ويمكن إبراز أهم معالم منهجه في البحث التاريخي في النقاط التالية:
ولذلك قدمه في الاستدلال في قضايا التاريخ وغيرها بل جعله المعتمد وإليه المعوّل.
وتحدث عن كيفية الاستدلال وأنه ينبغي أن يرتب بحيث يكون القرآن أولا ثمَّ السنة ثمَّ ما قرره الأئمة فقال[1] : وينبغي للداعي أن يقدم فيها استدلوا به من القرآن فإنه نور وهدى ثم يجعل إمام الأئمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كلام الأئمة وهذا المنهج هو المنهج الصحيح في التعامل مع العلوم الإسلامية، وهو الذي يوصل الإنسان إلى نتائج صحيحة.
ومن الأمثلة على ذلك قوله: لا سبيل إلى معرفة العقيدة والأحكام وكل ما يتصل بها جملة وتفصيلا واعتقادًا واستدلالاً إلا من القرآن والسنة المبينة له، والسير في مسارهما.[2]
وحادثة الفيل التي ورد ذكرها في القرآن قال عنها [3] وكانت آية الفيل التي أظهر الله تعالى بها حرمة الكعبة لما أرسل عليهم الطير الأبابيل ترميهم بحجارة من سجيل. أي جماعات متفرقة. والحجارة من سجيل طين قد استحجر.
وتحدث عن المعراج وأكد كونه بمكة فقال -رحمه الله- [4]: والمعراج إنما من مكة باتفاق أهل العلم وبنص القرآن والسنة المتواترة.
وعند حديثه عن مسلمة الفتح أكد إيمانهم مستدلا بالآيات في الرد على الطاعنين فيهم فقال: [5] وقد شهد معاوية، وأخوه يزيد، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام ، وغيرهم من مسلمة الفتح مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة حنين؛ ودخلوا في قوله تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ [التوبة: 26] وكانوا من المؤمنين الذين أنزل الله سكينته عليهم مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وواصل حديثه مبيناً فضل من أسلم يوم الفتح وجاهد في سبيل الله واجتهد لينال رضا الله فقال [6]: وهؤلاء المذكورون دخلوا في قوله تعالى: [لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى] [الحديد: 10] فإن هؤلاء الطلقاء مسلمة الفتح: هم ممن انفق من بعد الفتح وقاتل، وقد وعدهم الله الحسنى فإنهم انفقوا بحنين والطائف وقاتلوا فيهما -رضي الله عنهم-.
عندما يتحدث عن قضية معينة فإنه يقدم ما ورد في الصحيح على غيره وهذه نقطة منهجية هامة حيث ينبغي على كل باحث أن يقدم ما ورد في الصحيح على غيره. قال عن حضور عبد الله بن مسعود غزوة بدر [7] : وقد علم بالتواتر عند أهل العلم أن ابن مسعود شهد بدراً.[8]
تعرض لحادثة في السيرة فقدم ما ورد في صحيح مسلم ثم رجح وقت الغزوة بناء على ما في الصحيحين فقال: فكانت غزوة الغابة غزوة ذي قرد التي ذكرها مسلم في صحيحه من حديث سلمة بن الأكوع [9]
لما أغارت فزارة على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت خبير عقب ذلك في أواخر ست وأوائل سبع وهذا متفق عليه.[10]
وحدد غزوة الخندق اعتماداً على الصحيحين فقال: إما في أوائل خمس أو أواخر أربع كما في الصحيحين عن عبد الله بن عمر قال: عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني.[11]
وذكر نماذج المؤاخاة معتمدا كذلك على البخاري وغيره فقال [12] : وكما آخى بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء وهذا كله في الصحيح.[13]
وتحدث عن توزيع غنائم الحرب واستدل بحدث من السيرة أورده من الصحيحين فقال[14] : وقد ثبت في الصحيحين [15] عن ابن عمر أنه قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية قِبيل نجد فبلغت سهامنا اثنا عشر بعيراً ونفلنا بعيراً بعيراً".
واستدل على مكانة أبي بكر وعمر حتى عند الكفار من الصحيح فقال: ثبت في الصحيح أنه لما كان يوم أحد انهزم أكثر المسلمين فإذا أبو سفيان! وكان القوم المرام [16] إذ قال:
أفي القوم محمد؟ أفي القوم محمد؟ في القوم محمد؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه».
ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم أبن أبي قحافة؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تجيبوه».
فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ أفي القوم ابن الخطاب؟ أفي القوم ابن الخطاب [17]؟
وتحدث عن غزوة بني المصطلق بسياق البخاري فقال [18] في الصحيحين [19] عن أبي سعيد الخدري قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبياً من العرب فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة وأحببنا العزل فسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما عليكم ألا تفعلوا فإن الله قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة».
وفي صحيح مسلم [20] عن جابر (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن لي جارية هي خادمتنا وسانيتنا في النخل وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل فقال أعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها).
وتحدث عن تاريخ تحرم الخمر فقال: فإنه قد ثبت بالنقول الصحيحة [21] أن الخمر لما حرمت بالمدينة النبوية وكان تحريمها بعد غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة.[22]
وهذه الألفاظ قدمها عند تناوله لحدث من أحداث السيرة النبوية، وهذا المنهج لم يكن مقصورًا على السيرة والتاريخ بل في كل مجال سلكه سواء في التفسير أو الحديث أو القضايا العقدية أو الفقهية يقدم الصحيح على غيره. فلا يذكر النص إلا بالتأكيد على صحته من عدمها، وقبل ذلك يقدم ما في الصحيحين ثم يورد ما في غيرها.