منهج الشيخ

منهجه في معالجة قضايا التاريخ :
ثالثاً: الاستدلال الفقهي والعقدي بالأحداث التاريخية:

عند معالجته لأحداث السيرة يقف وقفات استدلال عقدي أو فقهي أو يمكن أن يتحدث في أمر من أمور الفقه أو العقيدة ويدلل من السيرة على صحة ما يرى مثل:

عند طلب التوسل والاستشفاع وأنه لا يجوز بالميت واستدل بفعل عمر عندما استسقى بالعباس عندما قحطوا: وكذلك معاوية بن أبي سفيان-لما أجدب الناس بالشام- استسقى بيزيد بن الأسود الجرشي فقال: (اللهم إنا نستشفع -ونتوسل- بخيارنا. يا يزيد! ارفع يدك) فرفع يده ودعا ودعا الناس حتى سقوا. ولهذا قال العلماء: يستحب أن يستسقى بأهل الدين والصلاح، وإذا كانوا من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أحسن.

ورد على الزنادقة الذين يرون أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم له ظاهر وباطن فقال: [1] ومما يبين هذا: إن في السنن [2] أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عام الفتح قد أهدر دم جماعة: منهم عبد الله بن أبي السرح فجاء به عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه فتوقف عنه النبي صلى الله عليه وسلم ساعة ثم بايعه. وقال: أما كان فيكم رجل رشيد ينظر إلىَّ وقد أمسكت عن هذا فيضرب عنقه؟ فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! هلا أومأت إلىَّ؟ فقال: ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين. فهذا ونحوه مما يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم يستوي ظاهره وباطنه لا يظهر للناس خلاف ما يبطنه كما تدعيه الزنادقة من المتفلسفة والقرامطة وضلال المتنسكة ونحوهم.

واستدل بتاريخ إسلام أبي هريرة -رضي الله عنه- على تحديد تاريخ تحريم الكلام في الصلاة [3]

وذكر أن الخيلاء محرمة إلا ما استثناه الشرع فقال [4]: كما في السنن [5] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن من الخيلاء ما يحبه الله، ومن الخيلاء ما يبغضه الله، فأما الخيلاء التي يحبها الله فاختيال الرجل عند الحرب، وعند الصدقة، وأما الخيلاء التي يبغضها الله فالخيلاء في البغي والفخر». ولما كان يوم أحد اختال أبو دجانة الأنصاري بين الصفين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن»[6].

وتحدث عن المزارعة وأنها جائزة في أصح قولي العلماء فقال [7]: وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع حتى مات. ولم تزل تلك المعاملة حتى أجلاهم عمر عن خيبر. وكان قد شارطهم أن يعمروها من أموالهم؛ وكان البذر منهم لا من النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان الصحيح من قولي العلماء أن البذر يجوز أن يكون من العامل؛ بل طائفة من الصحابة قالوا: لا يكون البذر إلا من العامل.

واستدل على مشروعية الرمي بما ورد في صحيح البخاري [8] عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال [9]: «ارموا بني إسماعيل؛ فإن أباكم كان رامياً». وذكر حادثة من حوادث السيرة فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على نفر من أسلم ينتضلون فقال صلى الله عليه وسلم: «ارموا بني إسماعيل؛ فإن أباكم كان راميا، ارموا وأنا تابع بني فلان» فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال: «مالكم لا ترمون؟» قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال: «ارموا وأنا معكم كلكم»[10].

وقال سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: نثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني نفض كنانته يوم أحد- وقال: «ارم فداك أبي وأمي!»[11].

رابعاً: منهجه في ذكر المصدر:

ابن تيمية واسع الاطلاع حيث يرجع إلى كتب متعددة في علوم مختلفة مثل قوله: كما ذكر أهل التفسير والسير ، وذكره من يعتمد عليه من العلماء والمؤرخين ، طائفة من المفسرين والمؤرخين. إيمان معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- ثابت بالنقل المتواتر وإجماع أهل العلم على ذلك ، فهؤلاء قد اتفق أهل العلم على رميهم بالزندقة والنفاق.

وأحيانا يذكر أهل علم واحد مثل: وكثير من الموضوعات إنما يعلم أنها موضوعة خواص أهل العلم بالأحاديث ، وكما ذكره أهل المغازي.

وقد يذكر اسم العالم وكتابه كقوله: إن الزبير بن بكار صاحب (كتاب الأنساب) ومحمد بن سعد كاتب الواقدي وصاحب الطبقات ، ذكر ابن إسحاق في السيرة.

ومثل قوله: أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني صاحب كتاب حلية الأولياء وتاريخ أصبهان ومثل (18/72): رسالة القشيري، ومناقب الأبرار لابن خميس، وكتاب الزهد للإمام أحمد، والزهد لابن المبارك. صفة الصفوة لأبي الفرج ابن الجوزي.

كقوله: ومثل ما يذكره بعض العامة من ملاحم (ابن غنضب).

وأحيانا يذكر الكتاب فقط مثل قوله: مثل ما في (تنقلات الأنوار) من الأحاديث.[12]


  1. الفتاوى (2/218).
  2. الخبر في سنن النسائي كتاب تحريم الدم، باب الحكم في المرتد (7/122 ح4078) ورواه أبو داود كتاب الجهاد، باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام 2/148 ح2683 وصححه العلامة الألباني، ورواه الحاكم في المستدرك، في المغازي (3/40) وصححه ووافقه الذهبي.
  3. الفتاوى (21/148).
  4. الفتاوى (28/27).
  5. رواه أبو داود في كتاب الجهاد، باب الخيلاء في الحرب ح2659 وحسنه العلامة الألباني رحمه الله.
  6. الحديث في سيرة ابن هشام 3/12 وهو معضل وفيه جهالة. فالحديث إذا مرسل وضعيف جداً. انظر حسين أحمد الباكري، مرويات غزوة أحد، ص106.
  7. الفتاوى (28/82-83).
  8. رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب التحريض على الرمي ح2743.
  9. الفتاوى (28/10).
  10. رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب التحريض على الرمي ح2899. المجن ومن يترس بترس صاحبه ح2905 انظر فتح الباري 6/110.
  11. رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب المجن ومن يترس بترس صاحبه ح2905 انظر فتح الباري 6/110.
  12. الفتاوى (17/372) (27/468) (4/453) (4/478) (18/35) (18/354)
123456789