بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ  الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ  عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : الْعَالِمُ الرَّبَّانِيُّ "  تَقِيُّ الدِّينِ  أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ تيمية     رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى   . مَا قَوْلُ  السَّادَةِ الْعُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الدِّينِ  فِي  آيَاتِ الصِّفَاتِ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {   الرَّحْمَنُ  عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى   }  وَقَوْلِهِ :   {  ثُمَّ اسْتَوَى  عَلَى الْعَرْشِ   }  وَقَوْلِهِ :   {  ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ   }  إلَى غَيْرِ  ذَلِكَ  مِنْ   آيَاتِ الصِّفَاتِ وَ " أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ  " كَقَوْلِهِ :   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {   إنَّ قُلُوبَ بَنِي  آدَمَ  بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ  مِنْ  أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ   }  وَقَوْلِهِ :   {   يَضَعُ الْجَبَّارُ  قَدَمَهُ  فِي النَّارِ   }  إلَى غَيْرِ  ذَلِكَ وَمَا  قَالَتْ الْعُلَمَاءُ  فِيهِ وَابْسُطُوا الْقَوْلَ  فِي  ذَلِكَ مَأْجُورِينَ إنْ  شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . 
				
				
				 وَجِمَاعُ الْأَمْرِ :  أَنَّ   الْأَقْسَامَ الْمُمْكِنَةَ  فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا  " سِتَّةُ أَقْسَامٍ " كُلُّ قِسْمٍ عَلَيْهِ  طَائِفَةٌ  مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ . " قِسْمَانِ " يَقُولَانِ :  تَجْرِي  عَلَى ظَوَاهِرِهَا . و " قِسْمَانِ " يَقُولَانِ : هِيَ  عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهَا . و " قِسْمَانِ " يَسْكُتُونَ . أَمَّا الْأَوَّلُونَ فَقِسْمَانِ : ( أَحَدُهُمَا مَنْ  يُجْرِيهَا  عَلَى ظَاهِرِهَا وَيَجْعَلُ ظَاهِرَهَا  مِنْ جِنْسِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ فَهَؤُلَاءِ   الْمُشْبِهَةُ  وَمَذْهَبُهُمْ بَاطِلٌ  أَنْكَرَهُ   السَّلَفُ  وَإِلَيْهِمْ يَتَوَجَّهُ الرَّدُّ بِالْحَقِّ . ( الثَّانِي : مَنْ  يُجْرِيهَا  عَلَى ظَاهِرِهَا  اللَّائِقِ بِجَلَالِ اللَّهِ  كَمَا  يُجْرِي ظَاهِرَ اسْمِ الْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ وَالرَّبِّ وَالْإِلَهِ وَالْمَوْجُودِ وَالذَّاتِ وَنَحْوَ  ذَلِكَ ;  عَلَى ظَاهِرِهَا  اللَّائِقِ بِجَلَالِ اللَّهِ ;  فَإِنَّ ظَوَاهِرَ هَذِهِ الصِّفَاتِ  فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ إمَّا جَوْهَرٌ مُحْدَثٌ وَإِمَّا عَرَضٌ قَائِمٌ  بِهِ .  فَالْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْكَلَامُ  وَالْمَشِيئَةُ وَالرَّحْمَةُ وَالرِّضَا وَالْغَضَبُ وَنَحْوُ  ذَلِكَ :  فِي حَقِّ الْعَبْدِ أَعْرَاضٌ ; وَالْوَجْهُ وَالْيَدُ وَالْعَيْنُ  فِي حَقِّهِ أَجْسَامٌ فَإِذَا  كَانَ اللَّهُ مَوْصُوفًا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ بِأَنَّ لَهُ عِلْمًا وَقُدْرَةً وَكَلَامًا  وَمَشِيئَةً -  وَإِنْ لَمْ يَكُنْ  ذَلِكَ عَرَضًا ; يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ  عَلَى صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ -  جَازَ أَنْ  يَكُونَ وَجْهُ اللَّهِ  وَيَدَاهُ صِفَاتٌ لَيْسَتْ أَجْسَامًا يَجُوزُ عَلَيْهَا مَا يَجُوزُ  عَلَى صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ . وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي حَكَاهُ  الخطابي  وَغَيْرُهُ عَنْ   السَّلَفِ  وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ جُمْهُورِهِمْ وَكَلَامُ الْبَاقِينَ لَا يُخَالِفُهُ ; وَهُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ  فَإِنَّ الصِّفَاتِ كَالذَّاتِ .  فَكَمَا  أَنَّ ذَاتَ اللَّهِ ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً  مِنْ غَيْرِ أَنْ  تَكُونَ  مِنْ جِنْسِ الْمَخْلُوقَاتِ فَصِفَاتُهُ ثَابِتَةٌ حَقِيقِيَّةً  مِنْ غَيْرِ أَنْ  تَكُونَ  مِنْ جِنْسِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ  . فَمَنْ  قَالَ : لَا أَعْقِلُ عِلْمًا وَيَدًا إلَّا  مِنْ جِنْسِ الْعِلْمِ وَالْيَدِ الْمَعْهُودَيْنِ .  قِيلَ لَهُ :  فَكَيْفَ تَعْقِلُ ذَاتًا  مِنْ غَيْرِ جِنْسِ ذَوَاتِ الْمَخْلُوقِينَ ;  وَمِنْ الْمَعْلُومِ  أَنَّ صِفَاتِ كُلِّ مَوْصُوفٍ تُنَاسِبُ ذَاتَه وَتُلَائِمُ حَقِيقَتَهُ ; فَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ  مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ - الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ - إلَّا مَا يُنَاسِبُ الْمَخْلُوقَ فَقَدْ  ضَلَّ  فِي عَقْلِهِ  وَدِينِهِ .  وَمَا  أَحْسَنَ مَا  قَالَ بَعْضُهُمْ :  إذا   قَالَ  لَك الجهمي  كَيْفَ اسْتَوَى أَوْ  كَيْفَ يَنْزِلُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا أَوْ  كَيْفَ  يَدَاهُ وَنَحْوَ  ذَلِكَ  فَقُلْ لَهُ :  كَيْفَ هُوَ  فِي ذَاتِهِ ؟ فَإِذَا  قَالَ  لَك لَا يَعْلَمُ مَا هُوَ إلَّا هُوَ  وَكُنْهُ  الْبَارِي تَعَالَى غَيْرَ مَعْلُومٍ لِلْبَشَرِ . فَقُلْ لَهُ : فَالْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ الصِّفَةِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْمَوْصُوفِ ;  فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تَعْلَمَ كَيْفِيَّةَ صِفَةٍ لِمَوْصُوفِ لَمْ تَعْلَمْ كَيْفِيَّتَهُ وَإِنَّمَا تَعْلَمُ الذَّاتَ وَالصِّفَاتِ  مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ  عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي  لَك .  بَلْ هَذِهِ " الْمَخْلُوقَاتُ  فِي الْجَنَّةِ " قَدْ  ثَبَتَ عَنْ  ابْنِ عَبَّاسٍ  أَنَّهُ  قَالَ : لَيْسَ  فِي الدُّنْيَا مِمَّا  فِي الْجَنَّةِ إلَّا الْأَسْمَاءُ وَقَدْ  أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى :  أَنَّهُ لَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا  أُخْفِيَ  لَهُمْ  مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ  وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّ  فِي الْجَنَّةِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا  خَطَرَ  عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ  . فَإِذَا  كَانَ  نَعِيمُ الْجَنَّةِ وَهُوَ خَلْقٌ  مِنْ خَلْقِ اللَّهِ  كَذَلِكَ  فَمَا ظَنُّك بِالْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .  وَهَذِهِ " الرُّوحُ " الَّتِي  فِي بَنِي  آدَمَ  قَدْ عَلِمَ الْعَاقِلُ اضْطِرَابَ النَّاسِ  فِيهَا وَإِمْسَاكَ النُّصُوصِ عَنْ بَيَانِ كَيْفِيَّتِهَا ;  أَفَلَا يَعْتَبِرُ الْعَاقِلُ بِهَا عَنْ الْكَلَامِ  فِي كَيْفِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى ؟ مَعَ  أَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ الرُّوحَ  فِي الْبَدَنِ  وَأَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْهُ وَتَعْرُجُ إلَى السَّمَاءِ ;  وَأَنَّهَا تُسَلُّ مِنْهُ وَقْتَ النَّزْعِ  كَمَا نَطَقَتْ  بِذَلِكَ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ لَا نُغَالِي  فِي تَجْرِيدِهَا غُلُوَّ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ - حَيْثُ  نَفَوْا عَنْهَا الصُّعُودَ وَالنُّزُولَ وَالِاتِّصَالَ بِالْبَدَنِ وَالِانْفِصَالَ عَنْهُ  وَتَخَبَّطُوا  فِيهَا حَيْثُ رَأَوْهَا  مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْبَدَنِ وَصِفَاتِهِ فَعَدَمُ  مُمَاثَلَتِهَا لِلْبَدَنِ لَا يَنْفِي أَنْ  تَكُونَ هَذِهِ الصِّفَاتُ ثَابِتَةً  لَهَا بِحَسْبِهَا إلَّا أَنْ يُفَسِّرُوا كَلَامَهُمْ بِمَا يُوَافِقُ النُّصُوصَ ; فَيَكُونُونَ قَدْ أَخْطَئُوا  فِي اللَّفْظِ  وَأَنَّى  لَهُمْ  بِذَلِكَ .  وَلَا نَقُولُ إنَّهَا مُجَرَّدُ جُزْءٍ  مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ كَالدَّمِ وَالْبُخَارِ مَثَلًا ; أَوْ صِفَةٌ  مِنْ صِفَاتِ الْبَدَنِ وَالْحَيَاةِ  وَأَنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الْأَجْسَادِ وَمُسَاوِيَةٌ  لِسَائِرِ الْأَجْسَادِ  فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةُ  كَمَا يَقُولُ طَوَائِفُ  مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ بَلْ نَتَيَقَّنُ  أَنَّ الرُّوحَ عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ غَيْرَ الْبَدَنِ ;  وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مُمَاثِلَةً لَهُ ; وَهِيَ مَوْصُوفَةٌ بِمَا نَطَقَتْ  بِهِ النُّصُوصُ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا ; فَإِذَا  كَانَ مَذْهَبُنَا  فِي حَقِيقَةِ " الرُّوحِ " وَصِفَاتِهَا بَيْنَ الْمُعَطِّلَةِ وَالْمُمَثِّلَةِ :  فَكَيْفَ الظَّنُّ بِصِفَاتِ  رَبِّ الْعَالَمِينَ ؟ . وَأَمَّا ( الْقِسْمَانِ اللَّذَانِ يَنْفِيَانِ ظَاهِرَهَا ;  أَعْنِي الَّذِينَ يَقُولُونَ : لَيْسَ  لَهَا  فِي الْبَاطِنِ مَدْلُولٌ هُوَ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى  قَطُّ  وَأَنَّ اللَّهَ لَا صِفَةَ لَهُ ثُبُوتِيَّةً ; بَلْ صِفَاتُهُ إمَّا سَلْبِيَّةٌ وَإِمَّا إضَافِيَّةٌ وَإِمَّا مُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا أَوْ يُثْبِتُونَ بَعْضَ الصِّفَاتِ - وَهِيَ الصِّفَاتُ السَّبْعَةُ أَوْ الثَّمَانِيَةُ أَوْ الْخَمْسَةَ  عَشَرَ - أَوْ يُثْبِتُونَ الْأَحْوَالَ  دُونَ الصِّفَاتِ وَيُقِرُّونَ  مِنْ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ بِمَا  فِي الْقُرْآنِ  دُونَ الْحَدِيثِ  عَلَى مَا قَدْ عُرِفَ  مِنْ مَذَاهِبِ الْمُتَكَلِّمِينَ . فَهَؤُلَاءِ قِسْمَانِ : ( قِسْمٌ يَتَأَوَّلُونَهَا وَيُعَيِّنُونَ الْمُرَادَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ : اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى ; أَوْ بِمَعْنَى عُلُوِّ  الْمَكَانَةِ وَالْقَدْرِ أَوْ بِمَعْنَى ظُهُورِ نُورِهِ لِلْعَرْشِ ; أَوْ بِمَعْنَى انْتِهَاءِ الْخَلْقِ إلَيْهِ ; إلَى غَيْرِ  ذَلِكَ  مِنْ  مَعَانِي الْمُتَكَلِّمِينَ .  ( وَقِسْمٌ يَقُولُونَ : اللَّهُ  أَعْلَمُ بِمَا  أَرَادَ بِهَا ;  لَكِنَّا نَعْلَمُ  أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إثْبَاتَ صِفَةٍ خَارِجِيَّةٍ  عَمَّا عَلِمْنَاهُ :  وَأَمَّا ( الْقِسْمَانِ الْوَاقِفَانِ : - فَقَوْمٌ يَقُولُونَ : يَجُوزُ أَنْ  يَكُونَ ظَاهِرُهَا الْمُرَادَ  اللَّائِق بِجَلَالِ اللَّهِ ; وَيَجُوزُ أَنْ لَا  يَكُونَ الْمُرَادُ صِفَةَ اللَّهِ وَنَحْوُ  ذَلِكَ . وَهَذِهِ طَرِيقَةُ كَثِيرٍ  مِنْ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ .  وَقَوْمٌ يُمْسِكُونَ عَنْ  هَذَا كُلِّهِ وَلَا يَزِيدُونَ  عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ  وَقِرَاءَةِ الْحَدِيثِ مُعْرِضِينَ بِقُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ عَنْ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ . فَهَذِهِ " الْأَقْسَامُ السِّتَّةُ " لَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ عَنْ قِسْمٍ مِنْهَا .  وَالصَّوَابُ  فِي كَثِيرٍ  مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا ; الْقَطْعُ بِالطَّرِيقَةِ الثَّابِتَةِ كَالْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ  عَلَى  أَنَّ  اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فَوْقَ عَرْشِهِ وَيَعْلَمُ طَرِيقَةَ الصَّوَابِ  فِي  هَذَا وَأَمْثَالِهِ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ  عَلَى  ذَلِكَ  ; دَلَالَةٌ لَا تَحْتَمِلُ النَّقِيضَ ;  وَفِي بَعْضِهَا قَدْ يَغْلِبُ  عَلَى الظَّنِّ  ذَلِكَ مَعَ احْتِمَالِ النَّقِيضِ وَتَرَدُّدُ الْمُؤْمِنِ  فِي  ذَلِكَ هُوَ بِحَسَبِ مَا يُؤْتَاهُ  مِنْ الْعِلْمِ  وَالْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا  فَمَا لَهُ  مِنْ نُورٍ .  وَمَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ  ذَلِكَ أَوْ غَيْرُهُ فَلْيَدْعُ بِمَا رَوَاهُ  مُسْلِمٌ  فِي صَحِيحِهِ  عَنْ   {  عَائِشَةَ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا  قَالَتْ :  كَانَ رَسُولُ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ  يُصَلِّي  مِنْ اللَّيْلِ  قَالَ : اللَّهُمَّ  رَبَّ   جبرائيل   وميكائيل   وَإِسْرَافِيلَ  فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ  أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِك فِيمَا  كَانُوا  فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ;  اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ  فِيهِ  مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِك ; إنَّك تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ   }  وَفِي رِوَايَةٍ  لِأَبِي داود  :   {  أَنَّهُ  كَانَ يُكَبِّرُ  فِي صِلَاتِهِ  ثُمَّ يَقُولُ  ذَلِكَ   }  .  فَإِذَا افْتَقَرَ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ  وَدَعَاهُ  وَأَدْمَنَ النَّظَرَ  فِي  كَلَامِ اللَّهِ  وَكَلَامِ رَسُولِهِ  وَكَلَامِ   الصَّحَابَةِ   وَالتَّابِعِينَ  وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ : انْفَتَحَ لَهُ طَرِيقُ الْهُدَى ;  ثُمَّ إنْ  كَانَ قَدْ خُبِّرَ نِهَايَاتِ أَقْدَامِ الْمُتَفَلْسِفَةِ  والمتكلمين  فِي  هَذَا الْبَابِ ;  وَعَرَفَ  أَنَّ غَالِبَ مَا يَزْعُمُونَهُ بُرْهَانًا هُوَ شُبْهَةٌ وَرَأَى  أَنَّ غَالِبَ مَا يَعْتَمِدُونَهُ يُؤَوَّلُ إلَى دَعْوَى لَا حَقِيقَةَ  لَهَا ; أَوْ شُبْهَةٍ مُرَكَّبَةٍ  مِنْ  قِيَاسٍ فَاسِدٍ ; أَوْ قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ لَا تَصِحُّ إلَّا جُزْئِيَّةً ; أَوْ دَعْوَى إجْمَاعٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ; أَوْ التَّمَسُّكِ  فِي الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلِ بِالْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ . ثُمَّ إنَّ  ذَلِكَ إذَا رُكِّبَ بِأَلْفَاظِ  كَثِيرَةٍ طَوِيلَةٍ غَرِيبَةٍ عَمَّنْ لَمْ يَعْرِفُ اصْطِلَاحَهُمْ - أَوْهَمَتْ الْغِرَّ مَا يُوهِمُهُ السَّرَابُ لِلْعَطْشَانِ - ازْدَادَ  إيمَانًا وَعِلْمًا بِمَا جَاءَ  بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ  فَإِنَّ " الضِّدَّ يُظْهِرُ  حُسْنَهُ الضِّدُّ " وَكُلُّ مَنْ  كَانَ بِالْبَاطِلِ  أَعْلَمُ  كَانَ لِلْحَقِّ  أَشَدَّ تَعْظِيمًا وَبِقَدْرِهِ  أَعْرَفَ إذَا هُدِيَ إلَيْهِ . فَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُونَ  مِنْ   الْمُتَكَلِّمِينَ  فَيُخَافُ عَلَيْهِمْ مَا لَا  يُخَافُ  عَلَى مَنْ لَمْ يَدْخُلْ  فِيهِ  وَعَلَى مَنْ قَدْ  أَنْهَاهُ نِهَايَتُهُ  فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ  فِيهِ فَهُوَ  فِي عَافِيَةٍ وَمَنْ  أَنْهَاهُ فَقَدْ  عَرَفَ الْغَايَةَ  فَمَا بَقِيَ  يَخَافُ  مِنْ شَيْءٍ آخَرَ فَإِذَا  ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ عَطْشَانُ إلَيْهِ قَبْلَهُ  وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ فَيَتَوَهَّمُ بِمَا  يَتَلَقَّاهُ  مِنْ  الْمَقَالَاتِ الْمَأْخُوذَةِ تَقْلِيدًا لِمُعَظِّمَةِ هَؤُلَاءِ .  وَقَدْ  قَالَ بَعْضُ النَّاسِ : أَكْثَرُ مَا يُفْسِدُ الدُّنْيَا : نِصْفٌ مُتَكَلِّمٌ وَنِصْفٌ مُتَفَقِّهٌ وَنِصْفٌ مُتَطَبِّبٌ وَنِصْفٌ نَحْوِيٌّ  هَذَا يُفْسِدُ الْأَدْيَانَ  وَهَذَا يُفْسِدُ الْبُلْدَانَ  وَهَذَا يُفْسِدُ الْأَبْدَانَ  وَهَذَا يُفْسِدُ اللِّسَانَ .  وَمَنْ عَلِمَ  أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ  مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ  فِي الْغَالِبِ {   لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ   }   {   يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ   }  يَعْلَمُ الذَّكِيُّ مِنْهُمْ وَالْعَاقِلُ :  أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ فِيمَا يَقُولُهُ  عَلَى بَصِيرَةٍ  وَأَنَّ حُجَّتَهُ لَيْسَتْ بِبَيِّنَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ  كَمَا  قِيلَ  فِيهَا : -  حُجَجٌ  تهافت كَالزَّجَّاجِ تَخَالُهَا  حَقًّا وَكُلُّ كَاسِرٍ مَكْسُورٌ  وَيَعْلَمُ الْعَلِيمُ الْبَصِيرُ بِهِمْ  أَنَّهُمْ  مِنْ وَجْهٍ مُسْتَحِقُّونَ مَا  قَالَهُ  الشَّافِعِيُّ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  حَيْثُ  قَالَ : حُكْمِي  فِي   أَهْلِ الْكَلَامِ  أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ  وَيُطَافُ بِهِمْ  فِي الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ  وَيُقَالُ :  هَذَا جَزَاءُ مَنْ  أَعْرَضَ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ  وَأَقْبَلَ  عَلَى الْكَلَامِ . وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ إذَا نَظَرْت إلَيْهِمْ بِعَيْنِ الْقَدَرِ - وَالْحَيْرَةُ مُسْتَوْلِيَةٌ عَلَيْهِمْ  وَالشَّيْطَانُ مُسْتَحْوِذٌ عَلَيْهِمْ - رَحِمَتْهُمْ وَتُرُفِّقْت بِهِمْ ;  أُوتُوا ذَكَاءً وَمَا  أُوتُوا ذَكَاءً وَأُعْطُوا فُهُومًا وَمَا أُعْطُوا عُلُومًا وَأُعْطُوا سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً {  فَمَا  أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ  مِنْ شَيْءٍ إذْ  كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ  وَحَاقَ بِهِمْ مَا  كَانُوا  بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ   }  . وَمَنْ  كَانَ عَلِيمًا بِهَذِهِ الْأُمُورِ : تَبَيَّنَ لَهُ  بِذَلِكَ حِذْقُ   السَّلَفِ  وَعِلْمُهُمْ وَخِبْرَتُهُمْ  حَيْثُ حَذَّرُوا عَنْ الْكَلَامِ وَنَهَوْا عَنْهُ وَذَمُّوا أَهْلَهُ  وَعَابُوهُمْ وَعَلِمَ  أَنَّ مَنْ ابْتَغَى الْهُدَى  فِي غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَمْ يَزْدَدْ  مِنْ اللَّهِ إلَّا بُعْدًا .  فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَهْدِيَنَا صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ  أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ  آمِينَ .  وَالْحَمْدُ لِلَّهِ  رَبِّ الْعَالَمِينَ  وَصَلَاتُهُ وَسَلَامُهُ  عَلَى   مُحَمَّدٍ  خَاتَمِ النَّبِيِّينَ  وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .