تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَيُّمَا أَفْضَلُ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ : الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ؟ أَوْ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ لِيَعْتَمِرَ مِنْهُ وَيَعُودَ ؟ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ الطَّوَافُ بَدَلَ ذَلِكَ ؟ وَكَذَلِكَ كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ : هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ ؟ وَهَلْ فِي اعْتِمَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَفِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مُسْتَنَدٌ لِمَنْ يَعْتَمِرُ مِنْ مَكَّةَ كَمَا فِي أَمْرِهِ لِعَائِشَةَ أَنْ تَعْتَمِرَ مَنْ التَّنْعِيمِ ؟ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً } هَلْ هِيَ عُمْرَةُ الْأُفُقِيِّ ؟ أَوْ تَتَنَاوَلُ الْمَكِّيَّ الَّذِي يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ لِيَعْتَمِرَ فِي رَمَضَانَ ؟
12345678
فَصْلٌ وَأَمَّا الِاعْتِمَارُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ : فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ عَنْ عَطَاءٍ سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُنَا قَالَ : { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةِ مِنْ الْأَنْصَارِ - سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَسِيت اسْمَهَا : مَا مَنَعَك أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا فَقَالَتْ لَمْ يَكُنْ لَنَا إلَّا نَاضِحَانِ فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا عَلَى نَاضِحٍ وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ قَالَ : فَإِذَا جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَاعْتَمِرِي فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُمِّ سِنَانٍ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ : عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً مَعِي } وَرَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ تَعْلِيقًا وَعَنْ أُمِّ مَعْقِلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهُ : والترمذي وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ { وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ مَعْقِلٍ قَالَتْ لَمَّا حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ فَجَعَلَهُ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَصَابَنَا مَرَضٌ وَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حَجَّته جِئْته فَقَالَ : يَا أُمَّ مَعْقِلٍ مَا مَنَعَك أَنْ تَحُجِّي قَالَتْ لَقَدْ تَهَيَّأْنَا فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ هُوَ الَّذِي نَحُجُّ عَلَيْهِ فَأَوْصَى بِهِ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فَهَلَّا خَرَجْت عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ } رَوَاهُ أَبُو داود وَرَوَى أَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ { عَنْ أُمِّ مَعْقِلٍ الأسدية أَنَّ زَوْجَهَا جَعَلَ بَكْرًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنَّهَا أَرَادَتْ الْعُمْرَةَ فَسَأَلَتْ زَوْجَهَا الْبَكْرَ فَأَبَى فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } . فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُبَيِّنُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ بِذَلِكَ الْعُمْرَةَ الَّتِي كَانَ الْمُخَاطَبُونَ يَعْرِفُونَهَا وَهِيَ قُدُومُ الرَّجُلِ إلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ الْمَكِّيُّ فَيَعْتَمِرَ مِنْ الْحِلِّ فَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَهُ وَلَا يَفْعَلُونَهُ وَلَا يَأْمُرُونَ بِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادًا مِنْ الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَعُمْرَتُهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ الْمِيقَاتِ لَيْسَتْ عُمْرَتُهَا مَكِّيَّةً . وَكَيْفَ يَكُونُ قَدْ رَغَّبَهُمْ فِي عُمْرَةٍ مَكِّيَّةٍ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ إنَّهُمْ لَا يَأْتُونَ مَا فِيهِ هَذَا الْأَجْرُ الْعَظِيمُ مَعَ فَرْطِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرِ وَحِرْصِهِمْ عَلَيْهِ وَهَلَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ أَهْلَ مَكَّةَ الْمُقِيمِينَ بِهَا ; لِيَعْتَمِرُوا كُلَّ عَامٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ لَمَّا ذَكَرَ لَهُ مَانِعًا مَنَعَهُ مِنْ السَّفَرِ لِلْحَجِّ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً وَهَذَا ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ فِي رَمَضَانَ إنْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ فَقَدْ أَتَى بِسَفَرِ كَامِلٍ لِلْعُمْرَةِ ذَهَابًا وَإِيَابًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُعَظَّمِ فَاجْتَمَعَ لَهُ حُرْمَةُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَحُرْمَةُ الْعُمْرَةِ وَصَارَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ شَرَفِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ يُنَاسِبُ أَنْ يَعْدِلَ بِمَا فِي الْحَجِّ فِي شَرَفِ الزَّمَانِ وَهُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ وَشَرَفِ الْمَكَانِ . وَإِنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ لَيْسَ كَالْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ إلَى أَنْ حَجَّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَقَدْ حَصَّلَ لَهُ نُسُكًا مُكَفِّرًا أَيْضًا بِخِلَافِ مَنْ تَمَتَّعَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنَّ هَذَا هُوَ حَاجٌّ مَحْضٌ وَإِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَلِهَذَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الْحَجِّ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ . يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ بَعْضَ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ لِلْمَرْأَةِ : { عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي } وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ عُمْرَتَك فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي فَإِنَّهَا كَانَتْ قَدْ أَرَادَتْ الْحَجَّ مَعَهُ فَتَعَذَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَأَخْبَرَهَا بِمَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ وَهَكَذَا مَنْ كَانَ بِمَنْزِلَتِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ مَا يَظُنُّهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ : أَنَّ عُمْرَةَ الْوَاحِدِ مِنَّا مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ تَعْدِلُ حَجَّةً مَعَهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ أَنْ الْحَجَّ التَّامَّ أَفْضَلُ مِنْ عُمْرَةِ رَمَضَانَ وَالْوَاحِدُ مِنَّا لَوْ حَجَّ الْحَجَّ الْمَفْرُوضَ لَمْ يَكُنْ كَالْحَجِّ مَعَهُ فَكَيْفَ بِعُمْرَةِ وَغَايَةُ مَا يُحَصِّلُهُ الْحَدِيثُ : أَنْ يَكُونَ عُمْرَةُ أَحَدِنَا فِي رَمَضَانَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِمَنْزِلَةِ حَجَّةٍ وَقَدْ يُقَالُ هَذَا لِمَنْ كَانَ أَرَادَ الْحَجَّ فَعَجَزَ عَنْهُ فَيَصِيرُ بِنِيَّةِ الْحَجِّ مَعَ عُمْرَةِ رَمَضَانَ كِلَاهُمَا تَعْدِلُ حَجَّةً لَا أَحَدُهُمَا مُجَرَّدًا . وَكَذَلِكَ الْإِنْسَانُ إذَا فَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ الْكَامِلِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ لِفِعْلِهِ كُلِّهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِلِ مِنْ الْأَجْرِ . كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ } وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مِنْ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا } وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الضَّلَالَةِ وَشَوَاهِدُ هَذَا الْأَصْلِ كَثِيرٌ . وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إلَّا الْجَنَّةَ } رَوَاهُ النسائي والترمذي وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . فَإِنَّ قَوْلَهُ : { تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ } لَمْ يُرِدْ بِهِ الْعُمْرَةَ مِنْ مَكَّةَ إذْ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَكَانَ الصَّحَابَةُ يَقْبَلُونَ أَمْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ أَمْرَ إيجَابٍ ; أَوْ اسْتِحْبَابٍ وَلَا يُظَنُّ بِالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ تَرَكُوا اتِّبَاعَ سُنَّتِهِ وَمَا رَغِبُوا فِيهِ كُلُّهُمْ حَتَّى حَدَثَ بَعْدَهُمْ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ وَإِذَا كَانُوا لَا يَعْتَمِرُونَ مِنْ مَكَّةَ عُلِمَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ ; وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعُمْرَةُ الَّتِي كَانُوا يَعْرِفُونَهَا وَيَفْعَلُونَهَا وَهِيَ عُمْرَةُ الْقَادِمِ . يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ عَائِشَةَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ مَعَ أَنَّهَا مُتَابَعَةٌ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَكِّيَّةُ مُرَادَةً حِينَ طَلَبَتْ ذَلِكَ مِنْهُ أَمَرَهَا أَنْ تَكْتَفِيَ بِمَا فَعَلَتْهُ وَقَالَ : " طَوَافُك بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك " فَلَمَّا رَاجَعَتْهُ وَأَلَحَّتْ عَلَيْهِ أَذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ مِثْلُ هَذَا مِمَّا أَمَرَ بِهِ لَمْ يَكُنْ يَأْمُرُهَا ابْتِدَاءً بِتَرْكِ ذَلِكَ وَالِاكْتِفَاءِ بِمَا دُونَهُ وَهِيَ تَطْلُبُ مَا قَدْ رَغِبَ النَّاسُ فِيهِ كُلُّهُمْ . فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَسُنَنِ أَبِي داود والنسائي وَغَيْرِهِمَا { عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فليهل بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ قَدِمْت مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اُنْقُضِي رَأْسَك وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ فَفَعَلَتْ فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْت . فَقَالَ : هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِك قَالَتْ : وَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنَى لِحَجِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا } . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَن أَيْضًا { عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ حَتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِفِ حِضْت فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ : وَمَا يُبْكِيك ؟ يَا عَائِشَةُ فَقُلْت : حِضْت لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ حَجَجْت فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَقَالَ : اُنْسُكِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ فَلَمَّا دَخَلْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ وَذَبَحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ يَوْمَ النَّحْرِ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْبَطْحَاءِ وَطَهُرَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَيَرْجِعُ صَوَاحِبِي بِحَجِّ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِالْحَجِّ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَعْمَرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ فَأَتَتْ بِالْعُمْرَةِ } . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَسُنَنِ أَبِي داود والنسائي . { عَنْ جَابِرٍ قَالَ : أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ مُهِلَّةً بِعُمْرَةِ حَتَّى إذَا كَانَتْ بِسَرِفِ عَرَكَتْ حَتَّى إذَا قَدِمْنَا طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ قَالَ : فَقُلْنَا حِلُّ مَاذَا ؟ قَالَ : الْحِلُّ كُلُّهُ . فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ وَتَطَيَّبْنَا بِالطَّيِّبِ وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إلَّا أَرْبَعُ لَيَالٍ ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ فَوَجَدَهَا تَبْكِي فَقَالَ : مَا شَأْنُك ؟ قَالَتْ : شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْت وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحْلِلْ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ الْآنَ قَالَ : إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ قَالَ : قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجَّتِك وَعُمْرَتِك جَمِيعًا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حِينَ حَجَجْت قَالَ : فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْلًا إذَا هُوِيَتْ الشَّيْءَ تَابَعَهَا عَلَيْهِ فَأَرْسَلَهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَهَلَّتْ مِنْ التَّنْعِيمِ بِعُمْرَةِ } . وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ طاوس { عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةِ فَقَدِمَتْ وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ حِينَ حَاضَتْ فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا وَقَدْ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّفَرِ : يَكْفِيك طَوَافُك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك فَأَبَتْ فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ } وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ { عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَاضَتْ بِسَرِفِ فَتَطَهَّرَتْ بِعَرَفَةَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْزِئُ عَنْك طَوَافُك بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك } . فَهَذِهِ قِصَّةُ عَائِشَةَ . وَلِلْفُقَهَاءِ فِي عُمْرَتِهَا الَّتِي فَعَلَتْهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْحِجَازِ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا لَمَّا حَاضَتْ وَهِيَ مُتَمَتِّعَةٌ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَنَعَهَا الْحَيْضُ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُحْرِمَ بِالْحَجِّ مَعَ بَقَائِهَا عَلَى الْإِحْرَامِ فَصَارَتْ قَارِنَةً بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ إذْ الْقَارِنُ اسْمٌ لِمَنْ أَحْرَمَ بِهِمَا ابْتِدَاءً أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ قَبْلَ طَوَافِهَا . قَالُوا : وَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ لَيْسَ فِي عَمَلِهِ زِيَادَةٌ عَلَى عَمَلِ الْمُفْرِدِ إلَّا الْهَدْيَ فَلِهَذَا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا أَحَلَّتْ : " قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك جَمِيعًا " . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهَا لَمَّا حَاضَتْ أَمَرَهَا أَنْ تَرْفُضَ الْعُمْرَةَ فَتَنْتَقِلَ عَنْهَا إلَى الْحَجِّ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بَلْ تَبْقَى فِي حَجٍّ مُفْرَدٍ قَالُوا : فَلَمَّا حَلَّتْ حَلَّتْ مِنْ الْحَجِّ فَقَطْ وَكَانَ عَلَيْهَا عُمْرَةٌ تَقْضِيهَا مَكَانَ عُمْرَتِهَا الَّتِي رَفَضَتْهَا . وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ كَانَتْ الْعُمْرَةُ الَّتِي فَعَلَتْهَا وَاجِبَةً لِأَنَّهَا قَضَاءٌ عَمَّا تَرَكَتْهَا . وَعَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً بَلْ جَائِزَةً . وَحُكْمُ كَلِّ امْرَأَةٍ قَدِمَتْ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ قَبْلَ الطَّوَافِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ : هَلْ تُؤْمَرُ أَنْ تُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَتَصِيرَ قَارِنَةً أَمْ تَرْفُضُ الْعُمْرَةَ فِي الْحَجِّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ . وَفِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ : وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَد : أَنَّهَا كَانَتْ قَارِنَةً وَعُمْرَةُ الْقَارِنِ لَا تُجْزِئُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُمْرَةِ الْإِسْلَامِ . وَفِيهَا قَوْلٌ رَابِعٌ : ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فَامْتَنَعَتْ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ ; لِأَجْلِ الْحَيْضِ وَإِنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ هِيَ عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ . وَهَذَا الْقَوْلُ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَيَلِيهِ فِي الضَّعْفِ الَّذِي قَبْلَهُ . وَمِنْ أُصُولِ هَذَا النِّزَاعِ : أَنَّ الْقَارِنَ عِنْدَ الْآخَرِينَ عَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ أَوَّلًا وَيَسْعَى لِلْعُمْرَةِ ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى لِلْحَجِّ وَيَخْتَصُّ عِنْدَهُمْ بِمَنْعِهَا مِنْ عَمَلِ الْقَارِنِ كَمَا كَانَ يَمْنَعُهَا مِنْ عَمَلِ التَّمَتُّعِ . وَالْأَوَّلُونَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ عَلَى الْقَارِنِ إلَّا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ كَمَا عَلَى الْمُفْرِدِ فَإِذَا كَانَتْ حَائِضًا سَقَطَ عَنْهَا طَوَافُ الْقُدُومِ وَأَخَّرَتْ السَّعْيَ إلَى أَنْ تَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا غَيْرُ ذَلِكَ . وَأَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي بَلَغَهُمْ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : " اُرْفُضِي عُمْرَتَك " . وَاعْتَقَدُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَمِرَ مِنْ التَّنْعِيمِ فَاعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ صَارَ وَاجِبًا لِلْعُمْرَةِ الْمَرْفُوضَةِ وَأَنَّ رَفْضَ الْعُمْرَةِ هُوَ تَرْكُهَا بِالدُّخُولِ فِي الْحَجِّ الْمُفْرَدِ . وَأَمَّا أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ : فَبَلَغَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَبْلُغْ هَؤُلَاءِ فَإِنَّ قِصَّةَ عَائِشَةَ رُوِيَتْ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْهَا وَعَنْ غَيْرِهَا كَجَابِرِ وَغَيْرِهِ فَانْظُرْ مَا قَالَتْ وَمَا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ لَهَا : " قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك جَمِيعًا " وَقَالَ لَهَا : " سَعْيُك وَطَوَافُك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك " وَفِي رِوَايَةٍ " يُجْزِئُ عَنْك طَوَافُك بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك " فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهَا كَانَتْ فِي حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ; لَا فِي حَجٍّ مُفْرَدٍ وَفِي أَنَّ الطَّوَافَ الْوَاحِدَ أَجْزَأَ عَنْهَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى طَوَافَيْنِ . وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ فِي السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ كَانُوا قَادِمِينَ وَلَمْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حِينَ قَدِمُوا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً . وَأَيْضًا فَإِنَّهَا { قالت لَهُ - لَمَّا قَالَ لَهَا ذَلِكَ : إنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حِينَ حَجَجْت قَالَ : فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهَا لَهُ : أَيَرْجِعُ صَوَاحِبِي بِحَجِّ وَعُمْرَةٍ ؟ وَأَرْجِعُ أَنَا بِالْحَجِّ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَذَهَبَ بِهَا إلَى التَّنْعِيمِ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهَا بِالْعُمْرَةِ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا أَجَابَ سُؤَالَهَا لَمَّا كَرِهَتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَّا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ فَإِنَّ صَوَاحِبَهَا كُنَّ فِي عُمْرَةِ تَمَتُّعٍ : طُفْنَ أَوَّلًا وَسَعَيْنَ وَهِيَ لَمْ تَطُفْ وَتَسْعَ إلَّا بَعْدَ التَّعْرِيفِ فَصَارَ عَمَلُهُنَّ أَزْيَدَ مِنْ عَمَلِهَا ; لِأَنَّهُ سَقَطَ عَنْهَا بِالْحَيْضِ الطَّوَافُ الْأَوَّلُ .