوَاءٌ قَصَدَ التَّمَتُّعَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ . وَصَارَ إلَى إيجَابِ التَّمَتُّعِ طَائِفَةٌ مِنْ الشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ . وَهَذَا مُنَاقِضَةٌ لِمَنْ نَهَى عَنْهَا وَعَاقَبَ عَلَيْهَا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَغَيْرِهِمْ . وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْفِقْهِ : فَإِنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ هَذَا وَهَذَا وَلَكِنَّ النِّزَاعَ بَيْنَهُمْ فِي الْفَسْخِ وَفِي اسْتِحْبَابِهِ فَمَنْ حَجَّ مُتَمَتِّعًا مِنْ الْمِيقَاتِ أَجْزَأَهُ حَجُّهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فِيهِ نِزَاعٌ سَوَاءٌ أَفْرَدَ أَوْ قَرَنَ أَوْ فَسَخَ إذَا قَدِمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَّا الْقَارِنَ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ فَإِنَّ هَذَا يُجْزِئُهُ أَيْضًا حَجُّهُ بِاتِّفَاقِهِمْ .