تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : - أَحْمَد بْنُ تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ مَا يَقُولُ سَيِّدُنَا وَشَيْخُنَا - شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقُدْوَةُ الْأَنَامِ أَيَّدَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ - فِي رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي " حَدِيثِ النُّزُولِ " : أَحَدُهُمَا مُثْبِتٌ وَالْآخَرُ نَافٍ . فَقَالَ الْمُثْبِتُ : يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَقَالَ النَّافِي : كَيْفَ يَنْزِلُ ؟ فَقَالَ الْمُثْبِتُ : يَنْزِلُ بِلَا كَيْفٍ فَقَالَ النَّافِي : يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ أَمْ لَا يَخْلُو ؟ فَقَالَ الْمُثْبِتُ : هَذَا قَوْلٌ مُبْتَدَعٌ وَرَأْيٌ مُخْتَرَعٌ فَقَالَ النَّافِي : لَيْسَ هَذَا جَوَابِي بَلْ هُوَ حَيْدَةٌ عَنْ الْجَوَابِ فَقَالَ لَهُ الْمُثْبِتُ : هَذَا جَوَابُك . فَقَالَ النَّافِي : إنَّمَا يَنْزِلُ أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ فَقَالَ الْمُثْبِتُ : أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ يَنْزِلَانِ كُلَّ سَاعَةٍ وَالنُّزُولُ قَدْ وَقَّتَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُلُثَ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَقَالَ النَّافِي : اللَّيْلُ لَا يَسْتَوِي وَقْتُهُ فِي الْبِلَادِ فَقَدْ يَكُونُ اللَّيْلُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَاعَةً وَنَهَارُهَا تِسْعَ سَاعَاتٍ وَيَكُونُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ سِتَّ عَشْرَةَ سَاعَةً وَالنَّهَارُ ثَمَانِ سَاعَاتٍ وَبِالْعَكْسِ ; فَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي طُولِ اللَّيْلِ وَقِصَرِهِ بِحَسَبِ الْأَقَالِيمِ وَالْبِلَادِ وَقَدْ يَسْتَوِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَقَدْ يَطُولُ اللَّيْلُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ أَكْثَرَ الْأَرْبَعِ وَعِشْرِينَ سَاعَةً وَيَبْقَى النَّهَارُ عِنْدَهُمْ وَقْتٌ يَسِيرٌ ; فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ ثُلُثُ اللَّيْلِ دَائِمًا وَيَكُونُ الرَّبُّ دَائِمًا نَازِلًا إلَى السَّمَاءِ . وَالْمَسْئُولُ إزَالَةُ الشُّبَهِ وَالْإِشْكَالِ وَقَمْعِ أَهْلِ الضَّلَالِ .
123456789101112131415161718192021222324252627282930
وَأَمَّا دُنُوُّهُ نَفْسُهُ وَتَقَرُّبُهُ مِنْ بَعْضِ عِبَادِهِ ; فَهَذَا يُثْبِتُهُ مَنْ يُثْبِتُ قِيَامَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِنَفْسِهِ وَمَجِيئِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنُزُولِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ . وَهَذَا مَذْهَبُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ الْمَشْهُورِينَ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالنَّقْلُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرٌ . وَأَوَّلُ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا فِي الْإِسْلَامِ " الجهمية " وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَكَانُوا يُنْكِرُونَ الصِّفَاتِ وَالْعُلُوَّ عَلَى الْعَرْشِ ثُمَّ جَاءَ ابْنُ كُلَّابٍ فَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ وَأَثْبَتَ الصِّفَاتِ وَالْعُلُوَّ عَلَى الْعَرْشِ لَكِنْ وَافَقَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا تَقُومُ بِهِ الْأُمُورُ الِاخْتِيَارِيَّةُ ; وَلِهَذَا أَحْدَثَ قَوْلُهُ فِي الْقُرْآنِ : إنَّهُ قَدِيمٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ بِقُدْرَتِهِ . وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ ; بَلْ الْمُتَوَاتِرُ عَنْهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَمَا ذَكَرْت أَلْفَاظَهُمْ فِي كُتُبٍ كَثِيرَةٍ فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذَا . فَاَلَّذِينَ يُثْبِتُونَ أَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَلَامًا قَائِمًا بِهِ ; هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّهُ يَدْنُو وَيَقْرُبُ مِنْ عِبَادِهِ بِنَفْسِهِ . وَأَمَّا مَنْ قَالَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ أَوْ قَدِيمٌ فَأَصْلُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ شَيْءٍ وَلَا يَدْنُوَ إلَيْهِ . فَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ : بِهَذَا مَعَ هَذَا ; كَانَ مِنْ تَنَاقُضِهِ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ أَصْلَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ قَدِيمٌ . وَأَهْلُ الْكَلَامِ قَدْ يَعْرِفُونَ مِنْ حَقَائِقِ أُصُولِهِمْ وَلَوَازِمِهَا مَا لَا يَعْرِفُهُ مَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْمَقَالَةِ وَلَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَتَهَا وَلَوَازِمَهَا ; فَلِذَا يُوجَدُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَتَنَاقَضُ كَلَامُهُ فِي هَذَا الْبَابِ . فَإِنَّ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَآثَارَ السَّلَفِ مُتَظَاهِرَةٌ بِالْإِثْبَاتِ وَلَيْسَ عَلَى النَّفْيِ دَلِيلٌ وَاحِدٌ : لَا مِنْ كِتَابٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا مِنْ أَثَرٍ ; وَإِنَّمَا أَصْلُهُ قَوْلُ الجهمية فَلَمَّا جَاءَ ابْنُ كُلَّابٍ فَرَّقَ وَوَافَقَهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُقِرُّ بِمَا جَاءَ عَنْ السَّلَفِ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَبِمَا يَقُولُهُ النفاة مِمَّا يُنَاقِضُ ذَلِكَ وَلَا يَهْتَدِي لِلتَّنَاقُضِ { وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } . وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ : إنَّ ثُلُثَ اللَّيْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ . وَهَذَا قَدْ احْتَجَّ بِهِ طَائِفَةٌ وَجَعَلُوا هَذَا دَلِيلًا عَلَى مَا يَتَأَوَّلُونَ عَلَيْهِ حَدِيثَ النُّزُولِ . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا جَعَلَ نُزُولَهُ مِنْ جِنْسِ نُزُولِ أَجْسَامِ النَّاسِ مِنْ السَّطْحِ إلَى الْأَرْضِ وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ مَنْ قَالَ : يَخْلُو الْعَرْشُ مِنْهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ بَعْضُ الْمَخْلُوقَاتِ فَوْقَهُ وَبَعْضُهَا تَحْتَهُ . فَإِذَا قُدِّرَ النُّزُولُ هَكَذَا كَانَ مُمْتَنِعًا ; لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَزَالُ تَحْتَ الْعَرْشِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ أَوْ جَمِيعِهَا فَإِنَّ بَيْنَ طَرَفَيْ الْعِمَارَةِ نَحْوَ لَيْلَةٍ ; فَإِنَّهُ يُقَالُ : بَيْنَ ابْتِدَاءِ الْعِمَارَةِ مِنْ الْمَشْرِقِ وَمُنْتَهَاهَا مِنْ الْمَغْرِبِ مِقْدَارُ مِائَةٍ وَثَمَانِينَ دَرَجَةً فَلَكِيَّةً وَكُلُّ خَمْسَ عَشْرَةَ فَهِيَ سَاعَةٌ مُعْتَدِلَةٌ وَالسَّاعَةُ الْمُعْتَدِلَةُ هِيَ سَاعَةٌ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً بِاللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ إذَا كَانَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مُتَسَاوِيَيْنِ - كَمَا يَسْتَوِيَانِ فِي أَوَّلِ الرَّبِيعِ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الصَّيْفَ وَأَوَّلِ الْخَرِيفِ الَّذِي تُسَمِّيهِ الرَّبِيعَ - بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَطْوَلَ مِنْ الْآخَرِ وَكُلُّ وَاحِدٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً ; فَهَذِهِ السَّاعَاتُ مُخْتَلِفَةٌ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ فَتَغْرُبُ الشَّمْسُ عَنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ قَبْلَ غُرُوبِهَا عَنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ كَمَا تَطْلُعُ عَلَى هَؤُلَاءِ قَبْلَ هَؤُلَاءِ بِنَحْوِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً أَوْ أَكْثَرَ . فَإِنَّ الشَّمْسَ عَلَى أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ مُرْتَفِعَةً مِنْ الْأَرْضِ الِارْتِفَاعَ التَّامَّ كَمَا يَكُونُ عِنْدَ نِصْفِ النَّهَارِ فَإِنَّهَا تُضِيءُ عَلَى مَا أَمَامَهَا وَخَلْفَهَا مِنْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ تِسْعِينَ دَرَجَةً شَرْقِيَّةً وَتِسْعِينَ غَرْبِيَّةً وَالْمَجْمُوعُ مِقْدَارُ حَرَكَتِهَا : اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً سِتَّةٌ شَرْقِيَّةٌ وَسِتَّةٌ غَرْبِيَّةٌ وَهُوَ النَّهَارُ الْمُعْتَدِلُ . وَلَا يَزَالُ لَهَا هَذَا النَّهَارُ لَكِنْ يَخْفَى ضَوْءُهَا بِسَبَبِ مَيْلِهَا إلَى جَانِبِ الشَّمَالِ وَالْجَنُوبِ ; فَإِنَّ الْمَعْمُورَ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ النَّاحِيَةِ الشَّمَالِيَّةِ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ شَمَالُ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ الْمُحَاذِي لِدَائِرَةِ مُعْتَدِلِ النَّهَارِ الَّتِي نِسْبَتُهَا إلَى الْقُطْبَيْنِ - الشَّمَالِيِّ وَالْجَنُوبِيِّ - نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ ; وَلِهَذَا يُقَالُ فِي حَرَكَةِ الْفَلَكِ إنَّهَا عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ دولابية مِثْلُ الدُّولَابِ وَإِنَّهَا عِنْدَ الْقُطْبَيْنِ رحاوية تُشْبِهُ حَرَكَةَ الرَّحَى وَإِنَّهَا فِي الْمَعْمُورِ مِنْ الْأَرْضِ حمائلية تُشْبِهُ حَمَائِلَ السُّيُوفِ . وَالْمَعْمُورُ الْمَسْكُونُ مِنْ الْأَرْضِ يُقَالُ : إنَّهُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ دَرَجَةً أَكْثَرُ مِنْ السُّدُسِ بِقَلِيلِ . وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا لِبَسْطِهِ مَوْضِعٌ آخَرُ : ذَكَرْنَا فِيهِ دِلَالَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرَ مَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ " الْفَلَكَ " مُسْتَدِيرٌ . وَقَدْ ذَكَرَ إجْمَاعَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُنَادِي الَّذِي لَهُ نَحْوُ " أَرْبَعِمِائَةِ مُصَنَّفٍ " وَهُوَ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ وَأَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ عَلَى أَوَّلِ الْبِلَادِ الشَّرْقِيَّةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ إمَّا وَقْتَ غُرُوبِهَا وَإِمَّا قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ غُرُوبِهَا عَلَى آخِرِ الْبِلَادِ الْغَرْبِيَّةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ بِحَيْثُ يَكُونُ الضَّوْءُ أَمَامَهَا تِسْعِينَ دَرَجَةً وَخَلْفَهَا تِسْعِينَ دَرَجَةً ; فَهَذَا مُنْتَهَى نُورِهَا . فَإِذَا طَلَعَتْ عَلَيْهِمْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ تِسْعُونَ دَرَجَةً وَكَذَلِكَ عَلَى كُلِّ بَلَدٍ تَطْلُعُ عَلَيْهِ ; وَالْحَاسِبُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الدَّرَجَاتِ كَمَا يُفَرِّقُ بَيْنَ السَّاعَاتِ فَإِنَّ السَّاعَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ الزَّمَانِيَّةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً بِحَسَبِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فَيَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ أَيْضًا تِسْعُونَ دَرَجَةً مِنْ نَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ وَإِذَا صَارَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَانٍ تِسْعُونَ دَرَجَةً غَرْبِيَّةً غَابَتْ كَمَا تَطْلُعُ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ تِسْعُونَ دَرَجَةً شَرْقِيَّةً وَإِذَا تَوَسَّطَتْ عَلَيْهِمْ - وَهُوَ وَقْتُ اسْتِوَائِهَا قَبْلَ أَنْ تَدْلُكَ وَتَزِيغَ وَيَدْخُلَ وَقْتُ الظُّهْرِ - كَانَ لَهَا تِسْعُونَ دَرَجَةً شَرْقِيَّةً وَتِسْعُونَ دَرَجَةً غَرْبِيَّةً . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ - وَالنُّزُولُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ عَلَى قَائِلِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ : الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ هُوَ : " إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ " وَأَمَّا رِوَايَةُ النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ فَانْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : إنَّ أَصَحَّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ " . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا ; فَهُوَ حَدِيثٌ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَاَلَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ . فَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَ " النُّزُولَ " أَيْضًا إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ وَإِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ ; فَقَوْلُهُ حَقٌّ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ ; وَيَكُونُ النُّزُولُ أَنْوَاعًا ثَلَاثَةً : الْأَوَّلُ إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ إذَا انْتَصَفَ وَهُوَ أَبْلَغُ ثُمَّ إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَهُوَ أَبْلَغُ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ . وَلَفْظُ " اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ " فِي كَلَامِ الشَّارِعِ إذَا أُطْلِقَ فَالنَّهَارُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ } وَكَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا } وَقَوْلِهِ : { كَاَلَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ } وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا أَرَادَ صَوْمَ النَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَكَذَلِكَ وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الصِّيَامِ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَعْلُومِ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَالْإِجْمَاعِ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَكَذَلِكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خِفْت الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِرَكْعَةِ } . وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ - كَالْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ - إنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ . وَأَمَّا إذَا قَالَ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِصْفُ النَّهَارِ فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ النَّهَارَ الْمُبْتَدِئَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ ; لَا يُرِيدُ قَطُّ - لَا فِي كَلَامِهِ وَلَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِنِصْفِ النَّهَارِ - النَّهَارَ الَّذِي أَوَّلُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ ; فَإِنَّ نِصْفَ هَذَا يَكُونُ قَبْلَ الزَّوَالِ ; وَلِهَذَا غَلِطَ بَعْضُ مُتَأَخَّرِي الْفُقَهَاءِ - لَمَّا رَأَى كَلَامَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الصَّائِمَ الْمُتَطَوِّعَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ التَّطَوُّعَ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ ; وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ بَعْدَهُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد - ظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهَارِ هُنَا نَهَارُ الصَّوْمِ الَّذِي أَوَّلُهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ . وَسَبَبُ غَلَطِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مُسَمَّى النَّهَارِ إذَا أُطْلِقَ وَبَيْنَ مُسَمَّى نِصْفِ النَّهَارِ فَالنَّهَارُ الَّذِي يُضَافُ إلَيْهِ نِصْفٌ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ وَعُلَمَاءِ أُمَّتِهِ هُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالنَّهَارِ الْمُطْلَقِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ . وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَخْبَرَ بِالنُّزُولِ إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فَهَذَا اللَّيْلُ الْمُضَافُ إلَيْهِ الثُّلُثُ يَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ النَّهَارِ الْمُضَافِ إلَيْهِ النِّصْفُ - وَهُوَ الَّذِي يَنْتَهِي إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَكَذَلِكَ لِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَقْتُ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ إلَى الثُّلُثِ } فَهُوَ هَذَا اللَّيْلُ . وَكَذَلِكَ الْفُقَهَاءُ إذَا أَطْلَقُوا ثُلُثَ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ ; فَهُوَ كَإِطْلَاقِهِمْ نِصْفَ النَّهَارِ . وَهَكَذَا أَهْلُ الْحِسَابِ لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَ هَذَا . وَقَدْ يُقَالُ : بَلْ هُوَ اللَّيْلُ الْمُنْتَهِي بِطُلُوعِ الْفَجْرِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { أَفْضَلُ الْقِيَامِ قِيَامُ داود ; كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ } وَالْيَوْمُ الْمُعْتَادُ الْمَشْرُوعُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ بَلْ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ . فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ هَذَا وَحِينَئِذٍ فَإِذَا قُدِّرَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ الْمَشْرِقِ يَكُونُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَلَيْهِمْ بِأَرْبَعِ سَاعَاتٍ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ } - فَقَدْ أَخْبَرَ بِدَوَامِهِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَفِي رِوَايَةٍ : " إلَى أَنْ يَنْصَرِفَ الْقَارِئُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ " . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } تَشْهَدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَدْ قِيلَ : يَشْهَدُهُ اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ . وَإِذَا كَانَ هَذَا النُّزُولُ يَدُومُ نَحْوَ سُدُسٍ عِنْدَ أُولَئِكَ ; فَهَكَذَا هُوَ عِنْدَ كُلِّ قَوْمٍ إذَا مَضَى ثُلُثَا لَيْلِهِمْ يَدُومُ عِنْدَهُمْ سُدُسُ الزَّمَانِ وَأَمَّا النُّزُولُ الَّذِي فِي النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ : فَإِنَّهُ يَدُومُ رُبُعُ الزَّمَانِ أَوْ ثُلُثُهُ فَهُوَ أَكْثَرُ دَوَامًا مِنْ ذَلِكَ . وَإِنْ أُرِيدَ اللَّيْلُ الْمُنْتَهِي بِطُلُوعِ الشَّمْسِ ; كَانَ وَقْتُ النُّزُولِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ قَرِيبًا مِنْ ثُمُنِ الزَّمَانِ وَتُسْعِهِ وَعَلَى رِوَايَةِ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ سُدُسِهِ وَرُبُعِهِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ زَمَنَ ثُلُثِ لَيْلِ الْبَلَدِ الشَّرْقِيِّ قَبْلَ ثُلُثِ لَيْلِ الْبَلَدِ الْغَرْبِيِّ كَمَا قَدْ عُرِفَ وَالْعِمَارَةُ طُولُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً مِائَةٌ وَثَمَانُونَ دَرَجَةً فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ لِكُلِّ مِقْدَارِ سَاعَةٍ - وَهُوَ خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً مِنْ الْمَعْمُورِ - ثُلُثًا غَيْرَ ثُلُثِ مِقْدَارِ السَّاعَةِ الْأُخْرَى لَكَانَ الْمَعْمُورُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ثُلُثًا وَالنُّزُولُ يَدُومُ فِي كُلِّ ثُلُثِ مِقْدَارِ سُدُسِ الزَّمَانِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ النُّزُولُ يَدُومُ لَيْلًا وَنَهَارًا أَنَّهُ يَدُومُ بِقَدْرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِتَّ مَرَّاتٍ إذَا قُدِّرَ أَنَّ لِكُلِّ طُولِ سَاعَةٍ مِنْ الْمَعْمُورِ ثُلُثًا فَكَيْفَ النُّزُولُ الْإِلَهِيُّ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِدُعَاءِ عِبَادِهِ السَّاكِنِينَ فِي الْأَرْضِ ؟ . فَكُلُّ أَهْلِ بَلَدٍ مِنْ الْبِلَادِ يَبْقَى نُزُولُهُ وَدُعَاؤُهُ لَهُمْ : هَلْ مِنْ سَائِلٍ ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ ؟ سُدُسُ الزَّمَانِ وَالْبِلَادُ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ كَثِيرَةٌ . وَالْإِسْلَامُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَدْ انْتَشَرَ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { زُوِيَتْ لِي الْأَرْضُ مَشَارِقُهَا وَمَغَارِبُهَا وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا } . وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ : إنَّ هَذَا " النُّزُولَ وَالدُّعَاءَ " إنَّمَا هُوَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ وَيَسْأَلُونَهُ ويستغفرونه ; كَمَا أَنَّ " نُزُولَ عَشِيَّةِ عَرَفَةَ " إنَّمَا هُوَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَحُجُّونَ إلَيْهِ وَكَمَا أَنَّ رَمَضَانَ إذَا دَخَلَ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَصُومُونَ رَمَضَانَ وَعَنْهُمْ تُغْلَقُ أَبْوَابُ النَّارِ وَتُصَفَّدُ شَيَاطِينُهُمْ " وَأَمَّا الْكُفَّارُ " الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ إفْطَارَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَا يَرَوْنَ لَهُ حُرْمَةً وَمَزِيَّةً فَلَا تُفْتَحُ لَهُمْ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَلَا تُغْلَقُ عَنْهُمْ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ وَلَا تُصَفَّدُ شَيَاطِينُهُمْ . وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا بَسْطَ هَذَا الْمَعْنَى بَلْ الْمَقْصُودُ أَنَّ النُّزُولَ إنْ كَانَ خَاصًّا بِالْمُؤْمِنِينَ ; فَهُمْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ مِنْ أَقْصَى الْمَشْرِقِ إلَى أَقْصَى الْمَغْرِبِ وَإِنْ كَانَ عَامًّا ; فَهُوَ أَبْلَغُ فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا بُدَّ أَنْ يَدُومَ النُّزُولُ الْإِلَهِيُّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ مِقْدَارَ سُدُسِ الزَّمَانِ أَوْ أَكْثَرَ . فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ لَيْلُ صَيَفِهِمْ قَصِيرٌ قِيلَ وَلَيْلُ شِتَائِهِمْ طَوِيلٌ فَيُعَادِلُ هَذَا هَذَا وَمَا نَقَصَ مِنْ لَيْلٍ صَيْفِهِمْ زِيدَ فِي لَيْلِ شِتَائِهِمْ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ { الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ : يَصُومُ نَهَارَهُ وَيَقُومُ لَيْلَهُ } . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ - فَلَوْ كَانَ النُّزُولُ كَمَا يَتَخَيَّلُهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ تَحْتَ السَّمَوَاتِ وَفَوْقَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَتَحْتَ الْعَرْشِ مِقْدَارُ ثُلُثِ اللَّيْلِ عَلَى كُلِّ بَلَدٍ - لَمْ يَكُنْ اللَّازِمُ أَنَّهُ لَا يَزَالُ تَحْتَ الْعَرْشِ وَتَحْتَ السَّمَوَاتِ فَقَطْ فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ وَحْدَهُ هُوَ اللَّازِمُ إذَا كَانَ كُلُّ سُدُسٍ مِنْ الْمَعْمُورِ لَهُمْ كُلِّهِمْ ثُلُثٌ وَاحِدٌ ; وَكَانَ الْمَجْمُوعُ سِتَّةَ أَثْلَاثٍ فَإِذَا قُدِّرَ بَقَاؤُهُ عَلَى هَؤُلَاءِ مِقْدَارُ ثُلُثٍ ثُمَّ عَلَى هَؤُلَاءِ الْآخَرِينَ مِقْدَارُ ثُلُثٍ لَزِمَ أَنْ لَا يَزَالَ تَحْتَ الْعَرْشِ أَوْ تَحْتَ السَّمَوَاتِ أَوْ حَيْثُ تَخَيَّلَ الْجَاهِلُ أَنَّ اللَّهَ مَحْصُورٌ فِيهِ ; فَلَا يَكُونُ قَطُّ فَوْقَ الْعَرْشِ .