وَكُنْت وَأَنَا بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي سَنَةِ إحْدَى عَشْرَةَ وَسَبْعِمِائَةٍ قَدْ اُسْتُفْتِيت عَنْ التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبْت فِي ذَلِكَ جَوَابًا مَبْسُوطًا وَقَدْ أَحْبَبْت إيرَادَهُ هُنَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَزِيدِ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْقَوَاعِدَ - الْمُتَعَلِّقَةَ بِتَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ وَحَسْمِ مَادَّةِ الشِّرْكِ وَالْغُلُوِّ - كُلَّمَا تَنَوَّعَ بَيَانُهَا وَوَضَحَتْ عِبَارَاتُهَا كَانَ ذَلِكَ نُورًا عَلَى نُورٍ . وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ . وَصُورَةُ السُّؤَالِ : الْمَسْئُولُ مِنْ السَّادَةِ الْعُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَنْ يُبَيِّنُوا مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الِاسْتِشْفَاعِ وَالتَّوَسُّلِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ .
وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ وَأَئِمَّةُ الدِّينِ الْأَدْعِيَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَدْعِيَةِ الْبِدْعِيَّةِ فَيَنْبَغِي اتِّبَاعُ ذَلِكَ . وَالْمَرَاتِبُ فِي هَذَا الْبَابِ ثَلَاثٌ : - ( إحْدَاهَا أَنْ يَدْعُوَ غَيْرَ اللَّهِ وَهُوَ مَيِّتٌ أَوْ غَائِبٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ فَيَقُولُ : يَا سَيِّدِي فُلَانٌ أَغِثْنِي أَوْ أَنَا أَسْتَجِيرُ بِك أَوْ أَسْتَغِيثُ بِك أَوْ اُنْصُرْنِي عَلَى عَدُوِّي . وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ . وَالْمُسْتَغِيثُ بِالْمَخْلُوقَاتِ قَدْ يَقْضِي الشَّيْطَانُ حَاجَتَهُ أَوْ بَعْضَهَا وَقَدْ يَتَمَثَّلُ لَهُ فِي صُورَةِ الَّذِي اسْتَغَاثَ بِهِ فَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ كَرَامَةٌ لِمَنْ اسْتَغَاثَ بِهِ ; وَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ دَخَلَهُ وَأَغْوَاهُ لَمَّا أَشْرَكَ بِاَللَّهِ كَمَا يَتَكَلَّمُ الشَّيْطَانُ فِي الْأَصْنَامِ وَفِي الْمَصْرُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِثْلُ هَذَا وَاقِعٌ كَثِيرًا فِي زَمَانِنَا وَغَيْرِهِ وَأَعْرِفُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ فِي قَوْمٍ اسْتَغَاثُوا بِي أَوْ بِغَيْرِي وَذَكَرُوا أَنَّهُ أَتَى شَخْصٌ عَلَى صُورَتِي أَوْ صُورَةِ غَيْرِي وَقَضَى حَوَائِجَهُمْ فَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَرَكَةِ الِاسْتِغَاثَةِ ( بِي أَوْ بِغَيْرِي وَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ أَضَلَّهُمْ وَأَغْوَاهُمْ وَهَذَا هُوَ أَصْلُ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَاِتِّخَاذِ الشُّرَكَاءِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا أَشْرَكَ بِاَللَّهِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ : اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ كَمَا يَفْعَلُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْجُهَّالِ الْمُشْرِكِينَ . وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَسْجُدَ لِقَبْرِهِ وَيُصَلِّيَ إلَيْهِ وَيَرَى الصَّلَاةَ أَفْضَلَ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ : هَذِهِ قِبْلَةُ الْخَوَاصِّ وَالْكَعْبَةُ قِبْلَةُ الْعَوَامِّ . وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرَى السَّفَرَ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْحَجِّ حَتَّى يَقُولَ إنَّ السَّفَرَ إلَيْهِ مَرَّاتٌ يَعْدِلُ حَجَّةً وَغُلَاتُهُمْ يَقُولُونَ : الزِّيَارَةُ إلَيْهِ مَرَّةً أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ الْبَيْتِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ . وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا شِرْكٌ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي بَعْضِهِ .