تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : - أَحْمَد بْنُ تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ مَا يَقُولُ سَيِّدُنَا وَشَيْخُنَا - شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقُدْوَةُ الْأَنَامِ أَيَّدَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ - فِي رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي " حَدِيثِ النُّزُولِ " : أَحَدُهُمَا مُثْبِتٌ وَالْآخَرُ نَافٍ . فَقَالَ الْمُثْبِتُ : يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَقَالَ النَّافِي : كَيْفَ يَنْزِلُ ؟ فَقَالَ الْمُثْبِتُ : يَنْزِلُ بِلَا كَيْفٍ فَقَالَ النَّافِي : يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ أَمْ لَا يَخْلُو ؟ فَقَالَ الْمُثْبِتُ : هَذَا قَوْلٌ مُبْتَدَعٌ وَرَأْيٌ مُخْتَرَعٌ فَقَالَ النَّافِي : لَيْسَ هَذَا جَوَابِي بَلْ هُوَ حَيْدَةٌ عَنْ الْجَوَابِ فَقَالَ لَهُ الْمُثْبِتُ : هَذَا جَوَابُك . فَقَالَ النَّافِي : إنَّمَا يَنْزِلُ أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ فَقَالَ الْمُثْبِتُ : أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ يَنْزِلَانِ كُلَّ سَاعَةٍ وَالنُّزُولُ قَدْ وَقَّتَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُلُثَ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَقَالَ النَّافِي : اللَّيْلُ لَا يَسْتَوِي وَقْتُهُ فِي الْبِلَادِ فَقَدْ يَكُونُ اللَّيْلُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَاعَةً وَنَهَارُهَا تِسْعَ سَاعَاتٍ وَيَكُونُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ سِتَّ عَشْرَةَ سَاعَةً وَالنَّهَارُ ثَمَانِ سَاعَاتٍ وَبِالْعَكْسِ ; فَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي طُولِ اللَّيْلِ وَقِصَرِهِ بِحَسَبِ الْأَقَالِيمِ وَالْبِلَادِ وَقَدْ يَسْتَوِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَقَدْ يَطُولُ اللَّيْلُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ أَكْثَرَ الْأَرْبَعِ وَعِشْرِينَ سَاعَةً وَيَبْقَى النَّهَارُ عِنْدَهُمْ وَقْتٌ يَسِيرٌ ; فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ ثُلُثُ اللَّيْلِ دَائِمًا وَيَكُونُ الرَّبُّ دَائِمًا نَازِلًا إلَى السَّمَاءِ . وَالْمَسْئُولُ إزَالَةُ الشُّبَهِ وَالْإِشْكَالِ وَقَمْعِ أَهْلِ الضَّلَالِ .
123456789101112131415161718192021222324252627282930
وَقَدْ غَلِطَ طَائِفَةٌ ظَنُّوا أَنَّهُ نَفْسُهُ الَّذِي يَسْمَعُ مِنْهُ الْقُرْآنَ وَهُوَ الَّذِي يَقْرَؤُهُ بِنَفْسِهِ بِلَا وَاسِطَةٍ عِنْدَ قِرَاءَةِ كُلِّ قَارِئٍ كَمَا غَلِطُوا فِي الْقُرْبِ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمُتَأَخِّرِي الصُّوفِيَّةِ . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُفَسِّرُ قَوْلَ الْقَائِلِينَ : بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ نَفْسِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ; بِأَنَّ الْأَشْيَاءَ مَعْدُومَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنْفُسِهَا وَإِنَّمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ بِخَلْقِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ بِإِبْقَائِهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ; فَلَا مَوْجُودَ إلَّا بِإِيجَادِهِ ; وَلَا بَاقٍ إلَّا بِإِبْقَائِهِ . فَلَوْ قَدَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ خَلْقَهَا وَتَكْوِينَهَا لَكَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى الْعَدَمِ لَا وُجُودَ لَهَا أَصْلًا ; فَصَارَ هُوَ أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْ ذَوَاتِهَا ; فَتَكْوِينُ الشَّيْءِ وَخَلْقُهُ وَإِيجَادُهُ هُوَ فِعْلُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبِهِ كَانَ الشَّيْءُ مَوْجُودًا وَكَانَ ذَاتًا مُحَقَّقَةً فِي الْخَارِجِ . وَالْمَوْجُودُ دَائِمًا مُحْتَاجٌ إلَى خَالِقِهِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَكَانَ مَوْجُودًا بِنِسْبَتِهِ إلَى خَالِقِهِ وَمَعْدُومًا بِنِسْبَتِهِ إلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْعَدَمَ ; فَكَانَ الرَّبُّ أَقْرَبَ إلَى الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ إلَى أَنْفُسِهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ . وَقَدْ يُفَسِّرُ بَعْضُهُمْ قَوْله تَعَالَى { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ } بِهَذَا الْمَعْنَى ; فَإِنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا بِالنَّظَرِ إلَى أَنْفُسِهَا عَدَمٌ مَحْضٌ ; وَنَفْيٌ صِرْفٌ ; وَإِنَّمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ تَامَّةٌ بِالْوَجْهِ الَّذِي لَهَا إلَى الْخَالِقِ وَهُوَ تَعَلُّقُهَا بِهِ وَبِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ فَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْوَجْهِ كَانَتْ مَوْجُودَةً وَبِالْوَجْهِ الَّذِي يَلِي أَنْفُسَهَا لَا تَكُونُ إلَّا مَعْدُومَةً . وَقَدْ يُفَسِّرُونَ بِذَلِكَ قَوْلَ لَبِيَدِ : أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ وَلَا يُقَالُ : هَذِهِ الْمَقَالَةُ صَحِيحَةٌ فِي نَفْسِهَا فَإِنَّهَا لَوْلَا خَلْقُ اللَّهِ لِلْأَشْيَاءِ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً وَلَوْلَا إبْقَاؤُهُ لَهَا لَمْ تَكُنْ بَاقِيَةً . وَقَدْ تَكَلَّمَ النُّظَّارُ فِي سَبَبِ افْتِقَارِهَا إلَيْهِ هَلْ هُوَ الْحُدُوثُ - فَلَا تَحْتَاجُ إلَّا فِي حَالِ الْإِحْدَاثِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ الجهمية وَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ - أَوْ هُوَ الْإِمْكَانُ الَّذِي يُظَنُّ أَنَّهُ يَكُونُ بِلَا حُدُوثٍ بَلْ بِكَوْنِ الْمُمْكِنِ الْمَعْلُولِ قَدِيمًا أَزَلِيًّا وَيُمْكِنُ افْتِقَارُهَا فِي حَالِ الْبَقَاءِ بِلَا حُدُوثٍ كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ سِينَا وَطَائِفَةٌ ؟ . وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ وَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمْكَانَ وَالْحُدُوثَ مُتَلَازِمَانِ كَمَا عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ مِنْ الْأَوَّلِينَ والآخرين حَتَّى قُدَمَاءُ الْفَلَاسِفَةِ كَأَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ ; فَإِنَّهُمْ أَيْضًا يَقُولُونَ : إنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ وَإِنَّمَا خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ ابْنُ سِينَا وَطَائِفَةٌ . وَلِهَذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ إخْوَانُهُ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ كَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ وَالْمَخْلُوقَاتُ مُفْتَقِرَةٌ إلَى الْخَالِقِ فَالْفَقْرُ وَصْفٌ لَازِمٌ لَهَا دَائِمًا لَا تَزَالُ مُفْتَقِرَةً إلَيْهِ . وَالْإِمْكَانُ وَالْحُدُوثُ دَلِيلَانِ عَلَى الِافْتِقَارِ ; لَا أَنَّ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ جَعَلَا الشَّيْءَ مُفْتَقِرًا بَلْ فَقْرُ الْأَشْيَاءِ إلَى خَالِقِهَا لَازِمٌ لَهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى عِلَّةٍ كَمَا أَنَّ غِنَى الرَّبِّ لَازِمٌ لِذَاتِهِ لَا يَفْتَقِرُ فِي اتِّصَافِهِ بِالْغِنَى إلَى عِلَّةٍ وَكَذَلِكَ الْمَخْلُوقُ لَا يَفْتَقِرُ فِي اتِّصَافِهِ بِالْفَقْرِ إلَى عِلَّةٍ بَلْ هُوَ فَقِيرٌ لِذَاتِهِ لَا تَكُونُ ذَاتُهُ إلَّا فَقِيرَةً فَقْرًا لَازِمًا لَهَا وَلَا يُسْتَغْنَى إلَّا بِاَللَّهِ . وَهَذَا مِنْ مَعَانِي ( الصَّمَدِ وَهُوَ الَّذِي يَفْتَقِرُ إلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ وَيَسْتَغْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ . بَلْ الْأَشْيَاءُ مُفْتَقِرَةٌ مِنْ جِهَةِ رُبُوبِيَّتِهِ وَمِنْ جِهَةِ إلَهِيَّتِهِ ; فَمَا لَا يَكُونُ بِهِ لَا يَكُونُ وَمَا لَا يَكُونُ لَهُ لَا يَصْلُحُ وَلَا يَنْفَعُ وَلَا يَدُومُ . وَهَذَا تَحْقِيقُ قَوْلِهِ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } . فَلَوْ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ وَكُلُّ الْأَعْمَالِ إنْ لَمْ تَكُنْ لِأَجْلِهِ - فَيَكُونُ هُوَ الْمَعْبُودَ الْمَقْصُودَ الْمَحْبُوبَ لِذَاتِهِ - وَإِلَّا كَانَتْ أَعْمَالًا فَاسِدَةً ; فَإِنَّ الْحَرَكَاتِ تَفْتَقِرُ إلَى الْعِلَّةِ الغائية كَمَا افْتَقَرَتْ إلَى الْعِلَّةِ الْفَاعِلِيَّةِ ; بَلْ الْعِلَّةُ الغائية بِهَا صَارَ الْفَاعِلُ فَاعِلًا وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَفْعَلْ . فَلَوْلَا أَنَّهُ الْمَعْبُودُ الْمَحْبُوبُ لِذَاتِهِ لَمْ يَصْلُحْ قَطُّ شَيْءٌ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالْحَرَكَاتِ بَلْ كَانَ الْعَالَمُ يَفْسُدُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } وَلَمْ يَقُلْ لَعُدِمَتَا ; وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ لَبِيَدٍ : أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ وَهُوَ كَالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ : { أَشْهَدُ أَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ مِنْ لَدُنْ عَرْشِك إلَى قَرَارِ أَرْضِك بَاطِلٌ إلَّا وَجْهَك الْكَرِيمَ } . وَلَفْظُ " الْبَاطِلِ " يُرَادُ بِهِ الْمَعْدُومُ وَيُرَادُ بِهِ مَا لَا يَنْفَعُ كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلَاعَبَتَهُ لِزَوْجَتِهِ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ } . { وَقَوْلُهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَا يُحِبُّ الْبَاطِلَ } وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْغِنَاءِ قَالَ : إذَا مَيَّزَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ فِي أَيِّهِمَا يَجْعَلُ الْغِنَاءَ ؟ قَالَ السَّائِلُ : مِنْ الْبَاطِلِ ; قَالَ : { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ } . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ } . فَإِنَّ الْآلِهَةَ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنْ عِبَادَتُهَا وَدُعَاؤُهَا بَاطِلٌ لَا يَنْفَعُ ; وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا لَا يَحْصُلُ ; فَهُوَ بَاطِلٌ وَاعْتِقَادُ أُلُوهِيَّتِهَا بَاطِلٌ أَيْ غَيْرُ مُطَابِقٍ وَاتِّصَافُهَا بِالْإِلَهِيَّةِ فِي أَنْفُسِهَا بَاطِلٌ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ مَعْدُومٌ . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } وَقَوْلُهُ : { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } فَإِنَّ الْكَذِبَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ وَكُلُّ فِعْلِ مَا لَا يَنْفَعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَايَةٌ مَوْجُودَةٌ مَحْمُودَةٌ . فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيَدٍ : - أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ } هَذَا مَعْنَاهُ . أَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ بَاطِلٌ كَقَوْلِهِ : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ } وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ } { فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } وَقَدْ قَالَ قَبْلَ هَذَا : { وَرُدُّوا إلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } كَمَا قَالَ فِي الْأَنْعَامِ : { حَتَّى إذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } { ثُمَّ رُدُّوا إلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ } وَقَالَ : { ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ } . وَدَخَلَ عُثْمَانُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَقَالَ : كَيْفَ تَجِدُك ؟ قَالَ أَجِدُنِي مَرْدُودًا إلَى اللَّهِ مَوْلَايَ الْحَقِّ . قَالَ تَعَالَى : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ } وَقَدْ أَقَرُّوا بِوُجُودِهِ فِي الدُّنْيَا لَكِنْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ دُونَ مَا سِوَاهُ ; وَلِهَذَا قَالَ : { هُوَ الْحَقَّ } بِصِيغَةِ الْحَصْرِ فَإِنَّهُ يَوْمَئِذٍ لَا يَبْقَى أَحَدٌ يَدَّعِي فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ وَلَا أَحَدٌ يُشْرِكُ بِرَبِّهِ أَحَدًا .