تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُفْتِي الْأَنَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ تيمية عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ : كَلَامُ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ قَدِيمٌ - سَوَاءٌ كَانَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا فُحْشًا أَوْ غَيْرَ فُحْشٍ نَظْمًا أَوْ نَثْرًا - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِهِمْ فِي الْقِدَمِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الثَّوَابِ . وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ - بَلْ أَكْثَرُهُمْ - : أَصْوَاتُ الْحَمِيرِ وَالْكِلَابِ كَذَلِكَ وَلَمَّا قُرِئَ عَلَيْهِمْ مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد رَدًّا عَلَى قَوْلِهِمْ تَأَوَّلُوا ذَلِكَ وَقَالُوا : بِأَنَّ أَحْمَد إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ النَّاسِ فَهَلْ هَؤُلَاءِ مُصِيبُونَ أَوْ مُخْطِئُونَ ؟ وَهَلْ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى زَجْرُهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَكْفُرُونَ بِالْإِصْرَارِ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ الَّذِي نُقِلَ عَنْ أَحْمَد حُقٌّ كَمَا زَعَمُوا أَمْ لَا فَأَجَابَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
1234567891011121314151617181920212223
فَصْلٌ وَأَمَّا سُؤَالُ السَّائِلِ : هَلْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ زَجْرُهُمْ وَرَدْعُهُمْ ؟ فَنَعَمْ يَجِبُ ذَلِكَ فِي هَؤُلَاءِ وَفِي كُلِّ مَنْ أَظْهَرَ مُقَالَةً تُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ; فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ " الْمُنْكَرِ " الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } وَهُوَ مِنْ " الْإِثْمِ " الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ : { لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ } . وَكُلُّ مَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ مَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ نَفَى عَنْ اللَّهِ مَا أَثْبَتّه لِنَفْسِهِ مِنْ الْمُعَطِّلَةِ وَالْمُمَثِّلَةِ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَذَلِكَ مِمَّا زَجَرَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ لِلنَّصَارَى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إلَّا الْحَقَّ } وَبِقَوْلِهِ : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } وَقَالَ عَنْ الشَّيْطَانِ : { إنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } وَقَالَ : { قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } . فَإِنَّ مَنْ قَالَ غَيْرَ الْحَقِّ فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا يَعْلَمُ ; فَإِنَّ الْبَاطِلَ لَا يُعْلَمُ إلَّا إذَا عُلِمَ بُطْلَانُهُ فَأَمَّا اعْتِقَادُ أَنَّهُ الْحَقُّ فَهُوَ جَهْلٌ لَا عِلْمٌ فَمَنْ قَالَهُ فَقَدْ قَالَ مَا لَا يَعْلَمُ وَكَذَلِكَ مَنْ تَبِعَ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَبْوَابِ الدِّينِ آبَاءَهُ وَأَسْلَافَهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ مِنْهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ مِمَّنْ ذَمَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ : مِثْلُ قَوْلِهِ : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ } وَقَوْلِهِ : { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا } { وَقَالُوا رَبَّنَا إنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا } { رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } . وَكَذَلِكَ مَنْ اتَّبَعَ الظُّنُونَ وَالْأَهْوَاءَ مُعْتَقِدًا أَنَّهَا " عَقْلِيَّاتٌ " وَ " ذَوْقِيَّاتٌ " فَهُوَ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِ : { إنْ يَتَّبِعُونَ إلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى } وَإِنَّمَا يَفْصِلُ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا تَنَازَعُوا فِيهِ الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ مِنْ السَّمَاءِ وَالرَّسُولِ الْمُؤَيَّدِ بِالْأَنْبَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ } وَقَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ } بَلْ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَلْتَزِمُوا الْأُصُولَ الْجَامِعَةَ الْكُلِّيَّةَ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا : فَيُؤْمِنُونَ بِمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ : مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ . وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُكَفِّرَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَتُبَيَّنَ لَهُ الْمَحَجَّةُ وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِيَقِينِ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّكِّ ; بَلْ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ .