تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ . سُورَةُ الْإِخْلَاصِ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد ابْنُ تيمية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمَّا وَرَدَ فِي سُورَةِ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَكَذَلِكَ وَرَدَ فِي سُورَةِ ( الزَّلْزَلَةِ وَ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } وَ ( الْفَاتِحَةِ هَلْ مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْمُعَادَلَةِ ثَابِتٌ فِي الْمَجْمُوعِ أَمْ فِي الْبَعْضِ ؟ وَمَنْ رَوَى ذَلِكَ ؟ وَمَا ثَبَتَ مِنْ ذَلِكَ ؟ وَمَا مَعْنَى هَذِهِ الْمُعَادَلَةِ وَكَلَامُ اللَّهِ وَاحِدٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ وَهَلْ هَذِهِ الْمُفَاضَلَةُ - بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا - مُتَعَدِّيَةٌ إلَى الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَمْ لَا ؟ وَالصِّفَاتُ الْقَدِيمَةُ وَالْأَسْمَاءُ الْقَدِيمَةُ هَلْ يَجُوزُ الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَهَا مَعَ أَنَّهَا قَدِيمَةٌ ؟ وَمَنْ الْقَائِلُ بِذَلِكَ وَفِي أَيِّ كُتُبِهِ قَالَ ذَلِكَ وَوَجْهُ التَّرْجِيحِ فِي ذَلِكَ بِمَا يُمْكِنُ مِنْ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَنَقْلِيٍّ ؟
12345678910111213141516171819202122
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ قَوْلَهُ : { أَحْسَنَ الْقَصَصِ } قَدْ قِيلَ إنَّهُ مَصْدَرٌ وَقِيلَ إنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ وَالْقَوْلَانِ مُتَلَازِمَانِ . لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْقَصَصَ مَفْعُولٌ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مَصْدَرًا فَقَدْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَقْصُوصِ كَمَا فِي لَفْظِ الْخَبَرِ وَالنَّبَأِ وَالِاسْتِعْمَالِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ أَهْلُ اللُّغَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَقَدْ قَصَّ عَلَيْهِ الْخَبَرَ قَصَصًا وَالِاسْمُ أَيْضًا الْقَصَصُ بِالْفَتْحِ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ حَتَّى صَارَ أَغْلَبَ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ أَحْسَنَ الْقَصَصِ كَقَوْلِهِ : نُخْبِرُك أَحْسَنَ الْخَبَرِ وَنُنَبِّئُك أَحْسَنَ النَّبَأِ وَنُحَدِّثُك أَحْسَنَ الْحَدِيثِ . وَلَفْظُ " الْكَلَامِ " يُرَادُ بِهِ مَصْدَرُ كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا وَيُرَادُ بِهِ نَفْسُ الْقَوْلِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ فِعْلٌ مِنْ الْقَائِلِ هُوَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ وَالْقَوْلُ يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلِهَذَا تَارَةً يَجْعَلُ الْقَوْلَ نَوْعًا مِنْ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ بِعَمَلِ وَتَارَةً يُجْعَلُ قَسِيمًا لَهُ يُقَالُ : الْقَوْلُ وَالْعَمَلُ وَكَذَلِكَ قَدْ يُقَالُ فِي لَفْظِ " الْقَصَصِ " وَ " الْبَيَانِ " وَ " الْحَدِيثِ " وَ " الْخَبَرِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَإِذَا أُرِيدَ بِالْقِصَصِ وَنَحْوِهِ الْمَصْدَرُ الَّذِي مُسَمَّاهُ الْفِعْلُ فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْقَوْلِ وَالْقَوْلُ تَابِعٌ وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ نَفْسُ الْكَلَامِ وَالْقَوْلُ فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْفِعْلِ تَابِعٌ لِلْفِعْلِ . فَالْمَصَادِرُ الْجَارِيَةُ عَلَى سُنَنِ الْأَفْعَالِ يُرَادُ بِهَا الْفِعْلُ كَقَوْلِك كَلَّمْته تَكْلِيمًا وَأَخْبَرْته إخْبَارًا وَأَمَّا مَا لَمْ يَجْرِ عَلَى سُنَنِ الْفِعْلِ - مِثْلَ الْكَلَامِ وَالْخَبَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - فَإِنَّ هَذَا إذَا أُطْلِقَ أُرِيدَ بِهِ الْقَوْلُ وَكَذَلِكَ قَدْ يُقَالُ فِي لَفْظِ الْقَصَصِ فَإِنَّ مَصْدَرَهُ الْقِيَاسِيَّ قَصًّا مِثْلَ عَدَّهُ عَدًّا وَمَدَّهُ مَدًّا وَكَذَلِكَ قَصَّهُ قَصًّا وَأَمَّا قَصَّصَ فَلَيْسَ هُوَ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُضَعَّفِ وَلَمْ يَذْكُرُوا عَلَى كَوْنِهِ مَصْدَرًا إلَّا قَوْلَهُ { فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا } وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ . بَلْ قَدْ يَكُونُ اسْمَ مَصْدَرٍ أُقِيمَ مَقَامَهُ كَقَوْلِهِ : { وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا } وَإِنْ جُعِلَ مَصْدَرَ قَصَّ الْأَثَرَ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرَ قَصَّ الْحَدِيثَ ; لِأَنَّ الْحَدِيثَ خَبَرٌ وَنَبَأٌ فَكَانَ لَفْظُ قَصَصٍ كَلَفْظِ خَبَرٍ وَنَبَأٍ وَكَلَامٍ . وَأَسْمَاءُ الْمَصَادِرِ فِي بَابِ الْكَلَامِ تَتَضَمَّنُ الْقَوْلَ نَفْسَهُ وَتَدُلُّ عَلَى فِعْلِ الْقَائِلِ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ وَاللُّزُومِ فَإِنَّك إذَا قُلْت : الْكَلَامُ وَالْخَبَرُ وَالْحَدِيثُ وَالنَّبَأُ وَالْقَصَصُ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ قَوْلِك : التَّكْلِيمُ وَالْإِنْبَاءُ وَالْإِخْبَارُ وَالتَّحْدِيثُ وَلِهَذَا يُقَالُ إنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ وَاسْمُ الْمَصْدَرِ يَنْتَصِبُ عَلَى الْمَصْدَرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ { وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا } فَإِذَا قَالَ : كَلَّمْته كَلَامًا حَسَنًا وَحَدَّثْته حَدِيثًا طَيِّبًا وَأَخْبَرْته أَخْبَارًا سَارَّةً وَقَصَصْت عَلَيْهِ قِصَصًا صَادِقَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ كَانَ هَذَا مَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا كَقَوْلِك كَلَّمْته تَكْلِيمًا وَأَنْبَأْته إنْبَاءً . فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ { أَحْسَنَ الْقَصَصِ } مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ وَكُلُّ مَا قَصَّهُ اللَّهُ فَهُوَ أَحْسَنُ الْقَصَصِ وَلَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْمَصْدَرِ وَمَعْنَى الْمَفْعُولِ بِهِ جَازَ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ تَقُولُ : قُلْت قَوْلًا حَسَنًا وَقَدْ أَسْمَعْته قَوْلًا وَلَمْ يَسْمَعْ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ وَإِنَّمَا سَمِعَ الصَّوْتَ وَتَقُولُ قَالَ يَقُولُ قَوْلًا فَتَجْعَلُهُ مَصْدَرًا وَالصَّوْتُ نَفْسُهُ لَيْسَ هُوَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ إنَّمَا مُسَمَّى الْمَصْدَرِ الْفِعْلُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلصَّوْتِ وَلَكِنَّ هُمَا مُتَلَازِمَانِ .