تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ " صِحَّةِ أُصُولِ مَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ " وَمَنْزِلَةِ مَالِكٍ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ مَذْهَبُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ وَالدِّيَانَةِ ; وَضَبْطِهِ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ أَئِمَّةِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَأَهْلِ الثِّقَةِ وَالْخِبْرَةِ مِنْ سَائِرِ الْأَعْصَارِ ؟
1234567891011121314151617181920212223242526272829303132333435
وَاَللَّهُ قَدْ شَرَعَ الْقِصَاصَ فِي النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَقَالَ تَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى : { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } الْآيَةَ فَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ مَنْ يُكَافِئُهُ عَمْدًا عُدْوَانًا كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ ; كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ; إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْرِيمُهُ بِحَقِّ اللَّهِ كَمَا إذَا رَضَخَ رَأْسَهُ كَمَا { رَضَخَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَ الْيَهُودِيِّ الَّذِي رَضَخَ رَأْسَ الْجَارِيَةِ } كَانَ ذَلِكَ أَتَمَّ فِي الْعَدْلِ بِمَنْ قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ فِي عُنُقِهِ وَإِذَا تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ عُدِلَ إلَى الدِّيَةِ وَكَانَتْ الدِّيَةُ بَدَلًا لِتَعَذُّرِ الْمِثْلِ . وَإِذَا أَتْلَفَ لَهُ مَالًا ; كَمَا لَوْ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ الْعَارِيَةُ : فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْمِثْلُ كَانَتْ الْقِيمَةُ - وَهِيَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ - بَدَلًا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمِثْلِ وَلِهَذَا كَانَ مَنْ أَوْجَبَ الْمِثْلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْقِيمَةِ أَقْرَبَ إلَى الْعَدْلِ مِمَّنْ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ مِنْ غَيْرِ الْمِثْلِ وَفِي هَذَا كَانَتْ قِصَّةُ داود وَسُلَيْمَانَ . وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا : التَّنْبِيهُ . وَحِينَئِذٍ فَتَجْوِيزُ الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا لِأَجْلِ الْحَاجَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ بَيْعِهَا بِالْكَيْلِ مُوَافِقٌ لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ مَعَ ثُبُوتِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَمَالِكٌ جَوَّزَ الْخَرْصَ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ وَهَذَا عَيْنُ الْفِقْهِ الصَّحِيحِ . وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ : أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ فِي الصُّورَةِ كَمَا مَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ وَأَقْضِيَةُ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ فِي السُّنَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشِ وَقَضَتْ الصَّحَابَةُ فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةِ وَفِي الظَّبْيِ بِشَاةِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ . وَمَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ إنَّمَا يُوجِبُ الْقِيمَةَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَأَنَّهُ يَشْتَرِي بِالْقِيمَةِ الْأَنْعَامَ وَالْقِيمَةُ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ .