وَكُنْت وَأَنَا بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي سَنَةِ إحْدَى عَشْرَةَ وَسَبْعِمِائَةٍ قَدْ اُسْتُفْتِيت عَنْ التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبْت فِي ذَلِكَ جَوَابًا مَبْسُوطًا وَقَدْ أَحْبَبْت إيرَادَهُ هُنَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَزِيدِ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْقَوَاعِدَ - الْمُتَعَلِّقَةَ بِتَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ وَحَسْمِ مَادَّةِ الشِّرْكِ وَالْغُلُوِّ - كُلَّمَا تَنَوَّعَ بَيَانُهَا وَوَضَحَتْ عِبَارَاتُهَا كَانَ ذَلِكَ نُورًا عَلَى نُورٍ . وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ . وَصُورَةُ السُّؤَالِ : الْمَسْئُولُ مِنْ السَّادَةِ الْعُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَنْ يُبَيِّنُوا مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الِاسْتِشْفَاعِ وَالتَّوَسُّلِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ .
وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدِ أَنْ يَخْرُجَ فِي هَذَا عَمَّا مَضَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَجَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ وَدَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَكَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَمَا عَلِمَهُ قَالَ بِهِ وَمَا لَمْ يَعْلَمْهُ أَمْسَكَ عَنْهُ وَلَا يَقْفُو مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ وَلَا يَقُولُ عَلَى اللَّهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ كُلَّهُ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ ذِكْرُ مَا سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى بِهِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِأَنَّ لَك الْحَمْدُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ } رَوَاهُ أَبُو داود وَغَيْرُهُ وَفِي لَفْظٍ : { اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّك أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } رَوَاهُ أَبُو داود والنسائي وَابْنُ ماجه . وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقَاتِ ; فَلَوْ حَلَفَ بِالْكَعْبَةِ أَوْ بِالْمَلَائِكَةِ ; أَوْ بِالْأَنْبِيَاءِ أَوْ بِأَحَدِ مِنْ الشُّيُوخِ أَوْ بِالْمُلُوكِ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ ; وَلَا يُشْرَعُ لَهُ ذَلِكَ ; بَلْ يُنْهَى عَنْهُ إمَّا نَهْيُ تَحْرِيمٍ ; وَإِمَّا نَهْيُ تَنْزِيهٍ . فَإِنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ . وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نَهْيُ تَحْرِيمٍ . فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ } وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ } وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِأَحَدِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ إلَّا فِي نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ فِي أَنَّهُ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهِ وَقَدْ طَرَدَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ - كَابْنِ عَقِيلٍ - الْخِلَافَ فِي سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَهَذَا ضَعِيفٌ . وَأَصْلُ الْقَوْلِ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالنَّبِيِّ ضَعِيفٌ شَاذٌّ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِيمَا نَعْلَمُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهِ كَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ . وَكَذَلِكَ الِاسْتِعَاذَةُ بِالْمَخْلُوقَاتِ بَلْ إنَّمَا يُسْتَعَاذُ بِالْخَالِقِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَلِهَذَا احْتَجَّ السَّلَفُ - كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ - عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ } قَالُوا : فَقَدْ اسْتَعَاذَ بِهَا وَلَا يُسْتَعَاذُ بِمَخْلُوقِ . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا } فَنَهَى عَنْ الرُّقَى الَّتِي فِيهَا شِرْكٌ كَاَلَّتِي فِيهَا اسْتِعَاذَةٌ بِالْجِنِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } .