تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ " صِحَّةِ أُصُولِ مَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ " وَمَنْزِلَةِ مَالِكٍ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ مَذْهَبُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ وَالدِّيَانَةِ ; وَضَبْطِهِ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ أَئِمَّةِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَأَهْلِ الثِّقَةِ وَالْخِبْرَةِ مِنْ سَائِرِ الْأَعْصَارِ ؟
1234567891011121314151617181920212223242526272829303132333435
فَصْلٌ وَمَذْهَبُهُمْ فِي الْأَحْكَامِ أَنَّهُمْ يُرَجِّحُونَ جَانِبَ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَيَجْعَلُونَ الْيَمِينَ فِي جَانِبِهِ فَيَقْضُونَ بِالشَّاهِدِ وَيَمِينِ الطَّالِبِ فِي الْحُقُوقِ وَفِي الْقَسَامَةِ يَبْدَءُونَ بِتَحْلِيفِ الْمُدَّعِينَ فَإِنْ حَلَفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا اسْتَحَقُّوا الدَّمَ . وَالْكُوفِيُّونَ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ إلَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يُحَلِّفُونَ الْمُدَّعِي لَا فِي قَسَامَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَلَا يَقْضُونَ بِشَاهِدِ وَيَمِينٍ وَلَا يَرَوْنَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي . وَمَعْلُومٌ أَنَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيحَةَ تُوَافِقُ مَذْهَبَ الْمَدَنِيِّينَ ; فَإِنَّ حَدِيثَ الْقَسَامَةِ صَحِيحٌ ثَابِتٌ فِيهِ وَقَدْ { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ : تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ } وَكَانَ الشَّافِعِيُّ وَنَحْوُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ إذَا نَاظَرُوا عُلَمَاءَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَأَبِي الزِّنَادِ وَغَيْرِهِ فِي الْقَسَامَةِ ; وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِالسُّنَّةِ الَّتِي لَا مَنْدُوحَةَ لَأَحَدٍ عَنْ قَبُولِهَا وَيَقُولُونَ لَهُمْ : إنَّ السُّنَّةَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لَتَأْتِي عَلَى خِلَافِ الرَّأْيِ : فَلَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنْ قَبُولِهَا . فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ مَرْوِيٍّ بِإِسْنَادِ . وَكَذَلِكَ " مَسْأَلَةُ الْحُكْمِ بِشَاهِدِ وَيَمِينٍ " L192 فِيهَا أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحِ وَالسُّنَنِ كَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَكَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ مِمَّا رَوَاهُ أَبُو داود لَمَّا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : نَرَى أَنَّ مَنْ حَكَمَ بِشَاهِدِ وَيَمِينٍ نُقِضَ حُكْمُهُ انْتَصَرَ لِهَذِهِ السُّنَّةِ الْعُلَمَاءُ كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ . فَمَالِكٌ بَحَثَ فِيهَا فِي L293 مُوَطَّئِهِ بَحْثًا لَا يُعَدُّ لَهُ نَظِيرٌ فِي L293 الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ فِي L95 " الْأُمِّ " بَحَثَ فِيهَا نَحْوَ عَشْرِ أَوْرَاقٍ وَكَذَلِكَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي L431 كِتَابِ الْقَضَاءِ . وَلَيْسَ مَعَ الْكُوفِيِّينَ إلَّا مَا يَرْوُونَهُ مِنْ قَوْلِهِ : { الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } . وَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ فِي السُّنَنِ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَاهُ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْأَحَادِيثِ وَلَكِنْ فِي الصَّحِيحِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } وَهَذَا اللَّفْظُ إمَّا أَنْ يُقَالَ : لَا عُمُومَ فِيهِ ; بَلْ اللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْمَعْهُودِ وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْ لَيْسَ مَعَ الْمُدَّعِي إلَّا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى كَمَا قَالَ : لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ وَمَنْ يُحَلِّفُ الْمُدَّعِيَ لَا يُحَلِّفُهُ مَعَ مُجَرَّدِ الدَّعْوَى بَلْ إنَّمَا يُحَلِّفُهُ إذَا قَامَتْ حُجَّةٌ يَرْجَحُ بِهَا جَانِبُهُ كَالشَّاهِدِ فِي الْحُقُوقِ وَالْإِرْثِ فِي الْقَسَامَةِ إنْ قِيلَ : هُوَ عَامٌّ فَالْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ . وَاحْتِجَاجُهُمْ بِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الشَّاهِدَيْنِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ ضَعِيفٌ جِدًّا ; فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ دُونَ الْحُكْمِ بِهَا ; وَلَوْ كَانَ فِي الْحُكْمِ فَالْحُكْمُ بِالشَّهَادَةِ الْمُجَرَّدَةِ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى ذَلِكَ وَمَنْ حَلَفَ مَعَ الشَّاهِدِ لَمْ يَحْكُمْ بِشَهَادَةِ غَيْرِ الشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ . ثُمَّ الْأَئِمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ يُحْكَمُ بِلَا شَهَادَةٍ أَصْلًا بَلْ بِالنُّكُولِ أَوْ الرَّدِّ وَأَنَّهُ يُحْكَمُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي مَوَاضِعَ فَكَيْفَ يُحْكَمُ مَعَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُخَالِفِ لِلْقُرْآنِ ؟ فَكَيْفَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ؟ ثُمَّ مَالِكٌ يُوجِبُ الْقَوَدَ فِي الْقَسَامَةِ وَيُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا الْتَعَنَ الرَّجُلُ وَلَمْ تَلْتَعِنْ الْمَرْأَةُ وَالشَّافِعِيُّ يُقِيمُ الْحَدَّ وَلَا يَقْتُلُ مِنْ الْقَسَامَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُخَالِفُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَحْمَد يُوَافِقُ عَلَى الْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ دُونَ حَدِّ الْمَرْأَةِ بَلْ يَحْبِسُهَا إذَا لَمْ تَلْتَعِنْ وَيُخَلِّيهَا . وَظَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يُوَافِقُ قَوْلَ مَالِكٍ .