وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ  أَحْمَد بْنُ تيمية   رَحِمَهُ اللَّهُ  عَنْ   وَاقِفٍ وَقَفَ وَقْفًا  عَلَى أَوْلَادِهِ  ثُمَّ  عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ  ثُمَّ  عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ  وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ  دَائِمًا مَا  تَنَاسَلُوا :  عَلَى  أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا عَقِبٍ :  كَانَ مَا  كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ  مِنْ  ذَلِكَ  عَلَى مَنْ  فِي دَرَجَتِهِ  وَذَوِي طَبَقَتِهِ . فَإِذَا تُوُفِّيَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ عَنْ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ أَوْ نَسْلٍ أَوْ عَقِبٍ لِمَنْ يَكُونُ نَصِيبُهُ  ؟ هَلْ يَكُونُ لِوَلَدِهِ ؟ أَوْ لِمَنْ  فِي دَرَجَتِهِ  مِنْ الْإِخْوَةِ وَبَنِيَّ الْعَمِّ  وَنَحْوِهِمْ ؟ . 
				
				
				 وَمِمَّا يَغْلَطُ  فِيهِ بَعْضُ الْأَذْهَانِ  فِي مِثْلِ  هَذَا أَنْ يَحْسَبَ  أَنَّ بَيْنَ أَوَّلِ الْكَلَامِ وَآخِرِهِ تَنَاقُضًا أَوْ تَعَارُضًا .  وَهَذَا شُبْهَةٌ  مِنْ  شُبُهَاتِ بَعْضِ الطَّمَاطِمِ  مِنْ مُنْكِرِي الْعُمُومِ  ; فَإِنَّهُمْ  قَالُوا : لَوْ  كَانَتْ هَذِهِ الصِّيَغُ عَامَّةً  لَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ رُجُوعًا أَوْ نَقْضًا .  وَهَذَا جَهْلٌ ;  فَإِنَّ  أَلْفَاظَ الْعَدَدِ نُصُوصٌ مَعَ جَوَازِ وُرُودِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهَا  كَمَا  قَالَ تَعَالَى :   {  فَلَبِثَ  فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا   }  وَكَذَلِكَ  النَّكِرَةُ  فِي الْمُوجَبِ مُطْلَقَةٌ مَعَ جَوَازِ تَقْيِيدِهَا  فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : {   فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ   }  . وَإِنَّمَا  أُتِيَ هَؤُلَاءِ  مِنْ حَيْثُ  تَوَهَّمُوا  أَنَّ الصِّيَغَ إذَا  قِيلَ : هِيَ عَامَّةٌ :  قِيلَ : إنَّهَا عَامَّةٌ مُطْلَقًا . وَإِذَا  قِيلَ : إنَّهَا عَامَّةٌ مُطْلَقًا  ثُمَّ رُفِعَ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْضُ مُوجِبِهَا : فَقَدْ اجْتَمَعَ  فِي  ذَلِكَ الْمَرْفُوعِ الْعُمُومُ الْمُثْبِتُ لَهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ  النَّافِي لَهُ .  وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ أَوْ رُجُوعٌ . فَيُقَالُ  لَهُمْ : إذَا  قِيلَ : هِيَ عَامَّةٌ  فَمِنْ شَرْطِ عُمُومِهَا أَنْ  تَكُونَ مُنْفَصِلَةً عَنْ صِلَةٍ مُخَصَّصَةٍ فَهِيَ عَامَّةٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ; لَا عَامَّةٌ  عَلَى الْإِطْلَاقِ . وَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ تَخْتَلِفُ دَلَالَتُهُ بِحَسَبِ إطْلَاقِهِ وَتَقْيِيدِهِ ; وَلِهَذَا  أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ  أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ  قَالَ : لَهُ  أَلْفُ دِرْهَمٍ  مِنْ النَّقْدِ الْفُلَانِيِّ . أَوْ مُكَسَّرَةٌ أَوْ سُودٌ أَوْ نَاقِصَةٌ أَوْ طبرية أَوْ أَلْفٌ إلَّا خَمْسِينَ وَنَحْوُ  ذَلِكَ :  كَانَ مُقِرًّا بِتِلْكَ الصِّفَةِ الْمُقَيَّدَةِ . وَلَوْ  كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ رُجُوعًا  لَمَا قُبِلَ  فِي الْإِقْرَارِ ; إذْ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُ الْمُقِرِّ  فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ .  وَكَثِيرًا مَا قَدْ يَغْلَطُ بَعْضُ الْمُتَطَرِّفِينَ  مِنْ الْفُقَهَاءِ  فِي مِثْلِ  هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ شَرْطِ وَاقِفٍ أَوْ يَمِينِ حَالِفٍ وَنَحْوَ  ذَلِكَ : فَيَرَى  أَوَّلَ الْكَلَامِ مُطْلَقًا أَوْ عَامًّا وَقَدْ قَيَّدَ  فِي آخِرِهِ . فَتَارَةً يَجْعَلُ  هَذَا  مِنْ بَابِ تَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِمَا بِالْأَحْكَامِ الْمَعْرُوفَةِ لِلدَّلَائِلِ الْمُتَعَارِضَةِ  مِنْ التَّكَافُؤِ وَالتَّرْجِيحِ . وَتَارَةً يَرَى  أَنَّ  هَذَا الْكَلَامَ مُتَنَاقِضٌ ; لِاخْتِلَافِ آخِرِهِ وَأَوَّلِهِ . وَتَارَةً يَتَلَدَّدُ تَلَدُّدَ الْمُتَحَيِّرِ وَيَنْسِبُ الشَّاطِرَ إلَى فِعْلِ الْمُقَصِّرِ . وَرُبَّمَا  قَالَ :  هَذَا غَلَطٌ  مِنْ الْكَاتِبِ . وَكُلُّ  هَذَا مَنْشَؤُهُ  مِنْ عَدَمِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ وَالْكَلَامِ الْمُنْفَصِلِ . وَمَنْ عَلِمَ  أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ أَوَّلِ  كَلَامِهِ حَتَّى يَسْكُتَ سُكُوتًا قَاطِعًا  وَأَنَّ الْكَاتِبَ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ كِتَابِهِ حَتَّى يَفْرَغَ فَرَاغًا قَاطِعًا :  زَالَتْ عَنْهُ شُبْهَةٌ  فِي  هَذَا الْبَابِ وَعَلِمَ صِحَّةَ مَا تَقُولُهُ الْعُلَمَاءُ  فِي دَلَالَاتِ الْخِطَابِ . وَمِنْ أَعْظَمِ التَّقْصِيرِ نِسْبَةُ الْغَلَطِ إلَى مُتَكَلِّمٍ مَعَ إمْكَانِ تَصْحِيحِ  كَلَامِهِ وَجَرَيَانِهِ  عَلَى أَحْسَنِ أَسَالِيبِ  كَلَامِ النَّاسِ  ثُمَّ يَعْتَبِرُ أَحَدَ الْمَوْضِعَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِالْغَلَطِ  دُونَ الْآخَرِ فَلَوْ  جَازَ أَنْ  يُقَالَ : قَوْلُهُ :  عَلَى  أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ . غَلِطَ لَمْ يَكُنْ  ذَلِكَ بِأَوْلَى  مِنْ أَنْ يُقَالَ : قَوْلُهُ : "  ثُمَّ " هُوَ الْغَلَطُ ;  فَإِنَّ الْغَلَطَ  فِي تَبْدِيلِ حَرْفٍ بِحَرْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَاتِبِ  أَوْلَى  مِنْ الْغَلَطِ بِذِكْرِ عِدَّةِ كَلِمَاتٍ ;  فَإِنَّ قَوْلَهُ : عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا عَقِبٍ مُشْتَمِلٌ  عَلَى  أَكْثَرَ  مِنْ عَشْرِ كَلِمَاتٍ . ثُمَّ  مِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَتَوَهَّمَ  أَنَّ  هَذَا تَوْكِيدٌ ; وَالْمُؤَكَّدُ إنَّمَا  يُزِيحُ الشُّبْهَةَ ;  فَكَانَ قَوْلُهُ : مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ .  أَوْلَى  مِنْ قَوْلِهِ : مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ . إذَا  كَانَ الْحُكْمُ  فِي الْبَابَيْنِ وَاحِدًا وَقَصَدَ التَّوْكِيدَ ;  فَإِنَّ نَقْلَ نَصِيبَ الْمَيِّتِ إلَى إخْوَتِهِ مَعَ وَلَدِهِ تَنْبِيهٌ  عَلَى  نَقْلِهِ إلَيْهِمْ مَعَ عَدَمِهِمْ . إمَّا أَنْ  يَكُونَ التَّوْكِيدُ بِبَيَانِ الْحُكْمِ الْجَلِيِّ  دُونَ الْخَفِيِّ  فَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ حُدُودِ الْعَقْلِ وَالْكَلَامِ . ثُمَّ التَّوْكِيدُ لَا يَكُونُ بِالْأَوْصَافِ الْمُقَيِّدَةِ لِلْمَوْصُوفِ ; فَإِنَّهُ لَوْ  قَالَ : أَكْرَمُ الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ .  وَقَالَ : أَرَدْت إكْرَامَ جَمِيعِ الرِّجَالِ وَخَصَّصْت الْمُسْلِمِينَ بِالذِّكْرِ تَوْكِيدًا وَذِكْرُهُمْ لَا يَنْفِي غَيْرَهُمْ بَعْدَ دُخُولِهِمْ  فِي الِاسْمِ الْأَوَّلِ :  لَكَانَ  هَذَا الْقَوْلُ سَاقِطًا غَيْرَ مَقْبُولٍ أَصْلًا ;  فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ صِفَةٌ لِلرِّجَالِ ; وَالصِّفَةُ تُخَصِّصُ الْمَوْصُوفِ .  فَلَا يَبْقَى  فِيهِ عُمُومٌ ; لَكِنْ لَوْ  قَالَ : أَكْرَمُ الرِّجَالِ وَالْمُسْلِمِينَ - بِحَرْفِ الْعَطْفِ مَعَ اتِّفَاقِ الْحُكْمِ  فِي الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَكَوْنُهُ بَعْضَهُ -  لَكَانَ تَوْكِيدًا ; لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ لَا يَجِبُ أَنْ يُقَيِّدَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ وَيُخَصِّصَهُ ; لِمَا بَيْنَهُمَا  مِنْ  الْمُغَايَرَةِ الْحَاصِلَةِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ ; بِخِلَافِ الصِّفَاتِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا مُقَيِّدَةٌ ;  وَكَذَلِكَ بَعْضُ أَنْوَاعِ الْعَطْفِ ; لَكِنْ لَيْسَ  هَذَا مَوْضِعَ تَفْصِيلِ  ذَلِكَ ; وَلِهَذَا فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْعَطْفِ الْمُغَيِّرِ وَغَيْرِ الْمُغَيِّرِ  فِي " بَابِ الْإِقْرَارِ وَالطَّلَاقِ وَالْعُقُودِ " .  وَمَنْ  رَامَ أَنْ يَجْعَلَ الْكَلَامَ مَعْنًى صَحِيحًا قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ لَزِمَهُ أَنْ يَجْعَلَ  أَوَّلَ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ كُفْرًا وَآخِرَهَا  إيمَانًا ;  وَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهَا قَدْ  كَفَرَ ;  ثُمَّ  آمَنَ . فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ  مِنْ  هَذَا الْخَبَالِ .  وَإِنْ  كَانَ قَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ  أَنَّهُ  قَالَ : مَا كَلِمَةٌ أَوَّلُهَا كُفْرٌ وَآخِرُهَا  إيمَانٌ ؟  فَقِيلَ لَهُ : مَا هِيَ ؟  فَقَالَ : كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ . قُلْت قَصَدَ  بِذَلِكَ  أَنَّ  أَوَّلَهَا لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ  كَانَ كُفْرًا ; وَلَمْ يُرِدْ  أَنَّهَا كُفْرٌ مَعَ اتِّصَالِهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ ; فَإِنَّهُ لَوْ  أَرَادَ  هَذَا  لَكَانَ قَدْ  كَفَرَ .  وَلِهَذَا  قَالَ الْمُحَقِّقُونَ :   الِاسْتِثْنَاءُ  تَكَلَّمَ بِمَا  عَدَا الْمُسْتَثْنَى  . وَغَلِطَ بَعْضُهُمْ  فَظَنَّ  أَنَّهُ إذَا  قَالَ : أَلْفٌ إلَّا خَمْسِينَ .  كَانَتْ الْأَلْفُ مَجَازًا ;  لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ  فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ ; لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِجُمْلَةِ الْعَدَدِ  ; وَلَمْ يُرِدْ الْمُتَكَلِّمُ  ذَلِكَ .  فَيُقَالُ لَهُ : هُوَ مَوْضُوعٌ لَهُ إذَا  كَانَ مُنْفَرِدًا عَنْ صِلَةٍ ;  وَذَلِكَ الشَّرْطُ قَدْ  زَالَ .  ثُمَّ  يُقَالُ لَهُ : إنَّمَا فُهِمَ الْمَعْنَى هُنَا بِمَجْمُوعِ قَوْلِهِ : أَلْفٌ إلَّا خَمْسِينَ ; لَا بِنَفْسِ الْأَلْفِ .  فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ هِيَ الدَّالَّةُ  عَلَى تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ .  وَهَذِهِ شُبْهَةُ مَنْ رَأَى  أَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ تَخْصِيصًا مُتَّصِلًا مَجَازٌ . كَالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ تَخْصِيصًا مُنْفَصِلًا عِنْدَ كَثِيرٍ  مِنْ النَّاسِ وَسِيَاقُ  هَذَا الْقَوْلِ يُوجِبُ  أَنَّ   كُلَّ اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ وُصِلَ بِوَصْفِ ; أَوْ عَطْفِ بَيَانٍ ; أَوْ بَدَلٍ ; أَوْ أَحَدِ الْمَفْعُولَاتِ الْمُقَيَّدَةِ أَوْ الْحَالِ أَوْ التَّمْيِيزِ أَوْ  نَحْوِ  ذَلِكَ :  كَانَ اسْتِعْمَالُهُ مَجَازًا  . وَفَسَادُ  هَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِاللَّفْظِ الدَّالَّةِ بِالْوَضْعِ وَبَيْنَ مَا لَيْسَ  كَذَلِكَ  مِنْ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَالْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ الَّتِي لَا تَدُلُّ  عَلَى الْمَقْصُودِ بِالْوَضْعِ - كَقَوْلِهِ : رَأَيْت  أَسَدًا يَكْتُبُ وَبَحْرًا رَاكِبًا  فِي الْبَحْرِ - وَبَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْمُنْفَصِلَةِ مَعْلُومٌ يَقِينًا  مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ .  وَمَعَ  هَذَا  فَلَا رَيْبَ عِنْدَ أَحَدٍ  مِنْ الْعُقَلَاءِ  أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا يَتِمُّ بِآخِرِهِ  وَأَنَّ دَلَالَتَهُ إنَّمَا  تُسْتَفَادُ بَعْدَ تَمَامِهِ  وَكَمَالِهِ ;  وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ  يَكُونَ أَوَّلُهُ دَالًّا  دُونَ آخِرِهِ ;  سَوَاءٌ  سُمِّيَ أَوَّلُهُ " حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا " وَلَا أَنْ  يُقَالَ : إنَّ  أَوَّلَهُ يُعَارِضُ آخِرَهُ .  فَإِنَّ التَّعَارُضَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ دَلِيلَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ وَالْكَلَامُ الْمُتَّصِلُ كُلُّهُ دَلِيلٌ وَاحِدٌ  فَالْمُعَارَضَةُ بَيْنَ أَبْعَاضِهِ  كَالْمُعَارَضَةِ بَيْنَ أَبْعَاضِ الْأَسْمَاءِ الْمُرَكَّبَةِ . وَهَذَا كَلَامٌ بَيِّنٌ خُصُوصًا  فِي " بَابِ الْوُقُوفِ "  فَإِنَّ الْوَاقِفَ يُرِيدُ أَنْ يَشْرِطَ شُرُوطًا كَثِيرَةً  فِي الْمَوْقُوفِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ :  مِنْ الْجَمْعِ وَالتَّرْتِيبِ وَالتَّسْوِيَةِ وَالتَّفْضِيلِ وَالْإِطْلَاقِ وَالتَّقَيُّدُ : يَحْتَمِلُ سِجِلًّا كَبِيرًا .  ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ مُسْلِمٌ  فِي  أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ أَوَّلِ  كَلَامِهِ إطْلَاقًا وَعُمُومًا وَإِلْغَاءَ آخِرِهِ أَوْ يَجْعَلُ مَا قَيَّدَهُ وَفَصَّلَهُ وَخَصَّصَهُ  فِي آخِرِ  كَلَامِهِ مُنَاقِضًا أَوْ مُعَارِضًا لِمَا  صَدَرَ بِهِ كَلَامُهُ  مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُطْلَقَةِ أَوْ الْعَامَّةِ ;  فَإِنَّ  مَثَلَ  هَذَا مَثَلُ رَجُلٍ  نَظَرَ  فِي وَقْفٍ قَدْ  قَالَ وَاقِفُهُ : وَقَفْت  عَلَى أَوْلَادِي  ثُمَّ  عَلَى أَوْلَادِهِمْ .  ثُمَّ  قَالَ بَعْدَ  ذَلِكَ :  وَمِنْ شَرْطِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ أَوْ عُدُولًا وَنَحْوَ  ذَلِكَ  فَقَالَ :  هَدَّا الْكَلَامُ مُتَعَارِضٌ : لِأَنَّهُ  فِي أَوَّلِ  كَلَامِهِ قَدْ وَقَفَ  عَلَى الْجَمِيعِ  وَهَذَا مُنَاقِضٌ لِتَخْصِيصِ الْبَعْضِ  ثُمَّ يَجْعَلُ  هَذَا  مِنْ " بَابِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ "  وَمِنْ " بَابِ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ " فَمَعْلُومٌ  أَنَّ  هَذَا كُلَّهُ خَبْطٌ ; إذْ التَّعَارُضُ فَرْعٌ  عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالدَّلَالَةِ وَالِاسْتِقْلَالُ بِالدَّلَالَةِ فَرْعٌ  عَلَى انْقِضَاءِ الْكَلَامِ وَانْفِصَالِهِ  فَأَمَّا مَعَ اتِّصَالِهِ بِمَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ  فَلَا يَجُوز جَعْلُ بَعْضِهِ دَلِيلًا مُخَالِفًا لِبَعْضِ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُوَفِّقُنَا وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ .