وَسُئِلَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَيُّمَا أَفْضَلُ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ : الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ؟ أَوْ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ لِيَعْتَمِرَ مِنْهُ وَيَعُودَ ؟ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ الطَّوَافُ بَدَلَ ذَلِكَ ؟ وَكَذَلِكَ كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ : هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ ؟ وَهَلْ فِي اعْتِمَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَفِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مُسْتَنَدٌ لِمَنْ يَعْتَمِرُ مِنْ مَكَّةَ كَمَا فِي أَمْرِهِ لِعَائِشَةَ أَنْ تَعْتَمِرَ مَنْ التَّنْعِيمِ ؟ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً } هَلْ هِيَ عُمْرَةُ الْأُفُقِيِّ ؟ أَوْ تَتَنَاوَلُ الْمَكِّيَّ الَّذِي يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ لِيَعْتَمِرَ فِي رَمَضَانَ ؟
فَصْلٌ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فَنَقُولُ : فَإِذَا كَانَ قَدْ تَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ السُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ تُكْرَهُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ لِمَنْ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الَّذِي يُوَالِي بَيْنَ الْعُمَرِ مِنْ مَكَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ فَإِنَّهُ يَتَّفِقُ فِي ذَلِكَ مَحْذُورَانِ . أَحَدُهُمَا : كَوْنُ الِاعْتِمَارِ مِنْ مَكَّةَ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ اخْتِيَارِ ذَلِكَ بَدَلَ الطَّوَافِ . وَالثَّانِي : الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْعُمَرِ وَهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ ; بَلْ يَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ مُطْلَقًا فِيمَا أَعْلَمُ لِمَنْ لَمْ يَعْتَضْ عَنْهُ بِالطَّوَافِ وَهُوَ الْأَقْيَسُ فَكَيْفَ بِمَنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَعْتَاضَ عَنْهُ بِالطَّوَافِ بِخِلَافِ كَثْرَةِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مَأْمُورٌ بِهِ لَا سِيَّمَا لِلْقَادِمِينَ . فَإِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ طَوَافَهُمْ بِالْبَيْتِ أَفْضَلُ لَهُمْ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَعَ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .