تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : الْعَالِمُ الرَّبَّانِيُّ " تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . مَا قَوْلُ السَّادَةِ الْعُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الدِّينِ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } وَقَوْلِهِ : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } وَقَوْلِهِ : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَ " أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ " كَقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ } وَقَوْلِهِ : { يَضَعُ الْجَبَّارُ قَدَمَهُ فِي النَّارِ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَمَا قَالَتْ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وَابْسُطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ مَأْجُورِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
123456789101112131415161718192021222324252627
وَمِنْ مُتَأَخَّرِيهِمْ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ أَبِي صَالِحٍ الجيلاني قَالَ فِي كِتَابِ " الغنية " : أَمَّا مَعْرِفَةُ الصَّانِعِ بِالْآيَاتِ وَالدَّلَالَاتِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ فَهُوَ أَنْ يَعْرِفَ وَيَتَيَقَّنَ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ أَحَدٌ . إلَى أَنْ قَالَ : وَهُوَ بِجِهَةِ الْعُلُوِّ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ مُحْتَوٍ عَلَى الْمُلْكِ مُحِيطٌ عِلْمُهُ بِالْأَشْيَاءِ { إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ } وَلَا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ ; بَلْ يُقَالُ إنَّهُ فِي السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا قَالَ : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } . وَذَكَرَ آيَاتِ وَأَحَادِيثَ إلَى أَنْ قَالَ : وَيَنْبَغِي إطْلَاقُ صِفَةِ الِاسْتِوَاءِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَأَنَّهُ اسْتِوَاءُ الذَّاتِ عَلَى الْعَرْشِ ( قَالَ : وَكَوْنُهُ عَلَى الْعَرْشِ : مَذْكُورٌ فِي كُلِّ كِتَابٍ أُنْزِلَ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ أُرْسِلَ بِلَا كَيْفٍ وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا لَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمَوْضِعُ وَذَكَرَ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ نَحْوَ هَذَا . وَلَوْ ذَكَرْت مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا لَطَالَ الْكِتَابُ جِدًّا . قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ " : رَوَيْنَا عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَس وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَسُفْيَانَ بْنِ عيينة والأوزاعي وَمَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ فِي أَحَادِيثَ الصِّفَاتِ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ قَالُوا : أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ ; قَالَ أَبُو عُمَرَ : مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَقْلِ الثِّقَاتِ أَوْ جَاءَ عَنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَهُوَ عِلْمٌ يُدَانُ بِهِ ; وَمَا أُحْدِثَ بَعْدَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ فِيمَا جَاءَ عَنْهُمْ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ . وَقَالَ فِي " شَرْحِ الْمُوَطَّأِ " لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيثِ النُّزُولِ قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتُ النَّقْلِ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ وَلَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهِ وَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ طُرُقٍ - سِوَى هَذِهِ - مِنْ أَخْبَارِ الْعُدُولِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ كَمَا قَالَتْ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ مِنْ حُجَّتِهِمْ عَلَى " الْمُعْتَزِلَةِ " فِي قَوْلِهِمْ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ مَكَانٍ بِذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ . قَالَ : وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ قَوْلُ اللَّهِ - وَذَكَرَ بَعْضَ الْآيَاتِ - إلَى أَنْ قَالَ : وَهَذَا أَشْهَرُ وَأَعْرَفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى أَكْثَرَ مِنْ حِكَايَتِهِ لِأَنَّهُ اضْطِرَارٌ لَمْ يُوقِفْهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ مُسْلِمٌ . وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا : أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ حُمِلَ عَنْهُمْ التَّأْوِيلَ قَالُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ : { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ } هُوَ عَلَى الْعَرْشِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَمَا خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ مَنْ يَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ أَيْضًا : أَهْلُ السُّنَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ كُلِّهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِيمَانِ بِهَا وَحَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ ; لَا عَلَى الْمَجَازِ إلَّا إنَّهُمْ لَا يُكَيِّفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَحُدُّونَ فِيهِ صِفَةً مَحْصُورَةً . وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ الجهمية وَالْمُعْتَزِلَةُ كُلُّهَا وَالْخَوَارِجُ : فَكُلُّهُمْ يُنْكِرُونَهَا وَلَا يَحْمِلُونَ شَيْئًا مِنْهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِهَا مُشَبِّهٌ وَهُمْ عِنْدَ مَنْ أَقَرَّ بِهَا نَافُونَ لِلْمَعْبُودِ وَالْحَقُّ فِيمَا قَالَهُ الْقَائِلُونَ : بِمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ أَئِمَّةُ الْجَمَاعَةِ . هَذَا كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إمَامِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ .