وَكُنْت وَأَنَا بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي سَنَةِ إحْدَى عَشْرَةَ وَسَبْعِمِائَةٍ قَدْ اُسْتُفْتِيت عَنْ التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبْت فِي ذَلِكَ جَوَابًا مَبْسُوطًا وَقَدْ أَحْبَبْت إيرَادَهُ هُنَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَزِيدِ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْقَوَاعِدَ - الْمُتَعَلِّقَةَ بِتَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ وَحَسْمِ مَادَّةِ الشِّرْكِ وَالْغُلُوِّ - كُلَّمَا تَنَوَّعَ بَيَانُهَا وَوَضَحَتْ عِبَارَاتُهَا كَانَ ذَلِكَ نُورًا عَلَى نُورٍ . وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ . وَصُورَةُ السُّؤَالِ : الْمَسْئُولُ مِنْ السَّادَةِ الْعُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَنْ يُبَيِّنُوا مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الِاسْتِشْفَاعِ وَالتَّوَسُّلِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ .
وَصُورَةُ الْجَوَابِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْفَعُ لِلْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَهُ النَّاسُ ذَلِكَ وَبَعْدَ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ . ثُمَّ إنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَاسْتَفَاضَتْ بِهِ السُّنَنُ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْفَعُ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ وَيَشْفَعُ أَيْضًا لِعُمُومِ الْخُلُقِ . فَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفَاعَاتٌ يَخْتَصُّ بِهَا لَا يَشْرَكُهُ فِيهَا أَحَدٌ وَشَفَاعَاتٌ يَشْرَكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لَكِنْ مَا لَهُ فِيهَا أَفْضَلُ مِمَّا لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَهُ مِنْ الْفَضَائِلِ الَّتِي مَيَّزَهُ اللَّهُ بِهَا عَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ مَا يَضِيقُ هَذَا الْمَوْضِعُ عَنْ بَسْطِهِ وَمِنْ ذَلِكَ " الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ " الَّذِي يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ والآخرون وَأَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ كَثِيرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ مُتَعَدِّدَةٌ وَفِي السُّنَنِ وَالْمَسَانِدِ مِمَّا يَكْثُرُ عَدَدُهُ .