وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ " صِحَّةِ أُصُولِ مَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ " وَمَنْزِلَةِ مَالِكٍ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ مَذْهَبُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ وَالدِّيَانَةِ ; وَضَبْطِهِ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ أَئِمَّةِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَأَهْلِ الثِّقَةِ وَالْخِبْرَةِ مِنْ سَائِرِ الْأَعْصَارِ ؟
{ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ ; وَعَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَبَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ } وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ نَوْعُ مُقَامَرَةٍ وَأَرْخَصَ فِي ذَلِكَ فِيمَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَيَدْخُلُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ كَمَا أَرْخَصَ فِي ابْتِيَاعِهَا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مُبْقَاةً إلَى كَمَالِ الصَّلَاحِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَجْزَائِهَا لَمْ يُخْلَقْ وَكَمَا أَرْخَصَ فِي ابْتِيَاعِ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ مَعَ جَدِيدِهِ إذَا اشْتَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ وَهُوَ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَهَذَا جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الشَّجَرِ الَّذِي فِيهِ ثَمَرٌ ظَاهِرٌ وَجَعَلَ لِلْبَائِعِ ثَمَرَةَ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْهَا الْمُشْتَرِي فَتَكُونُ الشَّجَرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ يَنْتَفِعُ بِهَا بِإِبْقَاءِ ثَمَرِهِ عَلَيْهَا إلَى حِينِ الْجِذَاذِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ وَقَالَ : { إنْ بِعْت مِنْ أَخِيك ثَمَرَةً فَأَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ أَخِيك شَيْئًا بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ؟ } . وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي هَذَا الْبَابِ أَشْبَهُ بِالسُّنَّةِ وَالْعَدْلِ مِنْ مَذْهَبِ مَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ مُخَالِفَهُمْ جَعَلَ الْبَيْعَ إذَا وَقَعَ عَلَى مَوْجُودٍ جَازَ سَوَاءٌ كَانَ قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ وَجَعَلَ مُوجِبَ كُلِّ عَقْدٍ قَبْضَ الْمَبِيعِ عَقِبَهُ وَلَمْ يُجِزْ تَأْخِيرَ الْقَبْضِ فَقَالَ : إنَّهُ إذَا اشْتَرَى الثَّمَرَ بَادِيًا صَلَاحُهُ أَوْ غَيْرَ بَادٍ صَلَاحُهُ جَازَ وَمُوجَبُ الْعَقْدِ الْقَطْعُ فِي الْحَالِ لَا يَسُوغُ لَهُ تَأْخِيرُ الثَّمَرِ إلَى تَكَمُّلِ صَلَاحِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ . وَجَعَلُوا ذَلِكَ الْقَبْضَ قَبْضًا نَاقِلًا لِلضَّمَانِ إلَى الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ وَطَرَدُوا ذَلِكَ فَقَالُوا : إذَا بَاعَ عَيْنًا مُؤَجَّرَةً لَمْ يَصِحَّ لِتَأْخِيرِ التَّسْلِيمِ وَقَالُوا : إذَا اسْتَثْنَى مَنْفَعَةَ الْمَبِيعِ : كَظَهْرِ الْبَعِيرِ وَسُكْنَى الدَّارِ لَمْ يَجُزْ وَذَلِكَ كُلُّهُ فَرْعٌ عَلَى ذَلِكَ الْقِيَاسِ . وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ خَالَفُوهُمْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاتَّبَعُوا النُّصُوصَ الصَّحِيحَةَ وَهُوَ مُوَافَقَةُ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ الْعَادِلِ فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : الْعَقْدُ مُوجِبٌ الْقَبْضَ عَقِبَهُ ; يُقَالُ لَهُ : مُوجَبُ الْعَقْدِ إمَّا أَنْ يُتَلَقَّى مِنْ الشَّارِعِ ; أَوْ مِنْ قَصْدِ الْعَاقِدِ وَالشَّارِعُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا يُوجِبُ مُوجَبَ الْعَقْدِ مُطْلَقًا وَأَمَّا الْمُتَعَاقِدَانِ فَهُمَا تَحْتَ مَا تَرَاضَيَا بِهِ وَيَعْقِدَانِ الْعَقْدَ عَلَيْهِ فَتَارَةً يَعْقِدَانِ عَلَى أَنْ يَتَقَابَضَا عَقِبَهُ وَتَارَةً عَلَى أَنْ يَتَأَخَّرَ الْقَبْضُ كَمَا فِي الثَّمَرِ ; فَإِنَّ الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي الْحُلُولَ ; وَلَهُمَا تَأْجِيلُهُ إذَا كَانَ لَهُمَا فِي التَّأْجِيلِ مَصْلَحَةٌ فَكَذَلِكَ الْأَعْيَانُ ; فَإِذَا كَانَتْ الْعَيْنُ الْمَبِيعَةُ فِيهَا مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ كَالشَّجَرِ الَّذِي ثَمَرُهُ ظَاهِرٌ وَكَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ وَكَالْعَيْنِ الَّتِي اسْتَثْنَى الْبَائِعُ نَفْعَهَا مُدَّةً لَمْ يَكُنْ مُوجَبُ هَذَا الْعَقْدِ أَنْ يَقْتَضِيَ الْمُشْتَرِي مَا لَيْسَ لَهُ ; وَمَا لَمْ يَمْلِكْهُ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَ الْعَيْنِ دُونَ بَعْضٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا دُونَ مَنْفَعَتِهَا . ثُمَّ سَوَاءٌ قِيلَ : إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَقْبِضُ الْعَيْنَ أَوْ قِيلَ : لَا يَقْبِضُهَا بِحَالِ : لَا يَضُرُّ ذَلِكَ ; فَإِنَّ الْقَبْضَ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ هُوَ مِنْ تَمَامِ الْعَقْدِ كَمَا هُوَ فِي الرَّهْنِ بَلْ الْمِلْكُ يَحْصُلُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْمُشْتَرِي تَابِعًا وَيَكُونُ نَمَاءُ الْمَبِيعِ لَهُ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَكِنَّ أَثَرَ الْقَبْضِ إمَّا فِي الضَّمَانِ وَإِمَّا فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ . وَقَدْ ثَبَتَ { عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَا أَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي } . وَلِهَذَا ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ ; فَإِنَّ تَعْلِيقَ الضَّمَانِ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الْقَبْضِ أَحْسَنُ مِنْ تَعْلِيقِهِ بِنَفْسِ الْقَبْضِ وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ فَفِي الثِّمَارِ الَّتِي أَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْجِذَاذِ وَكَانَ مَعْذُورًا فَإِذَا تَلِفَتْ كَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ ; وَلِهَذَا الَّتِي تَلِفَتْ بَعْدَ تَفْرِيطِهِ فِي الْقَبْضِ كَانَتْ مِنْ ضَمَانِهِ وَالْعَبْدُ وَالدَّابَّةُ الَّتِي تَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِهَا تَكُونُ مِنْ ضَمَانِهِ عَلَى حَدِيثِ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ . وَمَنْ جَعَلَ التَّصَرُّفَ تَابِعًا لِلضَّمَانِ فَقَدْ غَلِطَ ; فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الْإِجَارَةِ إذَا تَلِفَتْ قَبْلَ تَمَكُّنِ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ اسْتِيفَائِهَا كَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْمُؤَجِّرِ وَمَعَ هَذَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا بِمِثْلِ الْأُجْرَةِ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي إيجَارِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ الْأُجْرَةِ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ رِبْحًا فِيمَا لَا يُضْمَنُ وَالصَّحِيحُ جَوَازُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّهَا إذَا تَلِفَتْ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ كَانَتْ مِنْ ضَمَانِهِ وَلَكِنْ إذَا تَلِفَتْ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَكُنْ مِنْ ضَمَانِهِ . وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ أَيْضًا ; فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نَبْتَاعُ الطَّعَامَ جُزَافًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَى أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ إلَى رِحَالِنَا } . وَابْنُ عُمَرَ هُوَ الْقَائِلُ : { مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَا أَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي } . فَتَبَيَّنَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الطَّعَامِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَنْقُلَهُ وَغَلَّةُ الثِّمَارِ وَالْمَنَافِعُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا وَلَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ قَبْضِهَا كَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْمُؤَجِّرِ وَالْبَائِعِ وَالْمَنَافِعُ لَا يُمْكِنُ التَّصَرُّفُ فِيهَا إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَائِهَا وَكَذَلِكَ الثِّمَارُ لَا تُبَاعُ عَلَى الْأَشْجَارِ بَعْدَ الْجِذَاذِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ الْمَنْقُولِ . وَالسُّنَّةُ فِي هَذَا الْبَابِ فَرَّقَتْ بَيْنَ الْقَادِرِ عَلَى الْقَبْضِ وَغَيْرِ الْقَادِرِ فِي الضَّمَانِ وَالتَّصَرُّفِ فَأَهْلُ الْمَدِينَةِ أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ كُلِّهِ وَقَوْلُهُمْ أَعْدَلُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يُخَالِفُ السُّنَّةَ . وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرٌ مِثْلَ بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ : مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ جَوَّزَ بَيْعَهَا مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ تُوصَفْ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ بَيْعَهَا مَعَ الْوَصْفِ ; وَمَالِكٌ جَوَّزَ بَيْعَهَا مَعَ الصِّفَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَهَذَا أَعْدَلُ . وَالْعُقُودُ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَوْجَبَ فِيهَا الْأَلْفَاظَ وَتَعَاقَبَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ جَعَلُوا الْمَرْجِعَ فِي الْعُقُودِ إلَى عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَتِهِمْ فَمَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَمَا عَدُّوهُ إجَارَةً فَهُوَ إجَارَةٌ وَمَا عَدُّوهُ هِبَةً فَهُوَ هِبَةٌ وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَعْدَلُ فَإِنَّ الْأَسْمَاءَ مِنْهَا مَا لَهُ حَدٌّ فِي اللُّغَةِ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ . وَمِنْهَا مَا لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ . وَمِنْهَا مَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ لَا فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّرْعِ بَلْ يَرْجِعُ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ فِي هَذَا الْبَابِ لَمْ يَحُدَّهَا الشَّارِعُ وَلَا لَهَا حَدٌّ فِي اللُّغَةِ ; بَلْ يَتَنَوَّعُ ذَلِكَ بِحَسَبِ عَادَاتِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ فَمَا عَدُّوهُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَمَا عَدُّوهُ هِبَةً فَهُوَ هِبَةٌ وَمَا عَدُّوهُ إجَارَةً فَهُوَ إجَارَةٌ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَالِكًا يُجَوِّزُ بَيْعَ الْمُغَيَّبِ فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَاللِّفْتِ وَبَيْعِ المقاثي جُمْلَةً كَمَا يُجَوِّزُ هُوَ وَالْجُمْهُورُ بَيْعَ الْبَاقِلَاءِ وَنَحْوَهُ فِي قِشْرِهِ . وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ زَمَنِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى هَذَا التَّارِيخِ وَلَا تَقُومُ مَصْلَحَةُ النَّاسِ بِدُونِ هَذَا وَمَا يُظَنُّ أَنَّ هَذَا نَوْعُ غَرَرٍ فَمِثْلُهُ جَائِزٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ وَالْحَاجَةِ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ يُبِيحُ ذَلِكَ فَكَيْفَ إذَا اجْتَمَعَا ؟ وَكَذَلِكَ مَا يُجَوِّزُ مَالِكٌ مِنْ مَنْفَعَةِ الشَّجَرِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ مِثْلَ أَنْ يَكْرِيَ أَرْضًا أَوْ دَارًا فِيهَا شَجَرَةٌ أَوْ شَجَرَتَانِ هُوَ أَشْبَهُ بِالْأُصُولِ مِنْ قَوْلِ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ . وَقَدْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مُطْلَقًا وَجَوَّزُوا ضَمَانَ الْحَدِيقَةِ الَّتِي فِيهَا أَرْضٌ وَشَجَرٌ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا قَبِلَ الْحَدِيقَةَ مِنْ أسيد بْنِ الحضير ثُلُثًا وَقَضَى بِمَا تَسَلَّفَهُ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .