سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تيمية - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ : { لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } . مَا دَعَا بِهَا مَكْرُوبٌ إلَّا فَرَّجَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ } مَا مَعْنَى هَذِهِ الدَّعْوَةِ ؟ وَلِمَ كَانَتْ كَاشِفَةً لِلْكَرْبِ ؟ وَهَلْ لَهَا شُرُوطٌ بَاطِنَةٌ عِنْدَ النُّطْقِ بِلَفْظِهَا ؟ وَكَيْفَ مُطَابَقَةُ اعْتِقَادِ الْقَلْبِ لِمَعْنَاهَا . حَتَّى يُوجِبَ كَشْفَ ضُرِّهِ ؟ وَمَا مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ : { إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } مَعَ أَنَّ التَّوْحِيدَ . يُوجِبُ كَشْفَ الضُّرِّ ؟ وَهَلْ يَكْفِيهِ اعْتِرَافُهُ . أَمْ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ وَالْعَزْمِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ؟ وَمَا هُوَ السِّرُّ فِي أَنَّ كَشْفَ الضُّرِّ وَزَوَالَهُ يَكُونُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ عَنْ الْخَلْقِ وَالتَّعَلُّقِ بِهِمْ ؟ وَمَا الْحِيلَةُ فِي انْصِرَافِ الْقَلْبِ عَنْ الرَّجَاءِ لِلْمَخْلُوقِينَ وَالتَّعَلُّقِ بِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَعَلُّقِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَرَجَائِهِ وَانْصِرَافِهِ إلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَمَا السَّبَبُ الْمُعِينُ عَلَى ذَلِكَ ؟ ؟ .
وَالْإِشْرَاكُ فِي الْحُبِّ وَالْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ غَيْرُ الْإِشْرَاكِ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْإِقْرَارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } فَمَنْ أَحَبَّ مَخْلُوقًا كَمَا يُحِبُّ الْخَالِقَ فَهُوَ مُشْرِكٌ بِهِ قَدْ اتَّخَذَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ . وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُهُ . وَلِهَذَا فَرَّقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَيْنَ مَنْ أَحَبَّ مَخْلُوقًا لِلَّهِ وَبَيْنَ مَنْ أَحَبَّ مَخْلُوقًا مَعَ اللَّهِ فَالْأَوَّلُ يَكُونُ اللَّهُ هُوَ مَحْبُوبَهُ وَمَعْبُودَهُ الَّذِي هُوَ مُنْتَهَى حُبِّهِ وَعِبَادَتِهِ لَا يُحِبُّ مَعَهُ غَيْرَهُ ; لَكِنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْبِيَاءَهُ وَعِبَادَهُ الصَّالِحِينَ أَحَبَّهُمْ لِأَجْلِهِ وَكَذَلِكَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ وَتَرْكَ الْمَحْظُورِ أَحَبَّ ذَلِكَ فَكَانَ حُبُّهُ لِمَا يُحِبُّهُ تَابِعًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَفَرْعًا عَلَيْهِ وَدَاخِلًا فِيهِ . بِخِلَافِ مَنْ أَحَبَّ مَعَ اللَّهِ فَجَعَلَهُ نِدًّا لِلَّهِ يَرْجُوهُ وَيَخَافُهُ أَوْ يُطِيعُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَيَتَّخِذُهُ شَفِيعًا لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ يَأْذَنُ لَهُ أَنْ يُشَفَّعَ فِيهِ قَالَ تَعَالَى : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ } وَقَالَ تَعَالَى : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } وَقَدْ قَالَ { عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَبَدُوهُمْ قَالَ : أَحَلُّوا لَهُمْ الْحَرَامَ فَأَطَاعُوهُمْ وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ الْحَلَالَ فَأَطَاعُوهُمْ فَكَانَتْ تِلْكَ عِبَادَتَهُمْ إيَّاهُمْ } قَالَ تَعَالَى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا } { يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } { لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } . فَالرَّسُولُ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ ; لِأَنَّهُ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلَهُ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ وَالدِّينُ مَا شَرَعَهُ وَمَنْ سِوَى الرَّسُولِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْمَشَايِخِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْمُلُوكِ إنَّمَا تَجِبُ طَاعَتُهُمْ إذَا كَانَتْ طَاعَتُهُمْ طَاعَةً لِلَّهِ وَهُمْ إذَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِطَاعَتِهِمْ فَطَاعَتُهُمْ دَاخِلَةٌ فِي طَاعَةِ الرَّسُولِ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } . فَلَمْ يَقُلْ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأَطِيعُوا أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ; بَلْ جَعَلَ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ دَاخِلَةً فِي طَاعَةِ الرَّسُولِ ; وَطَاعَةَ الرَّسُولِ طَاعَةً لِلَّهِ وَأَعَادَ الْفِعْلَ فِي طَاعَةِ الرَّسُولِ دُونَ طَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ ; فَإِنَّهُ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ; فَلَيْسَ لِأَحَدٍ إذَا أَمَرَهُ الرَّسُولُ بِأَمْرِ أَنْ يَنْظُرَ هَلْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ أُولِي الْأَمْرِ فَإِنَّهُمْ قَدْ يَأْمُرُونَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أَطَاعَهُمْ مُطِيعًا لِلَّهِ بَلْ لَا بُدَّ فِيمَا يَأْمُرُونَ بِهِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ وَيُنْظَرَ هَلْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْ لَا سَوَاءٌ كَانَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْأُمَرَاءِ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا تَقْلِيدُ الْعُلَمَاءِ وَطَاعَةُ أُمَرَاءِ السَّرَايَا وَغَيْرُ ذَلِكَ وَبِهَذَا يَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ قَالَ تَعَالَى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا قِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً . فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } . ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يُحِبُّ خَلِيفَةً أَوْ عَالِمًا أَوْ شَيْخًا أَوْ أَمِيرًا فَيَجْعَلَهُ نِدًّا لِلَّهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَقُولُ : إنَّهُ يُحِبُّهُ لِلَّهِ . فَمَنْ جَعَلَ غَيْرَ الرَّسُولِ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ وَإِنْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَدْ جَعَلَهُ نِدًّا وَرُبَّمَا صَنَعَ بِهِ كَمَا تَصْنَعُ النَّصَارَى بِالْمَسِيحِ وَيَدْعُوهُ وَيَسْتَغِيثُ بِهِ وَيُوَالِي أَوْلِيَاءَهُ وَيُعَادِي أَعْدَاءَهُ مَعَ إيجَابِهِ طَاعَتَهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ وَيُحَلِّلُهُ وَيُحَرِّمُهُ وَيُقِيمُهُ مَقَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهَذَا مِنْ الشِّرْكِ الَّذِي يَدْخُلُ أَصْحَابُهُ فِي قَوْله تَعَالَى { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } . فَالتَّوْحِيدُ وَالْإِشْرَاكُ يَكُونُ فِي أَقْوَالِ الْقَلْبِ وَيَكُونُ فِي أَعْمَالِ الْقَلْبِ وَلِهَذَا قَالَ الجنيد : التَّوْحِيدُ قَوْلُ الْقَلْبِ وَالتَّوَكُّلُ عَمَلُ الْقَلْبِ أَرَادَ بِذَلِكَ التَّوْحِيدَ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ فَإِنَّهُ لَمَّا قَرَنَهُ بِالتَّوَكُّلِ جَعَلَهُ أَصْلَهُ وَإِذَا أُفْرِدَ لَفْظُ التَّوْحِيدِ فَهُوَ يَتَضَمَّنُ قَوْلَ الْقَلْبِ وَعَمَلُهُ وَالتَّوَكُّلُ مِنْ تَمَامِ التَّوْحِيدِ . وَهَذَا كَلَفْظِ " الْإِيمَانِ " فَإِنَّهُ إذَا أُفْرِدَ دَخَلَتْ فِيهِ الْأَعْمَالُ الْبَاطِنَةُ وَالظَّاهِرَةُ وَقِيلَ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ أَيْ قَوْلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَعَمَلُ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ : { الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ } . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } وَقَوْلُهُ : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } { أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } وَقَوْلُهُ : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } . وَ " الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ " يَدْخُلُ فِيهِ الْإِسْلَامُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ قَالَ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ : آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ ؟ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ } وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ : كُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا . وَأَمَّا إذَا قُرِنَ لَفْظُ الْإِيمَانِ بِالْعَمَلِ أَوْ بِالْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ وَكَمَا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَمَّا سَأَلَهُ جِبْرِيلُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ فَقَالَ : { الْإِسْلَامُ : أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ . قَالَ : فَمَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ . قَالَ : فَمَا الْإِحْسَانُ ؟ قَالَ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ } . فَفَرَّقَ فِي هَذَا النَّصِّ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ لَمَّا قَرَنَ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ وَفِي ذَلِكَ النَّصِّ أَدْخَلَ الْإِسْلَامَ فِي الْإِيمَانِ لَمَّا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ . وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْعَمَلِ " فَإِنَّ الْإِسْلَامَ الْمَذْكُورَ هُوَ مِنْ الْعَمَلِ وَالْعَمَلُ الظَّاهِرُ هُوَ مُوجَبُ إيمَانِ الْقَلْبِ وَمُقْتَضَاهُ فَإِذَا حَصَلَ إيمَانُ الْقَلْبِ حَصَلَ إيمَانُ الْجَوَارِحِ ضَرُورَةً وَإِيمَانُ الْقَلْبِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَانْقِيَادِهِ وَإِلَّا فَلَوْ صَدَّقَ قَلْبُهُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ يُبْغِضُهُ وَيَحْسُدُهُ وَيَسْتَكْبِرُ عَنْ مُتَابَعَتِهِ لَمْ يَكُنْ قَدْ آمَنَ قَلْبُهُ . و " الْإِيمَانُ " وَإِنْ تَضَمَّنَ التَّصْدِيقَ فَلَيْسَ هُوَ مُرَادِفًا لَهُ فَلَا يُقَالُ لِكُلِّ مُصَدِّقٍ بِشَيْءِ : إنَّهُ مُؤْمِنٌ بِهِ . فَلَوْ قَالَ : أَنَا أُصَدِّقُ بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ وَأَنَّ السَّمَاءَ فَوْقَنَا وَالْأَرْضَ تَحْتَنَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُشَاهِدُهُ النَّاسُ وَيَعْلَمُونَهُ لَمْ يُقَلْ لِهَذَا : إنَّهُ مُؤْمِنٌ بِذَلِكَ ; بَلْ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَنْ أَخْبَرَ بِشَيْءِ مِنْ الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ كَقَوْلِ إخْوَةِ يُوسُفَ : { وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا } فَإِنَّهُمْ أَخْبَرُوهُ بِمَا غَابَ عَنْهُ وَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَنْ آمَنَ لَهُ وَآمَنَ بِهِ فَالْأَوَّلُ يُقَالُ لِلْمُخْبِرِ وَالثَّانِي يُقَالُ لِلْمُخْبَرِ بِهِ كَمَا قَالَ إخْوَةُ يُوسُفَ { وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا } وَقَالَ تَعَالَى : { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ } . وَقَالَ تَعَالَى : { وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } فَفَرَّقَ بَيْنَ إيمَانِهِ بِاَللَّهِ وَإِيمَانِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ يُصَدِّقُ الْمُؤْمِنِينَ إذَا أَخْبَرُوهُ وَأَمَّا إيمَانُهُ بِاَللَّهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ بِهِ . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ : { أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا } أَيْ نُقِرُّ لَهُمَا وَنُصَدِّقُهُمَا . وَمِنْهُ قَوْلُهُ : { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إنِّي مُهَاجِرٌ إلَى رَبِّي } . وَمِنْ الْمَعْنَى الْآخَرِ قَوْله تَعَالَى { يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } وَقَوْلُهُ : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ } وَقَوْلُهُ : { وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } أَيْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ . وَ ( الْمَقْصُودُ هُنَا ) أَنَّ لَفْظَ " الْإِيمَانِ " إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأَمْنِ كَمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَرَّ فَالْمُؤْمِنُ صَاحِبُ أَمْنٍ كَمَا أَنَّ الْمُقِرَّ صَاحِبُ إقْرَارٍ فَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ بِمُوجَبِ تَصْدِيقِهِ فَإِذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِذَلِكَ حُبُّهُ وَتَعْظِيمُهُ بَلْ كَانَ يُبْغِضُهُ وَيَحْسُدُهُ وَيَسْتَكْبِرُ عَنْ اتِّبَاعِهِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ بِهِ بَلْ كَافِرٌ بِهِ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ كُفْرُ إبْلِيسَ وَفِرْعَوْنَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ فَإِنَّ إبْلِيسَ لَمْ يُكَذِّبْ خَبَرًا وَلَا مُخْبِرًا بَلْ اسْتَكْبَرَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ . وَفِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ : { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } وَقَالَ لَهُ مُوسَى : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ } وَقَالَ تَعَالَى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } فَمُجَرَّدُ عِلْمِ الْقَلْبِ بِالْحَقِّ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ عَمَلُ الْقَلْبِ بِمُوجَبِ عِلْمِهِ مِثْلُ مَحَبَّةِ الْقَلْبِ لَهُ وَاتِّبَاعِ الْقَلْبِ لَهُ لَمْ يَنْفَعْ صَاحِبَهُ بَلْ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَنَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَدُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ وَقَلْبٍ لَا يَخْشَعُ } وَلَكِنَّ الجهمية ظَنُّوا أَنَّ مُجَرَّدَ عِلْمِ الْقَلْبِ وَتَصْدِيقِهِ هُوَ الْإِيمَانُ وَأَنَّ مَنْ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْمِنِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ عِلْمِ قَلْبِهِ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْجَهْلِ شَرْعًا وَعَقْلًا . وَحَقِيقَتُهُ تُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ ; وَلِهَذَا أَطْلَقَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ كُفْرَهُمْ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنْ الْإِنْسَانَ يَكُونُ عَالِمًا بِالْحَقِّ وَيُبْغِضُهُ لِغَرَضِ آخَرَ فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ كَانَ مُسْتَكْبِرًا عَنْ الْحَقِّ يَكُونُ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَالْإِيمَانُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَعَمَلِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ السَّلَفِ : الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ . ثُمَّ إنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ الْقَلْبُ بِالتَّصْدِيقِ وَالْمَحَبَّةِ التَّامَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْإِرَادَةِ لَزِمَ وُجُودُ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ إذَا اقْتَرَنَتْ بِهَا الْقُدْرَةُ التَّامَّةُ لَزِمَ وُجُودُ الْمُرَادِ قَطْعًا وَإِنَّمَا يَنْتَفِي وُجُودُ الْفِعْلِ لِعَدَمِ كَمَالِ الْقُدْرَةِ أَوْ لِعَدَمِ كَمَالِ الْإِرَادَةِ وَإِلَّا فَمَعَ كَمَالِهَا يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ فَإِذَا أَقَرَّ الْقَلْبُ إقْرَارًا تَامًّا بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَحَبَّهُ مَحَبَّةً تَامَّةً امْتَنَعَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ إنْ كَانَ عَاجِزًا لِخَرَسِ وَنَحْوِهِ أَوْ لِخَوْفِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى النُّطْقِ بِهِمَا . وَ " أَبُو طَالِبٍ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ مُحِبٌّ لَهُ فَلَمْ تَكُنْ مَحَبَّتُهُ لَهُ لِمَحَبَّتِهِ لِلَّهِ بَلْ كَانَ يُحِبُّهُ لِأَنَّهُ ابْنُ أَخِيهِ فَيُحِبُّهُ لِلْقَرَابَةِ وَإِذَا أَحَبَّ ظُهُورَهُ فَلِمَا يَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ مِنْ الشَّرَفِ وَالرِّئَاسَةِ فَأَصْلُ مَحْبُوبِهِ هُوَ الرِّئَاسَةُ ; فَلِهَذَا لَمَّا عَرَضَ عَلَيْهِ الشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَ الْمَوْتِ رَأَى أَنَّ بِالْإِقْرَارِ بِهِمَا زَوَالَ دِينِهِ الَّذِي يُحِبُّهُ فَكَانَ دِينُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ ابْنِ أَخِيهِ فَلَمْ يُقِرَّ بِهِمَا - فَلَوْ كَانَ يُحِبُّهُ لِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا كَانَ يُحِبُّهُ أَبُو بَكْرٍ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ : { وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى } { الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى } { وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى } { إلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى } { وَلَسَوْفَ يَرْضَى } وَكَمَا كَانَ يُحِبُّهُ سَائِرُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ كَعُمَرِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ لَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ قَطْعًا - فَكَانَ حُبُّهُ حُبًّا مَعَ اللَّهِ لَا حُبًّا لِلَّهِ وَلِهَذَا لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ مَا فَعَلَهُ مِنْ نَصْرِ الرَّسُولِ وَمُؤَازَرَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْهُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ بِخِلَافِ الَّذِي فَعَلَ مَا فَعَلَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى . وَهَذَا مِمَّا يُحَقِّقُ أَنَّ " الْإِيمَانَ وَالتَّوْحِيدَ " لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ كَحُبِّ الْقَلْبِ فَلَا بُدَّ مِنْ إخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ وَالدِّينُ لَا يَكُونُ دِينًا إلَّا بِعَمَلِ ; فَإِنَّ الدِّينَ يَتَضَمَّنُ الطَّاعَةَ وَالْعِبَادَةَ ; وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ : { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } و { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } إحْدَاهُمَا فِي تَوْحِيدِ الْقَوْلِ وَالْعِلْمِ . وَالثَّانِيَةُ فِي تَوْحِيدِ الْعَمَلِ وَالْإِرَادَةِ ; فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } { اللَّهُ الصَّمَدُ } { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا التَّوْحِيدَ وَقَالَ فِي الثَّانِي : { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } { لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } { وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } { وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ } { وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ مَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ وَإِخْلَاصَ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ .