بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ  الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ  عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : الْعَالِمُ الرَّبَّانِيُّ "  تَقِيُّ الدِّينِ  أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ تيمية     رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى   . مَا قَوْلُ  السَّادَةِ الْعُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الدِّينِ  فِي  آيَاتِ الصِّفَاتِ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {   الرَّحْمَنُ  عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى   }  وَقَوْلِهِ :   {  ثُمَّ اسْتَوَى  عَلَى الْعَرْشِ   }  وَقَوْلِهِ :   {  ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ   }  إلَى غَيْرِ  ذَلِكَ  مِنْ   آيَاتِ الصِّفَاتِ وَ " أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ  " كَقَوْلِهِ :   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {   إنَّ قُلُوبَ بَنِي  آدَمَ  بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ  مِنْ  أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ   }  وَقَوْلِهِ :   {   يَضَعُ الْجَبَّارُ  قَدَمَهُ  فِي النَّارِ   }  إلَى غَيْرِ  ذَلِكَ وَمَا  قَالَتْ الْعُلَمَاءُ  فِيهِ وَابْسُطُوا الْقَوْلَ  فِي  ذَلِكَ مَأْجُورِينَ إنْ  شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . 
				
				
				 وَالْمَقْصُودُ هُنَا : التَّنْبِيهُ  عَلَى أُصُولِ "   الْمَقَالَاتِ الْفَاسِدَةِ " الَّتِي أَوْجَبَتْ الضَّلَالَةَ  فِي بَابِ الْعِلْمِ  وَالْإِيمَانِ  بِمَا جَاءَ  بِهِ الرَّسُولُ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَأَنَّ مَنْ  جَعَلَ الرَّسُولَ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَعَانِي الْقُرْآنِ الَّذِي  أُنْزِلَ إلَيْهِ وَلَا   جِبْرِيلُ  -  جَعَلَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِالسَّمْعِيَّاتِ وَلَمْ يَجْعَلْ الْقُرْآنَ هُدًى وَلَا بَيَانًا لِلنَّاسِ . ثُمَّ هَؤُلَاءِ يُنْكِرُونَ الْعَقْلِيَّاتِ  فِي  هَذَا الْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ  فَلَا يَجْعَلُونَ عِنْدَ الرَّسُولِ  وَأُمَّتِهِ  فِي " بَابِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ  عَزَّ  وَجَلَّ " لَا عُلُومًا عَقْلِيَّةً وَلَا سَمْعِيَّةً ; وَهُمْ قَدْ شَارَكُوا الْمَلَاحِدَةَ  فِي هَذِهِ  مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَهُمْ مُخْطِئُونَ فِيمَا نَسَبُوا إلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَإِلَى   السَّلَفِ  مِنْ الْجَهْلِ  كَمَا  أَخْطَأَ  فِي  ذَلِكَ أَهْلُ التَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيلَاتِ الْفَاسِدَةِ  وَسَائِرُ أَصْنَافِ الْمَلَاحِدَةِ . وَنَحْنُ نَذْكُرُ  مِنْ " أَلْفَاظِ   السَّلَفِ  " بِأَعْيَانِهَا " وَأَلْفَاظِ مَنْ نُقِلَ مَذْهَبُهُمْ " - إلَى غَيْرِ  ذَلِكَ  مِنْ الْوُجُوهِ بِحَسَبِ مَا يَحْتَمِلُهُ  هَذَا الْمَوْضِعُ - مَا يُعْلَمُ  بِهِ مَذْهَبُهُمْ . رَوَى  أَبُو بَكْرٍ البيهقي  فِي   " الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ "  بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ عَنْ  الأوزاعي  قَالَ :  كُنَّا -   وَالتَّابِعُونَ  مُتَوَافِرُونَ - : نَقُولُ إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - فَوْقَ عَرْشِهِ وَنُؤْمِنُ بِمَا  وَرَدَتْ  فِيهِ السُّنَّةُ  مِنْ صِفَاتِهِ  . وَقَدْ حَكَى  الأوزاعي  - وَهُوَ أَحَدُ " الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ "  فِي عَصْرِ  تَابِعِ   التَّابِعِينَ  : الَّذِينَ هُمْ "  مَالِكٌ   إمَامُ   أَهْلِ   الْحِجَازِ  وَ " الأوزاعي   إمَامُ   أَهْلِ  الشَّامِ  وَ " اللَّيْثُ   إمَامُ   أَهْلِ   مِصْرَ  وَ " الثَّوْرِيُّ "  إمَامُ   أَهْلِ   الْعِرَاقِ  - حَكَى شُهْرَةَ الْقَوْلِ  فِي زَمَنِ   التَّابِعِينَ  بِالْإِيمَانِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَوْقَ الْعَرْشِ وَبِصِفَاتِهِ السَّمْعِيَّةِ .  وَإِنَّمَا  قَالَ  الأوزاعي  هَذَا بَعْدَ ظُهُورِ مَذْهَبِ  جَهْمٍ  الْمُنْكِرِ لِكَوْنِ اللَّهِ فَوْقَ عَرْشِهِ  وَالنَّافِي لِصِفَاتِهِ  ; لِيَعْرِفَ النَّاسُ  أَنَّ مَذْهَبَ   السَّلَفِ  خِلَافُ  ذَلِكَ . وَرَوَى  أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ  فِي " كِتَابِ   السُّنَّةِ  " عَنْ  الأوزاعي  قَالَ :   سُئِلَ  مَكْحُولٌ  وَالزُّهْرِيُّ  عَنْ تَفْسِيرِ الْأَحَادِيثِ  فَقَالَا : - أَمِرُّوهَا  كَمَا جَاءَتْ  . وَرَوَى أَيْضًا عَنْ  الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ  قَالَ : سَأَلْت  مَالِكَ بْنَ  أَنَسٍ  وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ  وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ  والأوزاعي  : عَنْ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ  فِي الصِّفَاتِ .  فَقَالُوا : أَمِرُّوهَا  كَمَا جَاءَتْ .  وَفِي رِوَايَةٍ :  فَقَالُوا أَمِرُّوهَا  كَمَا جَاءَتْ  بِلَا كَيْفٍ  . فَقَوْلُهُمْ -   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ  - " أَمِرُّوهَا  كَمَا جَاءَتْ " رَدٌّ  عَلَى الْمُعَطِّلَةِ وَقَوْلُهُمْ : "  بِلَا كَيْفٍ " رَدٌّ  عَلَى الْمُمَثِّلَةِ .  وَالزُّهْرِيُّ  وَمَكْحُولٌ  : هُمَا  أَعْلَمُ   التَّابِعِينَ  فِي زَمَانِهِمْ  وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقُونَ أَئِمَّةُ الدُّنْيَا  فِي عَصْرِ  تَابِعِي   التَّابِعِينَ  وَمِنْ طَبَقَتِهِمْ  حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ  وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ  وَأَمْثَالُهُمَا . وَرَوَى  أَبُو الْقَاسِمِ  الأزجي  بِإِسْنَادِهِ عَنْ  مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ  قَالَ سَمِعْت  مَالِكَ بْنَ  أَنَسٍ  إذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ مَنْ يَدْفَعُ أَحَادِيثَ الصِّفَاتِ يَقُولُ :  قَالَ   "  عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ   :  سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ 
  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَوُلَاةُ الْأَمْرِ بَعْدَهُ سُنَنًا . الْأَخْذُ بِهَا تَصْدِيقٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتِكْمَالٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ وَقُوَّةٌ  عَلَى دِينِ اللَّهِ لَيْسَ لِأَحَدِ  مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى تَغْيِيرُهَا وَلَا النَّظَرُ  فِي شَيْءٍ خَالَفَهَا مَنْ اهْتَدَى بِهَا فَهُوَ مُهْتَدٍ وَمَنْ اسْتَنْصَرَ بِهَا فَهُوَ مَنْصُورٌ وَمَنْ خَالَفَهَا وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى  وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ  مَصِيرًا 
 . 
وَرَوَى  الْخَلَّالُ  بِإِسْنَادِ - كُلُّهُمْ أَئِمَّةٌ ثِقَاتٌ - عَنْ  سُفْيَانَ بْنِ عيينة  .  قَالَ : سُئِلَ  رَبِيعَةُ بْنُ  أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ  عَنْ قَوْلِهِ :   {   الرَّحْمَنُ  عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى   }  كَيْفَ اسْتَوَى .  قَالَ : الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ  وَمِنْ اللَّهِ الرِّسَالَةُ  وَعَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ  وَعَلَيْنَا التَّصْدِيقُ  .  وَهَذَا الْكَلَامُ مَرْوِيٌّ عَنْ "  مَالِكِ بْنِ  أَنَسٍ   تِلْمِيذِ  رَبِيعَةَ بْنِ  أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ  مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ . ( مِنْهَا : مَا رَوَاهُ  أَبُو الشَّيْخِ الأصبهاني  وَأَبُو بَكْرٍ البيهقي  عَنْ  يَحْيَى بْنِ يَحْيَى  ;  قَالَ :  كُنَّا عِنْدَ  مَالِكِ بْنِ  أَنَسٍ  ; فَجَاءَ رَجُلٌ  فَقَالَ يَا  أَبَا عَبْدِ اللَّهِ :   {   الرَّحْمَنُ  عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى   }  كَيْفَ اسْتَوَى ؟ فَأَطْرَقَ  مَالِكٌ  بِرَأْسِهِ حَتَّى  عَلَاهُ الرُّحَضَاءُ  ثُمَّ  قَالَ : الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ  وَالْإِيمَانُ  بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ . وَمَا  أَرَاك إلَّا مُبْتَدِعًا ;  ثُمَّ  أَمَرَ  بِهِ أَنْ يُخْرَجَ .  فَقَوْلُ  رَبِيعَةَ  وَمَالِكٍ  : الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ  وَالْإِيمَانُ  بِهِ وَاجِبٌ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْبَاقِينَ : أَمِرُّوهَا  كَمَا جَاءَتْ  بِلَا كَيْفٍ فَإِنَّمَا  نَفَوْا عِلْمَ الْكَيْفِيَّةِ وَلَمْ  يَنْفُوا حَقِيقَةَ الصِّفَةِ .  وَلَوْ  كَانَ الْقَوْمُ قَدْ آمَنُوا بِاللَّفْظِ الْمُجَرَّدِ  مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ لِمَعْنَاهُ -  عَلَى مَا يَلِيقُ بِاَللَّهِ -  لَمَا  قَالُوا : الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ  وَلَمَا  قَالُوا : أَمِرُّوهَا  كَمَا جَاءَتْ  بِلَا كَيْفٍ  فَإِنَّ الِاسْتِوَاءَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مَعْلُومًا بَلْ مَجْهُولًا بِمَنْزِلَةِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ . وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نَفْيِ عِلْمِ الْكَيْفِيَّةِ إذَا لَمْ يُفْهَمْ عَنْ اللَّفْظِ مَعْنًى ; وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى نَفْيِ عِلْمِ الْكَيْفِيَّةِ إذَا أُثْبِتَتْ الصِّفَاتُ .  وَأَيْضًا :  فَإِنَّ مَنْ يَنْفِي الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ - أَوْ الصِّفَاتِ مُطْلَقًا - لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَقُولَ  بِلَا كَيْفٍ فَمَنْ  قَالَ : إنَّ اللَّهَ لَيْسَ  عَلَى الْعَرْشِ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ  بِلَا كَيْفٍ فَلَوْ  كَانَ مَذْهَبُ   السَّلَفِ  نَفْيَ الصِّفَاتِ  فِي نَفْسِ الْأَمْرِ  لَمَا  قَالُوا  بِلَا كَيْفٍ .  وَأَيْضًا : فَقَوْلُهُمْ : أَمِرُّوهَا  كَمَا جَاءَتْ يَقْتَضِي إبْقَاءَ دَلَالَتِهَا  عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا جَاءَتْ أَلْفَاظٌ دَالَّةٌ  عَلَى مَعَانٍ ; فَلَوْ  كَانَتْ دَلَالَتُهَا مُنْتَفِيَةً  لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ : أَمِرُّوا لَفْظَهَا مَعَ اعْتِقَادِ  أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهَا غَيْرُ  مُرَادٍ ; أَوْ أَمِرُّوا لَفْظَهَا مَعَ اعْتِقَادِ  أَنَّ اللَّهَ لَا يُوصَفُ بِمَا  دَلَّتْ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَحِينَئِذٍ  فَلَا تَكُونُ قَدْ أُمِرَّتْ  كَمَا جَاءَتْ وَلَا  يُقَالُ حِينَئِذٍ  بِلَا كَيْفٍ ; إذْ نَفْيُ الْكَيْفِ  عَمَّا لَيْسَ بِثَابِتِ لَغْوٌ  مِنْ الْقَوْلِ .  وَرَوَى  الْأَثْرَمُ  فِي "   السُّنَّةِ  "  وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ  فِي   " الْإِبَانَةِ "  وَأَبُو عَمْرو الطلمنكي  وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ عَنْ  عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ  أَبِي سَلَمَةَ الماجشون  - وَهُوَ أَحَدُ " أَئِمَّةِ  الْمَدِينَةِ  الثَّلَاثَةِ " الَّذِينَ هُمْ  مَالِكُ بْنُ  أَنَسٍ  وَابْنُ الماجشون  وَابْنُ  أَبِي ذِئْبٍ  - وَقَدْ سُئِلَ  عَمَّا جَحَدَتْ  بِهِ   الجهمية  : "  أَمَّا بَعْدُ : فَقَدْ  فَهِمْت مَا سَأَلْت فِيمَا تَتَابَعَتْ   الجهمية  وَمَنْ خَلْفَهَا  فِي صِفَةِ " الرَّبِّ الْعَظِيمِ " الَّذِي  فَاقَتْ عَظَمَتُهُ الْوَصْفَ وَالتَّدَبُّرَ وَكَلَّتْ الْأَلْسُنُ عَنْ تَفْسِيرِ صِفَتِهِ وَانْحَصَرَتْ الْعُقُولُ  دُونَ مَعْرِفَةِ قُدْرَتِهِ  وَرَدَّتْ عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغًا فَرَجَعَتْ خَاسِئَةً وَهِيَ حَسِيرَةٌ . وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِالنَّظَرِ وَالتَّفَكُّرِ فِيمَا  خَلَقَ بِالتَّقْدِيرِ وَإِنَّمَا  يُقَالُ "  كَيْفَ " لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَرَّةً  ثُمَّ  كَانَ .  فَأَمَّا الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ وَلَمْ يَزَلْ وَلَيْسَ لَهُ مِثْلٌ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ  كَيْفَ هُوَ إلَّا هُوَ .  وَكَيْفَ يُعْرَفُ قَدْرَ مَنْ لَمْ يَبْدَأْ وَمَنْ لَا يَمُوتُ وَلَا يَبْلَى ؟  وَكَيْفَ يَكُونُ لِصِفَةِ شَيْءٍ مِنْهُ حَدٌّ أَوْ مُنْتَهَى - يَعْرِفُهُ عَارِفٌ أَوْ يَحُدُّ قَدْرَهُ وَاصِفٌ ؟ -  عَلَى  أَنَّهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ لَا  حَقَّ  أَحَقُّ مِنْهُ وَلَا شَيْءَ  أَبْيَنَ مِنْهُ . الدَّلِيلُ  عَلَى عَجْزِ الْعُقُولِ عَنْ تَحْقِيقِ صِفَتِهِ عَجْزُهَا عَنْ تَحْقِيقِ صِفَةِ أَصْغَرِ خَلْقِهِ لَا تَكَادُ تَرَاهُ صِغَرًا يَجُولُ وَيَزُولُ وَلَا يُرَى لَهُ سَمْعٌ وَلَا بَصَرٌ ; لِمَا يَتَقَلَّبُ  بِهِ وَيَحْتَالُ  مِنْ عَقْلِهِ  أَعْضَلُ  بِك  وَأَخْفَى عَلَيْك مِمَّا  ظَهَرَ  مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ  فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَخَالِقُهُمْ وَسَيِّدُ  السَّادَةِ وَرَبُّهُمْ {   لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ   }  . اعْرِفْ -  رَحِمَك اللَّهُ - غِنَاك عَنْ تَكَلُّفِ صِفَةِ مَا لَمْ  يَصِفْ الرَّبُّ  مِنْ نَفْسِهِ بِعَجْزِك عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِ مَا وَصَفَ مِنْهَا ; إذَا لَمْ تَعْرِفْ قَدْرَ مَا وَصَفَ  فَمَا تُكَلِّفُك عِلْمَ مَا لَمْ  يَصِفْ ؟ هَلْ تَسْتَدِلُّ  بِذَلِكَ  عَلَى شَيْءٍ  مِنْ طَاعَتِهِ أَوْ تَزْدَجِرُ  بِهِ عَنْ شَيْءٍ  مِنْ مَعْصِيَتِهِ ؟  فَأَمَّا الَّذِي  جَحَدَ مَا وَصَفَ الرَّبُّ  مِنْ نَفْسِهِ تَعَمُّقًا وَتَكَلُّفًا فَقَدَ {   اسْتَهْوَتْهُ  الشَّيَاطِينُ  فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ   }  فَصَارَ يَسْتَدِلُّ - بِزَعْمِهِ -  عَلَى جَحْدِ مَا وَصَفَ الرَّبُّ وَسَمَّى  مِنْ نَفْسِهِ بِأَنْ  قَالَ : لَا  بُدَّ إنْ  كَانَ لَهُ  كَذَا  مِنْ أَنْ  يَكُونَ لَهُ  كَذَا  فَعَمَى عَنْ الْبَيْنِ بِالْخَفِيِّ  فَجَحَدَ مَا سَمَّى الرَّبُّ  مِنْ نَفْسِهِ لِصَمْتِ الرَّبِّ  عَمَّا لَمْ يُسَمِّ مِنْهَا فَلَمْ يَزَلْ يُمْلِي لَهُ  الشَّيْطَانُ حَتَّى  جَحَدَ قَوْلَ اللَّهِ  عَزَّ  وَجَلَّ : {   وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ   }   {   إلَى  رَبِّهَا نَاظِرَةٌ   }  فَقَالَ : لَا يَرَاهُ أَحَدٌ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ  فَجَحَدَ وَاَللَّهِ  أَفْضَلَ كَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي  أَكْرَمَ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ  مِنْ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ وَنَضْرَتِهِ إيَّاهُمْ {  فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ   }  قَدْ  قَضَى  أَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فَهُمْ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ يَنْضُرُونَ . إلَى أَنْ  قَالَ : - وَإِنَّمَا  جَحَدَ رُؤْيَةَ اللَّهِ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ  إقَامَةً لِلْحُجَّةِ الضَّالَّةِ الْمُضِلَّةِ ; لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ  أَنَّهُ إذَا تَجَلَّى  لَهُمْ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ رَأَوْا مِنْهُ مَا  كَانُوا  بِهِ قَبْلَ  ذَلِكَ مُؤْمِنِينَ  وَكَانَ لَهُ جَاحِدًا . {  وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى  رَبَّنَا يَوْمَ  الْقِيَامَةِ ؟  فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  هَلْ  تُضَارُّونَ  فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ .  قَالُوا : لَا .  قَالَ : فَهَلْ  تُضَارُّونَ  فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ ؟  قَالُوا : لَا .  قَالَ : فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ  رَبَّكُمْ يَوْمَئِذٍ  كَذَلِكَ   }  .  وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {   لَا تَمْتَلِئُ النَّارُ حَتَّى يَضَعَ الْجَبَّارُ  فِيهَا  قَدَمَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ   }   {  وَقَالَ  لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ  : لَقَدْ  ضَحِكَ اللَّهُ مِمَّا فَعَلْت بِضَيْفِك الْبَارِحَةَ   }   {  وَقَالَ فِيمَا بَلَغَنَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيَضْحَكُ  مِنْ  أَزَلِّكُمْ وَقُنُوطِكُمْ وَسُرْعَةِ إجَابَتِكُمْ  فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ  مِنْ   الْعَرَبِ  إنَّ  رَبَّنَا لَيَضْحَكُ ؟  قَالَ : نَعَمْ  قَالَ لَا نَعْدَمُ  مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا   }  . إلَى أَشْبَاهٍ لِهَذَا مِمَّا لَا نُحْصِيهِ .  وَقَالَ تَعَالَى : {   وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ   }   {   وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَلِتُصْنَعَ  عَلَى عَيْنِي   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى  عَمَّا يُشْرِكُونَ   }  . فَوَاَللَّهِ مَا  دَلَّهُمْ  عَلَى عِظَمِ مَا وَصَفَهُ  مِنْ نَفْسِهِ وَمَا تُحِيطُ  بِهِ قَبْضَتُهُ : إلَّا صِغَرُ نَظِيرِهَا مِنْهُمْ عِنْدَهُمْ إنَّ  ذَلِكَ الَّذِي  أُلْقِيَ  فِي رَوْعِهِمْ وَخُلِقَ  عَلَى مَعْرِفَةِ قُلُوبِهِمْ فَمَا وَصَفَ اللَّهُ  مِنْ نَفْسِهِ  وَسَمَّاهُ  عَلَى  لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  سَمَّيْنَاهُ  كَمَا  سَمَّاهُ وَلَمْ نَتَكَلَّفْ مِنْهُ صِفَةَ مَا سِوَاهُ - لَا  هَذَا وَلَا  هَذَا - لَا نَجْحَدُ مَا وَصَفَ وَلَا نَتَكَلَّفُ مَعْرِفَةَ مَا لَمْ  يَصِفْ .  اعْلَمْ -  رَحِمَك اللَّهُ -  أَنَّ الْعِصْمَةَ  فِي الدِّينِ أَنْ تَنْتَهِيَ  فِي الدِّينِ حَيْثُ انْتَهَى  بِك وَلَا تُجَاوِزْ مَا قَدْ  حَدَّ  لَك  فَإِنَّ  مِنْ قِوَامِ الدِّينِ مَعْرِفَةَ الْمَعْرُوفِ وَإِنْكَارَ الْمُنْكَرِ  فَمَا بُسِطَتْ عَلَيْهِ الْمَعْرِفَةُ وَسَكَنَتْ إلَيْهِ الْأَفْئِدَةُ وَذُكِرَ أَصْلُهُ  فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَوَارَثَتْ عِلْمَهُ الْأُمَّةُ :  فَلَا  تَخَافَنَّ  فِي ذِكْرِهِ وَصِفَتِهِ  مِنْ رَبِّك مَا وَصَفَ  مِنْ نَفْسِهِ عَيْبًا ; وَلَا تَتَكَلَّفَنَّ بِمَا وُصِفَ  لَك  مِنْ  ذَلِكَ قَدْرًا .  وَمَا أَنْكَرَتْهُ نَفْسُك وَلَمْ تَجِدْ ذِكْرَهُ  فِي كِتَابِ رَبِّك وَلَا  فِي حَدِيثٍ عَنْ نَبِيِّك -  مِنْ ذِكْرِ صِفَةِ رَبِّك -  فَلَا تُكَلِّفَنَّ  عَلَمَهُ بِعَقْلِك ; وَلَا  تَصِفْهُ بِلِسَانِك ; وَاصْمُتْ عَنْهُ  كَمَا صَمَتَ الرَّبُّ عَنْهُ  مِنْ نَفْسِهِ  فَإِنَّ تَكَلُّفَك مَعْرِفَةَ مَا لَمْ  يَصِفْ  مِنْ نَفْسِهِ مِثْلُ إنْكَارِ مَا وَصَفَ مِنْهَا ;  فَكَمَا أَعْظَمْت مَا  جَحَدَهُ الْجَاحِدُونَ مِمَّا وَصَفَ  مِنْ نَفْسِهِ :  فَكَذَلِكَ أَعْظِمْ تَكَلُّفَ مَا وَصَفَ الْوَاصِفُونَ مِمَّا لَمْ  يَصِفْ مِنْهَا .  فَقَدَ - وَاَللَّهِ -  عَزَّ الْمُسْلِمُونَ ; الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الْمَعْرُوفَ وَبِهِمْ يُعْرَفُ ; وَيُنْكِرُونَ الْمُنْكَرَ وَبِإِنْكَارِهِمْ يُنْكَرُ ; يَسْمَعُونَ مَا وَصَفَ اللَّهُ  بِهِ نَفْسَهُ  مِنْ  هَذَا  فِي كِتَابِهِ وَمَا بَلَغَهُمْ مِثْلُهُ عَنْ نَبِيِّهِ  فَمَا  مَرِضَ  مِنْ ذِكْرِ  هَذَا وَتَسْمِيَتِهِ قَلْبُ مُسْلِمٍ وَلَا تَكَلَّفَ صِفَةَ قَدْرِهِ وَلَا تَسْمِيَةَ غَيْرِهِ  مِنْ الرَّبِّ مُؤْمِنٌ .  وَمَا ذُكِرَ عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  سَمَّاهُ  مِنْ صِفَةِ  رَبِّهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا  سُمِّيَ وَمَا وَصَفَ الرَّبُّ تَعَالَى  مِنْ نَفْسِهِ  . وَالرَّاسِخُونَ  فِي الْعِلْمِ - الْوَاقِفُونَ حَيْثُ انْتَهَى عِلْمُهُمْ الْوَاصِفُونَ لِرَبِّهِمْ بِمَا وَصَفَ  مِنْ نَفْسِهِ التَّارِكُونَ لِمَا  تَرَكَ  مِنْ ذِكْرِهَا - لَا يُنْكِرُونَ صِفَةَ مَا  سُمِّيَ مِنْهَا جَحْدًا وَلَا يَتَكَلَّفُونَ وَصْفَهُ بِمَا لَمْ يُسَمِّ تَعَمُّقًا ; لِأَنَّ الْحَقَّ  تَرْكُ مَا  تَرَكَ وَتَسْمِيَةُ مَا سَمَّى وَمَنْ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ  نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ  مَصِيرًا  وَهَبَ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ حُكْمًا  وَأَلْحَقَنَا بِالصَّالِحِينَ " . وَهَذَا كُلُّهُ كَلَامُ  ابْنِ الماجشون  الْإِمَامِ " فَتَدَبَّرْهُ وَانْظُرْ  كَيْفَ  أَثْبَتَ الصِّفَاتِ وَنَفَى عِلْمَ الْكَيْفِيَّةِ - مُوَافِقًا لِغَيْرِهِ  مِنْ الْأَئِمَّةِ -  وَكَيْفَ  أَنْكَرَ  عَلَى مَنْ نَفَى الصِّفَاتِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ  مِنْ إثْبَاتِهَا  كَذَا  وَكَذَا  كَمَا تَقُولُهُ   الجهمية  -  أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ  يَكُونَ جِسْمًا أَوْ عَرَضًا فَيَكُونُ مُحْدِثًا .