وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ " صِحَّةِ أُصُولِ مَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ " وَمَنْزِلَةِ مَالِكٍ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ مَذْهَبُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ وَالدِّيَانَةِ ; وَضَبْطِهِ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ أَئِمَّةِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَأَهْلِ الثِّقَةِ وَالْخِبْرَةِ مِنْ سَائِرِ الْأَعْصَارِ ؟
وَمِنْ ذَلِكَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ ; فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ بِإِثْبَاتِ حَرَمِهَا بَلْ صَحَّ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ جَعَلَ جَزَاءَ مَنْ عَضَدَ بِهَا شَجَرًا أَنَّ سَلَبَهُ لِوَاجِدِهِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد أَنَّهَا حَرَامٌ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ نِزَاعٌ وَمَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْكُوفِيِّينَ لَمْ تَبْلُغْهُ هَذِهِ السُّنَنُ ; وَلَكِنَّ بَعْضَ أَتْبَاعِهِمْ أَخَذَ يُعَارِضُ ذَلِكَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي عُمَيْرٍ ; وَحَدِيثِ الْوَحْشِ ; وَهَذِهِ لَوْ كَانَتْ تُقَاوِمُ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُعَارَضَ بِهَا لَكِنَّ تِلْكَ مُتَوَاتِرَاتٌ وَحَدِيثُ أَبِي عُمَيْرٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ صِيدَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ ثُمَّ أُدْخِلَ إلَيْهَا كَذَلِكَ حَدِيثُ الْوَحْشِ إنْ صَحَّ . وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُمَا مُتَعَارِضَانِ فَكَانَ مِثْلَ تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ أَحَادِيثَ الْحَرَمِ رَوَاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَنَحْوُهُ مِمَّنْ صُحْبَتُهُ مُتَأَخِّرَةٌ ; وَأَمَّا دُخُولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَبِي طَلْحَةَ فَكَانَ مِنْ أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ أَوْ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ نَصَّانِ أَحَدُهُمَا نَاقِلٌ عَنْ الْأَصْلِ وَالْآخَرُ نَافٍ مُبْقٍ لِحُكْمِ الْأَصْلِ كَانَ النَّاقِلُ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ إذَا قُدِّمَ النَّاقِلُ لَمْ يَلْزَمْ تَعْيِينُ الْحُكْمِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَإِذَا قُدِّمَ الْمُبْقِي تَغَيَّرَ الْحُكْمُ مَرَّتَيْنِ . فَلَوْ قِيلَ : إنَّ حَدِيثَ أَبِي عُمَيْرٍ بَعْدَ أَحَادِيثِ تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ لَكَانَ قَدْ حَرَّمَهُ ثُمَّ أَحَلَّهُ وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا كَوْنُهُ قَدْ حَرَّمَهُ بَعْدَ التَّحْلِيلِ وَهَذَا لَا رَيْبَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .