تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد بْنُ تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ وَاقِفٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ دَائِمًا مَا تَنَاسَلُوا : عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا عَقِبٍ : كَانَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَذَوِي طَبَقَتِهِ . فَإِذَا تُوُفِّيَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ عَنْ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ أَوْ نَسْلٍ أَوْ عَقِبٍ لِمَنْ يَكُونُ نَصِيبُهُ ؟ هَلْ يَكُونُ لِوَلَدِهِ ؟ أَوْ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَبَنِيَّ الْعَمِّ وَنَحْوِهِمْ ؟ .
123456789101112131415
الثَّالِثُ قَوْلُهُ : إذَا ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ بِلَفْظِ الْوَاقِفِ نَصًّا وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يُغَيِّرُهُ وَجَبَ تَقْرِيرُ الِاسْتِحْقَاقِ . قُلْنَا أَوَّلًا : مَسْأَلَتُنَا لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ ; فَإِنَّ قَوْلَهُ : عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ لَيْسَ نَصًّا فِي تَرْتِيبِ الطَّبَقَةِ عَلَى الطَّبَقَةِ ; فَإِنَّهُ صَالِحٌ لِتَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ ; لَكِنْ هَذَا يَجِبُ فِي خُصُوصِ مَسْأَلَتِنَا مَعَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُدْخِلَهَا تَحْتَ عُمُومِ هَذَا الْكَلَامِ ثُمَّ مَنْ يَقُولُ مِنْ رَاسٍ : لَا نُسَلِّمُ ثُبُوتَ الِاسْتِحْقَاقِ بِلَفْظِ الْوَاقِفِ نَصًّا فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي يَعْقُبُهَا اسْتِثْنَاءٌ أَوْ شَرْطٌ ; فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يَكُونُ نَصًّا إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِمَا يُغَيِّرُهُ وَالتَّغْيِيرُ مُحْتَمَلٌ فَشَرْطُ كَوْنِهِ نَصًّا مَشْكُوكٌ فِيهِ وَمَتَى كَانَ شَرْطُ الْحُكْمِ مَشْكُوكًا فِيهِ لَمْ يَثْبُتْ ; فَإِنَّهُ لَا نَصَّ مَعَ احْتِمَالِ التَّغْيِيرِ ; لَا سِيَّمَا مِثْلَ هَذَا الِاحْتِمَالِ الْقَوِيِّ الَّذِي هُوَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ رَاجِحٌ . فَإِنْ قَالَ : الْمُقْتَضِي لِدُخُولِهِمْ قَائِمٌ وَالْمَانِعُ مِنْ خُرُوجِهِمْ مَشْكُوكٌ فِيهِ . قُلْت عَلَى قَوْلِ مَنْ يَمْنَعُ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ لَا أُسَلِّمُ قِيَامَ الْمُقْتَضِي لِدُخُولِهِمْ فَإِنَّ الْمُقْتَضِيَ لِدُخُولِهِمْ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي لَمْ يُوصَلْ بِهِ مَا يُخْرِجُهُمْ فَلَا أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ يُوصِلْ بِهِ مَا يُخْرِجُهُمْ حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ لَا يُخْرِجُهُمْ وَهَذَا الشَّرْطُ مَشْكُوكٌ فِيهِ . وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِتَخْصِيصِهَا فَأُسَلِّمُ قِيَامَ الْمُقْتَضِي لَكِنْ شَرْطُ اقْتِضَائِهِ عَدَمُ الْمَانِعِ الْمُعَارِضِ . وَهُنَا مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مُعَارِضًا فَمَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ يَبْقَى صَلَاحُهُ لِلْمُعَارَضَةِ وَإِلَّا لَمْ يَعْمَلْ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ وَالصَّلَاحُ لِلْمُعَارَضَةِ لَا مَزِيَّةَ فِيهِ . وَهَذَا الْبَحْثُ بِعَيْنِهِ - وَهُوَ بَحْثُ الْقَائِلِينَ بِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ مَعَ الْقَاصِرِينَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ . ثُمَّ يَقُولُ مِنْ رَاسٍ : إذَا قَالَ مَثَلًا وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ إلَّا الْفُسَّاقَ - الْمُنَازِعُ يَقُولُ : وَلَدِي نَصٌّ فِي أَوْلَادِهِ وَالْفُسَّاقُ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بِالْفُقَرَاءِ . فَنَقُولُ لَهُ : هَذَا مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ ; فَإِنَّ الْفُسَّاقَ نَصٌّ فِي جَمِيعِ الْفُسَّاقِ فَإِنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ مُعَرَّفٌ بِاللَّامِ وَإِذَا كَانَ عَامًّا وَجَبَ شُمُولُهُ لِكُلِّ فَاسِقٍ ; فَدَعْوَى اخْتِصَاصِهِ بِفُسَّاقِ الْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَوْلَادِ يَحْتَاجُ إلَى مُخَصَّصٍ . فَلَيْسَتْ الْمُحَافَظَةُ عَلَى عُمُومِ الْأَوْلَادِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّخْصِيصِ بِأَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى عُمُومِ الْفُسَّاقِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُخَصَّصِ ; بَلْ الرَّاجِحُ إخْرَاجُهُمْ لِأَسْبَابِ . أَحَدُهَا : أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دُخُولِهِمْ فِي الْوَقْفِ وَقَدْ تَعَارَضَ عمومان فِي دُخُولِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ فَيُسَلِّمُ النَّافِي لِدُخُولِهِمْ عَنْ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ . الثَّانِي : أَنَّا قَدْ تَيَقَّنَّا خُرُوجَهُمْ مِنْ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ فَكَانَ أَحَدُ العمومين الْمَعْطُوفَيْنِ مَخْصُوصًا فَإِلْحَاقُ شَرِيكِهِ فِي التَّخْصِيصِ أَوْلَى مِنْ إدْخَالِ التَّخْصِيصِ عَلَى مَا لَيْسَ بِشَرِيكِهِ . الثَّالِثُ : أَنَّ الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا وَرَدَ التَّخْصِيصُ عَلَيْهَا ضَعُفَتْ ; بِخِلَافِ عُمُومِ الْمُسْتَثْنَى فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ تَخْصِيصٌ . الرَّابِعُ : كَوْنُ الْفِسْقِ مَانِعًا يَقْتَضِي رُجْحَانَهُ عِنْدَ الْوَاقِفِ عَلَى الْمُقْتَضِي لِلْإِعْطَاءِ فَإِذَا تَيَقَّنَّا رُجْحَانَهُ فِي مَوْضِعٍ كَانَ تَرْجِيحُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَوْلَى مِنْ تَرْجِيحِ مَا لَمْ يُعْرَفْ رُجْحَانُهُ بِحَالِ . الْخَامِسُ أَنَّ قَوْلَهُ : نَصَّ الْوَاقِفُ . إنْ عَنَى بِهِ ظَاهِرَ لَفْظِهِ فَعَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ ظَاهِرٌ لَفْظُهُ أَيْضًا عِنْدَ هَذَا الْقَوْلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا . وَإِنْ عَنَى بِهِ النَّصَّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا فَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ يَقْبَلُ الِاسْتِثْنَاءَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إمَّا عَدَدًا أَوْ عُمُومًا والعمومات ظَوَاهِرُ لَيْسَتْ نُصُوصًا . السَّادِسُ قَوْلُهُ : لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بِمُحْتَمَلِ مُتَرَدِّدٍ . نَقُولُ بِمُوجِبِهِ ; فَإِنَّ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ عِنْدَنَا إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ لَيْسَ بِمُحْتَمَلِ مُتَرَدِّدٍ بَلْ هُوَ نَصٌّ أَيْضًا بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ غَلَبَتُهُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ قَالَ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ } - إلَى قَوْلِهِ - { وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } { يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا } { إلَّا مَنْ تَابَ } وَهُوَ عَائِدٌ إلَى قَوْلِهِ : { يَلْقَ } و { يُضَاعِفُ } { وَيَخْلُدْ } . وَقَالَ سُبْحَانَهُ : { أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا } وَقَالَ تَعَالَى : { أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } { خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ } { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا } - إلَى قَوْلِهِ - { ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ قَدْ تَعَقَّبَ عِدَّةَ جُمَلٍ . فَإِنَّ مَعْنَى الْجُمْلَةِ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي يَصِحُّ إخْرَاجُ بَعْضِهِ وَهُوَ الِاسْمُ الْعَامُّ . أَوْ اسْمُ الْعَدَدِ ; لَيْسَ مَعْنَاهُ الْجُمْلَةَ الَّتِي هِيَ الْكَلَامُ الْمُرَكَّبُ مِنْ اسْمَيْنِ أَوْ اسْمٍ وَفِعْلٍ أَوْ اسْمٍ وَحَرْفٍ . وَقَدْ ثَبَتَ بِمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ قَوْلَهُ : { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } فِي آيَةِ الْقَذْفِ عَائِدٌ إلَى الْجُمْلَتَيْنِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَؤُمَّن الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يَجْلِسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيِّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أُسُودَ إلَّا بِالتَّقْوَى } . وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ; بَلْ مَنْ تَأَمَّلَ غَالِبَ الِاسْتِثْنَاءَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي تَعَقَّبَتْ جُمَلًا وَجَدَهَا عَائِدَةً إلَى الْجَمِيعِ . هَذَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ . فَأَمَّا فِي الشُّرُوطِ وَالصِّفَاتِ فَلَا يَكَادُ يُحْصِيهَا إلَّا اللَّهُ . وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ فَالْأَصْلُ إلْحَاقُ الْفَرْدِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ ; لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لَهُمَا حَقِيقَةً فَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ أَوْ يَكُونُ مَوْضُوعًا لِلْأَقَلِّ فَقَطْ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْبَاقِي مَجَازًا وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ ; فَكَثْرَتُهُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَإِذَا جُعِلَ حَقِيقَةً فِيمَا غَلَبَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ مَجَازًا فِيمَا قَلَّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ : كُنَّا قَدْ عَمِلْنَا بِالْأَصْلِ النَّافِي لِلِاشْتِرَاكِ وَبِالْأَصْلِ النَّافِي لِلْمَجَازِ فِي صُوَرِ التَّفَاوُتِ . وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ مُطْلَقًا . وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ نَصٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ . وَلَيْسَ الْغَرَضُ هُنَا تَقْرِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّنْبِيهُ عَلَى مَوَاضِعِ الْمَنْعِ . وَهَذَا الْبَحْثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَارِدٌ فِي كُلِّ تَخْصِيصٍ مُتَّصِلٍ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى عُمُومِ الْمَخْصُوصِ بِأَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى عُمُومِ الْمُخَصَّصِ ; بَلْ هَذَا أَوْلَى ; لِأَنَّهُ عَامٌّ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ ; وَلِأَنَّ ذِكْرَ التَّخْصِيصِ عَقِبَ كُلِّ جُمْلَةٍ مُسْتَقْبَحٌ . فَلَوْ قَالَ : وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ أَوْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَوْ لِذَوِي طَبَقَتِهِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي عَلَى هَذَا الشَّرْطِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي عَلَى هَذَا الشَّرْطِ . لَعُدَّ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي غَيْرُهُ أَفْصَحُ مِنْهُ وَأَحْسَنُ . ثُمَّ يُقَالُ لِمَنْ نَازَعَنَا : وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ عَامَّةَ الْوَاقِفِينَ يَقْصِدُونَ الِاشْتِرَاطَ فِي جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ ; وَلَا يُعَبِّرُونَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ الْمُسْتَغْرَبَةِ ; بَلْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا . فَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي تَبْلِيغِ مَا فِي نُفُوسِهِمْ لَمَا اقْتَصَرُوا عَلَيْهِ . وَاَللَّهُ يَشْهَدُ - وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا - أَنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَتِنَا يَقِينِيٌّ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَسَالِكِ الْمَظْنُونِ ; لَكِنْ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْيَقِينَ عِنْدَ قَوْمٍ جَهْلًا عِنْدَ آخَرِينَ . وَيُعَدُّ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا تَكَلُّفًا . وَلَوْلَا أَنَّ الْحَاجَةَ مَسَّتْ إلَى ذَلِكَ بِظَنِّ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ لِمَنْ يُنَازِعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُتَعَلِّقًا أَوْ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ [ لَمَا أَطَلْنَا هَذِهِ الْإِطَالَةَ ] .