وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد بْنُ تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ وَاقِفٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ دَائِمًا مَا تَنَاسَلُوا : عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا عَقِبٍ : كَانَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَذَوِي طَبَقَتِهِ . فَإِذَا تُوُفِّيَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ عَنْ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ أَوْ نَسْلٍ أَوْ عَقِبٍ لِمَنْ يَكُونُ نَصِيبُهُ ؟ هَلْ يَكُونُ لِوَلَدِهِ ؟ أَوْ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَبَنِيَّ الْعَمِّ وَنَحْوِهِمْ ؟ .
الْوَجْهُ السَّابِعُ . أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ فَاسِدٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ خُصُوصًا وَعَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ أَيْضًا : وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ; فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَطَلَّقَ حِينَئِذٍ ثَلَاثًا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا ; أَوْ وَاحِدَةً إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا . هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ . وَقِيلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تَطْلُقُ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثًا كَالْوَاوِ عِنْدَهُمَا ; وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ; وَأَقْوَى الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَطَائِفَةُ مَعَهُ : بَلْ تَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ الْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ فَقَطْ . فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا تَنَجَّزَ طَلْقَتَانِ وَتَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ وَاحِدَةٌ . وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا تَنَجَّزَتْ طَلْقَةٌ بَانَتْ بِهَا ; فَلَمْ يَصِحَّ إيقَاعُ الْأُخَرَتَيْنِ لَا تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا . قَالُوا : لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ مَعَ التَّرَاخِي فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْت طَالِقٌ ; ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ : أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ . وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ فَقَالُوا : " ثُمَّ " حَرْفُ عَطْفٍ يَقْتَضِي التَّشْرِيكَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ كَالْوَاوِ ; لَكِنْ الْوَاوُ تَقْتَضِي مُطْلَقَ الْجَمْعِ وَالتَّشْرِيكَ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى تَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ أَوْ مُقَارَنَةٍ وَثُمَّ تَقْتَضِي التَّشْرِيكَ مَعَ التَّأَخُّرِ . وَافْتِرَاقُهُمَا فِي الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ افْتِرَاقَهُمَا فِي نَفْسِ التَّشْرِيكِ . وَأَمَّا كَوْنُهَا لِلتَّرَاخِي فَعَنْهُ جَوَابَانِ . أَحَدُهُمَا . أَنَّ مُقْتَضَاهَا مُطْلَقُ التَّرْتِيبِ ; فَيُعْطَفُ بِهَا الْمُتَعَقِّبُ وَالْمُتَرَاخِي لَكِنْ لَمَّا كَانَ لِلْمُتَعَقِّبِ حَرْفٌ يَخُصُّهُ - وَهُوَ الْفَاءُ - صَارَتْ " ثُمَّ " عَلَامَةً عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي انْفَرَدَتْ بِهِ وَهُوَ التَّرَاخِي وَإِلَّا فَلَوْ قَالَ لِمَدْخُولِ بِهَا : أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ . أَوْ أَنْت طَالِقٌ فَطَالِقٌ : لَمْ يَكُنْ بَيْنَ هَذَيْنِ الْكَلَامَيْنِ فَرْقٌ هُنَا . الثَّانِي أَنَّ مَا فِيهَا مِنْ التَّرَاخِي إنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنَى لَا فِي اللَّفْظِ . فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ : جَاءَ زَيْدٌ ثُمَّ عَمْرٌو . فَهَذَا كَلَامٌ مُتَّصِلٌ بَعْضُهُ بِبَعْضِ . لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هُوَ . بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ : عَمْرٌو . فَمَنْ قَالَ : إنَّ قَوْلَهُ : أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ . بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ طَالِقٌ . فَقَدْ أَخْطَأَ ; وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ : أَنْت طَالِقٌ طَلَاقًا يَتَرَاخَى عَنْهُ طَلَاقٌ آخَرُ . وَهَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ تَعَلُّقِ الْجَمِيعِ بِالشَّرْطِ : تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ . فَإِذَا كَانَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهَؤُلَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ : أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ . بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : أَنْت طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ . وَقَوْلُهُ . أَنْت طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : أَنْتُنَّ طَوَالِقُ ; ثُمَّ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ : إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ . وَأَنَّ الشَّرْطَ تَعَلَّقَ بِالْجَمِيعِ ; فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْعَطْفَ بِمَا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ يُوجِبُ الصَّرْفَ إلَى مَنْ يَلِيه الشَّرْطُ دُونَ السَّابِقَيْنِ وَهَلَّا قِيلَ هُنَا : إذَا ثَبَتَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ نَصًّا بِاللَّفْظَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ; وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يُغَيِّرُهُ : وَجَبَ تَقْرِيرُ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ ; بَلْ مَسْأَلَةُ الطَّلَاقِ أَوْلَى بِقَصْرِ الشَّرْطِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّ إحْدَى الطَّلْقَتَيْنِ لَيْسَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْأُخْرَى مِنْ حَيْثُ الْوُجُودُ ; بَلْ يُمْكِنُ إيقَاعُهُمَا مَعًا ; بِخِلَافِ وَلَدِ الْوَلَدِ ; فَإِنَّهُمْ لَا يُوجَدُونَ إلَّا مُتَعَاقِبَيْنِ . فَالْحَاجَةُ هنا دَاعِيَةٌ إلَى التَّرْتِيبِ مَا لَا تَدْعُو إلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ جَوَازَ تَعْقِيبِ الْبَيْعِ وَالْوَقْفِ وَنَحْوِهِمَا بِالشُّرُوطِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ; بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ; فَإِنَّ مَذْهَبَ شريح وَطَائِفَةٍ مَعَهُ - وَهِيَ رِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ عَنْ أَحْمَد - أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطِ مُتَأَخِّرٍ كَمَا ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الطَّلَاقِ . فَإِذَا كَانُوا قَدْ أَعَادُوا الشَّرْطَ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ الْمُرَتَّبَةِ بِثُمَّ . فَالْقَوْلُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِهَا أَوْلَى . وَهَذَا الْكَلَامُ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ يَجْتَثُّ قَاعِدَةَ مَنْ نُسِبَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَا يُخَالِفُ هَذَا . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ : فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ بِهِ هُنَا ؟ قُلْنَا : قَدْ أَسْلَفْنَا فِيمَا مَضَى أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ فِي أُصُولِ الْجَمِيعِ ; لِدَلِيلِ دَلَّ عَلَى الرُّجُوعِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الضَّمِيرِ حَقِيقَةً فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْكَلَامِ . ثُمَّ الَّذِي يَقُولُ بِهَذَا يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الطَّلَاقِ مِنْ وُجُوهٍ . أَحَدُهَا : أَنَّ الشَّرْطَ فِي الطَّلَاقِ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ وَتِلْكَ الْأَسْمَاءُ الْمَعْطُوفَةُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي حَيِّزِ هَذَا الْفِعْلِ ; وَهِيَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَفَاعِيلُ لَهُ ; بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فِي الْقَسَمِ . فَإِنَّهُ إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَأَفْلَعَن كَذَا وَكَذَا ثُمَّ كَذَا : إنْ شَاءَ اللَّهُ . كَانَ الشَّرْطُ مُتَعَلِّقًا بِالْفِعْلِ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ وَالْمَفَاعِيلُ دَاخِلَةٌ فِي مُسْتَثْنَاهُ . وَتَنَاوُلُ الْفِعْلِ لِمَفَاعِيلِهِ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فَإِذَا كَانَ قَدْ قَيَّدَ تَنَاوُلَهُ لَهَا بِقَيْدِ تَقَيَّدَ تَنَاوُلُهُ لِلْجَمِيعِ بِذَلِكَ الْقَيْدِ ; بِخِلَافِ قَوْلِهِ : أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ : إنْ شَاءَ زَيْدٌ . فَإِنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالشَّرْطِ هُنَا اسْمُ الْفَاعِلِ ; لَا نَفْسُ الْمُبْتَدَأِ . وَالْخَبَرُ الثَّانِي لَيْسَ بِدَاخِلِ فِي خَبَرِ الْخَبَرِ الْآخَرِ ; بَلْ كِلَاهُمَا دَاخِلٌ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ ; فَلِهَذَا خَرَجَ هُنَا خِلَافٌ وَهَذَا فَرْقٌ بَيِّنٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ . الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الشَّرْطَ فِي الطَّلَاقِ ; وَهُوَ قَوْلُهُ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ . لَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ تَعَلُّقَهُ بِجَمِيعِ الْجُمَلِ ; بِخِلَافِ قَوْلِهِ : عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ . فَإِنَّ الضَّمِيرَ يَقْتَضِي الْعَوْدَ إلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورِ . الثَّالِثُ : أَنَّ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْأُخْرَى ; فَإِنَّ الطَّلْقَةَ تَقَعُ مَعَ وُجُودِ الْأُولَى وَعَدَمِهَا . فَإِذَا عُلِّقَتْ بِالشَّرْطِ لَمْ تَسْتَلْزِمْ تَعْلِيقَ الْأُولَى ; لِانْفِصَالِهَا عَنْهَا . وَقَدْ اعْتَقَدُوا أَنَّ " ثُمَّ " بِمَنْزِلَةِ التَّرَاخِي فِي اللَّفْظِ فَيَزُولُ التَّعَلُّقُ اللَّفْظِيُّ وَالْمَعْنَوِيُّ فَتَبْقَى الْجُمْلَةُ الْأُولَى أَجْنَبِيَّةً عَنْ الشَّرْطِ عَلَى قَوْلِهِمْ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى مِنْ جِهَةِ الضَّمِيرِ وَمِنْ جِهَةِ الْوُجُودِ وَمِنْ جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ . فَلَا يَصِحُّ اللَّفْظُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ إلَّا بَعْدَ الْأُولَى وَلَا وُجُودَ لِمَعْنَاهَا إلَّا بَعْدَ الْأُولَى وَلَا اسْتِحْقَاقَ لَهُمْ إلَّا بَعْدَ الْأُولَى ; سَوَاءٌ قُدِّرَ التَّرَاخِي فِي اللَّفْظِ أَوْ لَمْ يُقَدَّرْ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ الْأُولَى أَجْنَبِيَّةً عَنْ الثَّانِيَةِ حَتَّى تَعْلَقَ الثَّانِيَةُ وَحْدَهَا بِالشَّرْطِ . وَاَلَّذِي تَحَقَّقَ أَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي الطَّلَاقِ فَقَطْ : أَنَّهُ لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَن زَيْدًا ثُمَّ عَمْرًا ثُمَّ بَكْرًا - إنْ شَاءَ اللَّهُ - عَادَ اسْتِثْنَاءٌ إلَى الْجَمِيعِ . فَقَوْلُهُ : وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ . أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِهِ : إنْ شَاءَ اللَّهُ . مِنْ حَيْثُ إنَّ هُنَا تَعَلَّقَ الضَّمِيرُ . الْوَجْهُ الثَّامِنُ : أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ الْعَطْفِ بِالْحَرْفِ الْمُرَتَّبِ وَالْحَرْفِ الْجَامِعِ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ . ثُمَّ قَالَ : وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الصِّفَةِ . وَالصِّفَةُ إذَا أُطْلِقَتْ فَكَثِيرًا مَا يُرَادُ بِهَا الصِّفَةُ الصِّنَاعِيَّةُ النَّحْوِيَّةُ . وَهُوَ الِاسْمُ التَّابِعُ لِمَا قَبْلَهُ فِي إعْرَابِهِ : مِثْلَ أَنْ تَقُولَ : وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي . ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ الْعُدُولِ . فَإِنَّ اخْتِصَاصَ الْجُمْلَةِ هُنَا بِالصِّفَةِ الْأَخِيرَةِ قَرِيبٌ . وَمَسْأَلَتُنَا شُرُوطٌ حُكْمِيَّةٌ . وَهِيَ إلَى الشُّرُوطِ اللَّفْظِيَّةِ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى الِاسْتِثْنَاءِ . وَإِنْ سُمِّيَتْ صِفَاتٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى . وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ هَذَا أَنَّهُ قَالَ : وَإِنْ كَانَ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ وَلَا فَاصِلَ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رُجُوعُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْجَمِيعِ . وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الصِّفَةِ . فَعَلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ مُشِيرًا إلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ ; فَإِنَّهُ إنَّمَا يُعِيدُ ذَلِكَ إلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ . وَهَذَا إنَّمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَاتِ التَّابِعَةِ ; لَا يَقُولُهُ فِي الشُّرُوطِ وَالصِّفَاتِ الَّتِي تَجْرِي مَجْرَى الشُّرُوطِ . فَصَارَ هُنَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ . أَحَدُهَا : الِاسْتِثْنَاءُ بِحَرْفِ " إلَّا " الْمُتَعَقِّبَ جُمَلًا ; وَالْخِلَافُ فِيهِ مَشْهُورٌ . الثَّانِي : الِاسْتِثْنَاءُ بِحُرُوفِ الشَّرْطِ ; فَالِاسْتِثْنَاءُ هُنَا عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ . الثَّالِثُ : الصِّفَاتُ التَّابِعَةُ لِلِاسْمِ الْمَوْصُوفِ بِهَا وَمَا أَشْبَهَهَا وَعَطْفُ الْبَيَانِ ; فَهَذِهِ تَوَابِعُ مُخَصَّصَةٌ لِلْأَسْمَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ . الرَّابِعُ : الشُّرُوطُ الْمَعْنَوِيَّةُ بِحَرْفِ الْجَرِّ : مِثْلَ قَوْلِهِ : عَلَى أَنَّهُ . أَوْ : تَشْرُطُ أَنْ يَفْعَلَ . أَوْ بِحُرُوفِ الْعَطْفِ : مِثْلَ قَوْلِهِ : وَمِنْ شَرْطِهِ كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ . فَهَذِهِ مِثْلُ الِاسْتِثْنَاءِ بِحُرُوفِ الْجَزَاءِ . وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ تَمَامِ الِاسْمِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا ; وَكُلَّمَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِ الْكَلَامِ وَهُوَ النِّسْبَةُ الْحُكْمِيَّةُ الَّتِي بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ وَبَيْنَ الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ فَهُوَ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ بِحَرْفِ الشَّرْطِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ حُرُوفَ الْجَرِّ وَحُرُوفَ الشَّرْطِ الْمُتَأَخِّرَةِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ قَوْلُهُ : وَقَفْت . وَهُوَ الْكَلَامُ . وَالْجُمْلَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَالْبَدَلُ وَالصِّفَةُ النَّحْوِيَّةُ وَعَطْفُ الْبَيَانِ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي هِيَ مَفَاعِيلُ هَذَا الْفِعْلِ .